أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الباتع - إعدام صدام .. إحياء ميت















المزيد.....

إعدام صدام .. إحياء ميت


محمود الباتع

الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن إعدام صدام حسين مجرد تطبيق للقانون ولا إحقاقاً للعدالة التي كان أهل العراق أول من شرعها للإنسانية منذ أيام الملك حمورابي عندما قام بسن شرعتة المشهورة " العين بالعين والسن بالسن " فربما لا تكفي عيون وأسنان الرئيس الراحل وأعوانه جميعاً لتشفي غليل خصومه العراقيين وغيرهم من العرب وغير العرب. وهاهو الرجل قد مضى بكل له وعليه إلى ذمة الله بعد أن ذهب في ذمة التاريخ منذ سنين عندما سقطت حاضرة ملكه في ذلك اليوم المشئوم منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم يكن إعدامه إلا رصاصة الرحمة التي أطلقت على عصرٍ بأكمله قاد فيه صدام حسين دولةً اسبارطية نزقة لم تكن تتورع عن إزهاقِ آلاف الأرواح و خوض الحروب لأتفه الأسباب وأحياناً بدون أسباب. مات الرجل منذ زمن موتاً بطيئاً وعلى مراحل كل مرحلةٍ منها قتلت فيه شيئاً من لوازمه الشخصية والتاريخية بدايتها عندما استدعى الرئيس الراحل سكرات الموت بنفسه عندما أقدم في طيشٍ انتحاري على اجتياحِ دولة الكويت في عمليةٍ أردت ضمن ما أردته ذلك الوجه القومي العروبي الذي كان الرئيس الراحل مغرماً بأن يقدم نفسهُ كأحد أنبيائه الجدد إذ أقدم بدم بارد على اغتيال دولة عربية شقيقة لم يجد منها غير الأخوة والدعم والإسناد في تصرفٍ غريب لرسول قومي عروبي وهو يعلن على رؤوس الأشهاد كفره برسالته ويعمد إلى إحراق كتابه القومي المقدس دون أن يرف له جفن، والحقيقة أنه لو لم يقترف الرجل غير هذا الذنب لكفاه عن الذنوب جميعاً، لتتوالى جرعات الموت البطيء تباعاً تحت وطأة الحصار الطويل حتى كان الغزو والاحتلال لتسقط دولته ويقتل أبناؤه ويتشرذم أنصاره ومؤيدوه حتى لفظ أنفاسه سياسياً وتاريخياً في تلك اللحظة التي ألقي فيها القبض عليه واعتقل على تلك الهيئة الرثة التي رأيناه عليها.

إن كانت تستحق أن تحمل صفة الخطيئة، لم تكن الدجيل على الإطلاق أكبر خطايا الرجل فقد كانت عبارة عن محاولة اغتيال لرئس جمهورية دبرها بلد أجنبي يخوض معه حرباً ضروساً قامت بتنفيذها جماعة محظورة معارضة لذلك الرئيس، وكان أن فشلت المحاولة لتتعامل الدولة مع منفذيها كما تتعامل أي دولة مع منشقين لهم ارتباط معادي حاولوا قتل الرئيس، اعتقال وتحقيق ثم محاكمة فإعدامات تلاها تجريف بساتين لأسباب أمنية لزمها دفع تعويضاتٍ للمتضررين. هذه هي الصورة المجردة لما جرى في الدجيل وهو أمر يمكن حسبانه رد فعلٍ عادي وطبيعي من دولة تعرض رئيسها للاعتداء.

من المفيد أن نتذكر كيف كان رد فعل الولايات المتحدة على ما قيل أنه محاولة اغتيال للرئيس الأميركي جورج بوش الأب في الكويت وكان قد أصبح رئيساً سابقاً وكيف اتجهت أصابع الاتهام إلى العراق وقتها بالوقوف ورائها، لتقوم الجيوش الأميركية بإمطار مدينة بغداد بوابل كثيف من الصواريخ الموجهة حاصدة أرواح المئات من العراقيين الأبرياء بذنب رئيسهم الذي اتهم دبر محاولة اغتيال رئيس أميركي سابق ! كما من المفيد أيضاً أن نذكر منظر كل من رجلي العدالة قاضيي كل من الدجيل والأنفال كل على حدة وهما يستشيطان غضباً على المتهم صدام حسين مرة وعلى أخيه برزان مرة أخرى بعد أن ضاقا ذرعاً بأحاديثهما السياسية فيأمر كل منهما والشرر يتطاير من عينيه بطردهما تباعاً من قاعة المحكمة. فإذا لم يكن في حلم وحكمة القاضي متسع لسماع مجرد كلمة من متهم داخل القفص، فكيف برئيس دولةٍ في حالة حرب مع متمردين يريدون قتله.

إذا سلمنا جدلاً أن شيئاً من العدالة هو ما أوجب إعدام صدام وبرزان وعواد البندر، فهل يجوز أن نشهد يوماً وبنفس منطق هذه العدالة مثول كل من بوش ورامسفيلد الذين أزهقوا من أرواح العراقيين ما يقارب المليون أمام تلك المحكمة وذلك القاضي، وهل كان القضاء العادل ليحكم بإعدامهم ؟ وهل دار في خلد القاضي رؤوف رشيد وهو ينطق بإعدام قاضٍ زميل له أصدر حكماً قبل ربع قرن على متهمين في جريمة تقع تحت طائلة القانون الساري في حينه أنه قد يقف موقفه يوماً ما، وهل سيجد ما يكفي وقتها من الأسانيد القانونية والأخلاقية لدفع حبل المشنقة بعيداً عن عنقه؟ وهل يعتقد أعضاء الفريق الحاكم الآن في العراق وفي ظل ثقافة الانتقام والتشفي التي يساهمون في إذكائها أنهم في منأى عن مصير ذلك الرجل الذي استبدت بهم الفرحة بشنقه وبتهم ربما هي أشد فظاعة من التي وجهوها إليه؟

مهما قيل ويقال عن شرعية المحكمة من عدمها وعن جور الحكم أوعدالته، فلا يمكن فصل إعدام الرئيس العراقي عن سياق الهدف الأميركي الذي بات واضحاً في تمزيق العراق طائفياً ومذهبياً، فما أراد المحتل إبرازه للعامة هو أن دكتاتوراً سنياً قام بقتل مجموعة من مجاهدي الشيعة وهاهو يلقى جزاءه العادل على ما اقترفت يداه بحقهم، ولم يكن اختيار التنفيذ فجر يوم العيد الأكبر إلا إذكاءً للحساسية الدينية التي يصر المحتلون على استفزازها. لقد كانت تلك الهتافات بحياة رموز التيارات الشيعية في وجه من أريد له أن يكون رمزاً سنياً وهو يودع الدنيا أمراً لا معنى له في ذلك المقام إلا كونها موظفة بعناية في هذا الاتجاه البغيض.

كانت فاضحةً دعوة المالكي رئيس الوزراء العراقي بعد ساعات من تنفيذ الإعدام إلى أنصار صدام حسين للانخراط في العملية السياسية فعلى ما يبدو أنه اعتبر أن موت الطاغية هو نهاية المطاف بعد أن أخذ الثأر وتم التشفي وانتهى الإشكال، ويبدو أنه وهو المنشغل بإحصاء الجثث المجهولة يعتبر أن البلد قد بلغ المنى وحقق المراد بموت الرئيس وليس دنس الاحتلال ولا فظاعة الموت العشوائي ولا بؤس تمزق الوطن إلا بعض التفاصيل، ولا عزاء للأيتام والأرامل والمروعين !

لا يمكن إغفال حقيقة أن ظاهرة صدام حسين هي نتاج ما حاق بالعراق من ثقافة الدم التي أنتجتها مسلسلات انقلابية كانت مضرجة بالكثير من الدماء على امتداد تاريخه الحديث بدءاً من الإطاحة بالملكية وإبادة رموزها ووصولاً وليس انتهاءً إلى محكمة الدجيل مع كل ما يجري الآن في العراق من فظائع أفرزت جميعها على مدى عقود أحقاداً وعداوات سياسية فكرية وقبلية عشائرية وها هي الآن طائفية مذهبية كان فيها صدام حسين إحدى حلقاتها حتى أبت الحماقة الأميركية إلا أن تميته شهيداً وتخلد ذكراه كبطل.

سينسى التاريخ الدجيل كما سينسى استبداد الرجل ولن يذكر إلا ذلك القائد العراقي العربي الذي أعدمه الغزاة لأنه وقف ليقول كلمة حق في وجه الجائر المحتل وكان من الشجاعة بحيث يهزأ بخصومه الشامتين وحبل المشنقة في عنقه في سخريةٍ لاذعة وتساؤلٍ استنكاري مهين "هل هذه هي الرجولة ؟" في درسٍ أخير أصر فيه وهو يقدم على الموت بثباتٍ وهدوء عجيبين أن يثبت لقومه أنه كان أكثر شجاعةً ورجولة من جلاديه.
لن يمحى سريعاً مشهد السقوط الشهير لتمثال الرئيس في ساحة الفردوس بعيد دخول الأميركان إلى بغداد في رمزية غير خافية لسقوط دولة الاستبداد والدموية، ولكن بشيءٍ من التأمل نلمح أمراً لا يقل رمزية، إذ بعد سقوط جسد التمثال بفعل تلك الدبابة الأميركية بقيت أقدامه مغروسة في القاعدة الصخرية التي كان يقف عليها متشبثاً بتلابيب الأرض يأبى أن يتركها دون أن يتم نسف تلك القاعدة بكل ما عليها .. ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .
ولكم مودتي !



#محمود_الباتع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهويمة العيد والعام الجديد
- المرأة المفترية .. والرجل المفترى عليه
- ربوني .. وبعرف أهلي
- الرجل متوحش ولكن .. لماذا تتوحش المرأة ؟
- شرَّعتُ قلبي
- الجزيرة .. من الكافيار إلى الخبز
- فضيلة العجرمة
- أنا إسرائيلي مسالم
- مي زيادة بدون جبران
- فضوها سيرة
- على بلاطة
- لا أريد
- رجلٌ بِرَهْن الإنكسارْ
- حذاء المرأة
- آن لنا أن نعرف
- يا كلمةً هناك
- عزيزتي الأنثى ... كوني امرأة
- إسرائيل بعد الحرب
- هذيان
- بدولار إيمان لو سمحت


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الباتع - إعدام صدام .. إحياء ميت