أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي-1-3















المزيد.....


رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي-1-3


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


رغم أن العديد من الردود على النداء الذي صدر عن عدد من القوى والأحزاب الماركسية في 18/9، طرحت ملاحظات جدية، وأشارت إلى مسائل تستحق النقاش ( وبعضها إتسم بالاتهام والشتيمة)، فإن مقالة عصام شكري المنشورة على حلقتين في الحوار المتمدن، دفعتني لأن أبدي وجهة نظري في نقده، لأنني وجدت فيه "عقلية شيوعية" فوجئت بأنها لازالت تتكرر، تتسم بعدم التواضع، وتعطي ذاتها الحق المطلق في إصدار الأحكام القطعية، وبكونها هي المحتكر الوحيد للماركسية والعالِِم بها دون غيره. إضافة إلى أنها تتسم بتشوّش نظري كبير يشير إلى أنها لم تضطلع على الماركسية، ولا تعرف سمات لا الشيوعية التقليدية ولا "اليسار الهامشي".
يبتدئ الأستاذ عصام بالإشارة إلى أن النداء يمثل نموذجاً لنسخة من الشيوعية التقليدية واليسار الهامشي اللاعمالي، معتبراً أنهما ذات سمات واحدة. ولا نعرف كيف خلط بين الشيوعية التقليدية (أي الحركة الشيوعية) واليسار الماركسي الذي تأسس على ضوء نقده لهذه الشيوعية. ويكمل بأن الموقف السياسي الذي يتخذه النداء هو "موقف برجوازي إصلاحي وقومي – معادٍ للامبريالية"، وهو كذلك لعديد من السمات التي يشير إليها ويهدف إلى دحضها، منها معاداة الامبريالية والصهيونية، التأكيد على الديمقراطية كـ " هدف" أساسي، الميل الإصلاحي الاقتصادي ورأسمالية الدولة، الميل التحالفي الجبهوي، الغياب الكلي للأفق الطبقي أو الاشتراكي أو الثوري أو الراديكالي ولأي مطلب تحرري ومساواتي، والاعتذارية للإسلام السياسي.
وبغض النظر عن دقة هذه المسائل، التي سوف أتناولها لاحقاً، فإن الأساس الذي ينطلق منه لإصدار هذه الأحكام، و بـ "إخراجنا" من "جنة الماركسية"، هو أن الماركسي يجب أن ينطلق من "بديهية" هي "أن الطبقة الوحيدة التي بإمكانها اليوم حمل راية تلك المطالب الإنسانية والتحررية والمساواتية وتجسيدها سياسياً هي الطبقة العاملة وقواها الاشتراكية والماركسية الثورية"، ومطلبها هو " تحقيق الاشتراكية بالقضاء على الرأسمالية ونظام العمل المأجور". بمعنى أن هدفها هو "تحطيم النظام الرأسمالي الاستغلالي وإحلال نظام آخر هو الاشتراكية محله". فالماركسية منحت الأولوية لقضية نضال الطبقة العاملة من أجل الحرية والمساواة والاشتراكية والعلمانية والتمدن وكل قيم حقوق الإنسان.
وبالتالي، وإنطلاقاً من ذلك، فإن معاداة الامبريالية والسعي لتحقيق الاستقلال والوحدة والديمقراطية والتطور الاقتصادي الاجتماعي، هي تعبير عن الموقف البرجوازي الإصلاحي القومي، لأن الماركسي هو من يطرح مطلب الاشتراكية. وبهذا سيندرج ماركس في بعض مراحله في هذا "التحديد الطبقي" وليصبح برجوازياً إصلاحياً وقومياً (سنوات 1848/1851). وسيكون لينين كذلك برجوازياً إصلاحياً وقومياً منذ سنة 1893 إلى نيسان سنة 1917، حينما تبنى شعار الثورة الاشتراكية. لكنه سيعود برجوازياً إصلاحياً وقومياً بعد ثورة أكتوبر حينما أكد على تحقيق المهمات الديمقراطية وليس الاشتراكية. وكان تروتسكي (والتروتسكية فيما بعد) قد إتهم لينين حينما إختار طريق تحقيق "الثورة الديمقراطية برجوازية الطابع" وليس الثورة الاشتراكية، ودعا إلى تحالف العمال والفلاحين، بأنه يسعى إلى فتح الطريق لإنتصار البرجوازية و تحقيق التطور الرأسمالي. تأسيساً على أن مهمة الطبقة العاملة هي تحقيق الاشتراكية فقط. وهو الأساس ذاته الذي ينطلق منه عصام.
