أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - معضلة حزب الله ومحنة لبنان















المزيد.....

معضلة حزب الله ومحنة لبنان


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


حزب الله شريك في سيادة لبنان وطرف في سياسته: مسلح ومعارض. وبانتقاله إلى المعارضة فالاحتجاج في الشارع، ينقل الحزب رصيدا معنويا ورمزيا تكون في مجال السيادة (الإجماعي مبدئيا) إلى مجال السياسة (التنازعي تعريفا). يضفي بذلك على صراعه السياسي ضد الحكومة وجها وطنيا عاما، يجعل منه امتدادا لـ"المقاومة". ومتابعة ما يلقى من خطب تتواتر فيها كثيرا كلمة مقاومة تولد انطباعا بأن كثيرين في أوساط حزب الله يعتبرون حرب تموز واعتصام كانون الأول طوران في معركة واحدة. بيد أن هذا يفتح الطريق لعملية معاكسة: النظر إلى الحرب كمعركة سياسية وليست وطنية، أي يجري إدخالها مجال التنازع والاختلاف. يساعد على ذلك أن نتيجة الحرب كانت ملتبسة: مزيج من نصر معنوي ومن دمار واسع في لبنان. غير أن "النصر"، خلافا للدمار، كان مشروطا بما بعد الحرب، أي بتماسك لبنان سياسيا، وبالخصوص بنجاحه في تطوير أجندة وطنية مستقلة عن المحاور الإقليمية والدولية. لكن ما يجري منذ أسابيع، وبالخصوص منذ مطلع الشهر الجاري، يمعن في تفكيك التماسك الوطني اللبناني ويعود بمفعول رجعي ليلغي "النصر" ذاته. ومعه كذلك غير قليل من الرصيد الإيجابي الذي تحقق للحزب بفضل شجاعة مقاتليه وسداد سياسته أثناء الحرب.
كان يمكن للتفكك الجاري أن يكتسب صفة نسبية لو أن حزب الله وحلفاءه قوة ثورية تستهدف بالفعل قلب النظام اللبناني وبناء شرعية وإجماع وطني جديدين في لبنان. لكن لا أحد يطرح هذه المهمة الثورية على نفسه. الكل، بما في ذلك حزب الله وحلفاءه، يعملون ضمن الشرعية القديمة، الميثاقية. وعلى أرضية هذا الشرعية التوافقية التي لا تبالي بالعدد تعريفا (كما لاحظ حسام عيتاني، "السفير"، 12/12/2006)، لا يمكن للمراقب إلا أن يرصد تناقضا بين الصفة "غير المسبوقة" للحشد في شوارع بيروت وساحاتها وبين مطالب لا تتعدى "الثلث الضامن" في حكومة "وحدة وطنية". لكن ربما يتلاشى التناقض إن أخذنا بالحسبان استبطان لبنان الصغير تجاذبات ورهانات إقليمية لا تكاد تكون خفية.
بعد حرب تموز، وبالخصوص القرار الدولي 1701 الذي أفقد حزب الله جبهة المواجهة المباشرة مع إسرائيل، لم يبق أمام الحزب غير واحد من خيارين متسقين: إما أن يتخلى عن سلاحه وينخرط في المعركة السياسة الداخلية على قدم المساواة مع غيره، أو أن ينأى بنفسه كلية عن النزاع السياسي الداخلي إذا ثابر على الاحتفاظ بسلاحه. في واقع الأمر هو يجمع اليوم بين الأمرين، احتكار السلاح وتصعيد الانخراط في الصراع السياسي المحلي إلى الشارع. وهذا مزيج بالغ الخطورة.
ذلك أن الركون إلى إعلان الحزب المتكرر أن سلاحه لن يستخدم في الصراع الداخلي يشبه تماما الركون إلى إعلان الدول النووية جميعا أن السلاح النووي ليس للاستخدام. بالفعل تصنع هذه الدول السلاح النووي كيلا تستخدمه. لكن هل هذا يعني أن دولة تمتلك السلاح النووي ودولة أخرى لا تمتلكه متساويتان في القوة؟ لو كان الأمر كذلك لما راكمت الدول النووية العوائق أمام انضمام غيرها إلى النادي النووي. ولما سعت دول لا تملكه إلى حيازته بأي ثمن. تدرك الدول النووية أنها تحوز أرفع مراتب الأمن أو "أشرفها"، فيما لا تحوز الدول المحرومة منه غير أمن بخس يسهل انتهاكه. هذا ينطبق على العلاقات الطوائفية في لبنان. والقول إن حزب الله لن يرتب أية ميزة في الصراع السياسي اللبناني على حيازته للسلاح أمر طيب، إلا أن التعويل عليه ليس من حسن الفطن لتعارضه مع طبائع السياسة في الدولة الطائفية.
