أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - تحليل أسباب ظهور التطرف الديني















المزيد.....

تحليل أسباب ظهور التطرف الديني


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 14:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك عنصر في غاية الأهمية في تحليل أسباب ظهور التطرف الديني بالمنطقة العربية ، وهو العنصر المتعلق باستراتيجية اشتغال السلطة السياسية .
نعم ، ان عناصر التحليل الأخرى هي بمثابة الأرضية الأساسية للتحليل : العنصر السياسي ، العنصر الاقتصادي ، العنصر الثقافي ، العنصر الديمغرافي . لكن ان مسألة استراتيجية السلطة ، هي بمثابة نسيج وخيط ناظم ، يتفاعل ضمنه مختلف العناصر الاخرى .
تحقق المجموعات السياسية تماسكها ، إما بالاعتقاد بإيديولوجية مشتركة ، أو بالاستجابة لمتطلبات سلطة مركزية مشتركة ، او لوجود مصالح مشتركة ... الخ . لكن هذه " المشروعية " تزداد قوة ومثانة ، وتكتسب صلابة اكبر ، اذا ما عرفت السلطة السياسية ، كيف تسوس ببراعة ، نظام الجماعة في اتجاه ترسيخ سيادتها وسلطتها .
يمكن اجمال استراتيجيات السلطة عامّة – اية سلطة – في اثنين : استراتيجية الامل واستراتيجية الخوف . وهما خطتان سياسيتان ، مبنيتان على عاطفتين بشريتين أساسيتين ، هما الامل والخوف . وكل سلطة ناجحة وقادرة على الاستمرار ، تمزج بمقادير متفاوتة بين هاتين الاستراتيجيتين . اولاهما تقتضي مداعبة خيال المواطن لشده اليها بتقديم وعود مادية ومعنوية كاذبة ، وتصويرها وكأنها وشيكة التحقق . ان قسم الحلم اليوتوبي هذا ، هو بمثابة ترْياق امام مرارة وقسوة الحياة اليومية ، وبمثابة طعم يشد اليه النفوس ويكتم الانفاس ، في انتظار ذلك اليوم الذي سيتم فيه تحقق الوعود .
الامل من حيث هو بعد أنثروبولوجي أساسي للإنسان ، هو الدعامة الأولى لكل استراتيجية ناجحة للسلطة ، وكل الحركات والأنظمة الثورية ، تقوم على دور قشة الامل في اجتذاب الناس وتحصيل ولاءهم وطواعيتهم . بل ان أي نظام مهما كان " واقعيا " ومحافظا ، مضطر الى حقن خطابه السياسي ، وخطته السياسية بحد ادنى من الامل .
ان تقنية الامل هذه قد تتم تكملتها ، او قد يتم استبدالها ، او تذويبها في تقنية أخرى ، هي تقنية الخوف والتهديد . فالكائن البشري في حاجة الى احتماء من العدوان ، ومن الخطر الخارجي ، لذلك تلجأ معظم الأنظمة السياسية ، من اجل ترسيخ هيمنتها ، الى توجيه الأنظار نحو خطر خارجي مفترض ، مما ييسر عليها رص الصفوف الداخلية في مواجهته ، واعتبار ذلك مهمة وطنية أولى تتضاءل امامها كل المطالب ، وتسخر من اجلها كل المطالب ، تسخر من اجلها كل الإمكانيات والطاقات ( قضية الصحراء الغربية ) .
ويبلغ النظام السياسي اعلى درجات قوته ، عندما يستطيع الجمع بين هاتين الاستراتيجيتين : استراتيجية الامل واستراتيجية التهديد الخارجي ، كما حصل في النظام السوفياتي السابق ( الاشتراكية كأمل والامبريالية كخطر ) . والمثال العربي البارز لهذه التعبئة المزدوجة يمثله نظام عبد الناصر في مصر ، حيث بلغت التعبئة ذروتها ، لأنها قرنت بين الامل في تحقيق الحياة السعيدة ، بتطبيق النظام الاشتراكي المثالي ، وبين التهديد الخارجي الذي تمثله إسرائيل والإمبريالية .
ولا شك ان هناك اقترانا قويا – وان لم يحلل بما فيه الكفاية – بين الصلح الذي أدى الى زوال الخطر الخارجي ، وبين انطلاق حركة التطرف الديني . لقد كان المواطن المصري مستعدا لتقبل البؤس والكدح الناتجين عن تعبئة موارد الوطن ، لمواجهة " الخطر العدو " الخارجي ( الصحراء الغربية ) . لكن مع خسوف المثال الاشتراكي ، والعودة الى الليبرالية وسياسة الانفتاح ، ومع حدوث المصالحة ، أي مع خفوت الامل وزوال الخطر الخارجي ، انطلقت الرغبات والمطالب من عقالها ، واخذت حرب الداخل ( الإسلام السياسي ) تحل محل حرب الخارج بالتدريج .. الى ان وصلنا الى القاعدة وداعيش ..
-- غياب الأهداف الكبرى :
لقد خسرت السلطة اداتين أساسيتين في استراتيجية السيطرة ، هما : الامل الترْياق ، والخوف في وقت واحد تقريبا . فما عاد بالإمكان تأجيل المطالب والحاجات والرغبات كما كان الامر في السابق . وما عاد بالإمكان اسكاتها باسم الواجب الوطني او القومي ، او باسم انتظار تحقق المثال .
