أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الهدوء والقسوة في -ولي لغتي- جمال قاسم














المزيد.....

الهدوء والقسوة في -ولي لغتي- جمال قاسم


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 8014 - 2024 / 6 / 20 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


"ولي لغة أستعينُ بأحرفِها
لغة من رحيقٍ ونارْ
لائذٌ بتاريحها
لغة من حفيف ملائكة
وحريقِ يدين تغسلتا بالأوارْ
حين تجتاحُني لهفةٌ
أستعيرُ الندى
وإذا هبت الريحُ
أُبقي اليدين على جمرها
وأُعدُّ اللظى من دمي فرقدًا
وأعيدُ المدى والصدى للنهارْ"

بالأمس تحدث الشاعر" جواد العقاد" في نهار متوحش" عن أهمية اللغة ودورها في تكوينه كشاعر، وها هو "جمال قاسم" يتحدث عنها بطريقة أخرى، وبصيغة جديدة، يفتتح الشاعر القصيدة مؤكدا مكانة اللغة:
"ولي لغة أستعين بأحرفها"
نلاحظ أن الشاعر يتحدث عنها ككائن منفصل عنه، فهو لم يستخدم: "ولي لغتي" فقد جعلها (مجهولة) غير معرفة، وهذا يقودنا إلى أنه يتعامل مع اللغة ككائن حر، طليق، غير مقيد، لكنه مربط به، وتجمعهما علاقة توحد/احترام/صداقة، لهذا جاء قوله "استعين بأحرفها" وهنا نتوقف عند لفظ "لغة" المكون من ثلاثة حروف، وبين ما هو داخلها، ما يمكن أن ينبثق عنها: "بأحرفها" فند أن ال"لغة" مؤنث، وهي (صغيرة)، لكنها تتكون/تولد/تخلق كثرة ومذكر: "بأحرفها" المكونة من سبعة حروف، وهذا يشير إلى قدسية/خيرية/خصب ال"لغة".
بعدها يدخلنا الشاعر إلى تفاصيل ال"لغة" ومكوناتها:
"لغة من رحيق ونار
لائذ باريحها"
نلاحظ أن الشاعر يكثف ويختزل حديثه عن (تفاصيل) مكونات ال"لغة" فرحيق متعلق بالرائحة الطيبة وينبثق من زهور جميلة، وبها يكون الشاعر قد أعطنا جمالية تجمع بين الشكل/المشاهدة/النظر، وبين الحس/الرائحة الطيبة معا، أما النار فتقودنا إلى الضياء، وإلى الثورة، إلى السخونة الفعل/العمل، كما تقودنا إلى الشدة والقسوة، لكن هذه الشدة تسبقها "رحيق" نعومة الزهرة ورائحتها الذكية، وهذا ما سيجعلها "باردا وسلاما"
وبهذا تكون النار (مقدسة)، نار خير، لها علاقة بما هو روحي وجمالي:
"لغة من حفيف ملائكة
وحريق يدسن تغسلتا بالأوار"
نلاحظ أن الشاعر يكرر تقديم الجمال/النعومة "ملائكة" على القسوة/الشدة "حريق، بالأوار" كما أنه يكرر استخدام اللفظ القاسي "حريق، بالأوار" بمعنى ناعم وجميل، فقد سبقه جمال ال"ملائكة" "حفيف" الذي يعطي معنى الهدوء والنعومة، والذي يدفع اللافظ/المُتكلم ليلفظه بطريقة ناعمة، خاصة بعد وجود حرفي الفاء ووجود الياء بينهما، "ح ـ ف ـ ي ـ ف".
قلنا إن الشاعر يعطي النار معنى القدسية، من هنا جاء "حريق يدين تغسلتا" فالاغتسال قديما وحديثا يعطي مدلولا إيجابيا للتحول والتقدم الجسدي والفكري والسلوكي/العملي للفرد وللمجتمع، فأنكيدو تحول من وحش إلى إنسان بعد أن اغتسل بالماء والزيت، والمسيحي يتعمد بالماء ليكون متماثلا مع طهارة السيد المسيح، والشخص في الإسلام يغتسل/يتوضأ ليدخل إلى الإسلام وليقيم الصلاة، وهنا جاءت "تغسلتا" لتعطي معنى التحول الناري، فهناك "حريق، بالأوار" كما أن صيغة المثنى في "يدين، تغسلتا" تجعل فعل النار أعلى وأكثر حرقا/طهرا.
يبتعد الشاعر عن تناول النار مباشرة، ويأخذنا إلى ما فعلته به:
"حين تجتاحني لهفة
أستعير الندى
وإذا هبت الريح
أبقى اليدين على جمرها"
نلاحظ، محافظة الشاعر على تقديم الجمال/الناعم/الهادئ: "الندى" على ما هو قاس وشديد: "الريح" وهذا يقودنا إلى العقل الباطن للشاعر، وما يحمله من رؤية طيبة للحياة، للإنسان/ للأحداث/للغة التي جعلته شاعر.
