|
رؤيتان عن -الهوية-
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 8060 - 2024 / 8 / 5 - 16:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أكثر من يتحدث عن "الهوية" بل و لعل الصوت الوحيد الذي يتخصص بالحديث عنها يأتي من أشخاص أو "مثقفين" يعيشون في الغرب لا من بشر يعيشون في بلادهم الأم ، و لهذا فهي بلا روابط عمليًا مع المجتمعات التي تدعي الحديث عنها ، و هي تنطلق من رؤية و مصالح دعاتها في مواجهة تحديات وجودهم الجديد لا من مصلحة تلك المجتمعات البعيدة و التي تستدعى فقط من الذاكرة المتآكلة … لم يحدث مثل ذلك مع أغلب المثقفين الذين سبقوهم إلى أوروبا أو أميركا ، من أيام الطهطاوي و نامق كمال إلى سيد قطب و ميشيل عفلق و ياسين الحافظ و الياس مرقص و علي شريعتي ، رغم انبهار معظم هؤلاء بالحضارة الغربية لكنهم بقوا شعوريًا و في كثير من الأحيان فكريًا أبناء مجتمعاتهم ، يعيشون تناقضاتها و أقرب إلى نبضها حتى في هذياناتهم أو مشاريعهم الصفرية و الخلبية
كان رد الفعل على الصدمة الحضارية مختلفًا جدًا بالتالي ، مثلًا بين الجبرتي الذي ينبهر بطريقة الفرنسيين في التعامل مع سليمان الحلبي و محاكمته و الطهطاوي ، نامق كمال و حتى سيد قطب و بين ادوار سعيد مثلًا … في الحالة الثانية نقف أكثر فأكثر أمام أنا مخترعة ملفقة و بالتالي مزيفة … لقد سخر الغرب من العرب و المسلمين كما سخر من غيرهم من شعوب العالم المتخلف و شعوب مستعمراته السابقة بأشكال شتى و لأسباب شتى و عديدة ، لكن ادوار سعيد ركز فقط على سخريتهم و ازدرائهم بالإسلام تحديدًا ، سخر الغرب من العرب لأسباب عدة ربما كان أقلها هو الإسلام لكن تركيز ادوار سعيد على الإسلام كان قرارًا أو اختيارًا شخصيًا واعيًا ، تمامًا كما اختار سعيد أن يكون فلسطينيا بعد ما سمي وقتها نكسة حزيران ، الرجل حتى بفرض أنه ولد في القدس فعلًا ، و هذا يبقى مشكوك فيه ، لكن علاقته بالمجتمع الفلسطيني كانت على الدوام محدودة جدًا و بالكاد يمكن اعتباره ابن هذا المجتمع حتى وفق سرديته هو لقصة حياته و لا يمكن اتهام الرجل بأنه عرف أو عاش أو فهم المجتمع الذي قرر أن ينتسب إليه ، لقد اختار ادوار هذا الانتماء بعد 1967 من جملة اختياراته الواعية الأخرى التي ستشكل مدرسة انتصرت اليوم بشكل ناجز على مدرسة الطهطاوي و رفاقه و التي تفرض علينا اليوم هوية متخيلة مصنوعة في بلاد و مجتمعات بعيدة بعد الأرض عن السماء و لوظيفة مختلفة تمامًا تتعلق بوضع المثقفين المهاجرين في بلادهم الجديدة و خاصة لتحدد مكانتهم بين أندادهم في تلك البلاد الباردة البعيدة
دافع سعيد عن الإسلام دون أن يكلف نفسه آن ينظر في هذا الشيء الذي انبرى للدفاع عنه و اتهام كل من يقترب منه بدون إجلال و تعظيم بكل التهم الدارجة المعروفة ، لم يكلف الرجل نفسه أن يقرأ القرآن أو سيرة محمد و خلفائه ، الرجل لم يحدثنا يومًا عن الإسلام كشيء يمكن قراءته و نقده بشكلٍ موضوعي ، ككائن حي ، إنساني أو منتج إنساني ، و ربما أنه لم يقرأ أو يتعرف على ذلك الشيء الذي انبرى للدفاع عنه لدرجة القداسة ، على العكس تمامًا ، يكمم الرجل فمه و أفواه