فرزند عمر
طبيب قلبية ـ ناقد أدبي ـ باحث في قضايا السلام
(Farzand Omar)
الحوار المتمدن-العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 23:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الثامن من ديسمبر كانون الأول أفاق العالم على مشهد أدهش البشرية برمته رغم أنه لم يكن فريداً، قبله شهد العالم سقوط بغداد، توأم دمشق التاريخي، مشهد اسقاط تماثيل الأب والابن في دمشق تكاد تكون نسخاً طبق الأصل لذاك المشهد الذي بقي حياً في ذاكرة المنطقة الى يومنا هذا، مشهد اسقاط تماثيل صدام.
تجمهر الجماهير الغاضبة، الحبل المدلى من عنق التمثال، كذلك الأزاهيج التي رافقته، الفارق بين المشهدين زمن من الدمار والألم والمعاناة، كذلك كانت مناظر الدبابات الأمريكية أحد أهم الأجزاء ضمن كادر المشهد.
في سوريا غابت الدبابة الأمريكية، الكل يعلم علم اليقين أن هناك دبابات لدول عدة واجب ظهورها في المشهد، لكنها اختفت من الصورة الملتقطة، يبدو أن لا أحد يرغب في توثيق وجوده ضمن الصورة غير السوريين أنفسه.
ماذا حدث؟
سؤال سيظل باحثاً عن إجابة، لا أحد مقتنع بالسيناريو الذي تم تقديمه، أن يستطيع 20 ألف مقاتل بأسلحة خفيفة ومتوسطة أن يسيطر على ما يزيد عن 100 ألف كم مربع خلال أقل من أسبوعين، لا أجوبة شافية من نوع السلطة المنهكة، أو توق الشعب السوري الجارف للحرية، أو تلك التبريرات المضحكة المضحكة أحياناً، أن سلطة الأسد أبت المواجهة حفاظاً على أرواح السوريين.
ما حدث في سوريا بالتأكيد يفرح الملايين، سقوط بشار بغض النظر عن اي شيء سيفرح السوريين حتى لو ان كل ما سياتي سيكون اسوء، نظام الاسد الاب و الابن ارتكبوا ابشع الجرائم التي عرفت عبر التاريخ، هذا ما لا يختلف عليه اثنان، لذلك فرح السوريين مفهوم تماما.
الذي حصل لن يعرفه يقينا اي شخص، هذا ما تم التخطيط له اصلا، لكن اظن ان ما حدث لم يكن ليحدث إذا لم تكن كل القوى ضمنيا متفقة مسبقا على هذا السيناريو، فاستحالة ما جرى بالأدوات التي تمت بها ظاهريا يؤكد ان خلف الاكمة شيء اريد له ان يكون مخفيا.
لن يحدث ما حدث دون موافقة الروس بكل تأكيد، كذلك لن يحدث باعتراض واضح من امريكا، حتى إيران كأحد أكثر الخاسرين ظاهريا يجب ان تكون موافقة، فالتسليم والاستلام الذي حدث يحتم موافقة النظام نفسه.
كذلك كل الطوائف السورية، ربما باستثناء الكرد هي ليست منزعجة، فالعلويون أكثر الفئات الممكن تضايقها، ردود الفعل لا تشي بذلك، فما حدث يجًّبُ اغلب ما قبله ان لم نقل كله، سيكون العلويون شاكرين فيما اذا تم التغاضي عما تم الارتكاب من مجازر مروعة بحق الطوائف الأخرى، على الأقل تمت ارتكابها باسمهم و بايديهم، كذلك العلويون أنفسهم تعبوا الى درجة القرف.
كل ما تم وما يتم يشي بشيء واحد ان ما حدث في سوريا أكبر مما هو على السطح، لذلك لا أحد يعلم ما هو الاتي، لكنه بالتأكيد لن يكون في صالح الشعب السوري، الشعب السوري هو الحلقة الاضعف.
