أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل عيدان - بوصلة التسامح















المزيد.....

بوصلة التسامح


عقيل عيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1768 - 2006 / 12 / 18 - 09:49
المحور: المجتمع المدني
    


شارل دو مونتسكيو هو مؤلف الكتاب الشهير ((روح الشرائع)) والذي كان رفاعة رافع الطهطاوي قد نقله إلى اللغة العربية منذ بدايات القرن العشرين وهو أيضا مؤلف العمل الشهير))الرسائل الفارسية)) والذي تمت ترجمته إلى أغلبية اللغات العالمية الحية وحيث قدم فيه صورة للمجتمع الفرنسي بكل "غراباته" عبر مسافرين فارسيين دوّنا ملاحظاتهما عن فرنسا في رسائل وجَّهوها للأهل والأصدقاء .

إن (ربيكا) و(اوزبك) وهذا هو اسم المسافرين، يعكسان في عجبهما وتعجبهما أحاسيس مونتسكيو نفسه وحيرته في باريس وصالوناتها الأدبية خلال القرن الثامن عشر قرن التنوير، وهو القادم من إحدى المناطق الفرنسية البعيدة.

ولا أتردد في ان أصف مونتسكيو بأنه فيلسوف الحرية وبأن رهانه الأساسي كان على الإنسان وحده والذي "يخرق" كل القوانين ويبدل باستمرار القوانين التي كان وضعها هو نفسه وهكذا رفض هذا الفيلسوف الكبير كل أشكال الفكر القائم على خنق الحريات ومن هنا كان موقفه الرافض للظلم وللظالم لكنه بالمقابل كان ضد أشكال التطرف والإسراف والإفراط في أي شيء ومن هنا رأى بأن انحطاط الإمبراطورية الرومانية نفسها كان مسبّبه الرئيسي هو نسيان الرومانيين أنفسهم لمبدأ هام في الحياة وهو الاعتدال في الاستهلاك، استهلاك اي شيء .

إن هذه الدروس كلها قد استقاها مونتسكيو عبر عبقرية الطبيعة وآليات القطاف التي عاشها وعايشها في حياته الريفية أثناء شبابه وعلى هذا الأساس يستخدم المؤلف تعبير القطاف في العنوان الفرعي لعمله.

إن البارون دو مونتسكيو قد دخل التاريخ من بابه العريض على أساس انه احد الآباء المؤسسين للذهنية الديمقراطية الحديثة وإذا كانت أصداء فكره قد عمّت واتسعت وأصبح لها أثرها على التاريخ الإنساني برمته فإنه مع ذلك بقي مرتبطاً بمنطقته التي تحمل اسم (غاستون) وهي منطقة مشهورة بـ "كرمتها" لذلك نرى بأن كل شيء مستقيم لديه مثل صفوف أشجار الكرمة ومن منطقته ايضاً احتفظ دائماً بنوع من الفرح الفطري والميل نحو السعادة التي يمكن للحياة ان تمنحها وقد ظل كذلك إلى ان أصيب في نهاية حياته بفقدان البصر بشكل شبه كامل.

وقد كان مونتسكيو كما تدل سيرته مرتبطاً إلى حد كبير بالأرض وكان مالكاً لمساحة كبيرة زرعها بأشجار الكرمة كما جهد باستمرار من اجل شراء مساحات جديدة وضمها لملكيته الخاصة واذا لم يكن محباً للمال كقيمة بذاته إلاّ انه كان يرى به وسيلة لامتلاك هامش اكبر من الاستقلالية، التي لابد منها من اجل ان يعمل العقل بصورة صحيحة وكان يمكن لمونتسكيو ان يحصل على جميع ألقاب الشرف والجاه في منطقته وهو لم يكن قد بلغ سن الثلاثين بعد لكن الهم "المعرفي" كان أكبر وأهم لديه ، هذا إلى جانب "هَمْ" محاولة فهم العالم وتقديم بعض الإجابات حول آليات عمله وحول كيفية جعل هذه الآليات أكثر ثباتاً واستقراراً وخاصة أكثر عدالة.

ويمكن أن نجمل الملامح الأساسية لصورة مونتسكيو في تعدديتها انه كان يهتم بكل ما يحيط به تقريباً كما تشهد الكتابات المتنوعة التي كان يوجهها إلى اكاديمية العلوم في مدينة (بوردو) المدينة الرئيسة في المنطقة التي كان يقيم فيها وحيث كانت تلك الكتابات تطال مختلف المشارب العلمية والفكرية وكانت تلقى القبول العام لأنها صادرة عن شخصية أثبتت صدقيتها منذ العمل الكبير الذي حمل عنوان ((الرسائل الفارسية)) وقد ساعد في هذا كله الواقع المجتمعي في تلك الفترة بفرنسا أي في بدايات القرن الثامن عشر. وبتحديد أكبر بعد وفاة الملك لويس الرابع عشر الذي كان قد عرف كيف يفرض على مدى سنوات طويلة أسلوبه في الحكم لكن الأمور اهتزت كثيراً بعد رحيله وبدا ان هناك تغييراً في الأفق على صعيد الفكر وتعريف الإنسان لدوره بل وبدا بأن هناك صفحة كاملة هي بصدد ان تطوى من أجل الشروع بكتابة صفحة جديدة.

