أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة (ملامح)














المزيد.....

قصة قصيرة (ملامح)


سمرقند الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 8004 - 2024 / 6 / 10 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


هل كانت ملامح وجهي هي التي تربطني بكم؟ إذن لماذا لم أعد أحبكم بعد عودتي من ساحات القتال مشوّها. أكلت الانفجارات تضاريس وجهي ونخرت تلك المأساة أجمل زوايا اتزاني من دون ان تعرفوا، كما حصل لعصا النبي سليمان(ع).
لا زلت أتذكر خميس انكساري قبل عشر سنوات كأنه اليوم، حين ألقوا القبض عليّ في بيت خالي (علاء) وأنا لم أزل أحلم بمزيد من الحمامات الزاجلة لقفصي الصغير. كنت بطلاً حين خبأت عن فطنة أمي تمردي على إرادتها وهي التي تحلم بي مهندساً وأنا كاره للمدارس ومن يدخل إليها، لا حلم لي غير زواجي من فاطمة إبنة خالي التي تعلمتُ معها بأن الحب ممكن في زمن الموت الازرق. كنتُ أتوق الى من يفهم خارطة حزني، لامرأة تفهم حبي للطيور وخوفي من الأماكن المرتفعة وعشقي للخبز الساخن، لإنسانة لا أخجل امامها من قمصاني المثقوبة ومن أبي السكير ومن فقر عائلتي الذي تأسس منذ الطوفان الأغر لنوح (ع).
حلمت دوما بالعمل مع خالي سليل الصبر كالأتقياء، والاقتران بابنته، ولكنهم القتلة ـ أقصد من يعشقون الحروب ويدفعون لها خيرة الحالمين بالغد، حينما ساقوني كالخروف الى معسكر التدريب، وأجبروني على ارتداء بدلات بلون الطحالب تفوح منها رائحة من سنقتلهم، لنتدرب على تمزيق الأرانب التي أحببناها منذ فجر البراءات الاولى، ولنقاتل رجالاً أعلم انهم تركوا وراءهم أشياء كثيرة يحبونها وحملوا بدلها الأسلحة مثلنا مرغمين!
ثكنات الجيش لا خبز فيها، غير أني أشمُّ رائحة الأرغفة كلما دفنتُ المساء بحروف الحبيبة، لأزف كل الأحلام لهودج فاطمة، وانحت خيالاتي متصوراً أن كل الرصاصات التي عبأت بها بندقيتي ما هي إلا حبات حنطة لأرشها فوق حماماتي في سطح خالي المنتظر عودتي.
الرسائل رابطنا الوحيد، تأتي كل أسبوع مثل ماء الجنة على قلب تائه في صحراء .. تحمل اخبار الحيِّ، أهل الدار، هديل الشباب على أغصان نهاراتي. اشتاق بعدها لصراخ أبي فهو أهون من وقع الصواريخ وأوامر الضباط. اشتقت للعاطلين عن العمل الذين كنت أُقرضهم ما استطعت كي لا يفوا بديونهم وإن أقسموا بكتب الله .. أفتقد رائحة الحساء الذي تطبخه جارتنا كل مساء وترسل لنا طبقا منه كي لا ننام بلا عشاء.
أعادوني الى بيتي بعد معارك ديزفول* مشوّهاً.. لم أكن أحلم بغير الشفاء.
استجمعت الكثير من حب الله لأرمِّم وجعي، وأقدر على النظر في المرآة، استجمعت حبي لفاطمة كي استجيب للعلاج الطبيعي في مستشفيات بنتها الدولة ذاتها التي دفعتنا للحرب، ذاتها الدولة التي دفعت ثمنا للأسلحة التي نحارب بها أكثر من الأدوية التي قد تصلح بعضاً مما قد يجازي تعب أمهاتنا وانتظار الحبيبات على شرفات صارت نهشاً للأتربة، من يصلحنا من ذكرى سرفات تلوك أضلاع اصدقائنا وتمرُّ ساخرة على حقائب براءاتنا المنتحرة؟
تزوجتْ من كنتُ اُمني سنواتي بالإكتحال بعطرها من رجل آخر، لأنهم يئسوا من اعوام قضيتها في المشافي لإصلاح خرائب عمري، باع خالي طيوري كلها وغادر البلاد بما تبقى من أولاده كي لا يزجّوهم في المعارك عنوة، اختار المنافي على وطن شُبّانه ينضجون مبكراً فتأكلهم الأسئلة، ليستردهم الله هرمين كسفنٍ قديمة**.
وحدها أمي بقيت على ابتسامتها وصلاتها، ما زالت تبحث عن عروس ترضى برجل له ثلاثة أطراف يعتاش من راتبه الأعرج، ولم تعلم باني لستُ حاقداً على أحد، غير اني صرتُ أكرهُ كل الناس بالتساوي!
وحدها فاطمة ظلت كل إسبوع ترسل لي بيد زوجها أرغفة ساخنة، وحساءً يحمل رائحة الأمس المسلوب، لا شيء يرممنا كالحب إذن، لذا عدتُ لشراء الحمائم، والبحث عن عمل يناسب قلب رجلٍ يظن ان الحرب لا يجب أن تهزم الأحلام.
* ديزفول: اسم مدينة ايرانية حصلت فيها معارك شرسة بين العراق وإيران.
** من قصيدة الشاعر العراقي ( مروان عادل حمزة)
من مجموعتي القصصية (علب كبريت)



#سمرقند_الجابري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدتان( دائما- عاشقان)
- قصة قصيرة (قميص شاعر)
- نبضات مشتعلة
- قصيدة ( بقاء)
- قصيدة (حكاية)
- قصيدة (إنها تمطر )
- ملتقى نوروز الشعري السادس في دهوك 2024
- معرض (سايكل) في المعهد الثقافي الفرنسي في بغداد
- الرسام العراقي المغترب (هاني دلة) والفراغ الممتلئ
- مسرحية (تاء التأنيث ليست ساكنة)
- معرض (جنة عدن) برعاية معهد غوته الألماني 2023
- قصيدة - ذئاب
- المعرض السنوي لـ(جائزة عشتار) للشباب 2023
- حب العراق في المعرض السنوي 45 للجمعية العراقية للتصوير
- ابتسامة سبعة وستون لوحة عراقية
- -رؤى زهير- و-بتول شبيب- اصبوحة شعرية نابضة بالدفء
- فلم -سينمائجي- في دكانة رؤيا
- لقاء ألكتروني مع الروائية العراقية -دنيا ميخائل-
- الروائية الألمانية - هانا دوبغن- في بغداد
- مؤتمر السرد بدورته الرابعة – بغداد2022


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة (ملامح)