أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - حلم طويل .. قصة قصيرة















المزيد.....

حلم طويل .. قصة قصيرة


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 22:12
المحور: الادب والفن
    


أتجول في طرائق منحنية تتوسطها بعض الفجوات الهوائية أو المائية في فضاء ذلك الفندق الاسطواني الزجاجي الذي يرتفع نحو الأعلى، ويكشف جزءا من الظلمة ونور القمر، بينما تتحول بنيته الاسطوانية في المساحات المرتفعة إلى مجموعة من المثلثات، والمكعبات غير الحادة، والمتشابكة في نسيج ضوئي ذهبي؛ يستقبلني الآن بشيء من الترحاب دب بني ضخم، أكاد أعاين من خلفه لوحات مجزأة بها مقاطع مكانية من دوائر زحل، وبعض التكوينات على القمر، وجزءا من عاصفة المشترى الحمراء، يبتسم الدب، يحتضنني وأرى داخل مساحة قلبه جمجمة ساخرة، ومجموعة متشابكة من الثعابين الضوئية، يمنحني قطعة زجاج تتوسطها صورة لبجعة، تميل عينها إلى غلبة اللون الأسود.
-المفتاح.
أشكره، وأجدني طائرا في فضاء أسود واسع تتوسطه ماكينة هندسية كبيرة زرقاء داكنة، تشبه تشكيلات مايرهولد التجريبية في المسرح؛ أسبح بين الفراغات، والدوائر التي بدأت تمتلئ بمياه سوداء كثيفة، تتوسطها جماجم صغيرة ضاحكة؛ أجدني أضحك وأبكي معا وسط المياه، وحركة الجماجم الحلمية؛ وكأنني جزءا من عرض بعيد عن ذاكرتي، وحالتي التأملية النسبية التي صاحبتني أثناء حديثي مع الدب.
تتراقص أمامي وسط ماكينة المسرح التجريبي دائرة بيضاء غير منتظمة، تقبع فيها فتاة ترتدي زي الممرضة، تطير داخل دائرتها الخاصة وتبتسم، وتغمض عينيها وكأنها داخل تأمل عميق، أو يبدو أنها تستدعي شخصية مسرحية أخرى؛ أدخل الآن الدائرة البيضاء، وأسبح وسط الأحمر الداكن؛ فأجد الفتاة قد صارت ظلا داكنا؛ وأسألها إن كانت جزءا من مسرحية، أو تأمل، أو حلم فتجيبني بأن تدخلني إلى رقصتها الهوائية فوق شلالات الأحمر الداكن الساخن الذي يخرج أبخرة حارة جدا حولنا؛ تختفي الفتاة؛ وأستمع إلى بعض ضحكاتها؛ أميز بعض النغمات، والهمهمات غير المنتظمة النسائية المشروخة حولي في فضاء الدائرة النارية المتوهجة.
إيفيجينيا، كاسندرا تصرخ بداخلي وداخلك، فتاة ست شصيات تبحث عن مؤلف تنسحب إلى طبقات مظلمة عميقة أسفل المسرح وتضحك، أوفيليا تحيا في فضاء هوائي آخر مملوء بمقابر مهرج الملك، وصمت هملت، وضحك الشبح، أنت داخل أنتيجوني الهوائية التي تتأمل السيارات، والقبور، ودخان المطاعم، وأحاديثك على المقهى؛ وهي الآن تتأمل أطياف ألبيرتين لبروست معك فوق غرفة مظلمة مملوءة بالمياه الزرقاء وصور صغيرة لمقابر، وماكينات تشكيلية مسرحية أخرى صغيرة تتوسطها ظلال راقصة، وأصوات نسوة يضحكن بألم قوطي هادئ.