بالعكس من كل المحللين الذين يرون ان روسيا أكبر الخاسرين، اراها اكبر الرابحين، كذلك اكاد اجزم انها من خططت لدلك بشكل شبه كلي، فلو تذكرنا موقف السعودية من خلال اوبك بلس والتي لعبت دورا مهما في صمود الروس في حربها الاستراتيجية في اوكرانيا، كذلك وقوف الامارات بالضد في اولى جلسات الامم المتحدة بالشأن الاوكراني، كذلك الهدنة الايرانية الخليجية التي أتت بإشراف صيني، كل ذلك يدعوني للتفكير ان هذه الهدنة كانت من احد متطلباتها انهاء دور الحرس الثوري الذي بات معروفا انه اصبح يشكل عبئا و تهديدا على الدولة الايرانية، التي اختارت رئيسا اصلاحيا مؤخرا، رغبة واضحة للاعتدال من قبل الدولة بالعكس من الحرس الثوري الميال الى التطرف.
إذا ما اضفنا الى ذلك ما حدث لحماس وحزب الله، كبداية لاجتثاث الحرس الثوري الذي يستمر عبر سوريا بموافقة الجميع.
بالتأكيد كان ذلك طلبا اسرائيليا، بإبعاد الحرس الثوري عن حدوده، اسرائيل التي هي بحاجة لشركة تامين بشكل دائم نتيجة عدائها المنفلت مع كل الجوار، اسرائيل التي بات على حدودها أضخم القواعد العسكرية للروس الذين اثبتوا للجميع انهم وصلوا الى درجة مهمة على مستوى التطور في صناعة السلاح، عدا ما يملكه اساسا من قوة نووية تخشاها كل البشرية
روسيا كجار لإسرائيل يعني شيئا واحدا ان الروس ممكن ان يكونوا كشركة تامين أفضل من الشركة الامريكية في حفظ الامن الاسرائيلي
روسيا لا تريد سوى الابقاء على قواعدها سليمة، لا يهمها مصير سوريا كلها، بل يمكن استخدام الاراضي السورية كأحد الفخاخ المتوقعة لأعضاء الناتو، اشد أعداء روسية، اذ أنه لا يخفى على احد ان تركيا تعتبر من اهم الاعضاء نتيجة الكتلة البشرية الممكن تقديمها في أي نزاع يمكن حصوله، تركيا التي لها بوصلة وحيدة ان تكون بالضد من أي كيان كردي ممكن ظهوره، فأي كيان كردي مهما كان صغيرا يشكل تهديد أمن قومي، الكرد المحميين من الامريكان، الأمريكان الذين يدركون جيدا ان اسرائيل لم تعد تلك الاداة المطواعة كما كانت في الازمنة الماضية، اسرائيل التي باتت جارا غصبا عنها للروسي الطامح في اخذ مكانة كأحد الاقطاب في العالم الجديد، لذلك كله روسيا تدرك ان امريكا ستستميت لإبقاء الاكراد ككيان ممكن انشاؤه و التحكم بهم بكل سلاسة، روسيا تعلم ماذا يعني ذلك للتركي الذي لا يود رؤية كيان كردي لو في الحلم، لذلك يفترض أن يكون هناك تضارب مصالح يستحيل حله الا بالتخاصم.
روسيا تعلم ان لا أحد سيهدد وجودها في سوريا، لكن لزيادة الضمان ستسمح لإسرائيل بالقضاء تماما على اي قوة عسكرية وبنية تحتية لاحتمال ظهور جيش سوري، كي تكون القواعد الروسية هي الملجأ الوحيد امام اي سلطة سورية لحماية سوريا من النهش.
روسيا التي بدونها لم يكن سيحدث ما حدث، فالحرس الثوري تم ترويضه تماما ان لم نقل انه في طور الانتهاء، هذه النتيجة المطلوبة من الخليج قبل اسرائيل، فالمنطقة بإجماليتها قد تعبت من سياسة ادارة الازمات التي كانت متبعة من قبل القطب الامريكي الاوحد
لذلك كله اظن ان أكبر الرابحين هي روسيا بعكس اغلب المحللين، بل اعتقد بأبعد من ذلك، روسيا تستولي الان على الادوات الامريكية الاتي كانت من خلالها تتحكم في الشرق الاوسط.
#فرزند_عمر (هاشتاغ)
Farzand_Omar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