محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8163 - 2024 / 11 / 16 - 13:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة: محمد ناجي
مقدمة المترجم :
في أكثر من مناسبة ذكرت وكررت القول : إن الكلمة موقف ! ومع أن هذا القول صحيح ، لكنه لا يكتمل ويتضح إلا بتحديد المعيار الذي يقوم عليه ، أما معيار وموقف انساني ، وهو مهمش عربياً بالأمس واليوم ، أن لم يكن غائب ومغيّب عن عمد ، أو وهذا هو السائد عربياً : إن تنحدر الكلمة والموقف إلى الحضيض فتكون محض نفاق وتضليل و(ارتزاق تجاري - مصلحي ذاتي) . وسيبقى للكلمة في كلا الحالين ثمن ، والعاقل يفهم !
في الواقع هذا التقييم والتصنيف للكلمة والموقف يظهر بوضوح حيثما كان الاستبداد والطغيان في الزمان والمكان ، أي لا يقتصر على المشهد السياسي والثقافي العربي وحده ، لكنه أكثر حضوراً عربياً ، بسبب المساحة الشاسعة ، التي يشغلها الاستبداد في (المنظومة والعقل السياسي والثقافي العربي) ، ومن المعروف أن الكلمة الحرة هي أول ضحية في نهج الاستبداد فـ(إذا قال صدام قال العراق) !
وكما نكرر ماذكرناه سابقا في أكثر من مناسبة ، بأن أي قارئ ومتابع حصيف يعرف أن الطغاة يحذو أحدهم للآخر حذو النعل بالنعل ، وإن اختلف الزمان والمكان ، فلا فرق في الجوهر ، غير ظرف الزمان والمكان ، فنهج بوتين ، وهو موضوع الساعة ، مثل نهج ستالين وهتلر وموسوليني والقذافي وبشار وصدام ….. الخ .
ومع ما يتميز به عالم اليوم من سهولة في الحصول على المعلومات ، ومتابعة التطورات في مختلف مجالات الحياة ، إلا أنه في المقابل تطورت إمكانيات ووسائل الخداع والغش والتضليل للرأي العام ، وفي نهج ترامب وفوزه بالانتخابات الامريكية خير دليل . لهذا التحقق من صحة ومصداقية ما يتم نشره وتداوله في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ، يمثل قضية وموقف أساسي للمثقف والكاتب والإعلامي ، المؤمن بالدور الإنساني للكلمة ، وهذا يفرض عليه واجب البحث والتدقيق والاطلاع على آراء ومواقف مختلف الجهات والأطراف ، خاصة من المواقع الرصينة ، وهي متاحة لاطلاع القارئ والمتابع الحصيف ، لكي يتجنب أن يضع نفسه في موقف لا يحسد عليه !
********************************************************
https://euvsdisinfo.eu/uploads/2024/11/24_11_14_Putin-Valdai-Keeping-up-appearances_cover-1200x675.webp
على مدار الأسبوع الماضي ، ظهر زعماء وقادة مستقبليون في مختلف أنحاء العالم في الأماكن العامة ، تستحق بعض كلماتهم عن الآخرين التدقيق . ففي روسيا ، حيث يعتبر فلاديمير بوتين الشخصية المهيمنة في المنافذ الإعلامية ، التي تسيطر عليها الدولة ، يحتفظ الكرملين بجدول من الأحداث الرئيسية ، حيث يمكن للمعلم أن يصحح خط الحزب ويعزز الروح المعنوية العامة .
كان خطاب بوتين و"مناقشته" مع جمهور تم اختياره بعناية في نادي فالداي للنقاش ، الذي عقد في سوتشي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ، بمثابة حدث آخر لإظهار الثقة بالنفس ، وإزالة التركيز عن الاقتصاد المحلي ، واستبداله بقصة روسيا العظمى التي تلقي بظلالها على أوروبا المتدهورة والخبيثة .
تباهت منافذ الإعلام التلفزيونية الحكومية الروسية بأداء بوتين ، الذي استمر لمدة قياسية بلغت أربع ساعات وسبع دقائق . يبدو أن الأداء الطويل وحساب الساعات أصبحت معايير نجاح في حد ذاتها ، كدليل على ذكاء ورجولة بوتين البالغ من العمر 72 عاماً .