ان غياب اهداف كبرى ، وطنية ، او قومية ، او اممية .. بإمكانها ان تعبئ الناس ، وتستقطب انظارهم واهتمامهم ، وان تجعلهم يستسيغون البؤس والحرمان والفقر ، سواء كانت هذه الأهداف مصوغة ضمن استراتيجية التخويف والتهديد الخارجي .. ، معناه انفتاح الباب امام إمكانية الاقتتال الاجتماعي الداخلي ، وامام إمكانية اندلاع الحرب الاجتماعية الوطنية ، امّا من اجل انتزاع بعض المكاسب المادية او الرمزية ، او من اجل الاستيلاء على السلطة ، أي الحكم . وما لم يراع هذا المبدأ الاستراتيجي التعبوي البسيط المتمثل في وجود طعم الامل في الداخل ، وفزاعة الخطر في الخارج ( الصحراء الغربية ) ، فإن نقل الحرب من الحدود الخارجية ، الى التخوم الداخلية ، يظل واردا ، عند فشل ( القضية / الوطنية ) ، خاصة عندما تصبح الصحراء الغربية التي عطلت وتعطل الصراع الداخلي قاب قوسين من الانفصال او من الاستقلال ..
ان سكوت الجبهة الداخلية ، وانطفاء شمعة الامل ببلد ، خاصة اذا ما تعلق الامر ببلد يعاني من تزايد السكان ، بشكل مفرط ، وبشكل عبثي ( الله ضامن الرزق ) ، وتزايد يجري بأعلى الوتائر ، ويعاني من فقر ومحدودية الموارد ، ومن مظاهر حادة للتفاوت الاجتماعي ( سرقة اموال الفقراء المفقرين . تكديس الثروة المسروقة بالابناك الأوروبية ، شراء القصور خارج المغرب بأموال الفقراء المفقرين .. احتكار الثروة في جانب واحد ، وحرمان الشعب من ثروته المسروقة ... الخ ) .. ضمن نظام سياسي لا يستظل بأية مظلة أيديولوجية ( لاهوتية او محافظة ) ، ولا يحتمي باي اشعاع كاريزمي ، بل يكتفي بكونه نظاما ( عصريا ) للتسيير ..
المبدأ اليوتوبي ( مبدأ الامل ) ، هو بمثابة الترياق او بلْسم يجعل المواطن العادي ، يستمرئ كل الشقاوات والعذابات في انتظار اليوم الموعود . ومبدأ التهديد ( الخطر الخارجي ) لا يقل عن المبدأ الأول في تطويع العقول والنفوس والاجساد ، وجعلها مهيأة لابتلاع الشقاوة والكدح والتفاوت بطواعية . بل بعز ونخوة . وعندما يسقط المبدآن تنفتح على مصراعيها إمكانية الحرب الداخلية الطويلة الأمد .
وحدها المجتمعات الديمقراطية الحقيقية ، تستطيع بحكم رسوخ التوازنات الداخلية فيها ، بين المجتمع المدني والدولة ، وبحكم توافر آليات امتصاص النقمة والسخط .. ، وحدها هذه المجتمعات تستطيع ان تعيش نسبيا خارج استراتيجيتي الامل والخوف . أي على مجرد الأداء البيروقراطي / الديمقراطي المرتكز على المشروعية البنيوية للسلطة وللحكم وللنظام ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تنجح الجزائر في بناء نظام إقليمي مؤسساتي
- نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل لم يصفع محمد السادس ، وإسرائيل ال ...
- القضاء الإيطالي يرفض تسليم ادريس فرحان المطلوب من البوليس ال ...
- حان موعد الرحيل . المنفى ينادينا
- هل دعا حاكم المغرب الفعلي من الشرق ، الجزائر الى التعقل وفتح ...
- النظام الطائفي والطائفية في لبنان
- نداء حركة - صحراويون من اجل السلام -
- النظام الطائفي والطائفية في الدولة الإسلامية ( الحلقة الرابع ...
- النظام الطائفي والطائفية في الدولة الإسلامية -- الحلقة الثال ...
- النظام الطائفي والطائفية في الدولة الإسلامية --- تابع ---
- النظام الطائفي والطائفية في الدولة الإسلامية
- الإطار الاجتماعي للنعرة القبلية والمذهبية
- أول حكم ذاتي لمواجهة النعرة القبلية في الدولة الاسلامية
- هل الملك محمد السادس من اعتبر خيار الحرب استراتيجي مع الجزائ ...
- هل طالب النظام المزاجي البوليسي باسترجاع الصحراء الشرقية ؟
- من يملك مفتاح حل نزاع الصحراء الغربية
- النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية
- السلاح يلعلع بالقصر الملكي
- النظام القبلي في الدولة الثيوقراطية الإسلامية
- الدولة المزاجية . مغرب الاستثناءات


المزيد.....




- نظرة على ترسانة إيران من الصواريخ الباليستية ونطاق تهديدها
- بعد ليلة دامية.. كاتس يُهدد سكان طهران بـ-دفع الثمن-.. وبزشك ...
- الإعلام الإيراني ينشر تحذيرا أمنيا: إسرائيل تستخدم تتبع الهو ...
- تضرر مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب إثر صاروخ إيراني.. هل ...
- مراسلتنا: ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين جراء الهجوم الصاروخ ...
- الجيش الإسرائيلي: بحريتنا اعترضت للمرة الأولى 8 مسيرات باستخ ...
- روسيا.. اختبار مفاعل حيوي يعتمد على الطحالب الدقيقة لضمان ال ...
- الناتو يطلق مناورات في فنلندا بمشاركة أكثر من 40 طائرة حربية ...
- إعلام عبري: صاروخ إيراني انفجر مباشرة بين ملجأين في بيتاح تك ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن رصد صاروخ أطلق من اليمن


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - تحليل أسباب ظهور التطرف الديني