قراءة سيميائية في قصيدة : -تكثّفني أسرارك- للشاعرة رحمة عناب – فلسطين المحتلة . بقلم : كريم عبدالله – العراق .

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8163 - 2024 / 11 / 16 - 21:05
المحور: الادب والفن
    

قراءة سيميائية في قصيدة : "تكثّفني أسرارك" للشاعرة رحمة عناب – فلسطين المحتلة .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
القصيدة :
تكثّفني اسراركَ فيضاً مِنْ رحمِ التشهد
تؤثّثُ قداسةَ المواسم
تفتحُ أنفاسَ النضوج
تباغتُ الظمأَ بِنَهمِ الرواء
تحفرُ نصّاً ممشوقَ الظلال
عند حافةِ الضوء
نزفّهُ قرباناً لآمالنا الشغوفة
على مرمى الامد
كنرّدٍ متأهب المفاز
نرشقُ براءةَ أحلامنا وجهَ الخسارات
نسدّدُ فواتيرَ البُعدِ بلثغةٍ بليغةِ المعنى
و ينزلقُ اللُقا عناقيد حضور أبديّ
يعمّدُ نهدَ الشمس وشهقةَ البراكين
بأصابعِ عِناقٍ ودود
تراءتْ شُعلةُ صوتكَ مئذنةً
في مغارةِ الوجد
تعبرُ صحراء الليل الصموت
تزرعُ النجومَ رئات في سخاءِ محرابي البعيد تتنفس
وأنتَ كدرويشٍ تُربّتُ على هذيانِ الرقص
يرتطمُ بزفيرِ خيولهِ صهيلكَ الدامي
تحوطُ رهيفَ خصر امرأة الشمع
حين ذابت في كأسكَ
و اصطفتكَ بغبطةِ النبوءات
و شربت مِنْ فاكهتكَ صفوةَ التعاويذ
تنبضُ في مفاصل الفكرة رعدة باهرة
تنصبُ فخاخ رعشةِ العشب
و انتفاضةَ الوجود
تلقّحُ الفؤادَ أغنيةً
واغلة الوهج
تسهرُ في رمشِ ليالينا الدافئات
بشوقِ المواعيد
ما شاءت أسمال الحبّ
مِنْ سماحةِ التمني العفيف….
القراءة :
قصيدة / تكثّفني أسرارك / للشاعرة : رحمة عناب هي قصيدة غنية بالصور البلاغية والتعبيرات الشعرية التي تفتح المجال لقراءة سيميائية عميقة. في هذه القصيدة، تستخدم الشاعرة لغة مركبة مليئة بالرموز التي تشير إلى مفاهيم فلسفية وعاطفية، تجمع بين الروحانية والجسد، بين الزمن والمكان، وبين الخسارة والأمل. عبر قراءة سيميائية، سنحاول فك شفرات المعاني العميقة التي تنطوي عليها القصيدة.