الجميع ، عقله و عقول الجميع عن مقاربة هذا الشيء ليحاول أن يعطيه قداسة ليست لأي فكرة أو دين أو ايديولوجية في عالم الأكاديمية الغربية ، و على هذا المنوال ينسج اليوم كل المثقفين العرب و المسلمين المهاجرين و المستوطنين في الغرب … و تطورت مدرسته فأصبح أي نقد يوجه لمجتمعاتنا أو بالتحديد لهم و لغيرهم من المهاجرين و المستوطنين العرب و المسلمين في الغرب جريمة لا تغتفر ، إدوار سعيد هو نبي الإسلام الجديد ، بينما جاء محمد في لحظة تاريخية مواتية سمحت له و لمن جاؤوا بعده بتوحيد البرابرة الجدد وقتها و اجتياح أجزاء واسعة من العالم وقتها ، فإن سعيد يلعب لعبة مختلفة ، إنه يستخدم الاسم فقط ، فارغًا من أي مضمون ، لضمان فرص أفضل له و لأمثاله في الغرب بينما يدفع دون أن يدري أو يكترث ، هو و خلفائه من بعده ، إلى هرمجدون ، إلى حرب لا تنتهي ضد العالم سيكون لمصيرنا فيها محتومًا فقط بانتظار ظهور داعش مسيحية أو غربية
كان من الممكن أن نعترف بمشاكلنا و نواجهها كما هي ، كان من الممكن أن نفكر على نحو مختلف ، و كانت النتيجة ستكون أفضل بشكل ما ، أفضل بلا شك من سياسة دس الرأس في الرمل كما نفعل اليوم
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثابت و المتحول : من القوميين الى الاسلاميين
-
ماذا نكتب و ماذا نفعل
-
و لكنها تدور
-
عندما قامت المعارضة السورية بتأميمنا
-
عندما يتعرض السوريون البيض هم أيضًا للقمع و القتل و التعذيب
-
لا يجب تبرئة سلطات الأمر الواقع من المسؤولية عن الوضع السوري
-
هل علينا أن نعتذر
-
نضال المعارضات العربية في سبيل الديمقراطية
-
بالقذافي و صدام و الأسد و بدونهم ، نحن دول و شعوب فاشلة
-
حوار مع اليسار الديمقراطي و المعادي للستالينية عن حماس
-
قالها العفيف الاخضر
-
تأملات في المستقبل
-
عن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في شرق و شمال سوريا
-
حوار مع الرفيق محمود الحمزة
-
غزة و فلسطين كإيديولوجية
-
حماس و إسرائيل و الشعب الفلسطيني
-
هل نسمع أنفسنا
-
بعد ملحمة 7 أكتوبر و مستشفى الشفاء : انتصارنا وشيك , اقرب من
...
-
عن السكان الأصليين و الغرباء و المحتلين و الإبادة الجماعية
-
من فضل الشهادة
المزيد.....
-
اختلاف بين مصر والسعودية بحكم الاحتفال بالمولد النبوي.. إليك
...
-
تركي الفيصل يرد على مدى تأثير قطر وتركيا على استراتيجية حماس
...
-
شاهد.. رد قوي لصديقة الناشطة الأمريكية المقتولة بالضفة على م
...
-
إصابة 9 إسرائيليين خلال هروبهم إلى الملاجئ خوفا من صاروخ أطل
...
-
فيضانات مدمرة تضرب ميانمار والحكومة العسكرية تستغيث بالخارج
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 29 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
-
قد يسمح بـ-إمساك أيدي أحبائنا افتراضيا-.. ابتكار ثوري لجهاز
...
-
ردا على مناورات Ocean-2024 الروسية... الجيش الأمريكي يرسل تع
...
-
طائرة مسيرة تسجل جرائم القوات الأوكرانية بحق المدنيين في مقا
...
-
مرشح أمريكي يسحب إعلانا بعد انتقادات من أرملة خاشقجي
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|