هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي
(Hani Alroussen)
الحوار المتمدن-العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الان وقد توقفت الحرب على الجبهة الشمالية بين حزب الله واسرائيل التي حققت لهذه الاخيرة هدفها بالفصل بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، دون ان يلوح في افق الاتفاق الثنائي ما يفيد بامكانية احداث تغيير في الاهداف الاسرائيلية على الجبهة الجنوبية، بل بالعكس فان كل التوقعات تؤكد ان ذلك سيسمح لاسرائيل بالتفرغ التام للتعامل معها باريحية اكبر من ذي قبل، فان السؤال الذي يدور على كل لسان هو هل ان حزب الله قد استنفذ فعلا كل الوقت الممكن لاستمرار مناورته العسكرية، وخرج في اللحظة المناسبة قبل الانهيار او الهزيمة الكبرى، ام انه اخطأ حساب توقيت الخروج، كما اخطأ في حسابات الانخراط بها زمنيا وفي الاسلوب ؟؟؟.
بداية لا يمكن لاي كان ان يزاود على الحزب الذي قدم خيرة ابناء صفه القيادي الاول وصفوة قيادته العسكرية شهداء في هذه المعركة في الوقت الذي لاذ فيه الجميع بالفرار، وسطر مقاتلوه في الجنوب اروع ايات الشجاعة والاقدام ولقنوا الجيش الاسرائيلي الذي يعد احد احدث جيوش العالم تسليحا وتدريبا دروسا في القتال والمواجهة والشجاعة وانتصروا عليه بكافة المقاييس بعد ان كبدوه خسائر فادحة في الارواح والمعدات.
والمرء لا يستطيع ان يختلف مع الشيخ نعيم قاسم فيما قرره من ان الحزب يقف اليوم امام انتصار اكبر من انتصار حرب 2006، خاصة وانه احبط استراتيجية الصدمة والرعب التي توختها القيادة العسكرية الاسرائيلية بالضغط على الرأس لتحطيمه قبل النزول لتفتيت الاطراف، وتمكن بزمن فائق السرعة من استيعاب الضربة القاتلة التي تلقاها قبل بداية الهجوم البري، واستعاد بعد نحو اسبوع توازنه ثم تولى زمام المبادرة في توجيه مسارات الحرب التي ارغمت في النهاية نتنياهو للقبول بوقف اطلاق النار دون ان يحقق بقية اهدافه التي كان قد اعلن عنها في وقت سابق على اندلاع المواجهة الواسعة مع الحزب.
نعم وباعتراف كل الاوساط السياسية والعسكرية، فان ذهاب اسرائيل للقبول بوقف اطلاق النار كان سببه الرئيس هو تحكم حزب الله في مسارات المواجهة، وفرض نسق من الاشتباك لم يكن بوسع الجيش الذي انهكته جبهة الحنوب ان يواكبه كما اكدت صحيفة لوفيقاروا ذلك نقلا عن ديفيد حلفا المدير المشارك لمرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والمسؤول عن "الاجتماعات الجيوسياسية" لمؤسسة جان جوريس، حسب تقرير كلوتيلد جيغوس للصحيفة، ووضعة لتل ابيب وكافة كبريات المدن الفلسطينية المحتلة تحت النار والاتجاه نحو قصف مراكز حيوية والحاق خسائر ضخمة فيها، وان ضغط بايدن لم يكن اكثر من اطلاق نيران لتغطية الانسحاب الاسرائيلي، ومن هنا يأتي السؤال عن السبب الذي دفع حزب الله للخروج من المواجهة في مثل هذا التوقيت، وفيما اذا كان ذلك ناجم عن خطأ في التقديرات والحسابات، ثم ما هي هذه الحسابات غير تلك التي يفرزها الميدان على حد تعبير الامين العام للحزب الحالي والامين العام السابق سماحة الشيخ الشهيد حسن نصر الله؟؟، الذي لم يفرز وفقا للكاتب حسين ابيش في هآرتس لاسرائيل سوى مزيد من الوهم والسراب كما انه لم يتم خلال هذه الحرب حل أي من الأسباب الأساسية للصراع بأي حال من الأحوال.
ولان اي من التفسيرات التي تستند الى بعض من جزئيات التاريخ او الابعاد العقائدية والايديولوجية قد لا تكون كافية لفهم مجريات الصراعات الكبرى والمصيرية - وان لم يكن من المنطق بشيء تغييبها نهائيا - فان موازين القوى والمصالح وحسابات الاقتصاد باستعمال القوة، في سياق فهم دقيق لطبيعة الصراع وحدوده تبقى هي اساس اتخاذ القرار بغص النظر عن صحته لان ذلك يتوقف على عمق ذلك الفهم، وهذا على الارجح ما يفسر قرار الحزب وحلفاؤه باتخاذ قرار وقف الحرب في توقيت قد يبقى مثار خلاف ونقاس لفترة طويلة.