1. العلامات والمعاني:
/ تكثّفني أسراركَ فيضاً مِنْ رحمِ التشهد /
/ أسرارك /: تبدأ الشاعرة بالحديث عن / أسرار/ الآخر، وهذه الأسرار هي مصدر التوتر والتحول الداخلي بالنسبة لها. / أسرار/ هنا ليست فقط المعلومات المخفية بل هي رمز للقوة والعمق.
/ فيضاً من رحم التشهد /: تعبير / رحم التشهد / يوحي بوجود حالة من التحول الروحي أو اللحظة القدسية. / فيضاً / يعبر عن تدفق عاطفي، كما أن / الرحم / يرمز إلى الإبداع أو النشوء من جديد. الشاعرة تشير إلى أن تلك الأسرار تتولد في لحظة من التأمل العميق أو الوعي الروحي.
/ تؤثّثُ قداسةَ المواسم /
/ قداسة المواسم /: قداسة هنا تشير إلى الجوانب الطاهرة والمقدسة في العلاقة أو المواقف. / المواسم / قد تكون إشارة إلى فترات معينة من الحياة أو ربما تشير إلى دورة الزمن المتجددة التي تمر فيها الذكريات والمشاعر.
/ تفتحُ أنفاسَ النضوج /
/ أنفاس النضوج /: صورة أخرى تعكس عملية تطور وتنضج المشاعر أو الفكر، حيث يُصور النضوج كعملية تنفس تُحدث تجديدًا في الحياة.
/ تباغتُ الظمأَ بنهمِ الرواء /
/ تباغتُ الظمأ /: / الظمأ / هنا ليس جفافًا جسديًا فقط بل هو رمز إلى العاطفة والروح التي تحتاج إلى إشباع. / بنهمِ الرواء / تعكس استجابة شديدة لهذا الظمأ، وهو يشير إلى رغبة متزايدة في الحصول على الراحة العاطفية.
/ تحفرُ نصّاً ممشوقَ الظلال /
/ نص ممشوق الظلال /: / الحفر/ هنا يرمز إلى العمل العميق، البحث المستمر، وكأن الشاعرة تحاول كشف المعاني المخفية أو كتابة تاريخ مشاعرها. / الممشوق الظلال / يوحي بالتعقيد والعمق الذي يتخلل النص أو الحياة.
2. الصور الرمزية والإشارات العاطفية:
/ عند حافةِ الضوء نزفّهُ قرباناً لآمالنا الشغوفة /
/ حافة الضوء /: هذه صورة مثيرة حيث الضوء عادةً يمثل الوضوح أو الحقيقة، ولكن / الحافة / تشير إلى منطقة غير مكتملة أو مشكوك فيها. ربما تمثل تلك اللحظات التي يتأرجح فيها الشخص بين الأمل والشك.
/ نزفّه قرباناً /: / نزفّه / تعبير يشير إلى تقديم شيء ثمين أو مهم كقربان، ويعني التضحية من أجل شيء أكبر أو أسمى.
/ كنرّدٍ متأهب المفاز/
/ كنردٍ متأهب المفاز /: / النرد/ رمز للفرص والاحتمالات غير المؤكدة، ويظهر كعلامة للعب بالقدر أو لعبة الحياة والمصير. / مفاز/ يشير إلى الفوز أو الهروب من الهزيمة، في إشارة إلى تناقضات اللعبة الحياتية.
/ نرشقُ براءةَ أحلامنا وجهَ الخسارات /
/ براءة أحلامنا /: / البراءة / هنا تشير إلى الصفاء والطهارة في الرغبات والطموحات. الشاعرة تصوّر الحلم الطاهر الذي يتم قصفه أو مواجهته بالخسارات الحياتية.
/ نسدّدُ فواتيرَ البُعدِ بلثغةٍ بليغةِ المعنى /
/ نسدّد فواتير البُعد /: / فواتير/ هنا تستخدم بشكل مجازي لتصور التكاليف العاطفية أو النفسية التي يتم دفعها نتيجة للبعد أو الفراق. قد تكون هذه الصورة تعبيرًا عن الغياب أو المسافة العاطفية التي تترك أثرًا دائمًا في الشخص.
/ بلثغة بليغة المعنى /: / لثغة / تعني ترددًا أو عائقًا في التعبير، مما يشير إلى الصعوبة في إيصال المعاني رغم وجود قوة في الرسالة أو المعنى.
/ ينزلقُ اللُقا عناقيد حضور أبديّ /
/ عناقيد حضور أبدي /: / عناقيد / رمز للطاقة أو للمجموعات الكثيفة من الأشياء، وتشير إلى العديد من اللحظات أو التجارب التي تترك أثراً دائماً. / أبدي/ يشير إلى الخلود، وهذا يفتح المجال لفهم العلاقة على أنها شيء دائم.
3. التجسد الرمزي والتوتر بين العاطفة والجسد:
/ تعمّدُ نهدَ الشمس وشهقةَ البراكين /
/ نهد الشمس /: صورة قوية تجمع بين الجمال الجسدي (النهد) والطاقة الطبيعية (الشمس). هذه العبارة تعكس تجسيدًا للعاطفة على مستوى الجسد، مما يعكس علاقة الروح بالجسد.
/ شهقة البراكين /: / البراكين / رمز للقوة العارمة والانفجارات العاطفية. / شهقة / تضاف إلى الصورة لتصوير نوع من الانفجار الداخلي أو التعبير العاطفي المكبوت.
/ تربّتُ على هذيانِ الرقص /
/ هذيان الرقص /: / الهذيان / يشير إلى حالة من الارتباك أو التفجر الذهني، في حين أن / الرقص / يمثل الانطلاق والعفوية. وهذا يشير إلى التوتر بين السيطرة والحرية في العواطف.
/ ترتطمُ بزفيرِ خيولهِ صهيلكَ الدامي /
/ زفير خيوله /: رمز للطاقة الطبيعية أو الحيوانية، ويمثل القوة والحركة.
/ صهيلكَ الدامي /: / الصهيل / الذي يتم تصويره هنا على أنه / دامي / يرمز إلى الأذى أو الألم الناتج عن هذا التواصل العاطفي.
4. الختام والتدفق العاطفي:
/ ما شاءت أسمال الحبّ مِنْ سماحةِ التمني العفيف /
/ أسمال الحب /: / أسمال / تشير إلى شيء متآكل أو قديم، مما يوحي بأن الحب يمكن أن يكون مشوهًا أو غير مكتمل مع مرور الوقت.
/ سماحة التمني العفيف /: تلتقي هنا / السماحة / و/ العفيف / لتقدم نموذجًا من الحب المثالي الطاهر، الذي يتمنى الكثير ولكنه لا يكتمل في النهاية.
خلاصة:
القصيدة تتبع أسلوبًا شعريًا معقدًا ومليئًا بالصور الرمزية التي تخلق توترًا بين الجسد والروح، وبين الأمل والخسارة، وبين الحضور والغياب. الشاعرة تستخدم اللغة كوسيلة للتعبير عن تجارب عاطفية متناقضة، حيث تتداخل الأبعاد الروحية والوجدانية والجسدية. عبر استخدام الصور الميتافورية والتكثيف اللغوي، تمكنت الشاعرة من خلق جوٍ شعريٍ يبرز الصراع الداخلي والاتصال الروحي الذي يهيمن على مشاعر الشخص تجاه المحبوب.

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل