نظرية تمدد الكون

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)

الحوار المتمدن-العدد: 8071 - 2024 / 8 / 16 - 22:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
٨ - نظرية تمدد الكون

النظريات الدينية المعاصرة والتي تقول بالخلق وتكوين العالم في لحظة معينة من تاريخ الكون، وأن النظريات العلمية الحديثة توجد أصولها في الكتب المقدسة ومذكورة في القرآن، هي مجرد فرضيات لا تستند إلى أي أساس علمي أو لاهوتي، ويحاول بعضهم تأويل نظريات نشوء الكون مثل نظرية الإنفجار الكبير بما يتناسب مع السرد الأسطوري وإعطاءها محتوى دينيا، رغم أن هذه النظريات لا تقول بخلق الكون من العدم ولا بفناء المادة. فنظرية الـ big-bang لا تدعي أن العالم قد خلق من العدم، بل من حالة مادية أولية مكثفة لدرجة لا نستطيع اليوم تخيلها، ولكنها مادة في جميع الأحوال كانت متواجدة قبل أن تنفجر وتكون العالم بما فيه من كواكب وشموس ونجوم ومجرات. بمعنى أن الكون قد تكون من حالة خاصة من المادة يسمى التفرد الأولي The initial singularity، وهو تفرد تنبأت بعض نماذج نظرية الانفجار العظيم بوجوده قبل حدوث الانفجار، أما اللحظة التي تلت التفرد الأولي مباشرة فهي جزء مما يسمى بعصر بلانك Planck epoch، وهي أقدم فترة زمنية في تاريخ الكون، وهي أول جزء من الثانية (واحد من التريليون من الثانية) من الزمن الكوني. وتتضمن حقبة بلانك، والتي قد لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء المستخدمة حاليًا؛ ظهور القوى الأساسية الأربعة أولها الجاذبية، ثم القوى النووية القوية والضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية؛ وتمدد الفضاء والتبريد الفائق للكون الساخن الذي بقيت حرارته هائلة بسبب الانتفاخ الكوني والذي يقال أنه ناتج من القوى النووية القوية والكهرومغناطيسية. ويعتقد بأن التموجات الخفيفة في الكون في هذه المرحلة كانت أساس تشكل الهياكل الكبيرة في وقت لاحق. توجد مراحل مختلفة لهذه الفترة من الكون المبكر، إذ أن الأجزاء الأقدم تقع خارج نطاق البحث في الفيزياء الجزيئية particle physics ولكن يمكن اكتشافها بوسائل أخرى.
نموذج الانفجار العظيم The big-bang model، نظرية واسعة الانتشار لتطور الكون، وتتمثل ميزتها الأساسية في إعتبار الكون قد أنبثق من "حالة" من الحرارة والكثافة المرتفعتين للغاية والتي تسمى "التفرد - Singularity"، وتلاه الانفجار العظيم الذي على أثره تكون العالم بما فيه من مجرات ونجوم وكواكب. وعلى الرغم من أن هذا النوع من الكون المنبثق فجأة بدون مبرر اقترحه عالم الرياضيات الروسي ألكسندر فريدمان Aleksandr Friedmann وعالم الفلك البلجيكي جورج لوميتر Georges Lemaître في عشرينيات القرن العشرين، إلا أن النسخة الحديثة طورها الفيزيائي الأمريكي الروسي جورج جامو George Gamow وزملاؤه في أربعينيات القرن العشرين.
يعتمد نموذج الانفجار العظيم على افتراضين. الأول هو أن نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين تصف بشكل صحيح التفاعل التجاذبي لكافة المادة في جميع حالاتها. والافتراض الثاني، المسمى بالمبدأ الكوني cosmological principle، ينص على أن رؤية الراصد للكون لا تعتمد على الاتجاه الذي ينظر إليه ولا على موقعه، علما بأن هذا المبدأ لا ينطبق إلا على الخصائص واسعة النطاق للكون، ولكنه يعني ضمناً أن الكون ليس له حافة أو حدود، وبالتالي فإن أصل الانفجار العظيم لم يحدث في نقطة معينة في الفضاء بل حدث في جميع أنحاء الفضاء في نفس الوقت. يجعل هذان الافتراضين من الممكن حساب تاريخ الكون بعد حقبة معينة تسمى عصر بلانك Planck epoch. ولم يحدد العلماء بعد ما كان سائداً قبل هذه الفترة. وهناك أيضا ما يسمى بزمن بلانك وهو وحدة قياس زمنية في الوحدات الطبيعية وهو الوقت الذي يستغرقه الفوتون لينتقل بسرعة الضوء مسافة في الفراغ تعادل طول بلانك ويعتقد أنها أقصر فترة زمنية يمكن قياسها (استنادا إلى الميكانيكا الكمية) والتي لايوجد معنى للزمن أدناها.
بعد أن نشر ألبرت أينشتاين نظريته في الجاذبية، أدرك الباحثون أن هذه النظرية تسمح بإفتراض تمدد الكون وأن الكون يتوسع بسرعة مدهشة، وهو الاكتشاف الذي أكدته الملاحظات العلمية منذ منتصف القرن الماضي. وفقًا لنموذج الانفجار العظيم، تمدّدََ الكون بسرعة فائقة من حالة بدائية primordial state مضغوطة للغاية، مما أدى إلى انخفاض كبير في الكثافة ودرجة الحرارة للحالة البدائية. بعد فترة وجيزة، أصبحت المادة matter أكثر إنتشارا وحضورا من المادة المضادة antimatter كما هو الحال في الوقت الحاضر. في خلال هذه المرحلة ربما كان هناك العديد من أنواع الجسيمات الأولية التي بدأت تتكون، فبعد بضع ثوان، برد الكون بدرجة كافية للسماح بتكوين نوى nuclei معينة. وتتنبأ النظرية أيضا بإنتاج كميات محددة من الهيدروجين والهيليوم والليثيوم، وتتفق وفرتها مع ما نلاحظه اليوم. وبعد حوالي مليون سنة، أصبح الكون باردًا بدرجة كافية لتكوين الذرات atoms.
نظرية الانفجار العظيم هي النموذج الكوني الأكثر قبولًا لشرح أصل الكون وتطوره. تقول النظرية أن كل الطاقة والزمكان في الكون كانت في البداية محصورة في تفردة singularity شديدة الكثافة والحرارة والصغر بشكل لا يصدق. يُعتقد أن التوسع الهائل بدأ من تلك النقطة منذ حوالي 13.8 مليار سنة. غالبًا ما يوصف الحدث بأنه انفجار، على الرغم من أنه كان في الواقع تمددا أو توسعًا للفضاء نفسه، أكثر من كونه قذفا للمادة إلى الفضاء الحالي بسرعة أكبر من سرعة الضوء. ومع ذلك، فقد أطلق كمية هائلة من المادة والإشعاع. ومع تبددها، نشأت ذرات atoms وجزيئات دون ذرية subatomic particles. وفي النهاية جمعتها الجاذبية معًا لتكوين النجوم والمجرات عبر ملايين السنين، بينما استمر الفضاء نفسه في التمدد - كما هو الأمر حتى اليوم، وفقًا لقانون هابل - لوميتر لتمدد الكون.
ففي عام 1931، نشر هابل ومساعده هيومسون معًا ورقة بحثية رائدة قارنا فيها مسافات وسرعات المجرات البعيدة التي تتحرك بعيدًا عنا بسرعات تصل إلى 20000 كيلومتر في الثانية، وتمكنا من إظهار أن سرعات ابتعاد المجرات تتناسب بشكل مباشر مع مسافاتها عنا تمامًا كما اقترح جورج لوميتر Georges Lemaître، القسيس والفيزيائي البلجيكي في سنة 1927. وفي أغسطس 2018، صوت الاتحاد الفلكي الدولي لإعادة تسمية هذا القانون باسم هابل-لوميتر The Hubble-Lemaître Law.
هذا القانون يدعم نظرية الانفجار العظيم، الذي ينص على أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض بمعدل يزداد مع زيادة المسافة بينها (تبتعد المجرات عن الأرض بسرعة تتناسب مع بعدها). يعرف علماء الفلك هذا بسبب التحول والإنحراف الملحوظ في الضوء المنبعث من المجرات نحو نهاية الطيف المرئي - وهي ظاهرة تسمى "الانزياح الأحمر المجرّي galactic redshift". بعبارة أخرى، كلما كانت المجرة أبعد، زاد انزياح ضوءها نحو الأحمر، وكانت تتحرك بشكل أسرع.
تمدَّدَ الكون إذا من "حالة" مضغوطة للغاية، مطلقًا كميات هائلة من الطاقة، والتي سرعان ما كوّنت ما نعرفه اليوم بإسم المادة التي تكون كل ما يوجد في الكون. بالإضافة إلى مراعاة وجود المادة العادية والإشعاع، يتوقع النموذج أن الكون الحالي يجب أن يكون مليئًا أيضًا بالنيوترينوات neutrinos، وهي جسيمات أساسية ليس لها كتلة أو شحنة كهربائية، ومن الممكن أن يتم اكتشاف آثار وبقايا أخرى من الكون المبكر في نهاية المطاف.

يتبع

#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل