أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عالم الذرة وعالم المجرات















المزيد.....

عالم الذرة وعالم المجرات


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8088 - 2024 / 9 / 2 - 14:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
١٣ العالم الكبير والعالم الصغير

يبدو كأن العالم أو الكون ينقسم إلى عالمين متناقضين، عالم الأشياء أو الظواهر شديدة الضخامة، الكواكب والمجرات وعالم الفضاء اللانهائي لدرجة يستحيل تخيلها من قِبل عقل بشري شديد الضآلة، وهذا العالم العملاق يتكون بدوره من عالم آخر يعج بأشياء غير مرئية وضئيلة لدرجة العدم بمقاييسنا الكلاسيكية. وقد بُذلت محاولات لوصف هذين العالمين بلا هوادة وذلك منذ ديموقريطس Démocrite ونظريته الذرية وهو أول من أستعمل مصطلح العالم الكبير macrocosme والعالم الصغير microcosme، وحتى القرون القليلة الماضية والتي تم فيها تحليل وتفجير هذه الذرة وإكتشاف العشرات من الجسيمات التي تتصارع داخلها. وقد قدم الفلاسفة وعلماء الفلك والفيزياء على حد سواء تصورهم للكونين، فشرح نيوتن قوانين الحركة والجاذبية، وشرحت قوانين الديناميكا الحرارية انتقال الطاقة والحرارة في االأنظمة المختلفة. لقد شرحت نظريات أينشتاين النسبية The Theory of Relativity الخاصة والعامة الزمكان space-time والجاذبية؛ وشرحت ميكانيكا الكم Quantum mechanic والنموذج القياسي للفيزياء Standard Model of physics الجسيمات المختلفة والقوى الأساسية للطبيعة.
ففي مجال الفيزياء الحديثة، حتى وقت قريب، هناك نظريتان لا غير لتفسير الكون، نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين التي تفسر قوة الجاذبية في عالم الأجسام الشديدة الضخامة وهي تمنح الإطار النظري لفهم العالم في أبعاده الكبرى: النجوم والمجرات وتجمعات المجرات، وحتى ما وراء المدى البعيد للكون نفسه، والنظرية الأخرى هي ميكانيكا الكم التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الأجسام الصغيرة (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية)، وهي التي تفسر الإطار النظري لفهم العالم في أصغر أبعاده: الجزئيات والذرات وحتى الدقائق ما دون الذرة مثل الإلكترونات والكواركات. وبالرغم من أن النظريتين متكاملتان كل على حدة، إلا أن الجمع بينهما يؤدي إلى نتائج كارثية في فهم الكونين، الكبير منهما والصغير. حيث أن نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، إحداهما تنفي الأخرى بحيث لا بد من أن تكون واحدة منهما فقط على صواب. وهكذا فإن النظريتين اللتين تشكلان أساس التقدم الهائل في الفيزياء خلال المائة عام الماضية غير متوافقتين. وقد ثار تساؤل البعض عن غرض أو ضرورة جمع النظريتين من الأساس طالما أن كل نظرية تفسر بطريقة مقنعة الظواهر التي تعالجها. وكان الجواب التقليدي هو المقارنة بالحياة في مدينة ضخمة يسودها نظامان مختلفان من أنظمة السير والمرور وتنظيم الحركة، فهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى فوضى كارثية سنتج عنها إستحاة الحركة. بالإضافة إلى أن الدمج بين النظريتين هي الطريقة الوحيدة لفهم منشأ الكون وما حصل عند الانفجار العظيم، حيث أن هذا الكون العملاق نشأ من جسم صغير كروي مفلطح في أجزاء منه، يشبه قشرة الجوز في حجمها وشكلها حسب نظرية الإنفجار الكبير.
وقد طرح ألبرت أينشتاين فكرته الجريئة في إضافة بعد الزمن إلى الأبعاد الثلاثة المعروفة للمكان وذلك لإنتاج نسيج واحد "زمكاني" أشبه بشبكة الصيادين، وعلى هذا النسيج تتوزع الكواكب والنجوم والشمس، وكل منها يحدث تقعرًا في هذه الشبكة حسب ثقله. فعلى سبيل المثال، التقعر الذي تحدثه الشمس في هذا النسيج أكبر من التقعر الذي تحدثه الأرض مما يؤدي إلى دوران الأرض حول الشمس في أطراف التقعر الذي أحدثته الشمس على نسيج الكون. كانت هذه ثورة على مفهوم الجاذبية القديمة لنيوتن وسميت هذه النظرية بنظرية النسبية العامة. لكن أينشتاين كان يحلم أيضًا بتوحيد قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية وكان معجبًا جدًا بما حققه جيمس ماكسويل James Clerk Maxwell من توحيد للقوتين الكهربائية والمغناطيسية في ما سماه الموجة الكهرومغناطيسية electromagnetic radiation التي تصف الكهرباء والمغناطيسية والضوء على أنها تجليات مختلفة لنفس الظاهرة. وكان حلم أينشتاين أن يتمكن من توحيد فكرته الجديدة عن قوة الجاذبية مع القوة الكهرومغناطيسية في شكل معادلة رياضية واحدة الهدف منها التقرب أكثر من فهم ميكانيكية الكون.