أعبر الدائرة وأطير فوق منطقة صحراوية بها سوق لبيع السجاد ومجموعة من الأعشاب وأشكال من الصبار تشبه الغربان والبجع، والتماسيح والثعابين، بعض بائعي السجاد يتحدثون بنغمات حلمية مبهمة، وهمهمات، وبعضهم بلا رؤوس، أو لهم رؤوس نارية شبحية شفيفة ضمن الفراغ الهوائي القوي، تطل بعيون تشبه السيكلوب، بينما أستمع لضحكاتهم العبثية الساخرة من خلف فراغات الرؤوس، أتجول في مساحة أخرى لبيع الزيوت، والأدوية، وأجد امرأة ضخمة ترتدي عباءة سوداء، أقترب منها لأسألها عن بعض زيوت الكتان، والزيتون، والحبة السوداء؛ أجد رأسها مجموعة من الأسنان الحادة والأنياب الطويلة التي تنغرس نحو الأسفل في الرمال، وتعيق حركتها تحاول أن تجذبني داخل العباءة الواسعة ببعض الكلمات الغامضة، والهمهمات؛ تبدو كمن يقوم بدور على مسرح الرمال الدينامية أسفلنا، وينبت لها جناحان أسودان كبيران تضمني بهما بشدة فأغيب داخل المساحة المظلمة، وأعبرها نحو عاصفة رملية شديدة، أبدو وحيدا داخل العاصفة التي بدأت تغطي مساحات الرؤية، وأستمع إلى أصوات تتفرع في تشكيلات منفرجة تنبثق من داخلي باتجاه دوامات العاصفة؛ يبدو أنني أستمع إلى نغمات القبطان الفزعة في عاصفة شكسبير، أو إلى مدام سوزوستريس في شوارع إليوت، أو إلى الخطيب العبثي في كراسي يونسكو، أو إلى صوت الجمجمة الساخر الذي توسط قلب الدب في فضاء استقبال الفندق؛ أو إلى صوت فتاتي التي كانت ترقص في الدائرة البيضاء منذ قليل؛ إنها تصرخ مثل إيفيجينيا، وتقول بعض جمل أنتيجوني الهادئة، أو همهماتها وسط المقابر، أو أستمع إلى بعض جملها الخاصة الآن:
أتحب نغمات العاصفة الرملية؛ إنها تشبه تحولاتي على الخشبة المائية؛ لقد سبحت مدة طويلة وسط الشلالات الحمراء بداخلي، وضحكت كثيرا، وصرخت مع الشخصيات الأخرى حتى صرت ظلا راقصا، متأملا ثم اختفيت، أنا جزء من نغمات الكمان الحمراء، وأصوات أوتار الهارب الزرقاء التي تحيطنها وسط بللورات الرمال الآن.
نسبح معا ولا نرى تكويناتنا مطلقا، ولكننا نعاين المياه السوداء الكثيفة تتعالى وسط فضاء الصحراء والعاصفة الرملية وتسبح حولنا قطع السجاد، والأدوية، والزيوت، والجماجم، وأصوات الشخصيات المسرحية، وأطياف عديدة من أنتيجوني، تجلت في صور فتيات يرتدين الأسود ضمن مرايا صغيرة في شلالات المياه.
أراقبني الآن من مساحة هوائية صافية بينما أصداء العاصفة الرملية وأصوات الباعة، وشخصيات المسرحيات الممكنة تتداخل بداخلي مثل المنحنيات، والأقواس التي تتراقص من أعلى إلى أسفل؛ وأجدني الآن وسط شارع واسع في المدينة وأشم روائح القهوة، والكباب، والزيوت العطرية، والمسك، والياسمين، وروائح حظائر للدجاج، أمر على المطعم ولكنني أفضل كوبا من القهوة على هذا المقهى الداكن، أعاين مجموعة من المواسير الضخمة الصدئة وسط المقهى فأتذكر ماكينة مايرهولد التجريبية، يرحب بي صاحب المقهى فأجده بشريا وله منقار كبير مقوس لونه بين البنفسجي الفاتح والأسود، وحوله مجموعة من الناس لهم نفس هيئته، ولكن مناقيرهم المقوسة أصغر قليلا ولونها يجمع بين البنفسجي الداكن، والأحمر، يحتضنني الرجل، ويشير إلى كرسي عتيق في حفرة هوائية ولكنها ممسكة بالكرسي، وأري تحت التيارات الهوائية صفحة فضاء مظلمة، فأجلس، وأطلب كوب قهوة كبير، وأثناء تذوقي للقهوة أجدني معلقا في الهواء وتمر التيارات المائية للقهوة