أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - البعل والخصب في ديوان -في ظل آب- سلطان الزغلول














المزيد.....

البعل والخصب في ديوان -في ظل آب- سلطان الزغلول


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8162 - 2024 / 11 / 15 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


البعل والخصب في ديوان
"في ظل آب"
سلطان الزغلول
تأثر السوري قديما بالطبيعة السورية، حتى أن جعل لفصولها آلهة، فكان البعل/تموز وعشتار/عناة رمز الخصب، واليم/أريشكيجال رمز القحط والموت، وإذا ما توقفنا عند طبيعية آلهة الخصب سنجدها متعلقة بالريف، بالأرض، بالزراعة، بالطبيعة وما فيها من خضرة ومياه، والأرض وما عليها من كائنات، حيوانات وبشر، ولم تتوقف هذه المعتقدات رغم مرور آلاف السنين، فقد كتبت ملحمة البعل قبل أكثر من أربعة آلاف عام، وأكد القرآن الكريم وجود البعل كإله معبود في صورة الصافات الآية 126: "أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين" فرغم وجود ديانات التوحيد المسيحية والإسلام، إلا أن البعل ما زال يعيش في الفكر السوري، وما قولنا: "خضار بعلية" (التي تنمو دون ري)، "وعشرت الغنمة" إلا صورة عن استمرار فكرة الخصب المتعلقة بالبعل وبعشتار.
من هنا نجد العديد من الشعراء والأدباء بوعي أو دون وعي يتناولون في أعمالهم الأدبية ارتباط الخصب بالبعل/بعشتار، وفي ديوان في ظل آب، نجد نموذج عن هذا الأمر، فالشاعر يستخدم آلهة الخصب بصورة _مباشرة) في الديوان، جاء في "ما كنعان" :
ابتهال أول
أي "عناة" التي تتمايل في تشرين
يندلق شعرها فوق رؤوس الغابات
يتمدد في السهول
أوقدي نارك في انتظار كانون
ليخرج "البعل" من غياهب "موت"
وينفخ ريح الأمل في الأرض العطشى
أي "عناة"
أيتها الأم المرغوبة المخشية
أيتها العاصفة الهادئة
تنفسي الغياب لتروي الحضور
تناولي من قمحنا الأثير
وأعطنا الأمل
ليشرق الربيع من جديد" ص19و20.
إذا تقدمنا من ملحمة البعل سنجد مقاطع تتماثلا مع ما جاء في القصيدة، فهناك تمجيد "لعناة":
"أي عناة " التي تتمايل في تشرين
يندلق شعرها فوق رؤوس الغابات
يتمدد في السهول
أيتها الأم المرغوبة المخشية
أيتها العاصفة الهادئة" فصيغة هذا الخطاب/التمجيد نجدها عند كل العابدين/المؤمنين، فقبل الدعاء يكون تمجيد الله/الإله كإقرار بحضوره ووجوده وقوته، فنجد في المسيحية هذا التمجيد: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس أسمك...خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم"، وفي الإسلام نجد "الحمد لله الذي أطعمنا وسقنا وجعلنا مسلمين، فصيغة الدعاء واحدة، رغم مرور آلف السنين بين هذه الصيغة، ورغم اختلاف الإله، البعل، الرب/الله.
هذا على صعيد بداية الدعاء، لكن على صعيد الدعاء نفسه، فهو متعلق بإنزال الخير/الخصب وإزالة الشر/الموت، فنجد الدعوة لإنزال الخير من خلال:
" أوقدي نارك في انتظار كانون
ليخرج "البعل" من غياهب "موت"
وينفخ ريح الأمل في الأرض العطشى
وأعطنا الأمل
ليشرق الربيع من جديد"
نلاحظ تعدد الآلهة فالمخاطب هي "عناة" التي ستكون سببا لعودة/لخروج البعل" من جديد، بمعنى أن آلهة الخصب يكمل بعضها دور بعض، ولا يلغي/يتناقض مع الآلهة الأخرى، ونلاحظ أن الخير لم يقتصر على ما هو مادي، بل تعداه إلى ما هو روحي/جمالي/نفسي/إيماني، من هنا نجد "ينفخ الأمل، ليشرق الربيع" وهذا الأمر يقودنا إلى دور وطبيعة كل إله، فالبعل متعلق بخصب الأرض/الطبيعة، وعناة متعقلة بخصب الناس والحيوانات، بمعنى أنها متعلقة بالتكاثر، لكن التكاثر عند السوريين لم يأت بدافع الغريزة فقط، به جاء مقرونا ومرتبطا بدافع الجمال/الفرح، وما وجود عشتار/عناة إلا من هذا الباب:
"تنفسي الغياب لتروي الحضور"
فهذه الصيغة من التمجيد تشير إلى الخصب الجمالي ودوه في التكاثر.
قلنا أن البعل والموت متعلقان بالطبيعية، وتحديد بفصول وشهور السنة، فالبعل يظهر في نيسان ويختفي في تشرين أول، والموت يحضر في تشرين أول ويختفي في نيسان، من هنا نجد الشاعر يذكر "تشرين، كانون" والفصول بصورة مباشرة "الربيع" وغير مباشرة: "ينفخ الأمل، لتزفري الحضور" وقدم الخريف بصورة غير مباشرة: " الأرض العطشى، الغياب" وهذا ما يجعلنا نقول إننا أمام نص أسطوري/ملحمي بكل معنى الكلمة.
وفي الابتهال الثالث نجد تمجيد وتقديس ودعاء البعل:
"ندهناك يا "بعل"
يا أبانا المبجل
يا ساكن الأرواح
يا معمد القلوب
سألناك أن تأتي..
أوقد نيران الحياة في انتظار عصفك البهي
أشعلنا حقولنا بأمل التجلي
فهب لنا رؤيتك
أشتعل برقا برمحك السماوي
لنتبتل في انتظار مائك المنتصب ذهبا في الأرض ونجل كرمك
أعطنا لنرضى جلالك يا ابن السماء المغطى بالغيوم
لينطلق العشب في الحقول فينا يمتع عينيك
لتسكن الجديان إلى وديانها الخصبة
وترقص العصافير على خرير مائك العذب" ص 22و23.
نلاحظ صيغة الدعاء متماثلة تماما مع صيغة دعاء "عناة" فبدأ بالتمجيد "أبانا المبجل" ثم الدعاء: "أوقد نيران الحياة" وثم ذكر أثر الخير الخصب الذي سيرسله على الناس والكائنات الأخرى: "لنرضى جلالك، لينطلق العشب، لتسكن الجديان، وترقص العصافير" نلاحظ أن أثر خصب البعل يعم الأرض ومن عليها: الناس، النباتات، المواشي، والطيور" ونلاحظ أن خير وخصب البعل يتجاوز المادي إلى ما هو روحي/جمال: "عصفك البهي، بأمل التجلي، فهب لنا رؤيتك، يمتع عينيك، وترقص العصافير" فكل هذا الخصب متعلق بالجمال، بمتعة النظر والاستمتاع بالمشاهدة، حتى رقص العصافير متعلق بالنظر ومشاهدة، وهذا ما يجعل خصب البعل يتجاوز الأكل والشرب، فالشاعر من خلال هذا الابتهال يؤكد أن السوري قديما وحاضرا ينظر إلى الحياة بصورة متكاملة، فالحاجات الروحية/الجمالية مهمة وضرورية كالحاجات المادية.

