محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 16:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة/ محمد ناجي
https://euvsdisinfo.eu/uploads/2021/10/Stalin-over-Moscow-1200x675.webp انظر الصورة
قبل 30 أكتوبر ، يوم ذكرى ضحايا القمع السياسي في روسيا ، تحدث موقع EUvsDisinfo مع ألكسندرا بوليفانوفا ، عضو مجلس إدارة منظمة "ميموريال"(1) الدولية غير الحكومية . وهي مقيمة في موسكو وعملت مع ميموريال لسنوات عديدة .
https://static.dw.com/image/63372131_1004.webp انظر الصورة مكتوب : المكتب مغلق
في عام 1991 ، أصبح يوم 30 أكتوبر يوماً وطنياً في روسيا بقرار من الحكومة . وكان للمنظمة غير الحكومية الروسية "ميموريال" ، حيث لعب أندريه ساخاروف ، الحائز على جائزة نوبل للسلام دوراً مهماً ومحورياً في توثيق القمع والمساعدة في تكريم الضحايا . وللمنظمة مجتمعات داعمة كبيرة جداً في جميع أنحاء روسيا تساعد من خلال التبرع ، أو من خلال العمل التطوعي أو من خلال أشكال الدعم الأخرى .
لكن في السنوات الأخيرة ، تعرضت منظمة ميموريال وغيرها من المنظمات غير الحكومية لضغوط من جانب السلطات الروسية ، التي وصفتهم بـ"العملاء الأجانب" في حملة تشويه سمعة مع محاكمات زائفة ومعلومات مضللة ، ورافق ذلك مؤخرا هجوم على مقر ميموريال في موسكو . ومن الأمثلة الأخرى هو المقاضاة والحكم على الباحث المستقل يوري دميترييف الذي أعاد ذكر أسماء الضحايا المجهولين : وهو الحُكم الذي انتقده الاتحاد الأوروبي أيضاً ، مطالباً بالإفراج الفوري عنه .
الهجوم على ميموريال ــ هجوم على الذاكرة
كما تقول ألكسندرا بوليفانوفا : "ميموريال هي منظمة شعبية عامة تعتمد على القيم التي توجد حقاً في المجتمع ، والتي تتعارض مع السياسة الحالية للدولة الروسية تجاه المواطنين . وأعتقد أن الحكومة الحالية تخشى مواطنيها أكثر من أي شيء آخر ــ دوافعهم وآرائهم وخياراتهم الانتخابية وأفعالهم المحتملة" .
عندما لا تستطيع إسكات الرسالة ، فإنك تهاجم هيبة ومكانة الرسول – ميموريال . تحتج ميموريال على تسمية "العميل الأجنبي" . ألكسندرا بوليفانوفا : "ميموريال بالتأكيد ليست عميلة لأحد . نحن نعمل من أجل المجتمع المدني الروسي الذي تخشاه الحكومة" . وهي تعتقد أن التشريع(2) أثر بشدة على العديد من المنظمات غير الحكومية . "أُجبرت بعض المنظمات غير الحكومية على الإغلاق . بالنسبة لأولئك الذين نجوا ، أصبح من الصعب جداً القيام بعملهم اليومي بسبب كمية هائلة من البيروقراطية الإضافية . علاوة على ذلك ، أصبح من الصعب جداً العمل مع المجتمع . ميموريال هي منظمة عامة . لدينا الكثير من التعاون مع الشركاء - المدارس والمتاحف والجامعات والمكتبات وما إلى ذلك ، وبالنسبة لكل هذه المنظمات ، يكاد يكون من المحظور العمل معنا . أخيراً ، الشيء الأكثر أهمية : هذا التشريع له تأثير رهيب على الناس ، وعلى المجتمع ، وعلى جو الثقة والاطمئنان في المجتمع . الناس ببساطة يخافون من كل شيء لم توافق عليه الدولة صراحةً . كثير من الناس لا يعرفون من يثقون به ، ولا يؤمنون ببعضهم البعض . إنهم يوقفون تفكيرهم النقدي" .
