أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عمقان لإسرائيل وضحالات متعددة لنا















المزيد.....

عمقان لإسرائيل وضحالات متعددة لنا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1779 - 2006 / 12 / 29 - 11:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لإسرائيل عمقان استراتيجيان يعوضان صغر مساحتها: الولايات المتحدة والسلاح النووي. يمنح العمق الأميركي قاعدة ارتكاز واسعة للدولة العبرية، تحكم بالبطلان على التفكير فيها كمجرد دولة مزدهرة، سكانها ستة ملايين ومساحتها 22 ألف أو 27 ألف كيلو متر مربع؛ وتحكم بالسخف والنفول على تلك المقارنات المفصلة بين ما تملكه دول عربية أو الدول العربية وإسرائيل من طائرات ودبابات وغواصات وما إلى ذلك.
القول إن إسرائيل "ولاية أميركية" أصوب استراتيجيا من افتراض أنها دولة مثل غيرها (وإن يكن غير صائب من وجهات نظر أخرى، مرتكزة على المصير اليهودي مثلا). على أن الأطراف العربية التي تردد هذا القول تكتفي منه بالتشنيع ولا ترتب عليه النتائج السليمة، وبالخصوص أن عسكرة التفاعل العربي أو الفلسطيني مع الواقعة الإسرائيلية يعني الانجرار إلى الفخ ذاته المرة تلو المرة. فكأننا نصر على منافسة بطل العالم في الملاكمة في حلبته. كان أجدى لو حاولنا منافسته في السباحة مثلا أو الجري أو الشطرنج. لا يعني ذلك أن الفوز مضمون، لكن الفجوة أصغر في هذه "الألعاب"، وردمها أسهل، وتأثير التدرب عليها (الألعاب) على مجتمعاتنا أقل تخريبا من التدرب على العسكرية والحرب.
إذ لا يقتصر مفعول عسكرة تفاعلنا مع إسرائيل العميقة استراتيجيا على اجتلاب مرجح للهزيمة، بل يتعداه إلى عسكرة حياتنا السياسية والثقافية، وخلق سياق نفسي مناسب للاستبداد، وتزكية حركات مقاومة متشددة (قومية ويسارية يوما، وإسلامية اليوم) ومعادية لقيم الليبرالية الفكرية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية.
وينبغي أن نلاحظ أن العمقين، الأميركي والنووي (وسلاح الطيران كما سنذكر)، يجعلان إسرائيل أوسع مساحة من الدول العربية وأغنى موارد، حتى لو تغافلنا (كدأبنا حتى اليوم) عن عنصر معنوي يتصل بحقيقة أن إسرائيل فكرة تبدو أخلاقية (بل معيارا أخلاقيا) للغرب كله ولأكثرية ساحقة من يهود العالم، وليست مجرد قوة عمياء أو "دولة وظيفية" أو "حاملة طائرات أميركية" رخيصة.
العمق الاستراتيجي الأميركي لإسرائيل ممأسس بدرجة لا تعرفها العلاقات بين الدول. الأمر يتجاوز ما يقال عن اللوبي الإسرائيلي والمنظمة اليهودية العالمية إلى علاقة فريدة مع الكونغرس والبيت الأبيض، وحظوة نادرة في الإعلام الأميركي يزري مستوى الرقابة الذاتية وانعدام نقد السياسات الإسرائيلية فيه بالإعلام الإسرائيلي ذاته، وفقا لما أبانه نوام تشومسكي مرات، وأقره الرئيس الأسبق جيمي كارتر مؤخرا. هذا فضلا عن وزن لا منافس له لليهود المؤيدين لإسرائيل في الدوائر الجامعية والمالية. فضلا كذلك عن نسبة عالية من المثقفين الكبار والناشطين السياسيين، بما في ذلك في الدوائر المنشقة. وهذه كله مؤسس على روابط عاطفية وعقيدية تشارف حد التماهي. يصح القول، تاليا، إن العلاقة الأميركية الإسرائيلية متبنينة ثقافيا ونفسيا، وليست ممأسسة سياسيا وتنظيميا وقانونيا فحسب.
أي هامش محتمل من الضغط الأميركي على إسرائيل لا يمس، ولن يمس، هذه العلاقة الفذة وأعماقها العاطفية والعقيدية. في أقصى حالاته سيقتصر على تفاصيل ظرفية: حجب معونة مالية كما جرى عام 1991، أيام بوش الأب، لدفع إسرائيل إلى المشاركة في مؤتمر مدريد؛ الاعتراض الشكلي على هذا الوجه أو ذاك من قرار حكومي إسرائيلي؛ التحفظ على توسيع الاستيطان دون ترجمة التحفظ هذا إلى سياسة إيجابية مناهضة للاستيطان..
و"الرأسمال الثابت" الضخم لهذه العلاقة هو الأساس في امتناع إسرائيل عن التفاوض مع أطراف عربية أو عن تقديم تنازلات تقرها "الشرعية الدولية"، إن حصل أن اضطرت للتفاوض. هذه نقطة أساسية يتعين عدم نسيانها. إن الانحياز الأميركي لإسرائيل عميق التأصل إلى درجة أنه يتعارض حتى مع رغبة تعرض للأميركيين أحيانا في فرض شيء من الاعتدال على الحليف والحبيب الإسرائيلي.