وخلال عقد العشرينات من القرن العشرين، تمكنت مجموعة من العلماء، على رأسهم نيلز بور Niels Bohr، من اختطاف الأضواء من أينشتاين. كان هؤلاء العلماء، على العكس من أينشتاين مهتمين بالأجزاء الصغيرة من الكون مثل الذرة والإلكترونات والبروتونات. ولأن نظرية الجاذبية التي طرحها أينشتاين لتفسير التجاذب بين الكواكب العملاقة عجزت عن تفسير هذا العالم الصغير غير المرئي في الذرة الواحدة، وضعت نظرية جديدة خاصة بذلك أطلق عليها ميكانيكا الكم. لم يكن هنالك أي دور للتنظيم والحتمية في هذه النظرية وإنما كان كل شيء عبارة عن احتمالات. فحتى إذا كان هنالك 1000 احتمال لشيء ما فإن هناك احتمالاً لحدوث هذه الاحتمالات الألف. مجمل القول أن ميكانيكا الكم كانت تقول بضرورة "الاحتمالات" وبأنه لا يوجد يقين لا يقبل الشك بنتائج أي تجربة أو نظرية وهذا ما كان يرفضه أينشتاين في نظرية النسبية العامّة، حيث كان يؤمن بأن هناك تنظيماً لكل شيء في الكون حسب قولته الشهيرة "الله لا يلعب النرد". هذه الجملة بطبيعة الحال لا علاقة لها بالله، إينشتاين كان عقلانيا ملحدا لا يؤمن بالماورائيات ولا بالأساطير لكنه كان يقصد عدم وجود الصدفة في قوانين الطبيعة عكس ما تقول به النظريات الفيزيائية الجديدة التي بدأت تهيمن، لا سيما في فيزياء الكم الناشئة وفي تلك التي طورتها "مدرسة كوبنهاغن"، بعد بور وهايزنبرغ وغيرهما من الفيزيائيين. وقد تم إطلاق هذه العبارة الشهيرة God does not play dice - Gott würfelt nicht" من ألبرت أينشتاين في مؤتمر سولفاي عام 1927، وبالتالي أعرب أينشتاين عن معارضته للتفسير الاحتمالي لميكانيكا الكم ومبدأ الإرتياب أواللايقين Heisenberg Uncertainty Principle والذي أصبح من أهم المبادئ في نظرية الكم بعد أن صاغه العالم الألماني هايزنبرج Werner Heisenbergعام 1927. وينص هذا المبدأ على أنه لا يمكن تحديد خاصيتين مقاستين من خواص جملة كمومية quantum system إلا ضمن حدود معينة من الدقة، أي أن تحديد أحد الخاصيتين بدقة متناهية (ذات عدم تأكد ضئيل) يستتبع عدم تأكد كبير في قياس الخاصية الأخرى، ويشيع تطبيق هذا المبدأ بكثرة على خاصيتي تحديد الموضع والسرعة لجسيم أولي. فهذا المبدأ معناه أن الإنسان ليس قادرا على معرفة كل شيء بدقة 100%. ولا يمكنه قياس كل شيء بدقة 100%، إنما هناك قدر لا يعرفه ولا يستطيع قياسه. والتجارب المتلاحقة أثبتت صحة هذه النظرية وخطأ أينشتاين في هذه النقطة. شرحت ميكانيكا الكم آلية عمل العالم الكمومي، من تشابك جسمين كميين إلى القوى الأساسية للطبيعة والجسيمات الأساسية. وبدون هاتين النظريتين، فإن فهمنا للكون سيكون ضئيلاً أو معدوماً. وحتى بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، لا تزال التجارب تثبت العديد من الجوانب المختلفة لهاتين النظريتين الأساسيتين. على الرغم من مدى أهمية هاتين النظريتين، فقد وجد الفيزيائيون أنهما غير متوافقتين مع بعضهما البعض. وقد ظل هذا الصراع يختمر لأكثر من قرن من الزمان تقريبًا. يطمح العديد من الفيزيائيين إلى دمج ميكانيكا الكم والنسبية العامة لفهم قوانين الجاذبية الكمومية في نظرية واحدة. إن حل هذه المفارقة من شأنه أن يعمق بشكل كبير فهمنا للعالم الطبيعي. من سيمفونية المجرات إلى ميكانيكا الجسيمات الأساسية، فإن توحيد هاتين النظريتين سيجيب على جميع الأسئلة ويحل جميع ألغاز الكون، أو على الأقل، هذا ما يأمله علماء الفيزياء المعاصرة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية العالم بين الجحيم والجليد
- الأدلة على نظرية Big Bang
- مراحل الإنفجار الكبير
- الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
- نظرية تمدد الكون
- وتأخر المسيح عن موعده
- بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
- هل للكون بداية ونهاية ؟
- العبث بين الدين والفن
- بداية الخلق
- بين التأمل والتجربة
- بين الإحتمال واليقين
- ساعة إينشتاين
- حريق الظل الطويل
- عن الأخلاق واللاهوت
- الغرامشية اليمينية
- الثقافة ضد الدكتاتورية
- الثورة المضادة في فرنسا
- الخطر الفاشي في فرنسا
- القشور


المزيد.....




- ماذا قالت طالبان عن الإطاحة ببشار الأسد.. ورؤيتها لمستقبل سو ...
- هل أمريكا مازالت تعتقد أن هيئة تحرير الشام لها علاقة بداعش؟. ...
- سجناء سوريا.. الفرج يأتي ولو بعد حين
- اشتباكات عنيفة في منبج تسفر عن مصرع 26 مقاتلا في هجوم فصائل ...
- أسلحة سوريا الكيميائية.. قلق أميركي إسرائيلي بعد رحيل الأسد ...
- وفد حماس يغادر القاهرة بعد مباحثات مع مدير المخابرات المصرية ...
- مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث تطورات سوريا
- نتنياهو يصف سقوط نظام الأسد بـ-الفرصة المهمة- لإسرائيل
- بلينكن: سنراقب عن كثب التطورات في سوريا ونقيّم أقوال وأفعال ...
- أوليانوف: روسيا لا تخون أصدقاءها في المواقف الصعبة


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عالم الذرة وعالم المجرات