الشكل والمضمون في -آه يا وطني الكتاب الثاني- محمد حافظ

رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 12:15
المحور: الادب والفن
    

بعد رواية "آه يا وطني" التي أجزها وطبعها الروائي محمد حافظ في عام 1983 التي فعلا كانت رواية كاملة وحقيقية، وبعد مرور ما يقارب أربعون عاما كتب (الكتاب الثاني) من الرواية، لكن في الكتاب الثاني، نجده يركز على الأحداث أكثر منه على فنية الرواية، بمعنى أن الكاتب (نسى) أنه كتب رواية، وركز على كتابة الأحداث، وهذا ما نجده في العنوان (الكتاب الثاني) ولم يقل الجزء الثاني.
ورغم (خروج) الكتاب الثاني عن نسق الروائي، إلا إن الكاتب استمر محافظا على سلاسة السرد، فهو يمتلك أسلوبا ولغة جاذبة، تجعل المتلقي ينهل من السرد بشهية متواصلة، كما أن الشكل الذي قدم به الكتاب ـ مقاطع قصيرة، (88) مقطعا، يتراوح المقطع بين صفحة واحدة والست صفحات، سهل على القارئ تناول الكتاب، وقد أستبدل الكاتب اللمسة الرمزية التي جاءت في الجزء الأول من الرواية، بتضمن كتابه الثاني بشيء من النصوص الشعرية، فبدا وكانه على دراية بأنه (فقد) الفنية الروائية في الجزء الأول، فستعان بهذه المقاطع لتضفي لسمة جمالية على ما جاء في الكتاب الثاني.
ويمكننا إرجاع سبب فقدان النسق الروائي، إلى أن الكتاب الثاني يتحدث عن "أحمد وسناء" وهما خارج الوطن، ما جعل الشكل الذي يقدم به الكتاب ـ مقاطع قصيرة وكثيرة موزعة على 383 صفحة ـ يتماثل مع حالة الترحال والتنقل وعدم الاستقرار التي لا زمت الفلسطيني في الشتات، من هنا نجد أماكن متعددة تم ذكرها في الكتاب الثاني، بمعنى أن عدم وجود نسق روائي متعلق بحالة عدم وجود (مكان) ثابت يستطيع الحدث الروائي أن يرتكز عليه.
وبما أن الكتاب متعلق بمأساة الفلسطيني وما جرى ويجري له، وهذا أسهم أيضا في تماهي القارئ مع ما جاء في الكتاب، بمعنى أن المضمون له قيمة فكرية ومعرفية وإنسانية، إضافة إلى القيمة الوطنية والقومية: "فالعائلة الواحدة التي كانت تعيش في بيت واحد، وتحت سقف واحد، تشتت في كل بقاع الأرض، فقد نجد الابن في الخليج، والأخ في أمريكيا، والأم الأب في الوطن نحن رحمة الاحتلال" ص58، كل هذا يجعلنا نقول إننا أمام كتاب يستحق القراءة، رغم انه لا يجنس كعمل روائي.
وهذا يقودنا إلى أن المتعة هي أساس أي عمل كتابي، إن كان رواية، أم قصة، أم قصيدة، أم نصوص نثرية، فما دام النص ممتع وسهل التناول، فهذا بحد ذاته يمثل نجاحا للكتاب وللكاتب.
استمرار المأساة
الكاتب يركز على فلسطينيته رغم أنه يتحدث عن العديد من الأحداث التي مرت في المنطقة العربية، ورغم تنقل الشخصيات إلى أكثر من دولة، الكويت، العراق، الأردن، مصر، فلسطين، إلا أن الكاتب يبقى هاجسه فلسطيني:
"وطني..
يا حقل سنابل
وحدك في وجه الظلمة
والريح تقاتل
فزاعتك
أشباح النخوة هذه
ستظل كما كانت
من خلف السور تخاتل
هي دبدبة اللات تحاصرني
ما زالت في نفخ الحقد تواصل
ليظل القهر يلازمني
وأظل أقاوم سيفا
في ظهر "فاتل"" ص 258.
فكرة المقطع بحد ذاته لافته، فهي تشير معاناة الفلسطيني وكيف أن "أشباح النخوة" كانت وما زالت على حالها "من خلف السور تخاتل" لكن أهمية ما جاء فيه لا تكمن في الفكرة/المضمون فحسب، بل في الأفعال التي جاءت بها، فنجد الأفعال مضارعة: "تقاتل، ستظل/ليظل/وأظل، تخاتل، تحاصرني، تواصل، يلازمني، أقاوم" التي تخدم فكرة استمرار المأساة واستمرار المقاومة، كما أن وجود: "ستظل، ليظل، وأظل" المكرر ثلاث مرات يؤكد هذه الاستمرارية، وبهذا يكون الكاتب قد جمع بين أهمية المضمون/الفكرة، وبين الشكل الأدبي الذي قدم به المقطع، وبين الألفاظ والأفعال التي حملت المضمون.
خراب داعش
يبين الكاتب الخراب الذي أحدثه التيار الديني السياسي من خلال هذا المقطع:
"داعش
على وقع الأسى ننام
على وقعه نصحو
نبتلع الفجر حارقا
داميا كالجراح
وقهوة الصباح كاوية
تشق الصدر قهوة الصباح
تدوسنا الأيام
تلفظنا خارج الزمان
شاشاتنا سخام أو ركام
صراخ وعويل أو نواح
وفي الإطار أشباه رجال
يتنافخون فخرا
يتطاولون بالسلاح
قتلنا كافرا
هدمنا كنيسة
دمرنا قرية
فكل ما تفعله الأيدي مباح
ملعونون أنتم
فلا دين ولا ضير لكم" ص308و309.
في هذا المقطع يلخص الكاتب الخراب والقتل والتشريد والوحشية التي أقدمت على فعلها داعش، فنلاحظ أن أجمل الأوقات وفاتحة النهار والعمل "قهوة الصباح" أمست حارقة، كاوية، وهذا يعود إلى حجم الجرائم والوحشية التي مارستها داعش، فقد قتلت الناس وهدمت الأبنية ودمرت المدن والقرى، من هنا نجد خاتمة المقطع مباشرة، خالية من الصيغة الأدبية، وهذا مرتبط بالأفعال التي تحدث عنها الدواعش الذين تغنوا بجرائمهم وحشيتهم: "قتلنا، هدمنا، دمرنا" فنعكست نتيجة هذه الأفعال على الكاتب وعلى ما قدمه في المقطع الذي جاء قاسيا وموحشا شكلا ومضمونا كحال أفعال داعش.
الكتاب من منشورات
دار زهران للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2020

#رائد_الحواري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل