أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شبيهي















المزيد.....

إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شبيهي


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 6083 - 2018 / 12 / 14 - 15:54
المحور: الادب والفن
    



يحتفي فريق مراية المسرحي بتقديم عروض للمسرح الأسود، أو مسرح الضوء، والعتمة؛ وهو مسرح إيحائي تصويري، يقوم على التناول التجريبي الإيمائي للخطاب من خلال كل من التشكيلات التصويرية، وصيرورتها على الخشبة، والحضور الجمالي / الروحي للجسد، ومدى التواصل الروحي بين فريق العمل خلال لحظات الصمت، وبناء الصور، والتشكيلات الموحية؛ وهو ما يذكرنا بتقنية الاتصال الروحي عند ستانسلافسكي؛ والتي أشار إليها في كتابه إعداد الممثل.
تنبع – إذا – شاعرية المسرح الأسود من التشكيل السيميائي التصويري للخطاب من جهة، وإعادة تشكيل سينوغرافيا الضوء، والظلمة، وعلاقتها بظهور الجسد، وغيابه، واختفائه، أو انبعاثه مرة أخرى في تشكيل جمالي من جهة أخرى؛ وقد بدت الإيماءات التصويرية للمسرح الأسود في عرض فريق مراية المسرحي المعنون ب شبيهي، وتم عرضه بنادي الشبان المسيحيين بمدينة المنيا ضمن مهرجان وصال المسرحي برعاية مركز دوار الفنون هذا العام، وتم إعداد النص عن مسرحية شبيهي للكاتبة المغربية بديعة الراضي، وأخرجها الفنان أندرو عماد، وساعد في الإخراج الفنان أبانوب عاطف.
ويتناول العرض المسرحي إشكالية العلاقة بين الذات، والآخر وفق مستويات فلسفية، وثقافية، وجمالية عديدة، وكثيفة؛ إذ يمزج بين إيحاءات التعارض، والتداخل، والصراع، والتعاطف، والانبعاث الشعري الذي يقع بين الظهور، والغياب.
وقد وظف المخرج الفنان أندرو عماد سيمياء الضوء، والظلام، وتنويعات الجسد، والأيدي، والأقنعة – بصورة لعبية فنية – توحي بالتفكيك ما بعد الحداثي لمركزية الوجود، أو نهاياته المحتملة، وكذلك لمركزية الانفصال بين الأنا، والآخر في الخطاب التفسيري الذي قدمه العرض للنص المسرحي؛ ومن ثم أسهم الممثلون في إبراز حالات الجسد الروحية المتنوعة مثلما هو عند ستانسلافسكي، كما أبرزوا التشكيلات العلاماتية الدالة، والتي ترتبط بمفاهيم الوجود، والاختفاء، ومنطق الصراع، وتفكيكه في حالات تحول الذات، والتشيؤ الجمالي المضاعف، أو الانبعاث الطيفي للآخر؛ وكأنه جزء من مرايا الذات، وتشكلاتها التمثيلية في العرض.
يؤول العرض المسرحي – إذا – خطاب النص من خلال ثراء التشكيل العلاماتي الإيحائي لإشكالية الذات، والآخر؛ وكأنه يكثف شاعرية تجليات الآخر في الوعي، واللاوعي، والذاكرة الجمعية، والحضارية.
ويذكرنا التناول الذاتي لمدلول الآخر في الخطاب، وفي علامات العرض بثراء الآخر الشعري في كتابة شارل بودلير؛ إذ تناول مدلول الآخر من داخل الانعكاس الموحي بالاختلاف والتعارض الذاتي الداخلي المحتمل المنتج للغياب، وللحضور المحتمل الذي يفكك بنية الصراع الداخلي، ويؤكدها معا.
يقول في نص المعذب نفسه، ضمن ديوان أزهار الشر:
"أنا المرآة المشئومة
التي تنظر فيها إلى نفسها المرأة الشرسة.
أنا الجرح، والسكين!
أنا الصفعة، والخد!
...
أنا مصاص دماء قلبي".
(راجع، شارل بودلير، الأعمال الشعرية الكاملة، ترجمة: رفعت سلام، دار الشروق، ط1، سنة 2009، ص 305).
إن الحضور الشعري للآخر – في خطاب بودلير – يوحي بثراء الأنا، وتجليات الصراع الداخلي من خلال التشكل العلاماتي التمثيلي للآخر الملتبس بصوت الذات، ومراوحته بين الحضور، والغياب.
وقد قدم عرض فريق مراية / شبيهي مستويات تمثيلية إيمائية للآخر، ومراوغاته الوجودية، والفنية التي تستعيد بنية التعارض، والصراع، وتسخر من مركزيتها في الآن نفسه.


