|
النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7975 - 2024 / 5 / 12 - 14:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الحلقة الثالثة السابقة ، رأينا كيف ان الإسلام نفخ في النعرة القبلية ، وان هذه ، لم تكن مجهولة لدا معتنقي الإسلام ، بل انها كانت ملازمة له ، في كل اطوار الحكم الإسلامي ، من الخلافة الى الدولة الإسلامية . فالحاكم الإسلامي اعتمد النعرة القبلية ، لتشتيت الصفوف ، واضعاف الشعب ، وتحويل الصراع ، الى صراع يجري بين الحاكم الإسلامي الفاشي والشعب الذي تمثله القبائل ، الى صراع بين القبائل المتناحرة بعضها البعض ، على الغِلّة ، والامتيازات ، والثروة ، والجاه ، والمال ، فيما الحاكم الإسلامي الفاشي يستفرد بالجميع ، ويظهر انه فوق الصراعات القبائلية ، وانه محايد ، ولا يد ، ولا دخل له فيها ، في حين انه هو رأس الفتنة الضاربة . هكذا سنجد ان النظام القبائلي ، وظفه الحاكم الإسلامي كأداة للقهر السياسي ، والسيطرة السياسية ، فهو بذلك نظام اوجده نظام الطغيان ، والاستبداد المطلق للقهر السياسي ، وكوسيلة لشق الصفوف ، والحيلولة دون اتحاد الشعب ، لان في الاتحاد قوة اقهار الحكام ، وقهر نُظم القهر والاستبداد . لقد قسمنا هذا القسم الى محورين . المحور الأول وكان عنوانه ، الصراع بين المدينة والدولة ، في حين ان عنوان المحور الثاني عنوانه ، هو النعرة المّذهبية والدينية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين . ثانيا : النعرة المذهبية والدينية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين : انعكس التناقض بين الدولة الإسلامية المركزية ، وبين الكيانات المدنية ( القروية ) ، وتقاليدها التي استمرت بعد الإسلام ، في صراع اجتماعي آخر ، سرعان ما اندمجا فيه ، ليُكوّنا تيارا سياسيا يعارض السلطة المركزية للخلافة . اعتمد الإسلام في نظريته السياسية ، على وحدة السلطة السياسية ، والاقتصادية التي اتخذت شكلا محددا بعد تطور نظام الخراج ، وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . فقد إعتُبرتْ الأراضي الزراعية للأقاليم المحتلة التي غزوها عُنوة ، ملكا للامة الإسلامية ، أي ملكا للدولة الإسلامية التي أوكلت بدورها زراعة تلك الأراضي للفلاحين ، لقاء ضريبة معينة تسمى الخراج . ولمّا كان عائد الخراج ، يرجع من الناحية الشرعية على الأقل لمجموع الامة ، فقد قيّد هذا النظام من دور الحاكمين في التلاعب في الأراضي الخراجية ، لكنه دفعهم من جانب آخر ، نحو تجميع المِلْكيات الخاصة ، وإقامة المصانع والمؤسسات الإنتاجية . لقد اقترن بنظام الخراج ، بتطور ديواوينية ( بيروقراطية ) واسعة النفوذ ، تتمتع بثقافة عالية ميّزتها عن العامة المسحوقة الجاهلة . فكان من المنطقي ان يسير المجتمع الإسلامي بعجلة تطورعرجاء، افضت الى انقسامه الى معسكرين كبيرين – الحاكمين والمحكومين – ، او يسمى في الادب القديم ، بالخاصة والعامة . وهكذا نرى ان التركيبة السياسية – الاقتصادية للمجتمع الإسلامي ، قد حدّدت الطبقات الاجتماعية ، وكيّفت طبيعة الصراع الطبقي ، واوجدت الأسس الاجتماعية ، لظهور القبائل المكرسة للانقسام ، كما حصل في فترات لاحقة ، باعتبار ان القبائل تمثل شكلا معينا من اشكال التكوينات الطبقية . ان هذه التشكيلة السياسية الاقتصادية المعقدة ، تجعل من المتعذر فهم المدارس المذهبية في الإسلام ، بالاقتصار على الاقاويل الفقهية والنظرية ، دون النظر الى الدلالات الاجتماعية التي تعبر عنها تلك المدارس ، والى الظروف التاريخية الخاصة ، التي أحاطت بظهور كل فئة من الفئات المذهبية ، ومدى علاقتها بالدولة من ناحية ، وبالفئات المحكومة من ناحية أخرى . وفي اطار هذا المنظور ، برزت ظاهرة عامة في تاريخ بعض المقاطعات الإسلامية ، قلما نجد لها مثيلا اليوم في المجتمعات الأخرى ، وهي حقيقة تمايز دين الحاكمين عن دين المحكومين ، واختلاف المذاهب الرسمية عن المذاهب الشعبية ، كما يجري الامر اليوم في العراق والبحرين والسعودية ، حتى انعكست القاعدة القديمة القائلة : " الناس على دين ملوكها " الى نقيضها . ان تقلب الأديان والمذاهب في المجتمعات الإسلامية ، كانت تجري تبعا لتقلب الأنظمة السياسية الحاكمة ، او الاسر المالكة ، وهذا بخلاف ما عرفته اوربة . فانتشار المسيحية مثلا ، كان نتيجة قرار سياسي اتخذه بعض ملوك الروم ، لاعتناق دين المسيح ، وكذلك الحال بالنسبة لحركات الإصلاح الديني