وقع الهجوم على المكتب الرئيسي لمؤسسة ميموريال في موسكو في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول أثناء عرض فيلم "السيد جونز" ، الذي يصور المجاعة في أوكرانيا ، بعد فرض ستالين نظام التجميع الزراعي القسري (الكولخوزات) . ويبدو رد فعل الشرطة غريباً : فلم يركز على البلطجية المهاجمين الذين فروا جميعاً ، والوجود الغريب لطاقم تلفزيوني من قناة (NTV) سيئة السمعة ، بل ركز على تفتيش مكاتب ميموريال القريبة والحصول على هوية أفراد الجمهور .
ارتفاع شعبية ستالين
يحدث كل هذا على خلفية الترويج البطيء ، ولكن المطرد لنظام ستالين في المؤسسات الثقافية الروسية الرئيسية وعبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة .
أدى إرهاب ستالين وقمعه إلى معاناة الملايين وفقدانهم لحياتهم . لم تنجُ عائلة روسية واحدة من عواقب النظام الوحشي للديكتاتور بطريقة أو بأخرى ، وغالباً ما كانت مميتة . ومع ذلك ، من المفارقات أن شعبية الديكتاتور ارتفعت بشكل ملحوظ ، كما هو موثق في استطلاعات الرأي المنتظمة ، التي تُجرى عاماً بعد عام : في مايو 2021 ، رأى 56% من المستطلعة آراؤهم أنه قائد عظيم - ضعف النسبة في عام 2016 .
ليس حباً ، بل من أجل تشكيل تصور جديد لستالين
إن الإدراك البشري ، المعقد كما هو الحال دائماً ، يتقبل التأثير والدفع المستمرين . وحتى لو تم توثيق جرائم ستالين منذ فترة طويلة ، بدءاً من "الخطاب السري" لخروشوف في عام 1956 ، فإن الذاكرة تبدو وكأنها تتلاشى . وقليل من الناجين قادرون على إخبارنا مباشرة كيف كان القمع يعمل في الممارسة العملية ، وكيف أدت الاعتقالات ، التي كانت تتم في كثير من الأحيان دون أي سبب وجيه ، والاستجواب العبثي ، والتعذيب ، والسجن ، ومعسكرات العمل ، إلى إهانة الإنسان .
بدلاً من الذكريات المباشرة ، يهيمن على الفضاء العام تدفق مستمر من الأفلام الوثائقية الدرامية الوردية والأفلام والبرامج التلفزيونية والأعمال الفنية والمعارض الكبرى المبهرجة عن ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين . وفي السنوات العشر الأخيرة ، يبرز ستالين بشكل متزايد كقائد مهم وقوي للدولة ، وضروري للحفاظ على الاستقرار ، ومرتبط بشكل مباشر بالمكانة الصناعية الفخورة للاتحاد السوفييتي ، وباعتباره الرجل الوحيد الذي ضمن النصر في الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) .
ويتضح مدى التقدم الذي أحرزته روسيا في العقد الماضي من خلال مثالين صغيرين : في عام 2009 ، نشأ نقاش عام حيوي حول ما إذا كان يمكن لمحطة مترو في موسكو أن تعرض في مدخلها مرة أخرى جملة واحدة تشيد بستالين - وهي عبارة مقتبسة من النشيد الوطني . وكانت النتيجة : لا ، غير مسموح . في عام 2015 ، وبعد مرور ست سنوات ، وبعد التعامل المستمر والتهيئة للتصورات العامة ، احتل ستالين مركز الصدارة في قاعة العرض الأكثر شهرة في موسكو ، مانيج ، بجوار الكرملين مباشرة في معرض بعنوان "تاريخنا 1914-1945" . إلى جانب معرض للواقعية السوفيتية الكلاسيكية يضم أكبر مجموعة من لوحات ستالين في العقود الأخيرة : ستالين في المطار الجديد ، ستالين مع الأطفال ، ستالين الأول بين نظرائه بينما يرقد جثمان لينين في حالة احتضار ، ستالين يهدئ مكسيم غوركي المحتضر ، ستالين يخاطب الحزب ، إلخ . باختصار : تم إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل خروتشوف 1956 .
