داليا سعدالدين
باحثة فى التاريخ
(Dahlia M. Saad El-din)
الحوار المتمدن-العدد: 8129 - 2024 / 10 / 13 - 00:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في العقود الأخيرة، شهدت العلاقات بين دول القرن الإفريقي تطورات وتحولات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالتنافس على الموارد والسلطة الإقليمية. تبرز في هذا السياق العلاقات المتوترة بين إثيوبيا وجيرانها، وخاصة مصر وإريتريا والصومال، حيث تتداخل المصالح الوطنية والأمن القومي مع التحديات السياسية الداخلية لتلك الدول، مما يطرح تساؤلات حول إمكانية نشوء تحالف إقليمي يهدف إلى مواجهة نفوذ إثيوبيا المتزايد.
العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا: تاريخ من التوتر والعداء
منذ أن انفصلت إريتريا عن إثيوبيا رسميًا عام 1993 بعد صراع طويل من أجل الاستقلال، ظلّت العلاقات بين البلدين مضطربة. فرغم التعند الإثيوبي، بقيادة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية آنذاك؛ إلا أن إريتريا نالت استقلالها في بداية التسعينيات، غير أن التوترات لم تتراجع لفترة طويلة. بل على العكس، تفاقمت الصراعات بشكل كبير حول المناطق الحدودية، خاصة منطقة بادمي، حيث دخل البلدان في حرب شاملة بين عامي 1998 و2000، انتهت باتفاقية الجزائر للسلام، والتي على الرغم من أنها أوقفت الأعمال العدائية المباشرة، إلا أنها لم تحل النزاعات الإقليمية العميقة بين البلدين.
أسفرت الحرب الإريترية الإثيوبية عن خسائر بشرية فادحة، حيث فقد عشرات الآلاف أرواحهم. كما أدى الصراع إلى إضعاف اقتصادي كبير لكلا البلدين، حيث تم تحويل الموارد الوطنية بعيدًا عن التنمية الاقتصادية لصالح المجهود الحربي. ورغم توقف الأعمال القتالية، ظلّت العلاقات بين البلدين محكومة بحالة من "اللاحرب واللاسلم" لأكثر من عقدين من الزمن، مما أوجد بيئة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في منطقة القرن الإفريقي.
الحرب الإريترية - الإثيوبية وتأثيرها الإقليمي
لا يمكن إنكار الأثر الكبير الذي خلفته الحرب بين إثيوبيا وإريتريا على منطقة القرن الإفريقي. لقد أدت إلى تقويض جهود التكامل الاقتصادي الإقليمي وأثرت سلبًا على علاقات إثيوبيا مع الدول المجاورة، مثل السودان وجيبوتي. هذه التوترات الإقليمية أوجدت فراغًا أمنيًا في المنطقة، مما سمح للجماعات المتطرفة والجهات الفاعلة غير الحكومية باستغلال هذا الفراغ وتعزيز نفوذها.
كما عززت الحرب المخاوف الأمنية لدى كل من إثيوبيا وإريتريا، حيث شهد كلا البلدين عسكرة مكثفة على حدودهما، مما زاد من تعقيد الوضع الإقليمي وأدى إلى تأخير جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت الذي كانت فيه منطقة القرن الإفريقي بحاجة ماسة إلى الاستقرار والتكامل الاقتصادي لمواجهة التحديات التنموية، جاءت الحرب لتقوض تلك الجهود وتجعل المنطقة أكثر عرضة للأزمات.
اتفاق سلام عام 2018 بين إثيوبيا وإريتريا: هل كان بداية جديدة لاستقرار المنطقة؟
في عام 2018، ومع انتخاب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، شهدت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا تحسنًا كبيرًا. فقد قام آبي أحمد بإجراء تحسينات دبلوماسية ملحوظة من خلال التواصل مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، مما أسفر عن توقيع اتفاق سلام تاريخي بين البلدين. هذا الاتفاق الذي أنهى رسميًا حالة العداء بينهما، لقي ترحيبًا واسعًا على المستوى الدولي وساهم في فوز آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام.
لكن هذا السلام لم يدم طويلاً. فسرعان ما تجددت التوترات بين البلدين نتيجة للصراعات الداخلية في إثيوبيا، خاصة بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيجراى. لقد كانت جبهة تحرير شعب تيجراى، التي لعبت دورًا كبيرًا في الصراع السابق بين إثيوبيا وإريتريا، تمثل قوة مهيمنة في السياسة الإثيوبية لفترة طويلة. ومع تهميشها التدريجي تحت قيادة آبي أحمد، بدأت التوترات تتصاعد بشكل كبير.