بعض النقاط الجديرة بالملاحظة والعديد من النقاط الفارغة
كان الأمر في الأساس عبارة عن ذخيرة كلاسيكية : الغرب غير نزيه وشرير تجاه روسيا ، ولكنه الآن في حالة انحلال . نظمت وكالة المخابرات المركزية انقلاباً في كييف في عام 2014 ، بينما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والسلطات الأوكرانية فاشيون/نازيون وغير شرعيين . لا تهتم روسيا بالعقوبات ، وهي تبلي بلاءاً حسنا بمفردها . أوكرانيا محكوم عليها بالخسارة ، وروسيا قوة عالمية وزعيمة أخلاقية لـ "الأغلبية العالمية" ضد الهيمنة الغربية .
بوتين ، على عكس العديد من المناسبات السابقة ، لم يتطرق إلى الاقتصاد الروسي ، حتى انه لم يذكر التضخم المحلي . يمكن للمرء أن يحاول تفسير هذا الإغفال بالإشارة إلى أن فالداي هو منتدى للأمن والسياسة الخارجية ، وليس الاقتصاد . ومع ذلك تحدث بوتين كثيراً عن مدى سوء الاقتصاد الأوروبي المفترض ، والمسار الاقتصادي الذي ينبغي للإدارة الأميركية الجديدة أن تسلكه . لذا ، فإن السبب الحقيقي لتجنب الحديث عن الاقتصاد الروسي هو ببساطة أنه ليس على ما يرام . فقد رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي إلى 21% ، وأشارت محافظة البنك نابيولينا إلى أن التضخم الاستهلاكي ينمو بسرعة بنسبة 20% أو أكثر . وتعمل مثل هذه الأحداث على تقويض العقد الاجتماعي الرئيسي الذي عقده بوتين مع الشعب : "أمنحكم الاستقرار والرخاء بينما تطيعون أوامري" . ويستغل بوتين المجد الوطني كغطاء سميك من الحلوى .
الرسالة الحقيقية حول العقوبات
غالباً ما يتحدث بوتين عن العقوبات . وقد ركزت العديد من المقاطع في سوتشي على مدى سوء العقوبات بالنسبة لأوروبا وبقية العالم ، ولكنها مفيدة للولايات المتحدة . في الواقع رسالة بوتين الحقيقية هي : "من فضلكم ، أيها الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع الكبرى وغيرها) ، ألغوا العقوبات" . وفي محاولته لمغازلة الجماهير العالمية ، وخاصة في أفريقيا والشرق الأوسط ، ينسى بوتين بسهولة أنه لا توجد قيود على الغذاء والزراعة والأسمدة وما إلى ذلك . كما أنه لا يذكر ايضاً قيود التصدير والحصص التي تفرضها موسكو لحماية السوق الروسية المحلية .
في معظم أنحاء روسيا ، وخاصة خارج مركز موسكو ، حيث توجد العديد من وسائل التسلية والتلهي عن الحرب ضد أوكرانيا ، تدور معظم التطورات حول الحرب . وتشمل الحديث عن إنتاج الأسلحة أو الخدمات أو كيفية تجنب العواقب السلبية للحرب ، مثل التجنيد ، أو تحويل الأعمال أو المهن إلى اقتصاد الحرب ، أو التجنيد للخدمة في الخطوط الأمامية . لقد ولت أيام الذروة والطفرة الاقتصادية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين . ولت الطموحات بأن تكون روسيا جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي ، حيث تتطور الفرص الجديدة والازدهار والإمكانيات للجماهير بلا نهاية كل عام . حتى قصص سرقة الزبدة توضح المشاكل المحلية .
الأمر كله يتعلق بالولايات المتحدة : من فضلك اتصل بي !
كان الجزء المهيمن على خطاب بوتين والأسئلة من الجمهور المؤيد له هو التركيز على الولايات المتحدة وإعادة انتخاب ترامب . وخلف واجهة من موقف غير مبالٍ من "الانتظار والترقب" و"نحن لا نستجدي من أحد أي شيء" ، كان من الواضح أن بوتين يريد حقاً مكالمة من ترامب .