بمعنى أن كل من لا يربط بين الماركسية والطبقة العاملة والثورة الاشتراكية لن يكون ماركسياً. وهذه هي "ألف باء" الماركسية حسب تروتسكي وعصام. لكن هل هذه الفكرة صحيحة؟ هذا ما يحتاج إلى نقاش، سوف أتناوله لاحقاً. لكن أشير إلى أن لينين رفض هذا الربط، وإعتبر بأن المهمات الديمقراطية التي باتت البرجوازية عاجزة عن تحقيقها، باتت من مهمة الطبقة العاملة في سياق تحقيق الانتقال إلى الاشتراكية. وهذا هو جوهر خلافه مع المناشفة ومع تروتسكي.
ولاشك في أن إبتسار الماركسية إلى هذه "المعادلة الرياضية البسيطة" هو تدمير للماركسية، وتحويل بعد أفكارها إلى نص مقدس، وبالتالي تجاهل منهجيتها المادية الجدلية، التي تقوم على الانطلاق من الواقع، أو كما قال لينين "التحليل الملموس للواقع الملموس". وإذا كان ماركس قد ربط بين الطبقة العاملة والاشتراكية فلأنه كان يرى أن إنتصار الرأسمالية قد فرض ذلك، وليس لأنه إعتبر بأن الماركسية تفرض حتماً هذا الربط الميكانيكي، وإلا تحولت إلى تصور مثالي ينطلق من تحكيم الفكرة في الواقع. بينما تنطلق الماركسية من وعي الواقع، ومن تحديد المهمات الواقعية. وسيكون دور الماركسية والطبقة العاملة في إطار ذلك.
في النقد الذي وجهه الأستاذ عصام يمكن تمييز مستويين، المستوى الأول يتعلق باستنتاجاته الذاتية بعد قراءته للنداء، وتحميله هذه الاستنتاجات للنص ذاته، وبالتالي تقويل النص ما ليس فيه. والمستوى الثاني، الخطاء والتشوشات النظرية والسياسية التي يقوم تحليله على أساسها.
المستوى الأول: القراءة المبتسرة للنداء
سوف أتناول هنا ثلاثة مسائل قرأها الأستاذ عصام كيفياً، وحمّل النداء ما ليس فيه على ضوء قراءته هذه. الأولى: تتعلق بالإسلام السياسي،حيث أشار إلى الميل الإعتذاري لدي اليسار والسعي للتحالف معه. والى أننا نقسم الإسلام إلى "صالح وطالح" إنطلاقاً من إشارتنا إلى أن هناك تيارات من الإسلام السياسي تقاوم الاحتلال. حيث أن من يقرأ النداء جيداً لا يتوصل إلى هذا الاستنتاج، لأننا حددنا أولاً تقييمنا للإسلام السياسي ككل مؤكدين أن التيارات الأصولية الاسلاموية " تحمل مشروعاً مناهضاً لتطلعات التحرر والاستنارة والتقدم، يتقاطع مع التوجهات الليبرالية المتوحشة السائدة ضمن العولمة الامبريالية. إن هذه الحركات تقدم خدمة ثمينة للامبرياليين بتصوير الصراع الوطني والطبقي على أنه صراع ديني طائفي، وهي تلتقي في ذلك مع غلاة المحافظين من منظري الامبريالية". وعلى ضوء هذا التقييم أشرنا إلى واقعة أن بعض التيارات الإسلامية تقاوم الاحتلال، وهذه حقيقة، وهي توصّف الواقع دون أن تلغي التقييم الأساسي لهذه التيارات. إن تقييمنا يؤكد بأن كل الإسلام السياسي يعبّر عن مشروع "رجعي" على الصعد الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، أي على الصعيد الطبقي.
