أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داليا سعدالدين - مصر فى الميراث الإثيوبى















المزيد.....

مصر فى الميراث الإثيوبى


داليا سعدالدين
باحثة فى التاريخ

(Dahlia M. Saad El-din)


الحوار المتمدن-العدد: 6947 - 2021 / 7 / 3 - 01:45
المحور: الادب والفن
    


ارتبط اسم "مصر" فى التراث الشعبى الإثيوبى بنظرتين متناقضتين؛ إحداهما نظرة قداسة وامتنان، والأخرى يغلب عليها مشاعر الشك والريبة مما يرتبط باجواء الاضطهادات الدينية وما يترتب عليها من آثار اجتماعية واقتصادية وخيمة ناجمة عن أجواء الحرب التى عانى منها المجتمع الإثيوبى خلال فترات تاريخه الوسيط؛ والتى استمرت فى شكل نوع من الاضطرابات السياسية حتى توحيد إثيوبيا سياسيا فى عهد الامبراطور العظيم "منليك الثانى – 1889: 1913". النظرة الأولى لمصر ارتبطت بكونها مصدر للشغف والتقديس؛ فذلك لكون الديانة المسيحية قد دخلت إثيوبيا من خلال أفباط مسيحيون كانوا رهبانا ارتحلوا للجنوب نحو إثيوبيا عبر بلاد النوبة وممالكها القديمة والوسيطة. وقد وجد التراث الإثيوبى مصدر هذا الإلهام الثرى فى نبوءات الكتاب المقدس؛ إذ تقول الأية الكريمة: "يَأْتِى شُرَفَاءُ مِنْ مصْرَ. كُوشُ تُسْرِعُ بِيَدَيْهَا إِلَى اللهِ" (مز 68: 31)؛ حيث اعتبر التراث أن الأباء الرهبان الذين جاءوا من أرض مصر هم مصدر انقاذ مملكة "كوش" القديمة من ظلام الوثنية. كما اعتبرها- فيما بعد - القوميين المتدينين نبوءة تعلن عن قرب سيطرة وحكم الرجل الأسود فى المستقبل، بعد أن استمر حكم الرجل الأبيض زمنا طويلا لم ينل العالم خلاله غير ويلات الحروب وانتشار المجاعات؛ خاصة وأنهم اعتبروا الآية: "كُوشٌ قُوَّتُهَا مَعَ مصْرَ وَلَيْسَتْ نِهَايَة. فُوطٌ وَلُوبِيمُ كَانُوا مَعُونَتَكِ." (ناحوم 3:9) نبوءة عن أن قوة أفريقيا وخلاصها يكمنا فى وحدة الأفارقة جنوبا وشمالا، بالإضافة إلى الإيمان الصحيح الذى مصدره هو الإيمان الذى أتى إلى إثيوبيا من مصر.
وعلى صعيد اخر؛ فكما ارتبط اسم مصر وشعبها برحلة العائلة المقدسة؛ هربا من بطش هيرودس ملك فلسطين تحت الحكم الرومانى؛ والذى قرر قتل جميع الأطفال الرضع خوفا من نبوءة انتشرت عن ولادة "ملك اليهود". وهكذا هربت العذراء مريم بوليدها يسوع برفقة خطيبها يوسف النجار ليحتموا بأرض مصر ويظلوا بها قرابية الثلاث سنوات. فقد ارتبطت اسم مصر ايضا بأسطورة انتقال اختيار الرب لشعبه المختار، أو شعبه المقدس من شعب إسرائيل إلى الشعب الإثيوبى، وتأسيس الاسرة السليمانية الحاكمة لأراضى إثيوبيا. وذلك طبقا لما ورد فى الكتاب الإثيوبى المقدس "كبرا ناجشت" – جلال الملوك – الذى هو أحد روائع الأدب الشعبى الإثيوبى. وقد اختلف الباحثين فى زمن تأليفه ما بين القرنين السادس والثالث عشر الميلاديين، إلا أن معظم الآراء قد اتفقت على كتابته فى القرن الثالث عشر. وكتاب "كبرا ناجشت" فيما يعتقده الباحثون المختصون فى علم اللغة الجعزية يحتوى على خلط واضح بين المادة الأسطورية والمادة التاريخية، ويعود أصل بعض النصوص إلى مصادر مصرية قديمة وإلى العهد القديم وبعض المصادر الإسلامية، وأيضًا إلى كتب الأبوكريفا – وهى الأسفار التى لم يتم اعتمادها لتصبح جزء من الكتب المقدسة – وأيضا بعض المعتقدات الأفريقية الأقدم من كل هذا. وعمومًا اتفق الباحثون على كونه عملاً أدبيًّا متكاملاً.
وطبقا لكتاب "كبرا ناجشت" فقد وقع اختيار االله على شعب إثيوبيا نظرا لشدة إيمانه. وتأكيدا لذلك الاختيار؛ فقد شاء الرب أن تزور الملكة الإثيوبية "ماكيدا" - التى تحل محل الملكة "بلقيس" فى التراث اليهودى والإسلامى – الملك "سليمان" فى أورشليم؛ وتتزوجه لتلد منه "منليك الأول بن سليمان"، الذى يشب فى كنف والدته الملكة فى إثيوبيا. وعندما يصل "منليك الأول" لسن الشباب تقرر والدته الملكة "ماكيدا" أن يزور ولده الملك "سليمان" فى "أورشليم" ليعمده. إلا أن "منليك" يقرر القيام بسرقة "تابوت العهد" ومعه اثنا عشر كاهنًا من أبناء القضاة ليؤسس بهم مملكة "داوود" الأرضية فى إثيوبيا. وتستمر الأسطورة فى سرد احداث قصة هروب "منليك" والاثنى عشر شاب ومعهم "تابوت العهد"؛ فتروى أن "التابوت" كان يطير فى اتجاه مصر التى عبر منها متجها إلى إثيوبيا (انظر الخريطة)