هل من رؤية سياسة عربية ممكنة للتعاطي المثمر مع هذا الشرط؟ منطقيا ينبغي مقاطعة إسرائيل وأميركا معا، لكن هذا غير ممكن، لا في ظل النظم الحاكمة الراهنة ولا في ظل غيرها. أميركا مهيمنة على العالم، وهي قوة اقتصادية وعلمية وعسكرية لا يمكن تجاهلها ولا يصح استعداؤها، حتى وإن تعذرت مصادقتها. الخيار المنطقي المقابل هو نزع العسكرة عن علاقتنا مع المحور الأميركي الإسرائيلي، نزعها سياسيا وثقافيا وميدانيا. هذا صعب. فلا أحد يملك الشرعية الكافية كي يختط سياسة في هذا الاتجاه.
لم نقل شيئا عن العمق الاستراتيجي الثاني لإسرائيل: سلاحها النووي. يشارك هذا العمق الأميركي في توسيع مساحة إسرائيل وترسيخ أمنها (مثل ذلك بالمناسبة يتكفل فيه التفوق الإسرائيلي الحاسم في مجال الطيران: مساحة إسرائيل الجوية أكبر من مساحة الدول العربية مجتمعة، كما تشهد استباحتها المستمرة لأجواء لبنان وغزواتها الجوية المعلومة من العراق إلى تونس). يشارك أيضا في تخفيف هشاشتها الوجودية التي كان من شأنها أن تتفاقم لولا عماء وسقم التفاعل العربي معها.
ثمة درس بسيط وبديهي تفرضه حيازة إسرائيل للسلاح النووي: انطواء عهد المجابهة العسكرية بين العرب وبينها. فإسرائيل المصطنعة قادرة على تدمير المدن العربية جميعا وقتل عشرات الملايين من العرب، إن انمسّ أمنها، وليس وجودها وحده، انمساسا خطيرا. لكننا افتقرنا دوما إلى جهات حائزة على شرعية أكيدة تستطيع قول ذلك لنا. افتقرنا تاليا إلى سياسة عقلانية تجمع بين مقتضيات إدراك الواقع واحترام الذات. تركت الأمور تسير وحبلها على غاربها. إلى أين سارت؟ إلى تعويض العمق الاستراتيجي المفقود بعمق "هوياتي" غريزي، ديني وقومي، أعني الانكفاء بهدي غريزة لا تخطئ نحو النواة الدينية الصلبة في الكائن العربي (على أن هدي هذه الغريزة مظلم ومنقطع الصلة بالعقل..). بفضل هذا النوع من "سياسة الأعماق" تطور لدينا بالتدريج سلاح مطلق يوازي السلاح المطلق الإسرائيلي: "الاستشهادي"! استشهاديّونا مقابل ما يجسده نوويهم من تفاوت متطرف في القوة بيننا وبينهم. "الاستشهاد" هو قنبلتنا الذرية: أعمى مثلها، ولا يميز بين مدني وعسكري مثلها، ويصدر من أعماق تضفي على غضبها وحقدها صفة مقدسة، مثلها أيضا! نغّصنا بهذا السلاح المطلق عيشة الإسرائيليين وحرمناهم الأمن المطلق الذي يصبون إليه، لكن النجاح في ذلك تسبب في تشوهات إدراكية هائلة في وعينا لأنفسنا وللعالم وللمستقبل، ورهن وجود كثيرين منا، في فلسطين بخاصة، لمهمة واحدة وحيدة: تدمير شعور الإسرائيليين بالأمن. ولسنا ندري اليوم أيهما أخطر: احتلال إسرائيل الاستيطاني لأرضنا، أم احتلالها لأرواحنا بطريقة تردّنا إسرائيليين بالمقلوب!
كيف كان لسياسة عقلانية تمارسها سلطة متيقنة من شرعيتها أن تتصرف حيال المسألة الإسرائيلية؟ أيسر لنا أن نقول كيف ينبغي ألا تتصرف. أولا وأساساً، عليها نزع العسكرة التي تتمتع إسرائيل فيها بميزة تفاضلية لا سبيل إلى منافستها في الأفق الراهن. عليها بالمقابل أن تُفعّل الميزات التفاضلية للعرب. وأولاها ميزة نفسية مفترضة: التصرف باسترخاء وبكرم، الانفتاح على العالم الذي يشغل العرب قلبه الجغرافي والتاريخي (ومنبع طاقته المحركة)، والعمل على استعادة الروح العالمية المفتوحة لحضارتنا التي لعب مسيحيون، ويهود أيضا، دور شريك مؤسس فيها.
لكن قبل كل شيء يحتاج العرب إلى سلطات شرعية تحرر مواطنيها من احتلال إسرائيل ومعاداة إسرائيل لأرواحهم كمدخل إلى إجلائها عما تحتله من أرضهم؛ سلطات لا تعتاش على عدوانية إسرائيل لتحوز فضل شرعية لا تحوزه من أي مصدر آخر. قبل الضحالة الاستراتيجية التي لا شك فيها يتعين أن نتحرر من ضحالتنا الروحية والأخلاقية والعقلية التي هي أثمن رصيد لإسرائيل.
لكن من أين تأتي الشرعية؟ هذا سؤال جيد.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة الديمقراطية السورية في أزمة!
- معضلة حزب الله ومحنة لبنان
- حنين إلى الوطنية القبلية في حمى الدكتاتور
- في أصل السخط العربي وفصله
- تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...
- كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - عمقان لإسرائيل وضحالات متعددة لنا