لهذا لم نقع في خطأ إعتبار أن الصراع العالمي بات بين أميركا و"قوة مشخصة هي الإسلام السياسي"، لأننا لا نجد تناقضاً طبقياً بينهما، الأمر الذي جعلنا نشير إلى تحويل الصراع الوطني الطبقي إلى صراع ديني طائفي، وهو هنا صراع "ثقافي" ( أو كما يسمى صراع حضاري)، بينما يعزز كل منهما الآخر في الواقع، ويستدعيه. فالتيارات الأصولية تستفيد من هذا الصراع لتعزيز سطوتها الدينية، لكنها تميل للتفاهم مع "الغرب" (أي مع الدول الامبريالية)، كما فعلت حينما كانت تواجه الشيوعية. وهي تتقاطع معها في صيغة النظام الاقتصادي (الليبرالي القائم على أساس التجارة)، كما توافقها تلك الدول الامبريالية على فرض "النظام الأخلاقي الإسلامي" وتطبيق الشريعة، لأن كل ذلك يتوافق مع هيمنة الرأسمالية العالمية.
وبالتالي فالصراع هنا هو صراع عابر وليس جوهرياً. فهو ليس صراعاً طبقياً ولا قومياً. وربما كانت تحتاجه الدولة الأميركية بعد إنهيار النظم الاشتراكية من أجل إستمرار تطوير قدراتها العسكرية وتوسيع تدخلها في العالم، وإحتلال دول أخرى (أفغانستان والعراق). ولهذا لسنا ممن يرى "الوطني" فقط، بل نرى الوطني من منظور طبقي، كما نرى الوطني في إطاره العالمي. لهذا نقول أن هذا الصراع بين "القطبين" (أميركا والإسلام السياسي) هو صراع عابر. خصوصاً أن هذه التيارات لا تمثل "البرجوازية الوطنية"، على العكس من ذلك فهي ضد بناء الصناعة وتطوير الاقتصاد، ومع الاقتصاد الحر الذي يجعل التجار هم الطبقة الأساسية، ويفتح السوق لنهب الشركات الامبريالية. وهذه هي سمة البرجوازية التابعة بالتحديد. وبالتالي فهذه التيارات هي التعبير عن تراكب البرجوازية التجارية (التي هي سمة كل البرجوازية في الأطراف) و النمط الرأسمالي. ولهذا نعيد التأكيد على أن هذا الصراع عابر.
ولاشك في أن بعض التيارات تقاوم، وهو ما نلحظه لدى حزب الله والى حد ما لدى التيار الصدري. وهذا ما يفرض التحالف، لكنه تحالف على مسألة واحدة هي مقاومة الاحتلال، مع استمرار التناقض في كل المسائل الأخرى. وبالتالي فهو تحالف مؤقت ومحدود، وتفرضه ضرورة المقاومة. هل ترفض الماركسية ذلك؟ يمكن أن يعود الأستاذ عصام إلى ماركس ولينين.
لكن السؤال الأساسي هنا هو: هل أن الأستاذ عصام مع مقاومة الاحتلال؟ رغم أنه يؤكد بأنه ضد "القطبين" (أميركا والإسلام السياسي)، ستبدو هذه المسألة خارج إهتمامه. لهذا فهو يعتبر معاداة الامبريالية نقيصة. ولسوف نتناول ذلك حين نقاش مفهوم الامبريالية لديه. لكن تلخيص كل المسألة في "الثورة الاشتراكية" جعله يقفز عن الاحتلال، لأن مهمة الطبقة العاملة هي "تحطيم النظام الرأسمالي". أما كيف؟ فهذا ما يبدو مجهولاً، لأن الشعارات هي التي تطغى، فتلغي الحاجة إلى تحديد الـ "كيف" هذه.
إذن، ليست لدينا أوهام حول الإسلام السياسي. ولكل حزب رأيه الواضح منه. لكن في الصراع الواقعي تحدث تحالفات وتوافقات، هي جزء من السياسة. لكن التحالفات لا تلغي فهم القوى التي يجري التحالف معها. و بالنسبة لنا المسألة الوطنية لا تتناقض مع الموقف الطبقي، على العكس فإننا نبلور تصوراً للمسألة الوطنية إنطلاقاً من الرؤية والموقع الطبقيين. وبالتالي فمقاومة الاحتلال تصبح أولوية. وهي أولوية تفرض تحالفات مستمرة ومؤقتة. ولاشك في أن مسألة التحالفات مجال خلاف مع الأستاذ عصام لأنه يرفضها من الأساس، حتى مع القوى الماركسية الأخرى مادام يخرجها من واقعها الماركسي.
المسألة الثانية تتعلق بالبرجوازية "الوطنية"، حيث يستنتج الأستاذ عصام أننا ندعو لدعم البرجوازية الوطنية في مواجهة البرجوازية التابعة. بل أنه يؤكد بأننا نعبّر عن هذه البرجوازية "الوطنية". كيف إستنتج ذلك؟ النداء يؤكد على دور الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكل المهمشين، وبالتالي فهو يستثني البرجوازية "الوطنية"، ويقدم بديلاً عنها هي "الحركة الماركسية ... بصفتها المعبّرة عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكل الفئات الشعبية". خصوصاً وأن كل الموقعين على النداء لم يدخل في قاموسهم مفهوم البرجوازية الوطنية، فقد رفضوه منذ زمن بعيد.
المسألة هنا تتعلق بـ "الحكم النظري"، وبالاستنتاج النابع منه. حيث أن عدم طرح الاشتراكية كهدف الآن يعني طرح المشروع البرجوازي "الوطني" المعادي للامبريالية. وهو إستنتاج ميكانيكي، وساذج، لأن المسألة أعقد من ذلك. هل أنٌ ليس هناك خيار غير الاشتراكية؟ نحن نطرح خياراً آخر سوف أشير إليه لاحقاً، خيار تحقيق المهمات الديمقراطية قبل تحقيق الاشتراكية، لأنها خطوة ضرورية ولا فكاك منها. فالتطور يتحقق بتحقيق ما يطرحه الواقع من مهمات، ولا يتحقق بمهمات متخيلة.
وبالتالي فإن الدوغما المنطلقة من "أحادية" تحقيق الاشتراكية هي التي توصل إلى هذا الاستنتاج، حيث يصبح كل من لا يطرح الاشتراكية كمهمة راهنة هو برجوازي. لهذا يعمل الأستاذ عصام على إقناعنا بأن لا أفق لانتصار "البرجوازية الوطنية" لأن الطبقة غير موجودة. ولقد أشرت إلى أن القوى الموقعة على النداء حسمت موقفها من "البرجوازية الوطنية منذ زمن بعيد، قبل أن يبدأ منصور حكمت في الكتابة وفي النضال السياسي. وإذا كانت الحركة الشيوعية تراهن على دور البرجوازية الوطنية والتطور الرأسمالي، فقد تأسست تصورات اليسار الجديد إنطلاقاً من الحسم بأنْ لا إمكانية لتحقيق التطور الرأسمالي، وأن البرجوازية باتت طبقة تابعة، وليس من الممكن أن تتشكل طبقة رأسمالية معنية بتحقيق المشروع الرأسمالي (كما تبلور في التجربة الأوروبية). ولهذا طرحت هذه القوى مسألة "الدور القيادي" للطبقة العاملة، من أجل تحقيق المهمات الديمقراطية (أي الاستقلال والوحدة والتطور الصناعي والاقتصادي عموماً والحداثة) كخطوة على طريق تحقيق الاشتراكية.
هل هذا إختيار ماركسي؟ أو أنه يعبر عن ميول برجوازية وطنية؟ هذا ما سوف أتناولة في القسم الثاني حين تناول الأخطاء والتشوهات النظرية. ولنبقى في مسألة الموقف من البرجوازية الوطنية الذي يحيلنا الأستاذ عصام فيها إلى منصور حكمت. ويبدو أنه لا يعرف عن الحوار الذي جرى في الوطن العربي حولها منذ الستينات من القرن الماضي، ولا التبلورات الماركسية التي إنبنت على أساسه. وبالتالي لا يعرف ماذا تطرح هذه القوى. لهذا حكم عليها إنطلاقاً من "مسطرة" جاهزة تقول بأن الذي يسعى لأن يعبّر عن الطبقة العاملة يجب أن يطرح تحقيق الاشتراكية فقط، وإلا فهو برجوازي إصلاحي وقومي.