داخل مساحة تجسدي في المشهد، وأراني أتحدث مع الرجال ذوى المناقير البنفسجية الحمراء عن الفن، وتمثيلات الموت، وتمثيلات الحيوات الاستعارية الممكنة، يضحكون ببهجة، أو بعبث أو بسخرية، ويلعبون الشطرنج قليلا معي، ثم أجدني ضمن الفضاء الواسع نفسه داخل مقهى إدوارد مونك التعبيري المظلم، وحولي وجه الصرخة متضاعفا، وحوله مجموعة من الفتيات يضعن مكياجا بالأسود ويذكرن أنهن يقمن ببعض العروض القوطية في مقهى مونك ولكن للسينما التجريبية، فأجدني مع إحداهن في مساحة مظلمة وسط قبور كانت تحيط بمقهى مونك، ويستيقظ الآن بداخلي صوت أنتيجوني، تصرخ صرخة داخلية بينما تتأمل بصمت عميق في الظاهر، وتحدثني بصوتها الداخلي بداخلي عن رغبتها في التعاون مع الفتاة في دور على المقهى أو في المقابر، وأعود للضحك مع الفتاة على المقهى وهي تستكمل المكياج وتخرج منها صرخة ممزوجة برائحة المقابر والمناقير البنفسجية، وعاصفة الصحراء، أو عاصفة المشترى الحمراء.
أعود إلى المدينة وفضاء الشارع الواسع، وأصوات السيارات، وأراها تسبح في منحنيات مائية بسرعة، ثم تختفي، وحولها تظهر من حين لآخر نيران بيضاء شفافة، أو لامرئية، وصرخات، وحرائق خفية فيما وراء المشهد، أتقدم في الشارع وأعاين اسطوانة من الضوء الأبيض تكشف جانبا في فضاء مدينة أخرى لمقهى بجوار هرم يشبه فضاء متحف اللوفر، فأعبر الفجوة وسط شلالات السيارات، وصوت الحريق الناري الهوائي القديم، وأجلس على مقهى آخر بجوار اللوفر وأجد شخصية السيدة ذات الرداء الأحمر والعينين الثاقبتين العميقتين في لوحة بورتريه لسيدة غير معروفة لدافنشي تخرج من أسفل الطبقة الأرضية المتموجة، تبدو أكثر شفافية من اللوحة وبها دائرة مظلمة بها بجعة فزعة في منطقة القلب، تتضخم السيدة وتحتل مشهد المقهى واللوفر بالكامل.
- أأنا داخل جرافيك هوائي، أم داخل لاوعي سيدة دافنشي؟
يأتيني صوتها الداخلي بداخلي؛ ألا ترغب في تجريب تلك الرحلة العميقة المظلمة؟
أوافق وأجدني داخل فضاءات لاوعي سيدة دافنشي، وسط مساحة مغلقة، مملوءة بلطخات حمراء بنية داكنة، ونستمع أنا وهي لأصوات أقدام رجال مسلسلة، ويظهر وجه يشبه دراكولا ويتجسد في صورة طائر في المبنى، ويتحدث عن اللعبة، ويكرر تلك الكلمة، وأميز في سرده كلمات تتوالى في ذهني وفي لاوعي سيدة دافنشي؛ السيدة تراني من الداخل، البحر أزرق داكن، اللعبة، الغرفة المظلمة، اللعبة، سوف أنظر من مساحة زمنية مكانية أخرى، أين ذهبوا، صوت فرجينيا بداخلي، الحلم، السفينة، العاصفة، الكوخ، الثعبان يلتف حول رقبتي، أنا هوائية، أين صديقتي وكوب الشاي، ما هذه البقع البنية على الحائط، صوت الغراب يزعجني ويسليني من وراء الحائط.
أعود إلى فضاء اللوفر وأسبح في اسطوانة أخرى وأجدني في مواجهة شلالات من السيارات الهوائية، ورأس طيفي لحيوان لوحة أيام الصيف لأوكاييف، أعبر الرأس وأجدني برفقة فتاة الدائرة البيضاء المسرحية، وقد تقاسمت بعض الانطباعات الجمالية مع أنتيجوني، وسيدة دافنشي، ونضحك بينما نختفي في عاصفة رملية أخرى.



