أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - المطبعة التي لم تصل: انغلاق رجال الدين يعيق تقدم المجتمع














المزيد.....

المطبعة التي لم تصل: انغلاق رجال الدين يعيق تقدم المجتمع


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8177 - 2024 / 11 / 30 - 22:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لن نمل من تذكير إنسان العالم العربي الذي ما زال يرزح تحت وطأة تحالف السلطتين السياسية والدينية، بأن السبيل الوحيد للخروج من حالة التخلف التي يعاني منها عالمنا العربي يكمن في التحرر من الهيمنة والوصاية التي طوقته على مر العصور. فهذه الوصاية، التي امتدت عبر القرون، جعلت من الإنسان العربي مجرد كائن مهمل في عالم يشهد تطورًا غير مسبوق. في ذات الوقت الذي أصبح نظراؤه في العالم المتقدم هم مركز الحياة والكون، ليس بفضل الحظ أو الصدفة، بل بفضل مسار طويل من الكفاح المستمر بين قوى العقل المستنير والمعرفة من جهة، وقوى الأنظمة القديمة المتحجرة من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، نتوقف في هذا المقال عند حلقة محورية من تاريخ البشرية وذلك حينما تم اختراع آلة المطبعة التي ستغير شكل العالم إلى الأبد، حيث في تلك اللحظة التي كانت فيها المطبعة، أداة التنوير، ونقطة تحول جعلت الإنسان الذي سعى وراء المعرفة مركزًا للعالم، كان العالم الإسلامي يشهد تراجعًا مهولًا نتيجة انتصار قوى التخلف المعرفي التي عملت على إبقاء إنسانه في قاع الجهل والانغلاق.

اختراع المطبعة بين التنوير وظلام الاستبداد

على مر التاريخ، كانت المعرفة هي القوة التي تدفع الشعوب نحو التقدم، وكانت أدوات نشر هذه المعرفة من أهم عوامل النهضة الحضارية. فعندما اخترع يوهانس جوتنبرج المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر، دخلت أوروبا عصرًا جديدًا، حيث أُتيحت الأفكار لجماهير واسعة، وأصبح للعلم والتنوير أساس متين. وفي المقابل، كان رفض العالم الإسلامي للمطبعة علامة واضحة على انغلاق فكري طويل الأمد ساهم في تأخره عن ركب الحضارة.

المطبعة: المحرك الذي أعاد تشكيل العالم

كان للمطبعة دور جوهري في دفع أوروبا نحو عصر النهضة والتنوير. حيث جعل هذا الاختراع الكتب متاحة لجماهير كبيرة بعد أن كانت حكرًا على النخبة، مما أدى إلى انتشار الأفكار التي قادت إلى تغييرات جذرية. فَكُتُب مثل رينيه ديكارت، الذي دعا إلى العقلانية والتشكيك المنهجي، وأعمال جون لوك، الذي أسس لمفهوم الحقوق الفردية والحرية، وفولتير، الذي حارب الاستبداد السياسي والديني، كلها وصلت إلى جمهور واسع بفضل الطباعة.

كما أسهمت المطبعة في نشر أفكار جان جاك روسو، الذي دعا إلى المساواة والعقد الاجتماعي، ومونتسكيو، الذي قدم مفهوم فصل السلطات كأساس للحكم العادل. هذه الأفكار أسست لعصر التنوير الأوروبي، حيث بدأت المجتمعات تضع العقل والحرية في مركز اهتماماتها، مما أدى إلى انهيار القيود القديمة التي فرضتها الكنيسة والأنظمة المستبدة.

وبينما كانت أوروبا تعيش هذه الثورة الفكرية والمعرفية، كان العالم الإسلامي يرزح تحت عبء الجمود الفكري.

تحريم المطبعة: فتوى ضد المعرفة

وصلت المطبعة إلى الدولة العثمانية بعد وقت قصير من اختراعها، لكنها قوبلت برفض صارم. فلقد أصدر رجال الدين العثمانيون، فتاوى تحرّم استخدام المطبعة بحجة أنها "بدعة مضلة" تفسد اللغة العربية وتحمل خطر نشر الأفكار المخالفة للدين.

هذا الرفض لم يكن فقط نتاج جهل أو سوء تقدير، بل كان انعكاسًا لتحالف قوي بين رجال الدين والسلطة السياسية.
فلقد أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، في ذات الوقت الذي سمح لليهود والمسيحيين إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية شريطة عدم استعمال الحروف العربية. أما الأزهر فلقد أصدر بعض علمائه فتوى بتحريم طباعة الكتب الشرعية، بدعوى كونها تحرف العلوم.