ليس لدينا أوهام حول التطور الرأسمالي، على العكس نعتقد بأن الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هم من يجب أن يخوض الصراع من اجل تحقيق المهمات الديمقراطية تلك، كخطوة على طريق تحقيق الاشتراكية. ونحن هنا لا نعبّر عن ميل إصلاحي اقتصادي كما يشير الأستاذ عصام، بل نطرح المهمات الواقعية، المهمات التي يحتاجها الواقع، فلا نهيم في سماء الثورة الاشتراكية التي ليس من إمكانية واقعية لتحقيقها الآن. بمعنى أنه هنا يتطرف يساراً، بينما يطرح الواقع تحقيق مهمات ديمقراطية. ولأنه يتطرف يساراً سوف نكون نحن بالنسبة له إصلاحيين بكل تأكيد. المقياس هو الواقع وليست الأفكار. ولهذا طرحنا في النداء المهمات الواقعية وليس أحلامنا، ومطامحنا المستقبلية. وبالتالي فنحن ننطلق من مواقع الطبقة العاملة، ونطرح مشروعها الراهن، حيث باتت هي المعنية بتحقيق المهمات التي لم تعد البرجوازية معنية بها، أي المهمات الديمقراطية، والتي يتوقف على تحقيقها تحقيق التطور وتهيئة الظروف لتحقيق الاشتراكية. فالوقائع تعلمنا بأنه ليس من الممكن القفز عن الصيرورة الواقعية. حيث ليس من الممكن تحقيق الاشتراكية في وطن محتل، ودون بناء الصناعة، وبلا حداثة، ودون تحقيق المطامح القومية. فهذه كلها متطلبات واقعية. وإذا كانت البرجوازية في أوروبا هي التي حققتها، فإن تحقيقها كان ضرورة. ولكن ذلك لم يعنِ أنها أصبحت مهمات برجوازية، فهي مهمات واقعية تحتاج إلى تحقيق. ولأن البرجوازية باتت غير معنية بها، أصبح لزاماً على الطبقة العاملة تحقيقها. وهي هنا لا تحقق التطور الرأسمالي، بل تمهد الطريق لتحقيق الاشتراكية.
وإذا كان عصام يشير إلى أننا ندعو إلى رأسمالية الدولة، وهو ما لم يرد في النداء وبالتالي فهو إستنتاج "عبقري" منه، ويعتبر ذلك من الأسس التي تؤكد على أننا برجوازيين إصلاحيين، فإننا نحيله إلى لينين ما دام يعتبر أنه مالك الماركسية والعارف بها. حيث كان أول من طرح هذا المفهوم، وإعتبر أن تحقيق رأسمالية الدولة في روسيا هو خطوة هائلة إلى الأمام بإتجاه الاشتراكية. ولقد توصل إلى ذلك إستناداً إلى تحليله لواقع روسيا غداة ثورة أكتوبر. حيث كان المجتمع لازال فلاحياً ومتخلفاً (بالمعنى التاريخي الحضاري). وللقضاء على أشكال الإنتاج البدائية والإقطاعية والبضاعية الصغيرة والرأسمالية كان لا بد من رأسمالية الدولة. وهو هنا ينطلق من الواقع وليس من الأوهام.
إذن حينما نطرح تحقيق المهمات الديمقراطية فلا نطرحها لأننا ندافع عن البرجوازية الوطنية، أو لأننا نستغل الماركسية من أجل تحقيق تطور برجوازي وطني. فنحن لا نربط بين المهمات الديمقراطية والبرجوازية، ولا نعتبر أن هذا الربط صحيحاً، وهو ليس ماركسياً على كل حال. بل نسعى لتحقيق المهمات الديمقراطية في سياق آخر غير سياق التطور الرأسمالي، هو سياق تحقيق الاشتراكية. ولهذا نطرح أن تلعب الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء الدور الأساس في تحقيق التطور وفي تحديد وجهته. رغم ملاحظتنا لدور الطبقات الشعبية الأخرى، وبالتالي ضرورة التحالف معها. حيث يجب فحص ميزان القوى الطبقي، وبالتالي تشكيل "كتلة تاريخية" قادرة على تحقيق تلك المهمات. والخلاف مع الحركة الشيوعية كان حول مَنْ يلعب الدور القيادي في هذا التحالف، وليس حول ضرورة التحالف.