هكذا كانت نظرة التقديس الإثيوبية لمصر؛ إذ من أرضها جاء الأباء الرهبان الأوائل ليعملوا على نشر الديانية المسيجية لهداية الإثيوبيين لتعاليم الله الواحد وينقذوهم من ظلام الوثنية. ومن ناحية أخرى كانت أرض مصر مباركة مرتان؛ المرة الأولى حينما احتمت بأرضها وشعبها العذراء مريم وابنها يسوع من بطش هيرودس. أما المرة الثانية فقد بارك أرضها وشعبها "تابوت العهد المقدس" إذ طار فوقها حتى يصل إلى إثيوبيا ليعلن أن الشعب الإثيوبى أصبح هو الشعب المختار بديلا لشعب إسرائيل الذى بعد عن تعاليم الرب. وعليه يتم الإعلان عن تأسيس مملكة داوود الأرضية فى أرض إثيوبيا من خلال الابن لابكر للملك "سليمان" من الملكة الإثيوبية "ماكيدا"؛ ألا وهو الملك "منليك الأول" المؤسس الأسطورى للأسرة السليمانية الحاكمة فى إثيوبيا حتى سنة 1974.
أما عن نظرة الشك والريبة فهى نظرة تاريخية بعيدة عن مسألة القصص الدينى وظلاله المقدسة. إذ ارتبطت نظرة الشك والريبة فى نوايا المصريين بأحداث القرون الوسطى من قضايا الاضطهاد الدينى وما تلقيه على الأمور السياسية من ظلال؛ خاصة وأنها كانت فترات الحروب الصليبية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ انتشرت الإمارات الاسلامية شرق مملكة إثيوبيا خلال القرن الثالث عشر الميلادى؛ حيث سيطروا على الطرق التجارية من وإلى المرتفعات الإثيوبية؛ لذا شعر ملوك إثيوبيا من أسرة زاجوى (حوالى 1137: 1270م.) أن الكنيسة المرقسية الأم فى الإسكندرية قد تواطأت ضدهم وتحالفت مع الحكام العرب لمصر؛ أو أن هؤلاء الحكام قد أثروا على الكرازة لتعيين اساقفة مصريين للكنيسة الإثيوبية يعملون على توطيد وتعزيز المصالح الاقتصادية الاسلامية فى المرتفعات الإثيوبية؛ وذلك لضمان الاستمرار السياسى من خلال تأمين وتأكيد المصالح الاقتصاية للإمارات الصومال الإسلامية فى الهضبة الإثيوبية! كما لأن أحداث سنة 1321م. خلال فترة حكم الملك الناصر محمد بن قلاون من حرق وهدم العديد من كنائس فى مصر، طبقا لما أورده المقريزى فى كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك، الجزء الثانى (ص 495: 496)؛ قد ألقت بظلالها على وجهة الظر الإثيوبية تجاه مصر. ذلك أن تلك الأحداث قد رد عليه الملك "أمدى سيون" (1314: 1344م.) من الأسرة السليمانية بزيادة الحملات العسكرية على الإمارات الصومالية المسلمة فى منطقة القرن الأفريقى.