عواقب غياب المطبعة عن العالم الإسلامي

أدى غياب المطبعة إلى عواقب وخيمة على المجتمعات الإسلامية، أبرزها:

1. الجمود الفكري: ظلت المعرفة في العالم الإسلامي محصورة بين النخبة، ما أدى إلى تراجع الحركة الفكرية، في الوقت الذي شهدت فيه أوروبا ثورة معرفية بفضل الطباعة.
2. التأخر العلمي: حُرِم العلماء المسلمون من الاستفادة من الكتب الأوروبية الحديثة، مما جعل العالم الإسلامي يتخلف عن التطورات العلمية.
3. العزلة الثقافية: ظل العالم الإسلامي معزولًا عن التطورات الفكرية التي اجتاحت أوروبا، مما أدى إلى اتساع الفجوة الحضارية بين الجانبين.

رجال الدين ومعارضة الابتكار

لم يكن تحريم المطبعة سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة من معارضة رجال الدين للابتكار. في وقت لاحق، وُوجهت تقنيات مثل التلغراف والكهرباء وصولا للتلفاز وحتى الإنترنت وغير ذلك مما يصعب عده برفض ديني مماثل.

إن رجال الدين يرون في كل ابتكار تهديدًا لسلطتهم، حيث إن نشر المعرفة يعني بكل تأكيد إعطاء الأفراد أدوات للتفكير النقدي، مما يؤدي حتما إلى تراجع الهيمنة الدينية والسياسية على المجتمع.

دروس النهضة الأوروبية

كانت المطبعة رمزًا للتحرر من القيود الفكرية، وأداة لإعادة تشكيل المجتمعات. بفضلها، استطاعت أوروبا أن تحقق تقدمًا هائلًا، حيث تم الفصل بين الدين والسياسة، وأصبح العلم في مقدمة الأولويات.

لكن في العالم الإسلامي، كان رفض المطبعة يعكس أزمة أعمق، وهي الانغلاق الفكري والجمود الذي فرضه تحالف رجال الدين مع السلطة السياسية.

نحو مستقبل أكثر إشراقًا

إن أزمة المطبعة ليست مجرد قصة تاريخية، بل درس مستمر يجب أن يُستفاد منه. فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ما لم يتحرر من القيود التي تفرضها القوى التقليدية. إن الدين يجب أن يكون مصدر إلهام روحي وأخلاقي، لا أداة للسيطرة على العقول.

نستطيع أن نقول جازمين أنه فقط عندما يتبنى العالم الإسلامي الانفتاح على العلم والابتكار، يمكنه أن يستعيد دوره الحضاري ويعود للمساهمة في تقدم البشرية.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحب نكتب: سر الحياة وملاذ القلوب
- التعليم في مصر والعالم العربي: يجب نسف أسلوب التلقين
- كهف أفلاطون ومأساة المستنير في كل العصور
- في الحداثة .. مساهمة شرقية قديمة
- لا أوْلويّة تسبق أولوية التعليم والبحث العلمي
- العقل المحرر يرفض الأوهام والخرافات!
- على هامش مباراة السوبر.. من شعب مصر: شكرا دولة الإمارات
- عن منتخب مصر.. الخسارة المحزنة والفوز المفرح.. نظرة تحليلية!
- هل يشهد مطار القاهرة قداس صلاة!؟
- قداس صلاة بمطار القاهرة الدولي!
- أزمة الدولار في مصر ومبادرة النائبة غادة عجمي
- النادي المصري بفيينا يستعيد القمة!!
- عبر الحوار المتمدن ... دعوة لنواب المصريين بالخارج للم الشمل ...
- حول مستشفى مجدي يعقوي .. سؤال يعكس عمق الأزمة!!
- -فصل- النهضة التونسية
- بمصر ...أزمة نقابة الصحفيين تكشف أزمة أعمق
- الجزيرة والقرضاوي ومجازر حلب
- دلالات رفع علم السعودية في ذكرى تحرير سيناء! !
- بالنمسا ..- تيران وصنافير - تركية سورية
- ألا يكفيني عقابا أني لست إسرائيليا!!؟


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة.. نزلها على جهازك الرسيفر وتابع كل جديد ...
- -كمين- لقوات تابعة للحكومة السورية يتسبب في مقتل 23 مسلحاً د ...
- الفاتيكان يتخلى عن تقليد رداء البابا الذي يعود إلى قرون مضت ...
- إسرائيل تعود إلى سياسة -فرّق تسد- الطائفية لتفكيك سوريا
- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ومتع أطفالك بأحلى الأغا ...
- سامي الكيال: ما حصل في سوريا هو هجمة منظمة على الطائفة الدرز ...
- بالفيديو.. -بلال فيتنام- يصدح بالأذان بأكبر مساجد هو تشي منه ...
- -فخ إسرائيلي- للإيقاع بدروز سوريا... وكراهية الإسلام أضحت -ع ...
- القدس في أبريل.. انتهاكات غير مسبوقة للاحتلال في المسجد الأق ...
- الأردن: أحكام بالسجن 20 عاما ضد متهمين في قضية مرتبطة بالإخو ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - المطبعة التي لم تصل: انغلاق رجال الدين يعيق تقدم المجتمع