*إيماءات الاختفاء، ومراوحات الظهور، والغياب في العرض:
يقدم عرض فريق مراية لبلاغة الاختفاء المصاحبة لصور الآخر، وعلاماته، والتباسه بالذات، وتعدديته التمثيلية، واختلاطه بكل من الفراغ، والانبعاث الفني في الفضاء الجمالي للخشبة؛ وتذكرنا بلاغة الاختفاء في العرض بتصور الفيلسوف الفرنسي جان بودريار الفكري، والثقافي لمدلول الاختفاء، وارتباطه بتطور الصور والتشبيهات في الثقافة المعاصرة؛ إذ يرى أن الاختفاء يعد أسلوبا يحمل قدرا من التعقيد البنائي؛ فالاختفاء قد يمثل طريقة، أو أسلوبا للشخص، أو للموضوع في حالات التجسد، والتواصل، وتعيين الهوية.
(Read, Jean Baudrillard, Selected Writings, Stanford University press, Edited by Mark Poster, Second Edition, 2001, P.210).
اقترن الاختفاء – في فكر بودريار – بتأويل الوجود من داخل التباسه بالغياب المحتمل، ومن خلال الحضور الطيفي، أو التجسد التصويري، والتشبيهي؛ وقد راوحت تشكيلات الجسد التصويرية - في عرض شبيهي - بين التجسد، والغياب المحتمل في الذات، والشبيه الذي يجمع بين تمثيلات الآخر داخل الأنا، والآخر كتكوين مغاير / مختلف.
وتومئ مساحات الفراغ – في العرض – بالغياب، والانبعاث المحتمل، والمتجدد للشبيه من داخل الذات، وعبر آثار الذاكرة الجمعية التي ارتبطت بعلاقات الصراع، والحروب، والتعاطف الكوني، والتداخل، والتفكك الداخلي، وتجسدات الهوية التمثيلية المحتملة؛ الفراغ احتفالية لحضور تشبيهي تفسيري يقترن بالغياب المؤجل في المشهد، وفي صيرورة العلامات في العرض المسرحي.
وقد أبرز مخرج العرض الفنان أندرو عماد حالات الجسد الروحية في تمثيلاتها التصويرية لحالات الذات، والشبيه، ومراوغاته الجمالية، والوجودية، وتكثيفه لأصوات الماضي الصامتة الحاملة لتاريخ الصراعات، والتفكك الداخلي.
وكشف الممثلون الذين قاموا بالتشكيلات، ومراوغات الحضور، والغياب عن مهارة الاتصال الروحي التي تذكرنا بمنهج ستانسلافسكي، فضلا عن ألعاب المسرح الأسود، وتشكيلاته التجريبية الإيمائية؛ ومن أبرز هؤلاء؛ أندرو عماد، ومينا جمال / جيمي، وأحمد جمال، وكيرلس مجدي، وأبانوب عاطف، ونانسي صبحي، ويوستينا ميلاد، وراندا يوسف، وأدهم عاكف، ومحمد أحمد، وبيشوي هاني، وبيتر سامح، وعادل ملاك، وجون أشرف.
ويجيد الفنان مينا جمال / جيمي تمثيل حالات التجسد، والتجسد الطيفي، فضلا عن تشكيل الصور، والعلامات الموحية؛ وقد أبدع في أداء هذه التقنيات في شبيهي، ومن قبل في عرض تجريبي آخر بعنوان الساحر، بدا فيه الجسد كمعزوفة جمالية تشكيلية تناقش إشكالية الموت، والخير والشر في سياق ثقافي، وحضاري.
لقد جمعت مراوغات الحضور، والغياب، والانبعاث، والصراع – في شبيهي – بين تأكيد ثراء مدلول الآخر، وأطيافه من جهة، والسخرية ما بعد الحداثية من حضوره المركزي المغاير، ومن تاريخ العلاقات التقليدية نفسها التي اتصلت بتعارض بنائي بين الأنا، والآخر من جهة أخرى؛ وهو ما يؤكد النزوع التجريبي في العرض، واقترابه من مدلول الاختفاء الذي يحتفي بالمسافة البينية بين الذات، والتشبيه.
*لعب الأيدي، والأقنعة:
تتصل علامة القناع بالإشارة إلى الهوية الذاتية، وتأجيلها في الوقت نفسه؛ فهو يرتبط بمدلول الهوية بصورة مجازية؛ ومن ثم فهو يتضمن الإشارة إلى الآخر صمن بنيته الخاصة، وترتكز ألعاب المسرح الأسود على تأثير الأقنعة السحري، وتوظيفها في النسق السيميائي الإشاري للعمل، وقد قام المخرج أندرو عماد بتوظيف إشارات الأيدي، والأقنعة ضمن التشكيل الجمالي للآخر، والذات؛ وكأن الأقنعة تشير إلى أصالة التداخل بين الأنا، والآخر المحتمل، فضلا عن وفرة مدلول الآخر، وصوره الجمالية، ونسخه، وتشبيهاته التي تمتد من الذاكرة الجمعية السحيقة حتى تاريخ العرض.
وقد أشارت علامات الأيدي إلى الوظيفة الجمالية التجريبية؛ وهي اللعب الجمالي الذي يختلط بصراع شكلي يستعصي على النهايات الحاسمة للصراع في العرض.