المسألة الثالثة تتعلق بتأكيد عصام على الغياب الكلي للافق الطبقي أو الاشتراكي أو الثوري أو الراديكالي. وهو هنا يساوي بين كل هذه المسائل، أي بين الطبقي (بمعنى الطبقة العاملة لأنه حين يتهمنا بأننا نمثل البرجوازية يؤكد أن لدينا أفق طبقي) والاشتراكي والثوري والراديكالي. لكن أليست معاداة الامبريالية ثورية أو راديكالية على الأقل؟ هل يقصد بأن الاشتراكي هو الثوري وهو الراديكالي فقط؟ لاشك في أن العقل الأحادي يصنف المسائل على هذه الشاكلة، ليحمل هو كل صفات الخير ويلقي بصفات الشر على الآخر. فالماركسي الذي يطرح تحقيق الاشتراكية هو الطبقي والاشتراكي والثوري والراديكالي، أما الآخر فهو برجوازي إصلاحي وقومي. وإنطلاقاً من ذلك ألغى منظورنا الطبقي المحدد بشكل واضح في النداء، وتجاهل تأكيدنا على المستقبل الاشتراكي، ولم يعتبر بأن في مناهضة الاحتلال أو مواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني، ثورية أو راديكالية.
طرحت ذلك لأقول بأن المفاهيم لا معنى لها في نص عصام. حيث تتحكم فيه العموميات،أو الشعارات. لهذا فهو يتهمنا بغياب الأفق الطبقي رغم أنه يصنفنا طبقياً، أي في إطار أفق طبقي. ولقد شرحت حين البحث في مسألة التيارات الإسلامية كيف أنه يتجاهل الأفق الطبقي، ويحلل المسائل بناءً على "شكل الصراع" وليس على أساسه الطبقي. الأمر الذي يشير إلى غياب معنى الأفق الطبقي لديه. وهو ما ينطبق على الثورية كذلك.
وبالتالي أشير هنا إلى أننا ننطلق من مفهوم الصراع الطبقي، ومن تمظهره الواقعي على الصعيد الوطني، كما على الصعيد العالمي. لكننا لسنا أحاديي النظرة هنا لننطلق من ثنائية: طبقة عاملة/برجوازية، فلا نرى الواقع الطبقي. ولسنا كذلك أحاديي النظرة لننطلق من أن مهمتنا الوحيدة هي تحقيق الاشتراكية، الأمر الذي سيبقينا على الهامش.
ورغم أننا نشير إلى أننا نهدف إلى تحقيق الاشتراكية، فإن سعينا لتحقيق المهمات الديمقراطية التي يفرضها الواقع وليس "الأيديولوجيا"، جعلت عصام يصرّ على الغياب الكلي للأفق الطبقي والاشتراكي والثوري. ولاشك في أن معاداة الامبريالية والصهيونية والنظم العربية تتشارك فيها طبقات أخرى هي ما أسميناه الطبقات الشعبية، لكن منظورنا للامبريالية وللمشروع الصهيوني وللنظم العربية يقوم على أساس مصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كما هو واضح في النداء. وما يفرقنا عن الطبقات الأخرى هو رؤيتنا لهذه المسائل وآليات تحقيقها، وأننا نسعى لتحقيق الاشتراكية وليس انتصار الرأسمالية. ولهذا فالتحالف يتضمن التناقض كذلك.
يتبع
***********************************************************************

نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=76216

حول النداء الموجه -الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي- من قبل ”جمع من الماركسيين العرب في باريس“ - ألجزء الثاني
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=79293

حول النداء الموجه -الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي- من قبل ”جمع من الماركسيين العرب في باريس“ السمات المشتركة للشيوعية التقليدية واليسار في العالم العربي
الجزء الاول
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=77763



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة أولمرت الجديدة
- مكانة اللينينية في الماركسية
- لماذا -ماركسية-؟ : بصدد تسمية الاتجاه الفكري الذي بدأ مع مار ...
- النضال الفلسطيني واشكالية القطري والقومي
- المقاومة الفلسطينية: محاولة تقييم انتقادي
- أزمة العقل الأحادي في تناول العلاقة بين الوطنية والديمقراطية
- الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
- من اجل تحالف القوى الماركسية في الوطن العربي
- حزب الشعب الفلسطيني وتعزيز الهوية اليسارية
- المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة
- ترقيع السلطة الفلسطينية
- وحدة اليسار: حول اعادة صياغة اليسار الماركسي
- من أجل المواجهة مع المشروع الامبريالي الصهيوني
- الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية
- وضع فلسطين بعد الحرب على لبنان
- الصراع الطائفي يُفشل القتال مع الاحتلال الأميركي
- إنتصار حماس ومآل الوضع الفلسطيني
- توضيح -إعلان دمشق-
- مأزق حزب الله
- -فرق الموت- في العراق


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي-1-3