أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - هكذا - ج4 الهايكو وامبراطورية العلامات














المزيد.....

هكذا - ج4 الهايكو وامبراطورية العلامات


حسني التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


(4) هكذا (الجزء الرابع والأخير عن الهايكو من كتاب إمبراطورية العلامات).
تكمن مهمة الهايكو في إقصاء المعنى عند تشكيل خطاب مقروء (تناقض غير مقبول في الفن الغربي الذي يثابر من أجل ترسيخ المعنى من خلال تقديم خطاب يعتريه اللبس والغموض). لا يشبه الهايكو شيئًا على الإطلاق: هو نص بسيطً، واضح، مفعم بالبهجة والرقة - وفي كلمة واحدة، "شاعري"، إنه يطرح مجموعة متكاملة من الأشكال الجمالية التي لا تحمل معنى، إنه يشاكسنا حين يتخلى عن تلك الميزات التي منحناها له، ويعمد إلى تعطيل المعنى؛ الشيء الذي نعتبره غاية في الغرابة، وبذلك يجعل الهايكو تفسير النص - كممارسة طبيعية للغة - أمرا مستحيلا. لنتأمل النصوص التالية:
(1)
نسيم الربيع:
يمضغ الملاح ساق عشبه.
(2)
اكتمال القمر
على الحصير
ظل شجرة الصنوبر.
(3)
في منزل الصياد
رائحة السمك المجفف
والنار.
وأخيرا (وليس آخرا، فالأمثلة لا حصر لها):
تهب رياح الشتاء،
عينا قط
تومضان
مثل هذه الآشكال (تلك الكلمة الموسومة بالهايكو هي كجرح طفيف محفور على وجه الزمن) تحدد ما يمكننا تسميته بـ "الرؤية من دون تعليق". هذه الرؤية (الكلمة لا تزال غربية خالصة) في الحقيقة غاية في الخصوصية. لا يخدم الهايكو أيًا من الأغراض (فلا طائل مطلقا من ورائه) التي يصبو إليها الأدب، وأهمها (اقتناص المعنى)، فكيف له أن يقوم ببعض المهام كالإرشاد والتصريح والانزياح؟ على هذا النسق، تتصور بعض مدارس الزن التأمل في وضعية الجلوس كتدريب غايته ممارسة الطقوس البوذية، لكن البعض لا يقبل بهذه الرأي (الذي يبدو جوهريا): فغاية المرء من البقاء جالسًا هو " مجرد البقاء جالسا." "أليس الهدف من كتابة الهايكو (مثل كل الإشارات التي لا حصر لها والتي تميز الحياة الاجتماعية الحديثة في اليابان) هو " الكتابة " ذاتها؟
يخلو نص الهايكو من مهمتين أساسيتين في كتابتنا الكلاسيكية (البائدة): أولهما الوصف (ليس هناك وصف لسيقان عشب المراكبي وظل شجرة الصنوبر ورائحة السمك ورياح الشتاء، وقد خلت النصوص أعلاه من الدلالات والمعاني الأخلاقية التي تكشف عن حقيقة أو عاطفة ما : فالواقع لا يقبل المعنى؛ حتى الواقع لم يعد يتطلب معنى له)؛ وثانيا، لا يتحول التصريح إلى تلميح فحسب، عندما يكون مجرد إشارة، بل أيضًا إلى نوع من المظاهر الغريبة وغير الجوهرية للأشياء، كما تصفه إحدى حكايات الزن بطريقة لطيفة، حين يعرض السيد جائزة لمن يستطيع الإجابة على السؤال التالي: (ما المروحة ؟)، بالطبع ليس الفائز من يقوم بشرح إيمائي صامت وواضح لوظيفتها الأساسية (التلويح)، ولكن من يقوم بعديد من الإجراءات غير المألوفة ( كأن يغلق المرء المروحة ويحك بها عنقه، ثم يعيد فتحها، ويضع عليها كعكة صغيرة ويقدمها إلى السيد. ليس الوصف أو الشرح مهمة الهايكو (كما سأقوم، في نهاية المطاف، بتسمية أية صورة غير مترابطة وأي حدث من أحداث الحياة اليابانية بالشكل الذي يقدم نفسه لقراءتي)، يتضاءل الهايكو إلى أن يصبح لا شيء غير مسماه المحض الفريد. "هو ذاك، هو هكذا، هو كذلك، أو هو أفضل من : هكذا،" يقول الهايكو كل ذلك بشكل فوري ومختزل، (دون تردد أو تكرار). ليس المعنى سوى وميض أو شعاع من النور؛ كما يقول شكسبير: "عندما يخبو ضوء المعنى، يتجلى " النور الخاطف الذي يكشف العالم الخفي"؛ بينما يشع وميض الهايكو، لكن دون أن يكشف عن شيء؛ إنه وميض صورة فوتوغرافية يلتقطها المرء بعناية شديدة (بالطريقة اليابانية) دون أدنى اهتمام بتحميل الفيلم داخل الكاميرا. أو مرة أخرى: يعيد الهايكو استنساخ إشارة الطفل باتجاه شيء ما (لا يبدي الهايكو تحيزًا لموضوع)، وهو يقول: ذا! بحركة سريعة ولافتة (مجردة، إلى حد كبير، من أي وساطة: للمعرفة أو البحث عن مسمى للأشياء أو رغبة في تملكها)، إذن لا جدوى في الهايكو من تصنيف الموضوع: "لا شيء يتسم بالخصوصية،" هنا يتفق الهايكو مع روح الزن حين يمضي قائلا: لا يمكن تسمية الحدث وفقًا لأي تصنيف، فبدوائره الصغيرة المائزة: التي تشبه حلقة مزينة، يلتف الهايكو على نفسه، فالعلامة التي يتم رسمها، تُمحى: المحصلةُ لا شيء، يُلقى بحجر الكلمة لا لشيء: لا لإحداث موجات أو تدفقات للمعنى.
ملحوظة: نشر المقال في مجلة البيان الكويتية.



#حسني_التهامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحدث
- زخة هايكو
- نص بلا معنى - رولان بارت
- الهايكو وامبراطورية العلامات
- الهايكو ... موسيقى الصورة وشغف الحواس
- هايكو فلسطين
- شعرية الهايكو في ديوان -وثالثهما الريح-
- تاريخ الهايكو
- هايكو كلاسيكي
- الطريق الضيق إلى عمق الشماء ج3
- الطريق الضيق إلى عمق الشمال (ج2) .. ترجمة : حسني التهامي
- أضمومة هايكو
- الطريق الضيق إلى عمق الشمال - ماتسو باشو
- شعرية الصورة بين ثقافتين/ فجر الهايكو يبزغ على الغرب
- اللغة المجازية في الهايكو
- بنية الهايكو (التوريوازةToriawaise )
- خيوط قوس قزح تفقد ألوانها
- أشكال الحداثة في الهايكو العربي (سامح درويش إنموذجا)
- بيان الهايكو
- مقتطفان من بيان الهايكو


المزيد.....




- -أنخاب الأصائل-.. إطلالة على المبنى وإيماءة إلى المعنى
- -الأشرار 2- مغامرات من الأرض إلى الفضاء تمنح عائلتك لحظات ما ...
- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني التهامي - هكذا - ج4 الهايكو وامبراطورية العلامات