|
جماعة البصرة أواخر القرن العشرين الأسباب والظروف المحيطة (إشارات حول التجربة)(*)
محمد عبد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 8113 - 2024 / 9 / 27 - 22:49
المحور:
الادب والفن
(1) : استذكار تعيدني الذاكرة إلى (شارع الوطن) في تسعينيات القرن الماضي، حين كان يمتلك وجهًا غابت كلّ ملامحه الآن. كان الوقت مساءً.. وموعد الجلسة في (مقهى صلاح)(1) قد أزف لتبدأ رحلة طوافنا اليومي. - كيف يمكن الاقتناع بنصٍّ كهذا في وقت لا يجد فيه الشعب ما يأكله! كان (قصي الخفاجي)، وهو يقول ذلك، قد وقف متخصّرًا. ومع أنّه كان يواجهني.. إلّا أنّه لم يكن يراني. وكنتُ قد اطّلعت على النّصّ الذي اشار إليه ونشرته إحدى مجلّاتنا الأدبية وقتها. وتأكيدًا لعدم قناعته بالنصّ الذي كان مترعًا بما لذَّ وطابَ.. روى لي حادثة كان قد رآها قبل أيامٍ حين اختطف أحد المشرّدين، من أحد مطاعم الشارع، دجاجة وهرب.. وكيف كان، لسخونتها، ينقلها بين يديه قبل أنْ يلفّها بذيل (دشداشته). ربما يُمثّل هذا الاستذكار حجم الفجوة بين ما كان يُطرح في حينه.. وما يُفترض أنّه مُعبّر عنه، وكاشف لمناطق الضوء والظلمة فيه. (2) : التغيير حاجة وليس ترفًا الأحداث الكبيرة، الحروب، الهزائم.. وحتى الانتصارات لا يمكنها أنْ تمرَّ دون أنْ تتركَ أثرًا على كلّ شيء: الإنسان وما يُحيطه.. تفكيره وما ينتجه، وليس الأدب بمنأىً عن ذلك. فما أنتجته الرواية والقصة القصيرة في الأدب العربي بعد هزيمة حزيران عام 1967 ليس كالذي أُنتج قبلها. ولنا في تيار الرواية الفرنسية الجديدة وأسباب ظهوره مثالٌ آخر. فالتغيير، في الحالات المماثلة، أو البحث عنه ومحاولة استحداثه وإيجاده.. ومغادرة المناطق التي تبدو، وهمًا، آمنة إلى أخرى أكثر رحابة واتساعًا وقدرة على التعبير، لا يعدّ ترفًا أو تغييرًا مطلوبًا لذاته فقط. (3) : لماذا جماعة؟ وسط الأجواء التي لم تعدْ خافية على أحد.. لم يكن الجهد الفردي مُمكنًا.. أو مُثمرًا أمام القبضة الحديدية التي أمسكتْ بها السلطة، مع ما أمسكته، المشهد الثقافي بكلّ تفاصيله بعد فشل الجبهة الوطنية وما أعقبه من تصفيات لقوى اليسار والقوى الوطنية الأخرى؛ فاختفى مَن اختفى.. وصمتَ مَنْ صمتَ.. وهاجر مَنْ هاجر. ومع أنّ الإصدار الأول للجماعة كان في تموز عام 1991.. إلّا أنّ البحث عن التغيير والابتعاد عن السائد كان يشغل عددًا من قصاصي البصرة الشباب قبل ذلك الوقت. وكأنّ الأعضاء المؤسسين، وهم يبحثون فُرادى عمّنْ يشاركهم مشروعهم(2)، إنّما كانوا ينشدون جمع أفكارهم الفردية وضمّها إلى بعضها لتشكيل قوة تُمكّنها من إحداث ثغرة في النمط الثقافي السائد حينها.. القصصي منه على وجه الخصوص. وهم، في كلّ ذلك، إنّما ينطلقون من وعي حادٍّ لطبيعة مرحلة تَوَّجَتْ كلّ اخفاقاتها انتكاسة انتفاضة آذار 1991. وإذا كانت الجماعة، وهي توزّع إصدارها الأول في العاصمة، قد ألقتْ حجرًا كبيرًا في بركة ساكنة، كما يحلو لبعض أعضائها أنْ يقول.. فإنها، بتوالي إصداراتها تكون قد وضعتْ لها لَبِنَةً في عالم السرد القصصي العراقي لا يمكن، لأيّ دراسة جادة تخصّ هذا الفنّ، تجاوزها. (4) : هل (البصرة أواخر القرن العشرين) جماعة مغلقة؟ إنّ أيّ تكتّلٍ أو جماعة إبداعية تطمح، من ضمن ما تطمح إليه، إلى إيجاد صوتٍ تراه مغايرًا.. استحداث مساحة لإبداعٍ لا تسعه، وربما لا تسمح به، المساحة الرسمية المتاحة.. هذا إنْ لم تضعه في موقع الاتهام وتقف بالضد منه(3). إنّ مشروعًا كالذي عملتْ عليه (جماعة البصرة) يتطلّب الانفتاح على الآخر المختلف. وإلّا من غير المعقول، وبالتالي المثمر، أنْ تتبنّى الجماعة، أي جماعة، نهجًا أحاديًّا رافضًا للآخر.. وهو ذات الأمر الذي عانت منه وعملتْ على الخروج عن طوقه. فعلى مَنِ انفتحتْ (جماعة البصرة أواخر القرن العشرين) في فترة اتسمتْ بعدم وجود هوامش حرية متاحة؟ ونرى هنا أنّ نجاة (جماعة البصرة) من شرك (الأيديولوجيا)، الذي ربما طبع بصمته على جماعات أدبية وإبداعية أخرى، وكون المشاركين فيها ينتمون إلى مدارس فكرية مختلفة؛ نرى أنّ ذلك يُعدّ انفتاحًا.. كما أنّ هامش الحرية المتفق عليه، ضمنًا، بين أعضائها.. مع شغفهم بفن القصة القصيرة؛ مكّنها من الاستمرار في مشروعها الإبداعي لعقد من الزمن اختتمته بإصدار قصص (11) سنة 2000.
