أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عقيل عيدان - أن تكون ديوجين














المزيد.....

أن تكون ديوجين


عقيل عيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 00:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ديوجين أحد فلاسفة الإغريق ، وصاحب المصباح الشهير الذي كان يحمله في وضح النهار يفتش عن إنسان ؟! وكان معاصراً لأفلاطون والاسكندر الأكبر ، ولم يهتم – كفلاسفة ذلك العصر – بدراسة الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة ، ولا بما فيها من أفلاك ونجوم ، فكان إذا سمع رجلاً يتكلم عن الأفلاك يقوله له : متى كان نزولك من السماء ، ثم يلتفت إلى من حوله ، ويقول : إن هؤلاء يتكلمون عن الكواكب ، وهم لا يعرفون حقيقة ما تحت أقدامهم ، ولا ينتبهون إلى ما هم فيه من الفقر وضيق الحال .
بهذه الكلمات يمكن تلخيص فلسفة ديوجين ؛ بأن الإنسان هو الذي يعمل ويجد ليحقق الحرية ، ويحسن مستوى الحياة ، وأن من أهمل هذا الواجب فلا ينبغي أن يعد من البشر . ولذا كان يحمل مصباحه في رابعة النهار يفتش عن "إنسان" ، وكان يقول : أسوأ الأشياء الشيخوخة مع الفقر ، وأحسنها الحرية ، وكان يسخر من الاثينين لأنهم يبنون الهياكل الضخمة للآلهة ، وبينهم آلاف الفقراء بلا مأوى ، وكان يقصد الهياكل ليأكل فيها ، ويصيح آه ما أحسن الاثينين أسسوا لي هذا الهيكل لآكل فيه ، ، يريد بقوله هذا إن السبيل إلى "الإله" أن تنفق هذه الأموال لسد عوز المعوزين ، وحاجة المحتاجين ، لا لتشييد البنيان ، وزخرفة الجدران .
كان ينعى على تقاليد قومه ، وينكر عاداتهم ، ويسخر من الذين يقدمون القرابين للآلهة ، ويتطيرون من الأحلام ، وينسون ما يعانونه من آلام اليقظة . خرج ديوجين على تقاليد عصره ، ولكنه لم يحمل سيفاً ولا قلماً ، بل كان يسير في الأسواق والشوارع ، ويدخل المعابد والمجتمعات يوجّه الناس إلى الطريق الأفضل ، إلى تغيير الأساليب التي اعتادوها وألِفوها ، مبيناً أن التغيير سهل يسير ، ويأتي بأفعال تدل على السخرية والاستخفاف بعرفهم وطريقتهم ، فإذا وضعوا العطر على رؤوسهم وضعه ديوجين في قدميه ، وسئل عن السبب ، فقال : إذا وضع في القدم صعدت الرائحة إلى الأنف ، يريد بهذه السخرية أن يرشد الناس إلى أن المهم أن ينظر الإنسان إلى الأرض التي يعيش فيها ، كما ينظر إلى السماء ، ورأى رجلاً يلبسه خادمه النعل ، فقال له : لم يبق إلاّ أن يطعمك ، فما منفعة يديك ؟
ورأى قضاة يحكمون على سارق ، فقال : لصوص كبار يحكمون على لص صغير . ورأى رجلاً يرمي غرضاً ، ولا يحسن الرمي ، فأسرع ديوجين ووضع رأسه مكان الغرض ، وقال : خفت أن يصيبني ما دمت بعيداً عن الغرض الذي يرميه ، وهو يهدف إلى أن السلامة والرشد في مخالفة من يخطئون ، ويقولون ما لا يعملون .
وألح عليه أحد الملوك ليعيش معه في قصره ، فقال ديوجين : الخبز اليابس خير من العيش في ظل قصورك . وأحب الاسكندر أن يرى ديوجين ، فذهب إليه ، وهو جالس في الشمس ، فلم يتحرك ديوجين من مكانه ، ولم يلتفت إليه ، فقال له الاسكندر : أنا الملك اسكندر الأكبر ، فقال له ديوجين : وأنا الكلب ديوجين ، فقال له الاسكندر : أراك بحاجة لأشياء كثيرة ، فسلني ما تريد ، فقال له : حاجتي إليك أن تتحوّل من هنا ، فقد منعت عني ضوء الشمس ، وقطعت لذتي بها ، فعجب رجال الاسكندر من جرأة ديوجين على مليكهم ، فالتفت الاسكندر إليهم ، وقال : لو لم أكن الملك الاسكندر لأحببت أن أكون ديوجين .
كان ديوجين لا يملك سوى عصا وخِرْج وقدح من خشب وبرميل ينام فيه ، وكان يمشي حافياً في الصيف والشتاء ، ومع فقره هذا كان في نفسه أكبر من الملوك والحكّام الذين يثيرون الحروب ، ويريقون الدماء ، وينشرون الرعب في القلوب ، ويتنافسون على السلطان وابتزاز الأموال ، وكان يهزأ بكل إنسان يهتم بأشياء تذهله عن نفسه ومتاعبه ، ولا تجديه فتيلا .
بحث أفلاطون وأرسطو عن أسباب الكون وحقيقته ، وهل هو حادث أو قديم ؟ وانصرف ديوجين إلى النظر في حياة الإنسان وشؤونه ، واكتفى باليسير من العيش ليحيا مناضلاً ، في سبيل الحرية ، مجاهداً ضد الظلم والاستبداد .
لقد مضى على وفاة ديوجين الحكيم أكثر من ألفي سنة ، ولا زالت فلسفته حيّة نامية نابضة تؤمن وتعمل بها الشعوب في كل زمان ومكان . وإن لم تسمع باسم ديوجين ، وتعرف عنه شيئاً ، فذلك لأن فلسفته هذه هي فلسفة الحياة التي تقوم على الإيمان العميق والراسخ في نفس كل من يشعر بحقّه وكرامته .



#عقيل_عيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباحثون عن التنوير
- العقيدة في حياة الإنسان
- الثقافة أو الدور المتبقي لنا
- حرب العقول .. من العقل التنويري إلى العقل المحاصر
- أي حوار ديني نريد؟
- هل من طبقية بين البشر؟
- النقد وتأسيس العقلانية
- الوعي الاجتماعي وعناصر الزمن الثلاثة
- الجامعة فضاء النشاط التنويري
- ما هي العدالة ؟
- في العلاقة بين الشرق والغرب - في ذكرى انا ماري شيمل
- حدود الحرية
- التسامح الديني مطلب إنساني
- في مفهوم الثقافة العربية
- الاجتهاد .. وراهنية التغيير
- تأسيس المجتمع المدني .. وصراع المجتمع والدولة


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عقيل عيدان - أن تكون ديوجين