ثم يأتى القرن التاسع عشر ليضيف بعضا من أحداثه عل العلاقات الإثيوبية- المصرية. حيث كان طموح الخديوى "إسماعيل" فى بسط السيطرة السياسية المصرية على الهضبة الإثيوبية تأصير كبير فى العلاقات. ذلك أن الإمبراطورية المصرية خلال عهد الخديوى "إسماعيل" قد وصلت لأقصى اتساع لها؛ إذ وصلت السيطرة المصرية عبر السودان إلى شمال أوغندا غرب الهضبة الإثيوبية. كما كاد البحر الأحمر أن يكون بحيرة مصرية خالصة لولا سيطرة الإنجليز على ميناء عدن فى باب المندب؛ إذ كانت الإدارة المصرية فى سواحل شرق أفريقيا قد وصلت إلى منطقة "راس حافون" فى الصومال على المحيط الهندى (انظر الخريطة رقم 2). أى أن السيطرة المصرية فى المنطقة كانت أشبه ما تكون بالكماشة على الهضبة الإثيوبية وبالتالى على مملكتها. لذا طمع الخديوى "إسماعيل" فى ضم الممكلة الإثيوبية لتصبح ضمن سيطرة الإارة المصرية فى منطقة القرن الأفريقى. وعليه فقد أرسل الحملات العسكرية لإخضاع الممكة الإثيوبية؛ غير أن تلك المحملات كلها باءت بالفشل.
قد يطول الحديث عن مصر فى الميراث الإثيوبى سواءا أكان موروث شعبى تداخلت فيه الخرافة مع الأسطورة فى سرد أحداث التاريخ المشترك للبلدين، أو تاريخ رسمى قد يتم اسقاط بعض أحداث عمدا. غير أن الواقع والمستقبل معا يشيان بما تم تحويره من حلقات التاريخ خلال هذين المستويين؛ ولنا فى تاريخ "دير السلطان" فى الأراضى المقدسة أصدق دليل؛ وهو ما لا يتسع المقام لسرد أحداثه الماضية؛ إلا أن واقعه يعكس بعض روءئ الشك والريبة تجاه مصر فى الميراث الإثيوبى على الصعيد الشعبى؛ والذى يتم الاستفاده منه لصالح المستوى السياسى.



#داليا_سعدالدين (هاشتاغ)       Dahlia_M._Saad_El-din#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. الداعية مبروك عطية يكشف سبب غضبه من الفنان عادل إمام ( ...
- مصر.. مشاجرة في شقة فنان شهير تنتهي بقفز شخص من الشرفة
- اللغة العربية في بوركينا فاسو.. إرث التاريخ وتحديات الحاضر
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يحسم الجدل حول حصوله على الجنسية الس ...
- فنان مصري شهير يكشف حقيقة علاقته بتطبيق -مراهنات- (فيديو)
- فنان فلسطيني يجسد تاريخ وتراث القضية الفلسطينية في لوحاته (ص ...
- فنان فلسطيني روسي يجسد تاريخ وتراث القضية الفلسطينية في لوحا ...
- هيبقى فيلم جباااار..حقيقة تحويل لعبة جاتا لفيلم سينمائي في ا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داليا سعدالدين - مصر فى الميراث الإثيوبى