هوامش : (*): الورقة المشاركة في (ملتقى القصة القصيرة) في البصرة للفترة من 19 إلى 21 أيلول 2024. (1): مقهى صغير يقع عند مدخل شارع الكويت القريب من نهر العشّار كان يرتاده أعضاء الجماعة.. ولم يعد موجودًا الآن. (2): يذكر القاص قصي الخفاجي في مقال له بعنوان: (جماعة البصرة أواخر القرن العشرين / الموجات الثلاث.. والريادة الأولى لأدب الاستنساخ في العراق) ما نصّه: "بداية كان القاص جابر خليفة جابر ودون أنْ نتعارف قد عرض مشروعًا قصصيًّا مشتركًا عبر الوسيط الفنان علي باقر الهاشمي أواخر عقد الثمانينيات". وهو المقال الذي أُخذت عن بعض فقراته مقدمة كتاب (البصرة أواخر القرن العشرين.. ريادة أدب الاستنساخ في العراق) الصادر عن دار شهريار – ط1 2018. (4): يذكر القاص قصي الخفاجي في مقاله السابق ما نصّه: "قام المنتدى العام للأدباء الشباب في العراق بإرسال لجنة تحقيق حول الإصدار غير الرسمي. وخلال تحرّي اللجنة عن أسباب صدور العدد بدون ترخيص؛ وقف إلى صفّ الجماعة عدد من الأدباء المعروفين في بغداد والبصرة وأعلنت لجنة التحقيق أن القصص صدرت عن نيّات بريئة وبسبب قلّة فرص النشر".
#محمد_عبد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإشادة بالحكومة ليلة الاحتفاء بشهر محرم.. هفوة أم منهج؟
-
(كأس الأضاحي)(*) للروائي صلاح عيّال - ضحايا الاستبداد -
-
أبي لم يمت / أقصوصة
-
(سليل الخيال)(*) للروائي إبراهيم سبتي -البحث عن الحياة وسط خ
...
-
قطارات القاص خالد مهدي الشمري
-
في الطريق إلى سامرّاء
-
(خبايا الرماد)(*) .. أمْ أوراق الخبايا (إشارات قارئ)
-
لو ...
-
البذلة الرمادية / أقصوصة
-
رواية (بقايا رغوة)(*) لجهاد الرنتيسي (إشارات أولى لقارئ)
-
تحت سماء بلون الرماد
-
- المهم.. أنّنا الآن هنا
-
الشبّاك .. رؤية باتجاهين رأي في عنونة كتاب (الشبّاك في السبي
...
-
الطوفان (قصة قصيرة)
-
الرجل المشع / أقصوصة
-
الشهداء يعودون غدًا -قصة قصيرة-
-
رواية (سبعة أصوات) .. قراءة الأستاذ عبد الكريم الشاعر
-
(ما يضمره السرد ويعلنه)(*) للأستاذ ياسين شامل - إشارات قارئ
...
-
فندق (قصة قصيرة)
-
تحت المطر / قصة قصيرة
المزيد.....
-
-لا تلمسيني-.. تفاعل كبير مع فيديو نيكول كيدمان وهي تدفع سلم
...
-
بالمجان.. موسكو تفتح متاحفها ومعارضها أمام الزائرين لمدة أسب
...
-
إسرائيل تخالف الرواية الأممية بشأن اقتحام قاعدة لليونيفيل
-
فنان مصري مشهور يستغيث بالأزهر
-
-حكي القرايا- لرمضان الرواشدة.. تاريخ الأردنيين والروايات ال
...
-
أفلام كرتون مميزة طول اليوم.. حدثها الآن تردد قناة ميكي الجد
...
-
انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان كتارا للرواية العربية
...
-
الإعلان 2 دمااااار… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 167 مترجمة بالل
...
-
فنانة مصرية شهيرة تناشد الرئيس السيسي
-
حسين الجسمي يرد على صورة مع بلوغر إسرائيلي ويثير تفاعلا.. صو
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|