وما يعزز مثل هذا الاعتقاد هو ان نتائج حسابات القوة المجردة، سواء منها القائم او المحتمل في المدى المنظور، هي بصورة مطلقة ستكون لصالح اسرائيل خاصة وان الاعلام الامريكي والعربي دفع باتجاه الرفع من منسوب الخوف مع عودة ترامب للبيت الابيض ونيته - على الاقل وفقا لخطابه الانتخابي- الوقوف غير المشروط مع اسرائيل، التي يرى ضرورة اعادة النظر في حجمها وجغرافيتها، الى جانب عدائه السافر لايران، وان السبيل الانجع لمواجهة ذلك يكون بالانحناء للعاصفة ومحاولة كسب مزيد من الوقت لاعادة ترميم القوة قبل انفتاح ابواب المواجهة الشاملة على مصراعيها من جديد.
وحتى لا نخوض في نقاش طويل وقد يبدو عقيما في تفسير دوافع القبول باتفاق وقف اطلاق النار، سنقفر الى القول بانه كان قرارا خاطئ ناجم عن عدم دقة في الحسابات التي على اساسها اتخذ، اذ قبل ان يجف الحبر الذي كتب به، جرت المسارعة لتحريك ما يسمى بالمعارضة السورية التي شنت هجوما واسع النطاق على مناطق ريف حلب، امتد بسرعة فائقة باتجاه ادلب وغيرها من مناطق سيطرة النظام السوري، الذي وجه له نتنياهو تهديدا صريحا في كلمته التي القاها للاعلان عن قبول اسرائيل بقرار وقف اطلاق النار.
وفي هذا السياق لا يمكن النظر في التداعيات التي سيتركها تحرك المعارضة السورية بهذه السرعة وعلى اقل اوجه التقدير، بعد سلسلة الغارات الجوية التي تعرضت لها سوريا وقيل حينها انها تستهدف مواقع ايرانية ومراكز نقل اسلحة لحزب الله على امتداد العام المنصرم الا انها ستوفر لاسرائيل حرية عمل اوسع في الساحة السورية، وانها ستضع النظام هناك في حالة من التهديد الوجودي، ستدفع حزب الله للانخراط فيها مجددا، لاشغاله عن الجبهة الشمالية تماما وانهاكه والقضاء عليه لاحقا كلاعب في المعادلة اللبنانية، وانهاء دوره في معادلة ايران الاقليمية، كما انها ستغري اسرائيل للذهاب ابعد في محاولة اسقاط النظام السوري نفسه بعد ان تتأكد من القدرة على احتواء تداعيات ذلك، اذ تتخوف الاوساط الامنية الاسرائيلية من ان تؤدي المبالغة في الاسراع باسقاط بشار الاسد الى فوضى قد تشكل على المدى البعيد تهديدا امنيا لاسرائيل.
من هنا فاننا نختلف مع سماحة الشيخ نعيم قاسم الذي قال في خطاب اعلان النصر، ان موافقة الحزب على وقف اطلاق النار قد اسقطت مخططات نتنياهو لتغير خارطة الشرق الاوسط، ونميل اكثر لرؤية سكوت ريتر ضابط المخابرات الامريكية السابق الذي نشر على صفحته في منصة × ان الهجوم على حلب الذي نفذته جماعات إسلامية متحالفة مع تركيا جاء في اطار خطة استراتيجية بين إسرائيل وتركيا، بدعم من الولايات المتحدة، لقطع طريق الإمداد من إيران إلى حزب الله، وتهديد استقرار أو إسقاط نظام الأسد، مما يضطر روسيا إلى تحويل مواردها من أوكرانيا التي قدمت مستشارين لجماعات المعارضة السورية الى سوريا للحفاظ على نفوذها فيها.
وبغض النظر عن وجاهة طرح ريتر لاسباب تحرك المعارضة السورية الذي يضعه في سياق الضغط على روسيا لتخفيف ضغطها على اوكرانيا، فان اسقاط النظام السوري واخراج روسيا من سوريا واعادة رسم جغرافية الاقليم السياسية، يعتبر من الناحية الجيوسياسية بالنسبة لامريكا اهم بكثير من كسب الحرب باوكرانيا، بل ان المحافظة على ربط اوروبا بنفط الشرق الاوسط وعزل محاولات موسكو لاختراق اوروبا اكثر جدوى في اطار استراتيجيتها لاحتواء النفوذ الصيني فضلا عن الروسي من كسب الحرب في اوكرانيا.
وعليه فقد لانجانب الصواب ان قلنا ان قرار الحزب بوقف اطلاق النار جاء في توقيت خاطىء او غير دقيق، وانه لن يجنب الحزب محاولات القضاء عليه، كما انه لن يجنب ايران نفس المحاولة وان القتال هذه المرة سينتقل الى الجبهة التي قد لا تتألم فيها اسرائيل وتكون الكلفة فيها اقل بكثير مما كانت عليه، مع بقاء نفس الاهداف وثباتها لان المواجهة ابعد نطاقا من كل الاقليم.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام والجيوبوليتيك في جامعة منوبة
#هاني_الروسان (هاشتاغ)
Hani_Alroussen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