نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8177 - 2024 / 11 / 30 - 16:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صباح الخير،
ما يحصل اليوم في هجوم تحالف ميلشات "النصرة" و "الجيش الوطني" يشكّل انتهاكا غير مسبوق لما رسمته خارطة "السيطرة الجيو ميليشاوية" التي نتجت عن حروب إعادة تقاسم الحصص بين ٢٠١٥ ٢٠١٩، بقيادة الولايات المتّحدة، والتي رسمت حدود مواقع حصص السيطرة الأمريكية والتركية و "الإيرانية الروسية - السورية "!.
هجوم بعض ميليشات "الجيش الوطني" المتحالفة مع ميليشيا الجولاني، وسعيها لاوّل مرّة منذ مطلع ٢٠٢٠ لتغيير حدود خارطة السيطرة القائمة على حساب حصّة النظام السوري وفي مواجهة جيشه، بالدرجة الأولى، وتحقيقها بعض المكاسب الاؤليّة، يأتي بفعل وفي سياق عاملين رئيسيين، تركي وإيراني، وفي ظل غياب دور روسي فاعل في عواقب غزو أوكرانيا في شباط ٢٠٢٢ !
أوّلا ،
في طبيعة العامل التركي.
صحيح انّ حدود خارطة حصص السيطرة في نهاية ٢٠١٩ قد فرضتها طبيعة موازين القوى العسكرية والسياسية التي لم تكن لصالح النظام التركي، وسعى دائما لكسر قواعدها التي ترتبط بحدود قسد، لكنّها لم تكن لتستقر وتستمر حتى يوم الأربعاء الماضي عند بدء الهجوم الحالي لتحالف النصرة وفصائل الجيش الوطني لولا توافقها بالدرجة الأولى مع مصلحة الولايات المتّحدة التي نجحت حربها ضد داعش في اقتطاع ما يعادل ٢٥% في أفضل مواقع السيطرة الإقليميّة، وعملت بعد ٢٠٢٠ على خطوات وإجراءات تأهيل قسد على حصّتها في سياق تسويتها السياسية الخاصة، وقد كان العامل السوري الرئيسي في نجاحها هو تقاطع أهدافها وإجراءاتها وتزامنها مع ما يقابلها على صعيد إعادة تأهيل سلطة النظام السوري، وقد كان من الطبيعي أن ينتج عن هذه الصيرورة توافق أمريكيّ قسديّ سوري ( إيرانيّ)، في مواجهة تطلّعات النظام التركي السياسية، وكان من الطبيعي أيضا أن يبحث النظام التركي عن أوراق ضغط لمعاكسة تلك الصيرورة، وصلت في الهجوم الحالي إلى درجة التجرّؤ على كسر قواعد السيطرة التي وضعتها واشنطن، وحمتها مصالح الأطراف الأخرى، وضعف التأثير الروسي .
وهنا يصبح من المفيد إدراك طبيعة عوامل توقيت الهجوم في حيثيات ودوافع سياسات المواجهة التركية .
تحقق نجاح جهود الولايات المتّحدة على الصعيد السوري، وبات كانتون قسد "إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي"، بفضل تقاطعه مع مصلحة سلطة النظام السوري، التي شكّلت موضوعيا الشريك الذي لا غنى عنه لإنجاح جهود تأهيل قسد، فوجدت في آليات تأهيلها فرصة تاريخية لإعادة تأهيل نفسها داخليّا وعلى الصعيد الإقليمي... وتجاهلت أهميّة العمل على حل سياسي شامل، هو الطريق الوحيد لإعادة تأهيل العلاقات والمصالح المشتركة بين السوريين، وعواقب ما ينتج عن تغييب هذا المسار ، وقد كان هذا الهجوم أكثرها خطورة !
تحقق أهداف تأهيل الكانتون أيضا بفعل تقاطع النتائج والإجراءات مع مصلحة النظام الإيراني، الذي وجد في إعادة تأهيل سلطة النظام السوري على مناطق سيطرته فرصة تاريخية لتثبيت آليات وجود دائمة، عمل عليها بكل ما يستطيع دون مواجهة معارضة أمريكية، طالما لم تكن تتعارض مع أهداف وسياقات مشروع تأهيل قسد الأمريكي .