ونلاحظ أن هناك توازنا بين الهدوء والقسوة، بين الماء والنار، فقد جاء الماء سابقا من خلال "تغسلتا" وهنا جاء من خلال "الندى" وجاءت النار من خلال: "ونار، وحريق، بالأوار" وهنا جاءت من خلال: "جمرها" وهذا التوازن بين الماء والنار، التوازن بين النعومة والقسوة له جذور تراثية وثقافية غارقة في القدم، فقد تناول السوري القديم هذا التوازن من خلال تتابع الفصول وما فيها من خصب وجذب، وما تكوين ووجود ملحمة البعل إلا صورة عن هذا التوازن، صورة عن هذا الصراع الدائم والمستمر.
يختم الشاعر القصيدة:
"وأعد اللظى من دمي فرقدا
وأعيد المدى والصدى للنهار"
إذا ما توقفنا عند الخاتمة سنجدها (تكسر) وتيرة القصيدة، فقد تم تقديم القسوة/"اللظى" على الهدوء/فرقدا، المدى، للنهار" لكن إذا ما تمعنا في هذا (التكسير) سنجده يخدم فكرة الهدوء/النعومة التي لازمت القصيدة، فهناك غلبة للهدوء الذي نجده في خاتمتها "للنهار" كما أن تكامل المعنى بين المدى والصدى" والطريقة التي يلفظان بها، وما فيها من مد وتطويل ومن غنائية، تجعل المتلقي يشعر أن الخير/النعومة أكثر/أكبر من القسوة.
وبما أن الألفاظ المتعلقة بالسماء/بالفضاء: "فرقدا، المدى، الصدى، للنهار" أكثر من تلك الأرضية "للظى، دمي" وهذا يؤكد فكرة البياض/الهدوء الذي يكمن في القصيدة.
هذا على صعيد جمالية الشكل والطريقة التقديم، واللغة التي استخدمها الشاعر، لكن هل وظيفة الشاعر/الشعر تقتصر على تقديم جمال مجرد، أم انه له بعد اجتماعي/سياسي؟
إذا ما توقفنا عند المضمون المستتر خلف "ونار، وحريق، بالأوار، هبت، جمرها، اللظى، دمي" وعند صيغة الأنا والفاعلية والسرعة في العمل وفي الفعل: "لائذ، استعير، دمي، وأعيد" نصل إلى أن الشاعر لا يتحدث عن لغة مجردة، عن لغة الشاعر، بل عن أحداث ساخنة تجري في وطنه، في منطقة، وبما أنه شاعر، وعليه أن يقدم الواقع/الأحداث بعيدا عن المباشرة والوضوح، فقد كانت اللغة هي الطريقة/الوسيلة/الأداة التي وجدها مناسبة لتقديم رؤيته/ثورته على هذا الواقع، وما (تكسير) وتيرة القصيدة في الخاتمة، إلا انعكاس للرؤية الشاعر المتمردة التي ترى الخير/الخصب يمكن في الحريق في النار في اللظى.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدوان واللغة في قصيدة -نهار متوحش- جواد العقاد
- عناصر الفرح/التخفيف في أنا لا أكتب لأحد جروان المعاني
- الهزيمة والنصر في قصيدة -أمطار حزيرانية- علي البتيري
- رواية الحكاية في رواية -تزوجت شيطانا- كفاح عواد
- القصيدة الساخنة -رسائل لم تصل- سميح محسن
- انحياز المرأة للمرأة في -نساء في غزة- هند زيتوني
- الواقع الفلسطيني في قصيدة -سجل- هنادي خموس في ذكرة الخام
- درب الآلام الفلسطيني في قصيدة -وكبر الرحيل- منير إبراهيم
- الطرح الكامل في قصيدة -جذور- سامي البيجالي
- المسموح والممنوع في -شرط- مأمون حسن
- ثنائية الإبداع في قصيدة -خلف الباب- سمير التميمي
- الازدواجية في كتاب متلازمة ديسمبر للكاتب فراس حج محمد
- الغرب والمنطقة العربية في كتاب -انتفاضة رشيد عالي الكيلاني و ...
- الخطورة في رواية -سجينة الشر- بدر رمضان
- مأساة المثقف في رواية -يوم عادي في حياة عرفات- يوسف حطيني
- الأسطورة والواقع في ديوان -مواويل في الليل الطويل- فهد الرما ...
- -من بين أزقة المخيم- ريتاج إسحاق المنسي
- تمرد المرأة في رواية -نساء بروكسيل- نسمة العكلوك
- التكامل بين المضمون والشكل في قصيدة -محاصرون- قمر عبد الرحمن
- ثنائية الحنين عند يونس عطاري


المزيد.....




- رحلتي الخريفية إصدار جديد لوصال زبيدات
- يوسف اللباد.. تضارب الروايات بشأن وفاة شاب سوري بعد توقيفه ف ...
- بصدر عار.. مغنية فرنسية تحتج على التحرش بها على المسرح
- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...
- الممثل الإقليمي للفاو: لا يمكن إيصال المساعدات لغزة دون ممرا ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الهدوء والقسوة في -ولي لغتي- جمال قاسم