إن الإشارات العديدة إلى ترامب والثناء عليه كرجل حقيقي - شجاعته ، وسلوكه السياسي القوي ، وقرارات الناخبين الأميركيين ، واهتمام بوتين باستقرار الأسلحة النووية في العالم ، وما إلى ذلك - تقدم رسالة واحدة : إن بوتين حريص أكثر من أي شيء على أن تتصل به الإدارة الأميركية الجديدة ، وترامب شخصياً . ربما يريد من ترامب أن يظهر له الاحترام ويرفعه إلى مكانة متساوية ، كما في الأيام الخوالي للعلاقات بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا كقوى عظمى .
وبالطبع ، فإن الغرض الحقيقي هو إجباره على اتخاذ قرار بإنهاء شحنات الأسلحة الأمريكية ودعمه لأوكرانيا ، والأمل في أن ينتشر تأثير الدومينو الانهزامي في جميع أنحاء أوروبا . غنّى جميع ضيوف فالداي من الدول الأوروبية أغنية المديح لبوتين ومدى استحسانهم لواقعية أوكرانيا (اقرأ : الاستسلام) . بالنسبة لجمهور التلفزيون الروسي ، بدا الأمر وكأن التيار السائد والهادئ من المفكرين والمتعقلين الأوروبيين قد رأوا أخيراً منطق موسكو . والآن ، ما على روسيا المحبة للسلام سوى انتظار القادة السياسيين غير الأكفاء ، الذين يشبهون الدمى في العواصم الأوروبية ، لكي يأتوا ويروا النور . وقدم التلفزيون الحكومي الروسي مثالًا ساخرًا لبولندا ورئيس الوزراء دونالد توسك للترويج لهذا الادعاء . ومع وجود أكثر من 2000 مثال وحالة في قاعدة بياناتنا ، فإن بولندا هي كبش الفداء المفضل في دعاية الكرملين .
الوعظ كالانجيل
إن عروض بوتين التي يبثها بشكل منتظم تعمل مثل المنارات في الظلام ، حيث يتم اقتباس كلماته وإعادة إنتاجها وإعادة صياغتها أو نسجها في قنوات التواصل الاجتماعي ، المؤيدة للكرملين ، والتي لا تعد ولا تحصى ، وفي البرامج الحوارية السياسية ، وإلى حد كبير ، المواقف الروسية العادية كما بحثها مركز ليفادا . وهذا جزء من جهود الدعاية الشاملة التي وصفناها في مقابلة أجريت مؤخراً حول القوة الناعمة الروسية .
RT / سبوتنيك : قسم الدعاية التابع لوزارة الحرب الروسية
الكلمات لا تبقى داخل روسيا . فالقنوات الموالية للكرملين ، التي تستخدم العديد من اللغات الأجنبية تقوم بدوراً مضاعفاً ، ولها مراسلين باللغات المحلية يقدمون جمل بوتين إلى الجمهور المحلي . وقد تم تجهيز شبكتي RT (روسيا اليوم) ووكالة سبوتنيك لهذا الغرض ، كما يتضح من هذا المثال من سبوتنيك باللغة الأرمينية ، فتكرر ادعاء بوتين : اجتاحت القوات الأوكرانية منطقة كورسك بناء على أوامر من واشنطن وصدرت لها تعليمات بالبقاء هناك بأي ثمن من أجل الانتخابات الأمريكية .
وهناك مثال آخر يتمثل في إعادة إنتاج طويلة ، حرفياً تقريباً ، من قبل سبوتنيك مرة أخرى باللغة الأرمنية ، لادعاء بوتين السخيف بأن روسيا لم تبدأ أي عدوان ، ولكنها تحاول وقفه ، ولم تنتهك أي ميثاق أو معاهدة للأمم المتحدة . وتوضح هذه الأمثلة لماذا لا تعتبر شبكة سبوتنيك وسيلة إعلام بالمعنى التقليدي ، ولكن من الأفضل فهمها باعتبارها قسم الدعاية التابع لوزارة الحرب الروسية .
موقع : الاتحاد الأوروبي ضد التضليل
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