دور جبهة تحرير شعب تيجراى في الصراع
لم تكن جبهة تحرير شعب تيجراى مجرد لاعب سياسي داخلي في إثيوبيا، بل كانت أيضًا عاملًا رئيسيًا في التوترات بين إثيوبيا وإريتريا. فمنذ انتهاء الحرب الإريترية الإثيوبية، ظلت العلاقات العدائية بين الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى والقيادة الإريترية قائمة، مما ساهم في تأجيج الصراعات المستقبلية.
عندما بدأت حرب تيجراى في أواخر عام 2020، كانت إريتريا من أولى الدول التي انخرطت في النزاع. حيث عبرت القوات الإريترية الحدود لدعم القوات الفيدرالية الإثيوبية في قتالها ضد جبهة تحرير شعب تيجراى. هذا التدخل العسكري الإريتري زاد من تعقيد الوضع، وأدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في منطقة تيجراى، حيث اتهمت القوات الإريترية بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
تحالفات جديدة ضد إثيوبيا: مصر وإريتريا والصومال
في ظل هذه التوترات، برزت تحركات دبلوماسية مثيرة للاهتمام في المنطقة. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة انعقاد قمة في أسمرة، جمعت قادة كل من مصر وإريتريا والصومال. أثارت هذه القمة تساؤلات حول إمكانية تشكيل تحالف جديد بين هذه الدول ضد إثيوبيا. إذ ركزت القمة على مسألة احترام السيادة الوطنية، وهو ما فسره بعض المحللين كموقف ضد تحركات إثيوبيا في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بسعيها للحصول على منفذ بحري عبر إقليم صوماليلاند.
هذا التحالف المحتمل يثير قلق إثيوبيا بشكل كبير، خاصة في ظل تورطها في نزاعات داخلية مستمرة، أبرزها النزاع حول سد النهضة مع مصر. فبينما تسعى إثيوبيا لاستكمال مشروع سد النهضة الكبير على نهر النيل، ترى مصر أن هذا المشروع قد يهدد حصتها التاريخية من مياه النيل، مما يزيد من حدة التوترات بين البلدين.
أثر التحالف الثلاثي على استقرار المنطقة
رغم نفي الصومال وجود أي نوايا عدائية تجاه إثيوبيا، إلا أن تشكيل هذا التحالف بين مصر وإريتريا والصومال قد يضع إثيوبيا في موقف حرج. فالعلاقات المتوترة بالفعل بين أديس أبابا والقاهرة حول سد النهضة قد تتفاقم بشكل أكبر إذا ما قررت مصر تعزيز علاقاتها مع إريتريا والصومال على حساب إثيوبيا.
وفي الوقت نفسه، تعاني إثيوبيا من توترات داخلية كبيرة نتيجة للصراع في تيجراى، وهو ما يجعل من الصعب عليها مواجهة التحديات الخارجية بشكل فعال. من هنا، يظل السؤال المطروح هو: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا التحالف الثلاثي المحتمل على استقرار إثيوبيا والمنطقة بشكل عام؟
مستقبل القرن الإفريقي في ظل التحالفات الجديدة
أخيرا، لا شك أن التوترات الإقليمية في القرن الإفريقي تعد من بين أكبر التحديات التي تواجه استقرار المنطقة. فمع استمرار النزاعات بين إثيوبيا وجيرانها، سواء حول الموارد أو الحدود، يبقى من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقات بين هذه الدول. التحالفات الجديدة التي قد تتشكل بين مصر وإريتريا والصومال قد تعيد تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويؤثر على استقرار القرن الإفريقي ككل.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم هو: هل ستكون هذه التحالفات قادرة على تحقيق توازن جديد في المنطقة؟ وهل ستتمكن الدول المعنية من تجنب التصعيد العسكري والحفاظ على استقرار المنطقة؟ هذه الأسئلة ستظل قائمة، وستكون محور اهتمام العديد من التحليلات السياسية في المستقبل، وغالبا ستظل في صدارة الاهتمام الدولي خلال المستقبل القريب.
ومن ثم، سوف تكون تلك التساؤلات وغيرها حول مستقبل حوض النيل، وتأثير النزاعات على استقرار القرن الإفريقي، موضوعًا للنقاش فى مقالاتى القادمة.
#داليا_سعدالدين (هاشتاغ)
Dahlia_M._Saad_El-din#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