الاوربية في العصر الوسيط . ان انتشار الأديان المختلفة بالمنطقة العربية الإسلامية ، كان يتقرر في حالات كثيرة حسب ميل السلطة السياسية القائمة . وهذا نلاحظه مثلا في ايران منذ عهد زرادتش وماني ، وحتى عهد الاسرة الصفوية في القرن السادس عشر . كذلك نفس الحال نجده في مصر التي كانت أحد اهم مراكز الدعوة المسيحية قبل الإسلام ، لكنها قبلت الدين الإسلامي ، واللغة القرآنية دون مقاومة تذكر . ففي الفترة الإسلامية ، قامت في مصر اكبر دولة شيعية في تاريخ الإسلام : الدولة الفاطمية التي لم تزل آثارها العمرانية شاخصة للعيان : القاهرة ، والجامع الازهر ، والاضرحة المقدسة ....لخ ، لكن المذهب الامامي ، سرعان ما اختفى من مصر ، مع تغلب صلاح الدين الايوبي ، وازالته للخلافة الفاطمية الشيعية . اما في تاريخ وادي الرافدين ، فنرى ظاهرة معاكسة ، حيث ان اهل بابل ، قد عارضوا الاحتلال الإخميني – الفارسي ، قبل القرن السادس قبل الميلاد ، واتخذت المعارضة شكلا دينيا ، بانتشار مذهب وثني معين ( يتعلق بعبادة الاله سن ) ، حمل المحتلين الفرس على التظاهر بحماية المذهبي البابلي التقليدي ، إستمالةً لكهنة بابل المحافظين . وفي الفترات اللاحقة ، نجد اهل العراق يعتنقون المسيحية معارضة للمجوسية دين السّاسانيين . وكذلك الحال في العهد الإسلامي ، كان مدى انتشار المذهب الشيعي ، يتناسب مع تزمت الحاكمين ، وتقريبهم للحنابلة واهل الحديث . وفي العهد العثماني ، نلاحظ ان كثيرا من العشائر والاسر السنية المرموقة في العراق ، انتقلت الى المذهب الشيعي ، استجارة بمراكز الشيعة الكاظمية ، والنجف ، وكربلاء من ظلم الحكم العثماني . وقد شملت هذه الظاهرة اكثر نواحي العراق ، ولم تقتصر على المنطقة المحيطة بالمراقد الشيعية ، فمن المعروف ان اكثر المراثي الحسينية انتشارا في العصر الحديث ، هي من نظم بعض شعراء الموصل . وفي الوقت نفسه ، نرى بروز مظاهر التضامن ، بين اهل المذاهب والأديان المختلفة ، عند تعرض البلاد الى للاحتلال الأجنبي ، او عند قيام الثورات الشعبية الكبرى في القديم والحديث . ان هذه الظواهر غير المعتادة التي برزت على مرّ القرون ، تدل لاشك ان الصراع القبائلي والصراع المذهبي ، كان دائما تعبيرا عن صراع اجتماعي ، وانعكاسا لمقاومة شعبية ضد تسلط اجنبي ، او استبداد محلي ، بأشكال دينية ، او مذهبية ، او قبائلية ، تنسجم مع الاحوال السائدة في المجتمع ، والتقاليد الجارية بين الناس .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلاح يلعلع بالقصر الملكي
-
النظام القبلي في الدولة الثيوقراطية الإسلامية
-
الدولة المزاجية . مغرب الاستثناءات
-
سورية تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية ، ولقاء ثلاثي في اخ
...
-
الانقلابات في ظل الملك محمد السادس
-
حين تتر أس دولة بوليسية فاشية ومارقة مجلس حقوق الانسان بالام
...
-
في الثقافة والتثقيف السياسي ( الحلقة الثالثة )
-
الأمم المتحدة / الأمين العام للأمم المتحدة
-
رئيس الحكومة الاسبانية السيد بذرو سنشيز
-
الجنرال شنقريحة يهدد النظام المغربي ، بقرع طبول الحرب بالحدو
...
-
موقف إسبانيا وفرنسا من نزاع الصحراء الغربية
-
هل يجري التحضير لإعادة بناء اتحاد مغاربي ؟
-
حين يغير البوليس موضوع الدراسة
-
البوليس السياسي مصاب بالإسهال وفقدان البصيرة
-
حين يلعب الصغار مع الكبار يعتقدون انهم كبارا
-
هل لا يزال من يحلم بالدولة الفلسطينية ؟
-
الأمم المتحدة
-
العقلية المزاجية والعشوائية سبب ضياع الصحراء الغربية .
-
هل سيكون شهر ابريل حاسما للنظام المغربي
-
تتمة دراسة في الثقافة والتثقيف السياسي
المزيد.....
-
مصادر لـCNN: وزارة العدل الأمريكية حذرت إيلون ماسك بشأن جائز
...
-
توتر ما قبل المباراة يحكم السوبر المصري بين الأهلي والزمالك
...
-
هاريس تصف ترامب بـ-الفاشي- وتحذر من سعيه للسلطة المطلقة
-
أميركا تتهم إيران وروسيا والصين بمحاولة اختراق الانتخابات فم
...
-
أوستن يطالب إسرائيل بعدم التعرض للجيش اللبناني
-
مقتل جندي سوري وإصابة 7 في ضربات إسرائيلية على دمشق وحمص
-
قلق أميركي بشأن تقارير عن تعرض الجيش اللبناني إلى ضربات
-
بوتين يستغل -بريكس بلس- للخروج من العزلة
-
كامالا هاريس ترد على أسئلة الناخبين في ندوة CNN
-
مدير ستاربكس الجديد يعدل قائمة المشروبات لاستعادة الزبائن
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
المزيد.....
|