التناقض الإبداعي في الرقصة الأنثوية:
جسدت الرقصة الأنثوية في عرض شبيهي التناقض الإبداعي ما بعد الحداثي في علاقات التجاور، والتداخل بين بنى الصراع، والقهر، والتعاطف بين الأنا، والآخر؛ وذلك لتفكيك بنية التعارض، وتاريخها الإنساني، وقد تم الاستعراض الراقص من خلال صور الظل الأسود؛ ليكشف عن الحضور الطيفي للذات، والآخر، والتباسهما بأصوات الماضي، ولحظة الحضور؛ وقد أبدعت الفنانتان نانسي صبحي، ويوستينا ميلاد في إبراز العلاقات الملتبسة، والمتداخلة، والتي تراوح بين التعاطف، والقهر على أنغام أغنية موطني، وكذلك الكشف عن تعددية الوجود المحتملة في بنى الظلال في المشهد.
*الدمية بين التشيؤ المضاعف، والتعاطف الكوني:
اختتم النسق السيميائي التصويري لعرض شبيهي بصورة لدمية ناقصة، أو تمثال غير مكتمل البنية، ثم وضع مجموعة من الأدرع التي تضاعف من بنية الدمية، وتوحي بوفرة التكوين، وقوته الشيئية، وقد أبدع الممثل الفنان جون أشرف في تمثيل حالة التشيؤ، والتعاطف الصامت الجسدي مع فريق العمل؛ ليوحي بالميكانيكية الشيئية من جهة، وبالتعاطف الكوني، والإنساني، والثقافي، والاجتماعي من جهة أخرى.
لقد وظف الفنان المخرج أندرو عماد سينوغرافيا المسرح الأسود في إنتاج خطاب تصويري تجريبي للنص؛ ليحقق العرض مجموعة من الرؤى الفلسفية، والثقافية الممزوجة بمتعة جمالية تصويرية منتجة بواسطة سينوغرافيا الضوء، والظلمة، والأقنعة، وتشكلات الجسد الروحية.



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر التجربة الشعرية الطليعية لرفعت سلام وصدور النهار الآتي
- التجريب، والاختلاف، وثراء لغة النقد الأدبي .. قراءة لمختارات ...
- تفكيك الحدث، و تعدد مستويات الواقع في قصص من أمريكا اللاتيني ...
- أشكال التجاوز، وتداخل الثقافات في خطاب د. نهاد صليحة النقدي ...
- الخنادق .. مسرحية قصيرة للعرض في الشارع
- الذات، واستعادة قوة التراث القديمة في رواية المريض العربي له ...
- الأشياء الصغيرة كمؤولات للذات و العالم قراءة لديوان باقة للو ...
- كثافة الشخصية، وتعدديتها الفنية في رواية القتلة يحتفلون بالف ...
- الصوت بين التأجيل والاختلاف في عالم علاء عبد الهادي الشعري . ...
- تشكل إبداعي للتجربة الأنثوية في ديوان على طريقة بروتس لحنان ...
- صوت الشاعر بين الأصالة، و التجدد، و إيحاءات المكان
- توتر الشخصية في اللحظة الحضارية الراهنة في رواية أخبار قرية ...
- ثراء العالم الافتراضي للشخصية في قصص مجيد طوبيا
- الثراء، و التناقض في بنية الشخصية الروائية في (كلاب الصيد) ل ...
- تعدد مستويات الذات في القصيدة .. قراءة لبعض أعمال شعراء العا ...
- الشخصية الروائية، و الانحياز للحياة في رواية (أبو جلال 2000) ...
- الأصالة المستمدة من روح المكان، و الاتصال بالثقافة العالمية ...
- حياة إبداعية ثرية للهامش في ديوان (معجم الغين) لعلاء عبد اله ...
- نحو تشكيل صوت داخلي، و زمن خاص في رواية (سفر اليقظة) لشطبي م ...
- بين النزوع الإنساني، و اتساع النظائر الجمالية للنوع ... مدخل ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شبيهي