تاريخنا - إنس معسكرات العمل (الغولاغ)
في معرض "تاريخنا" ، كانت اقتباسات ستالين هي السائدة ، وكذلك الثناء على قيادته . ولم يكن هناك سوى زاوية صغيرة مظلمة واحدة قدمت عرضاً هزيلاً ومتجهماً لنظام معسكرات الغولاغ ولكن لم يهتم به أحد . استحوذت عروض الفيديو المبهرة التي تصور الحياة الجميلة في الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين على كل الاهتمام . تم الترويج لرواية القلعة المحاصرة . في المقابلات المصورة ، قدم الشباب الروس ملاحظاتهم على المعرض : الآن فهموا التاريخ بشكل صحيح . إن هذا المعرض يُعَد مثالاً آخر على التمجيد بميثاق مولوتوف - ريبنتروب مع ألمانيا النازية باعتباره تحفة سياسية ، ولماذا ينبغي للاتحاد السوفييتي أن يكون مختلفاً في ظل وجود العديد من الدول التي أبرمت اتفاقيات عدم اعتداء مع ألمانيا النازية (وهي النقطة التي كررها بوتين أيضاً) ، وكيف ان بولندا كانت مسؤولة عن ذلك . هذا هو ما يحدث الآن . إن المعرض في صيغة رقمية ، ويمكن تكييفه بسهولة ، وقد تجول في أنحاء روسيا منذ عام 2013 ، وهو الآن معروض بشكل دائم في حديقة المعارض في موسكو VDNKh .
يمكن رؤية نفس نمط تقييم دور ستالين في المتاحف الحكومية الروسية الرئيسية التي تعرض القوات المسلحة الروسية ، أو انتصار الحرب العالمية الثانية ، أو الفترة من ثلاثينيات إلى خمسينيات القرن العشرين . وحتى لو لم يكن الغرض من ذلك هو تعزيز عبادة جديدة أو حب لستالين ، فإن النتيجة هي شعبية ملفتة للنظر .
قراءة أسماء الضحايا في 29 أكتوبر
تفخر ألكسندرا بوليفانوفا بأن منظمة "ميموريال" بدأت في عام 2007 تقليد التجمعات العامة في 29 أكتوبر/تشرين الأول ، حيث يتجمع الناس لقراءة أسماء ضحايا القمع السياسي . تقليد بسيط جداً ، ومهيب جداً . فقط الاسم وتاريخ الوفاة أو الاختفاء .
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/2d/Return_of_the_Names_29.10.2016_Moscow_%28A%29_01.jpg انظر الصورة قراءة اسماء الضحايا عند صخرة سولوفيتسكي
كانت المراسم في موسكو ، تقام في نصب سولوفيتسكي التذكاري ، الذي أقامته ميموريال في عام 1990 أمام جهاز الأمن NKVD ، الذي أصبح فيما بعد KGB ، والآن مقر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ، يستمر لساعات . وهذا في حد ذاته تذكير صارخ بحجم القمع الهائل .
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/7/7a/RIAN_archive_749019_Opening_of_monument_to_victims_of_political_repressions.jpg
انظر الصورة : القس غليب ياكونين يؤدي قداساً لضحايا القمع السياسي الستاليني أثناء إزاحة الستار عن حجر سولوفيتسكي في ميدان لوبيانكا ، موسكو ، في 30 أكتوبر 1990
موقع : الاتحاد الأوروبي ضد التضليل
من المترجم :
1 - أغلقت منظمة "ميموريال" ككيان قانوني في روسيا وتم تصفيتها في 5 أبريل 2022 ، وهي تواصل العمل في دولٍ أخرى ، لا سيما في ألمانيا ، حيث يوجد أقدم وأكبر فروعها خارج روسيا . في أكتوبر 2022 ، كانت ميموريال أحد ثلاثة فائزين بجائزة نوبل للسلام 2022 ، مع منظمة حقوق الإنسان الأوكرانية مركز الحريات المدنية والناشط البيلاروسي أليس بيالياتسكي ، وذلك لجهودهم في توثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة .
2- بموجب قانون صدر عام 2012 ، يمكن تصنيف أي مجموعة على أنها "عميلة أجنبية" إذا تلقت حتى مبلغا صغيرا من التمويل من مصادر غير روسية ــ وإذا شاركت في "نشاط سياسي".
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