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مياه مظلمة كثيفة .. قصة قصيرة
- الجماليات التجريبية للمسرح الأسود في العرض المسرحي انعكاس
- التجربة الإدراكية الذاتية، واستشراف أخيلة الآخر وأطياف الأشي ...
- التداخلات التأويلية بين الأنا والآخر في - رسائل لم تعد تكتب ...
- الصوت الجمالي للشخصية .. قراءة لمجموعة سلامتك ياراسي لهدى تو ...
- الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة ( الأمنية الأخيرة ) ل ...
- تقديم وترجمة بهجة الماضي والأحلام لآن برونتي
- تجاوز ثنائية الإغواء، والغياب في مسرحية النداهة لنسرين نور
- نوستالجيا الصور والحكايات وتوظيف مسرح الغرفة في العرض المسرح ...
- تشكيل الكينونة والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواي ...
- المحادثة الكثيفة الموحية مع الآخر في مجموعة الأحمر لميرفت يا ...
- التجسد التجريبي للموضوع الجمالي في قصص سيد الوكيل
- التصوير الفوتوغرافي بين الاتساع الإنساني و تجدد إدراك الظواه ...
- إشكالية الزمن ورمزية الشخصية الفنية والفضاء في مسرحية الأسطو ...
- الغياب المؤجل، وتعددية الفضاء في العرض المسرحي التوهة
- شعرية الوعي وتفاعل الهويات الثقافية في رواية صراخ الطابق الس ...
- الإنتاجية الإبداعية للعلامة، وتجاوز مركزية الوعي في إصدارات ...
- إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شب ...
- أثر التجربة الشعرية الطليعية لرفعت سلام وصدور النهار الآتي
- التجريب، والاختلاف، وثراء لغة النقد الأدبي .. قراءة لمختارات ...


المزيد.....




- إلغاء حبس غادة والي وتأييد الغرامة في سرقة رسومات فنان روسي ...
- اعلان 2 الأحد ح164.. المؤسس عثمان الحلقة 164 مترجمة على قصة ...
- المجزرة المروّعة في النصيرات.. هل هي ترجمة لوعيد غالانت بالت ...
- -قد تنقذ مسيرته بعد صفعة الأوسكار-.. -مفاجأة- في فيلم ويل سم ...
- -فورين بوليسي-: الناتو يدرس إمكانية استحداث منصب -الممثل الخ ...
- والد الشاب صاحب واقعة الصفع من عمرو دياب: إحنا ناس صعايده وه ...
- النتيجة هُنا.. رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ...
- عمرو مصطفى يثير تفاعلا بعبارة على صورته..هل قصد عمرو دياب بع ...
- مصر.. نجيب ساويرس يعلق على فيديو عمرو دياب المثير للجدل (فيد ...
- صدور ديوان كمن يتمرّن على الموت لعفراء بيزوك دار جدار


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - حلم طويل .. قصة قصيرة