الديوان من منشورات وزارة الثقافة الأردنية، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب والأحداث في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- السرد وشكل التقديم في رواية أخبار نصف جيدة المتوكل طه
- طوفان الأقصى في رواية -أخبار نصف جيدة- للمتوكل طه
- كتاب الصهيونية في أمريكيا محمد حافظ
- تألق الطفل في رواية حمروش جميل السلحوت
- الرمزية في رواية أحلام وغيلان محمد السماعنة
- القسوة والجمال في قصيدة -غرفة الكولونيل- علاء حمد
- الأصالة في مجموعة -حمالة التعب- سرمد فوزي التايه
- التميز في رواية -آخر نزيل- هاني الريس
- تعدد القراءات في -عبق الريحان قصائد هايكو- ميسر أبو غزة
- التراث والمعاصرة في كتاب -ثمرة الأصحاب- مأمون دويكات
- التماهي في قصيدة -يحيا يحيى- لعصام الأشقر
- الشكل والمضمون في -آه يا وطني الكتاب الثاني- محمد حافظ
- الثلاثة العظام
- حداثة الطرح الديني في كتاب -تأويل المُأول- سعادة أبو عراق
- المعركة في ومضة -وتوضأوا- سامح أبو هنود
- اللغة وسخونة الحدث في قصيدة -محللون- مأمون حسن
- أهمية الأدب في كتاب وعليكم السلام سمير صنبر
- الخريفية في قصيدة صفراء سامي البتجالي -صفراء
- النكسة في رواية -آه يا وطني- محمد حافظ


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - البعل والخصب في ديوان -في ظل آب- سلطان الزغلول