العقبة الرئيسية التي منعت استقرار مواقع وآليات التسوية السياسية الأمريكية وفقا لمقاطع جهود ومصالح الولايات المتّحدة وقسد وسلطة النظام السوري ( الإيراني ) وشكّلت نتائجها أحد أسباب التفجير الحالي ، تمثّلت في تعارض النتائج- تثبيت سلطة قسد على الحصة الأمريكية وسلطة النظام على الحصّة الإيرانية - مع مصالح وسياسات تركيا و("إسرائيل"، رغم اختلاف الأسباب والدوافع) ! مصلحة تركيا تتوافق مع حل سياسي شامل، يفكّك سلطات الأمر الواقع، وفي مقدمتها قسد، ويوجد حل سوري لقضايا المهجرين و "الميليشيات" التي باتت عبئا سياسيا ووطنيا، لايمكن للنظام التركي التكيف مع وقائعه، أو تجاهل مخاطره على أمن تركيا القومي، وفي تقدّم تلك الصيرورة- التسوية السياسية الشاملة- أيضا مصلحة إسرائيلية لما توجّبه وتتضمّنه إنهاء الوجود العسكري الخارجي، والإيراني، في سوريا الجديدة !
المتابع لسياسات النظام التركي تجاه الملف السوري يدرك حجم الضغوط العسكرية والسياسية التي استخدمها النظام التركي تجاه واشنطن والنظام السوري، وكان يسعى لإقناع واشنطن بانّه يستطيع أن يشكّل البديل الافضل لقسد من منظور ضمان مصالح الولايات المتّحدة السورية، كما كان يسعى لإقناع دمشق أنّه يشكّل الشريك الأفضل لمواجهة مخاطر كانتون قسد، و من أجل إخضاع الميليشيات المعارضة لسلطته في إطار تسوية، تضمن لتركيا تفكيك كانتون قسد وحل مشكلة المهجرين.
المتابع يدرك أيضا فشل الجهود التركية تجاه النظام السوري وإدارة بايدن(١) ، وتصاعد المخاوف في أعقاب الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان وسوريا من مخاطر حصول صفقة "إسرائيل روسية أمريكية"، تُعزز جهود تثبيت سلطتي قسد والنظام ، على حساب مصالحه، وفي مواجهة مشتركة لجهوده السياسية، وقد فاقم مخاوف النظام التركي وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وتطلّعه للوصول إلى صفقة مزدوجة مع بوتين حول سوريا وأوكرانيا وتصاعد الصراع السياسي مع إسرائيل إلى درجات غير مسبوقة، عبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي التي تضمّنت في ظاهرة غير مسبوقة في سياسات إسرائيل الإقليمية دعم إسرائيل لقيام "كانتون كردي" في سوريا !
ثانيا ،
في طبيعة العامل الإيراني .
في سياق الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على المواقع الإيرانية في سوريا ، وفي أعقاب الحرب على حزب الله ، تعرّض النظام الإيراني الى ضغوط كبيرة لإعادة النظر في آليات سيطرته ، وما تتيحه من قنوات دعم وإسناد لحزب الله ، كما تعرّض النظام السوري لضغوط مختلفة في هذا الإتجاه ، زادت من مخاوف النظام الإيراني من نجاح جهود إسرائيلية وإقليمية ، تسعى لتفكيك العلاقات والتواجد الإيراني في سوريا . ضمن هذا الإطار ، وفي ضوء ما يمكن أن يكون قد أصاب الميليشيات اللبنانية والإيرانية من ضعف، يصبح مفهوما أن يتراجع دورها في مواجهة الهجوم ، ويصبح مفهوما أيضا أن تستغل القيادة الإيرانية ما تحققه القوى الميليشياوية المهاجمة من مكاسب أوّلية لإظهار اهميّة بقاءها، ومخاطر الاستغناء عنها ، في مواجهة الضغوط السورية !!
أعتقد أنّ هذا العامل المساعد في توقيت الهجوم لا يغيبب عن حسابات السياسات التركية ، وقد حدد ، ربّما طبيعة أهداف الهجوم، التي ركّزت على مواقع الجيش السوري بشكل رئيسي.
ثالثا ، استنتاجات اوّليّة .
١ في ضوء رؤيتنا لطبيعة تناقض سياسات تركيا مع سياسات واشنطن الديمقراطية( وهو ذو طبيعة استراتيجية )، وما نتج عنها ، خاصّة عجزها عن إيجاد تسوية سياسية مع النظام السوري، ومساعيها تجاه إدارة ترامب ، وتخوّفها من إمكانية تحالفه مع بوتين ونتنياهو، أعتقد انّ الهدف السياسي الرئيسي الذي تحاول القيادة التركية تحقيقه في تجيير لنتائج الهجوم هو الضغط على النظام السوري بالدرجة الأولى، وإدارة ترامب المقبلة ، ثانية ، لفرض مصالحها في صفقة سياسية قادمة ، باتت وشبكة في ضوء ما وصلت إليه الحروب الإسرائيلية من نتائج ، وما وصلت إليه الحرب الأوكرانية الروسية من مخاطر ، توجّب التوصّل إلى تسويات ، وصفقات سياسية .
التقسيم غير وارد باتا في سياسات النظام التركي، لاّنّه لايتضمّن حلولا للقضايا التي تواجه الأمن القومي التركي، بل على العكس، يفاقمها، ويخلق المزيد من التحدّيات.
٢ لايتحمّل النظام التركي وحده مسؤولية التصعيد ، وما ينتج عنه من خسائر فادحة على جميع الصعد والمستويات، خاصة البشرية والإنسانية!
يبدو جليّا حجم المسؤولية التي تتحمّلها إدارة بايدن بالدرجة الأولى، السياسية والأخلاقية والقانونية . ففي حرصها وسعيها وخطوات تسويتها السياسية لتأهيل سلطة قسد وإقامة قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة منعت قيام حل سياسي شامل، وفقا لمخرجات اللجنة الدستورية والقرار ٢٢٥٤، ومنعت بالتالي، في ما استخدمته من " العصا والجزرة " تجاه سياسات النظام المرتبطة بتوفير شروط تأهيل قسد، إمكانية نجاح جهودالنظام التركي للوصل إلى تسوية مع النظام السوري . هذا الاستنتاج لايغيّب بالطبع مسؤولية حكومة النظام ، خاصة عدم تقدير طبيعة المخاطر في تجاهل مساعي النظام التركي التصالحية ، وفي التنسيق حول مشروع قسد .
٣ سيكون في إصرار إدارة ترامب على عدم الإنسحاب من سوريا ،و بقاء الجيش الأمريكي كمظلّة حماية لقسد، وتنسيق المسار مع إسرائيل وروسيا ( كما تخشى القيادة التركية عن حق، وقد حصل ذلك سابقا في مؤتمر القدسي الأمني - صيف ٢٠١٩ ! )عواقب وخيمة ، ليس فقط على مقوّمات الكيان السياسي السوري، بل وعلى العلاقات الإقليميّة، و خلق بيئة مناسبة لبقاء وتمدد كل أشكال التطرّف والحروب ، وهو ما يبيّن طبيعة تقاطع المصالح بين سوريا وتركيا ، والمعضلة الرئيسية التي تواجه سوريا ، وجميع السوريين الذين من مصلحتهم منع التقسيم ، والعمل على قيام حل سياسي وطني شامل، كما يوضّح طبيعة التحدّيات الوطنية والإنسانية والقانونية التي تواجه الجميع ، وما ترتبه من مسؤوليات على السوريين في السلطة وخارجها!
--------------------------------------------------
(١)- من المؤسف أن لاتدرك القيادة السياسة التركية السبب الجوهري في سبب فشل جهودها تجاه واشنطن ، وما ينتج عنه من خيبات أمل و عقبات:
الهدف المركزي الاستراتيجي الأمريكي في تأسيس وديمومة وجود كيان سياسي " شمال شرق سوريا" وتحويله إلى قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة ليس " التحكّم " بالوجود الإيراني في سوريا وبسلوك الحكومة السورية ، كما يعتقدون، بل للتحكّم بعوامل الأمن القومي التركي بما يتوافق مع سياسات السيطرة الإقليميّة الأمريكية.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