لم يكن مونتسكيو في عداد أولئك الذين يريدون طي صفحة الماضي بشكل كامل، أي انه لم يكن ثورياً بالمعنى الشائع للكلمة لكن كتاباته كانت تعبر في واقع الامر عما كان يتفاعل داخل مجتمعه من افكار دفينة ولذلك اقبل عليها الناس لأنها كانت تستجيب لإرادتهم .

وهنا ، تجدر الإشارة الى ان السذاجة التي ظهرت عبر ملاحظات المسافرين الفارسيين في الرسائل الفارسية لم تكن مغفلة وإنما كانت مؤسسة على قدر كبير من التأمل والتفكير والتحليل وعبر ملاحظاتهم تلك والنظرة للأشياء والوقائع تحدث مونتسكيو عن المؤسسات التي كانت تفرض قوانينها وعاداتها ولكن أيضا تحدث عن هذه القوانين والعادات التي تضع بدورها مؤسساتها هكذا كان فهمه لـ ((روح الشرائع)) فهماً "جدلياً" قبل ان يكون هناك "جدل" بالمعنى الراهن.

لقد كان مونتسكيو المفكر الفرنسي الأول الذي تحدث بقدر كبير من الفهم تبدو من الحس العلمي، عن آليات عمل المجتمع الذي كان يعيش فيه وبكثير من الجرأة .

وعلى أساس التأمل العقلي القائم على العدل وعلى ترجيح الحقيقة على كل ما عداها كتب مونتسكيو روح الشرائع الذي لا يزال حتى اليوم بمثابة احد المراجع الاساسية في ميدان فهم التناقضات والانفعالات والعوامل التي يتغذى منها العالم في لحظة معينة لكن السمة التي يؤكد عليها مونتسكيو تتمثل في التبدل المستمر للقوانين التي تحكم علاقات البشر فيما بينهم وما هو صحيح و"نهائي" اليوم قد يغدو خطأ في الغد وبالتالي ليس هناك نموذج وحيد يمكن تطبيقه في كل الحالات وكأن البشر يعيشون جميعهم في نفس الدرجة من التطور بنفس اللحظة الزمنية بل ويتحدث مونتسكيو في هذا الاطار عن دور الطبيعة وخاصة المناخ في صياغة عادات البشر وتقاليدهم وبالتالي قوانينهم. لكن يبقى التسامح بمثابة الصفة الأساسية التي يرى مونتسكيو بأنه ينبغي على البشر التحلي بها .

إن التسامح الذي نادى به مفكر القرن الثامن عشر يمكن ان يكون بمثابة "بوصلة" يستهدي فيها بشراليوم وكان مونتسكيو قد كتب في احد تأملاته الفكرية : ((عندما انصرف حيال أمر ما أكون مواطناً ولكن عندما اكتب أكون إنسانا. ثم يضيف : أنا إنسان قبل ان أكون فرنسياً، ذلك لأنني إنسان بقوة الحتمية ولست فرنسياً إلاّ بحكم الصدفة)) .

وتتحدد فكرة الحرية لدى مونتسكيو بالهامش الضيق الذي يسمح به "التوازن" بين القوانين السائدة والواجبات والحقوق لكن المهم في جميع الحالات هو المحافظة على التوازن الفكري وإمكانية الانسان في السيطرة على سلوكياته وطرق تفكيره وخاصة محاكمته الفعلية التي تضمن له هامش الحرية المتاح يقول مونتسكيو : (( اعتقد بأنني سأكون اكثر البشر سعادة لو استطعت شفاء الناس من أحكامهم المسبقة(( .

وفي المحصلة يمكن اعتبار مونتسكيو وقبل اي شيء رجل حر وبأنه يطالب بافساح المجال لكل إنسان بأن يتمتع بـ "هامش" حريته وبأن يتفتح حسب مقدراته وتلبيتها لإرادته مع أخذ الأرض التي يعيش عليها والسماء التي يعيش تحتها بعين الاعتبار .

إن التأكيد على هذه المحدّدات يمثل في الواقع حسب الاعتدال لدى مونتسكيو ونسبية الأشياء في نظره انه يبحث في كل شيء ولدى كل إنسان أو مؤسسة أو حكومة عن نقطة التوازن. علينا ان نفهم أولاً ثم نقيّم احكامنا .



#عقيل_عيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا العقل؟
- ابن رشد والمرأة
- الرقابة حاجز في طريق الحياة !
- أخلاق القيم
- ما هي الديموقراطية؟
- استعادة لذاكرة الإنسان
- يقظة اللغة العربية
- الكواكبي في مصر
- المرأة الجديدة
- خواطر من أخبار المرأة العربية في التاريخ
- الخوف يصنع التاريخ
- الحدس أو عين العقل
- ما هي الدولة ؟
- أن تكون ديوجين
- الباحثون عن التنوير
- العقيدة في حياة الإنسان
- الثقافة أو الدور المتبقي لنا
- حرب العقول .. من العقل التنويري إلى العقل المحاصر
- أي حوار ديني نريد؟
- هل من طبقية بين البشر؟


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل عيدان - بوصلة التسامح