إذا تابعنا التشبيه ذاته قد نلاحظ أن الدول النووية لن تستخدم أسلحتها الاستراتيجية هذه إلا إن تعرضت لخطر وجودي. لكن من يحدد ما هو الخطر الوجودي؟ بلا ريب هم من يملكون السلاح. وإنه لافتراض معقول أن عتبة الأخطار الوجودية تنخفض لدى هؤلاء بتناسب طردي مع حصانة استخدام السلاح النووي ضد العدو، أي مع ضعف هذا وليس مع قوته. وبالمثل من الطبيعي، بل والعادل، أن يعتبر حزب الله حكومة السنيورة خطرا شبه وجودي عليه إذا كان يتهمها علنا بالخيانة، ويتهم أطرافا منها بالاتصال بإسرائيل. فالتخوين يفيد في محو الفارق بين العدو والخصم السياسي، ما يسهل نقل الحرب إلى داخل البلاد. وهذه آلية حالة الطوارئ التي "حرم" لبنان منها، وقد يشتهيها بعض أهله (تشتهيها إيديولوجياتهم بالتأكيد!).
ويشكل التقاء السلاح والتخوين المزيج الانفجاري الأخطر. فالسلاح يجعل إباحة دم الخونة أمرا ممكنا، فيما يجعله التخوين مرغوبا. وإذا التقى الممكن والمرغوب لم يعد يلزم لتفجير حرب أهلية غير صاعق، يسر أطرافا خارجية كثيرة أن توفره. وهي أطراف لا تشكو من قلة الوكلاء داخل لبنان الذي يكاد يكون بلا داخل. إن أخطر ما في الأزمة الراهنة في لبنان أنها تترك البلد على مسافة حادث أمني كبير واحد من انفجاره وراء أية لملمة ممكنة.
والحال، هل كان للحزب أن يستمرأ التخوين لولا حيازته فائض قوة كبير بالمقارنة مع مكونات المجتمع اللبناني الأخرى؟ وقبل ذلك لولا أن حيازته للسلاح مكنته من تكوين تصور للوطنية (واللاوطنية) ليس متاحا للقوى اللبنانية الأخرى تكوين مثله؟ ولو كانت القوى اللبنانية جميعا مسلحة (أو مجردة من السلاح)، هل كانت عتبة التخوين بقيت على هذه الدرجة من الانخفاض؟
بعد أيام أو أسابيع قد يبدو أن حزب الله استدرج نفسه إلى حصار سياسي بقرار النزول إلى الشارع. إذ لا يمكن أن ينخرط بهذه الحدة في الصراع الداخلي دون أن تتسيس قضية سلاحه وتطرح في النقاش العام. بالخصوص بعد القرار 1701 الذي دوّل جنوب الليطاني، وأغلق جبهة التماس المباشر مع إسرائيل دون مقاتلي الحزب، وقلل من جدوى السلاح في مواجهة العدو. هذا وجه مشؤوم للتجاذب الحالي. إذا أنه قد لا يترك مخرجا لحزب الله غير المضي إلى إسقاط الحكومة ولو بالقوة، ما من شأنه جر لبنان مجددا إلى الحرب الأهلية. معضلة حزب الله هذه قد تتسبب بمحنة مفتوحة الآفاق للبنان.
من سيكون المسبب، ومن سيكون على حق إن وقع هذا المحظور؟ من دروس الحرب اللبنانية السابقة أن الحرب لن تتأخر عن إنتاج أسباب دوامها، وكذلك "الخونة" و"العملاء" و"الأغراب" الذي يجب تصفيتهم قبل إنهائها، ومن دروسها أن الحق يحترق فيها قبل غيره، ويتساوى الجميع في كونهم قتلة.
وبعد، يصعب تجنب التفكير في أن من جذور الأزمة اللبنانية الراهنة أن حزب الله، بحكم ملابسات ميلاده وترعرعه وتحالفاته، كبير على لبنان: فإما أن يشق البلد الصغير ويمزقه، أو أن يدرجه في أطر إقليمية أوسع، أو أن يتصاغر كي يمسي على قياس لبنان. خيارات أصعب من بعضها وأسوأ. هذا وجه آخر لشؤم أوضاع لبنان الحالية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حنين إلى الوطنية القبلية في حمى الدكتاتور
- في أصل السخط العربي وفصله
- تعاقب أطوار ثلاث للسياسة والثقافة العربية...
- كل التلفزيون للسلطة، ولا سلطة للتلفزيون!
- أزمة الهيمنة وعسر التغيير السياسي العربي
- في -نقد السياسة-: من الإصلاح والتغيير إلى العمل الاجتماعي
- ديمقراطية أكثرية، علمانية فوقية، ديمقراطية توافقية؟
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الخرائط العقلية والسياسية أم الخرائط الجغرافية هي التي ينبغي ...
- الإنترنت وحال العالم الافتراضي في سوريا
- في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها
- في أن الخيانة نتاج وظيفة تخوينية لنظام ثقافي سياسي مغلق
- في مديح الخيانة
- نحو حل غير نظامي للمشكلة الإسرائيلية!
- -غرابة مقلقة- للإرهاب في سورية!
- في انتظام الطوائف وتبعثر الأمة
- في أصول -ثقافة الهزيمة-
- صراع حضارات أم طائفية عالمية؟
- من استكمال السيادة إلى عملية بناء الدولة الوطنية
- نصر نصر الله!


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - معضلة حزب الله ومحنة لبنان