الملوحة والفراغ: رحلة بين الخوف والضياع في عالم بلا خرائط

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8164 - 2024 / 11 / 17 - 00:32
المحور: الادب والفن
    

الملوحة والفراغ: رحلة بين الخوف والضياع في عالم بلا خرائط
قراءة سيميائية في قصيدة : اوصدت النوافذ لأرى ابتسامة القمر- للشاعر : جواد الشلال – العراق .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .

القصيدة :
اوصدت النوافذ لأرى ابتسامة القمر
بعد مفاوضات طويلة نجحت باستدانة نهر، ادخلته غرفتي!!
كنت أرغب برفع الملوحة من أقدامي، لكني لم أجده عند الصباح.
كتب لي رسالة وهرب:
سأعود عندما أجد من يسحب الملوحة من راسي..
كل الطيور في احيائنا مسرعة، كأنها خائفة من إعصار قادم..
ماذا يجري؟ سألت جاري.
قال:
إنها تشبهنا، وصمت مسرعاً..
أمام بيتنا حديقة عامة،
خضراء جداً وقاحلة
لم تمر بها العصافير
لم تجلس بها فتاة عاشقة..
جلس بجنبي طير بلونين..
تحدث معي وشكا لي همومه..
قال:
رميت الكتب الثورية في سلة المهملات وعود ثقوب صغير لحرق الشعارات
ورفعت عن رأسي..
أبطال وهميين
أنا هادئ الان لكن توقفت الخرائط وتاهت الطرق امامي..
قلت له: لكني لا اعرف الطرق مثلك اذا دعنا نتلهى بشواء الوقت.....
مقدمة :
الملوحة والفراغ: رحلة بين الخوف والضياع في عالم بلا خرائط
هذا العنوان يجسد التوتر العاطفي والفكري الذي تعبر عنه القصيدة، مع التركيز على / الملوحة / كرمز للمعاناة الداخلية، و"/ الفراغ / الذي يعيشه الشاعر في مواجهة واقع مليء بالتناقضات والضياع. العنوان أيضًا يعكس رحلة الشاعر بين الخوف من المستقبل وضياع الطريق، وهو ما يضيف بعدًا نفسيًا وفلسفيًا للنص.
القراءة :
قصيدة جواد الشلال تنتمي إلى الشعر الحديث الذي يتسم بالرمزية والتفكير العميق في قضايا الذات والمجتمع. النص يطرح صورة سيميائية غنية تحمل دلالات متعددة عن الصراع الداخلي، الهروب من الواقع، والبحث عن معنى في عالم مليء بالتناقضات.

1. العنوان: / أوصدت النوافذ لأرى ابتسامة القمر/
الدلالة السيميائية: العنوان يكشف عن محاولة الشاعر للانعزال والابتعاد عن العالم الخارجي، وذلك من خلال /أوصدت النوافذ/. النوافذ هنا قد تمثل المداخل إلى العالم الخارجي، وعندما يُغلق الشاعر هذه النوافذ، يكون في الواقع قد قرر الانسحاب والتأمل في ذاته أو في صورة بعيدة غير واقعية تمثلت في /ابتسامة القمر/. ابتسامة القمر رمز للسكون والبعيد، قد تشير إلى الجمال الهش الذي يصعب الوصول إليه.
2. استعارة /استدانة نهر/
الدلالة السيميائية: استعارة /استدانة نهر/ تعكس مسألة الصراع الداخلي في السعي للحصول على شيء نادر أو صعب المنال. النهر يرمز إلى الحياة والجريان المستمر، لكن استدانته هنا تعني أنه في حالة من العجز أو الانتظار، وهو لا يملك القدرة على امتلاكه بالكامل. هذه الصورة ترمز إلى حالة من الفقد أو التوق المستمر لمصدر للطاقة أو للحياة.
3. /الملوحة من أقدامي... من رأسي/
الدلالة السيميائية: الملوحة تمثل الألم أو المعاناة النفسية، حيث أن الملوحة على الأقدام قد تشير إلى مرارة التجربة الحياتية التي تؤثر في الجسم بشكل مادي، بينما الملوحة على الرأس تعكس المعاناة الفكرية أو العاطفية. هذه الإشارة إلى الملوحة تخلق توازيًا بين الجسدي والعقلي في التعبير عن الألم والتعب.
4. الطيور في الأحياء:
الدلالة السيميائية: الطيور هنا تمثل الكائنات الحية التي تعيش في حالة من التوتر والخوف. سرعتها وكأنها /خائفة من إعصار قادم/ تُشير إلى حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وقد تكون هذه الطيور رموزًا للمجتمع الذي يركض في اتجاهات غير واضحة. الطيور /تشبهنا/ كما قال الجار، وهي إشارة إلى أن البشر يعيشون أيضًا في حالة خوف من المستقبل المجهول.
5. الحديقة العامة / خضراء جداً وقاحلة /
الدلالة السيميائية: الحديقة هنا رمز للفراغ العاطفي والاجتماعي. الخضرة تشير إلى الحياة، لكنها في نفس الوقت / قاحلة /، وهو ما يوحي بتناقض مريع بين الجمال الظاهر والفراغ الداخلي. الحديقة التي لم / تمر بها العصافير/ أو / تجلس بها فتاة عاشقة / هي إشارة إلى غياب الحيوية والعاطفة، كما لو أن العالم قد فقد قدرته على التجدد أو التجاوب مع الحياة.
6. الطير ذو اللونين:
الدلالة السيميائية: الطير ذو اللونين يشير إلى التناقض الداخلي الذي يعاني منه الشاعر. الطير، كرمز للطيران والتحرر، يحمل هنا تناقضات نفسية وعاطفية، ويتحدث عن فقدان الأبطال الوهميين والخرائط التي توقفت، مما يرمز إلى حالة من الفوضى الداخلية أو حتى الضياع. الطير يحاول التعبير عن معاناته، لكنه يبقى في حالة من الاستسلام.
7. / رميت الكتب الثورية في سلة المهملات /
الدلالة السيميائية: التخلص من / الكتب الثورية / يُشير إلى التبرؤ من الأفكار المثالية أو الشعارات التي كانت تحمل معنى في وقت ما. السلة المهملات تمثل التخلص من الماضي، من الأيديولوجيات التي كانت تحمل الأمل أو التغيير، لكن الشاعر يدرك أنها أصبحت بلا قيمة أو فاعلية في مواجهة الواقع الحالي.
8. الختام: / دعنا نتلهى بشواء الوقت /
الدلالة السيميائية: هذه العبارة تختتم القصيدة بإشارة إلى التراخي والعيش في اللحظة الراهنة. / شواء الوقت / هو إشارة إلى الانشغال بما هو عابر وعابر فقط، كبديل عن محاولة الوصول إلى إجابات حاسمة أو البحث عن معنى أسمى. إنه نوع من التملص من الاستفهام والبحث المستمر عن الحقيقة.
الخلاصة:
هذه القصيدة تتناول حالة من الاغتراب الداخلي والصراع بين الماضي والحاضر، وبين ما كان يُعتقد أنه الأمل وبين خيبة الواقع. الرمزية التي استخدمها الشاعر، مثل الطيور والحديقة والملوحة، تبني عالمًا يشير إلى الخوف من المستقبل وفقدان المعنى. القصيدة تقدم صورة سيميائية حية للمجتمع والذات في حالة تشوش، حيث يصبح الهروب والتسليم بالواقع هو الطريقة الوحيدة للتعامل مع قسوة الحياة.

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات