أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - مياه مظلمة كثيفة .. قصة قصيرة















المزيد.....

مياه مظلمة كثيفة .. قصة قصيرة


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 7931 - 2024 / 3 / 29 - 22:48
المحور: الادب والفن
    


أقف في فضاء هذا المسرح الفسيح، وأتأمل موضع الخشبة، يبدو أنها محاطة بتموجات سوداء تستبدل الإطار، وتسبح فيها مجموعة من الجماجم الصغيرة، ورؤوس الغربان، وبعض البقع التجريدية الحمراء الداكنة، الفضاء مازال خاليا بينما أستمع لصوت عاصفة رملية تختلط بنعيق غربان لها أصداء ورنين كأنها تأتي من غرفة واسعة مغلقة خفية، ويتشكل في المنتصف ثعبان كبير يلتف مثل الرقم ثمانية، ويكشف ما وراء جسده، ويشتد ظهوره أحيانا ويختفي أحيانا أخرى، ويصعد إلى منطقة ما وراء الجماجم ورؤوس الغربان في عمق المسرح من أعلى، يشتد الآن صوت الرمال، وكأن رجلا يحفر فيها فجوة عميقة، وأستمع إلى صوت يقول:
-لقد مروا من هنا منذ قليل، واختفوا، كانوا يشبهون ذلك الكائن الأسطوري المنقوش على جدران ذلك الكهف القديم.
ترد عليه امرأة بصوت حاد، ويختلط بفحيح متقطع:
-هيا، نريد أن نعبر الفجوة، ونطير وسط عواصف المدينة المجاورة بالأسفل، ألا ترى تلك البقع الهوائية التي تنتشر في أجسادنا، وأننا نختفي أحيانا، ويرتفع صوت شخصيات الكهف بداخلنا.
-نعم، نعم، سوف ينفتح الكهف الآخر، ونطير وسط صور النمور، والصيادين، والغزلان القديمة، ونراقب من الأعلى أصداء السيوف، والصرخات الممزوجة بالصمت الرملي، وبعدها ربما نرى رقعة المياه الواسعة التي نستمع فيها كل ليلة لصرخة أوديسيوس الأولى في التيه، وبجواره يسبح طيف الأميرة جلنار البحرية، وهي ترتدي جلبابا أبيض ممزوجا ببقع دماء، وتضحك وتستمر في الضحك وترتفع فوق فضاء المياه ..
يزاد الفحيح المتقطع في صوت المرأة، وتقول:
-نعم وسوف تختلط دهشة أودسيوس وبكاؤه بضحك الأميرة، ويظهر شبح آخر للملك السمندل نصف وجهه يضحك والنصف الآخر تنفتح عينه بشدة ويختلط بفك عظمي مكشوف، وسوف يطارد الطائر في الهواء ويحتضنه، وتختلط أصداء الفرح بشلالات مياه سوداء مملوءة بالزئير وأفواه نساء مفتوحة، تصدر أصواتا متحشرجة داكنة فزعة، وتختلط بصمت رملي يأتيها من وراء فم الأميرة جلنار.
تعود الصورة الفارغة لفضاء المسرح ويصير الآن أكثر إعتاما ويبزغ من المنتصف رجل يشبه الجوكر يبدو أنه مخرج العرض، أستطيع أن أرى الآن في وجهه مجموعة من الثقوب الهوائية تتخللها الرمال، وتتشكل البقع السوداء والبيضاء والحمراء دون انتظام على باقي الوجه، ويحيط بوجهه قفص حديدي تعلوه شموع بنفسجية صغيرة يعلوها دخان أسود، يتأمل قليلا في صمت، ويضحك، ثم يقول بصوت متحشرج منخفض:
-سوف تنزل الآن رؤوس الذئاب من أعلى، ونستعد لاستقبال أول مجموعة من الممثلين الأطياف، ربما يأتون من هذه الفجوة بالأسفل.
ينظر إلى في رعب، ودهشة، ثم يمسك بمجموعة من الصور؛ تظهر فيها قبور، وصور لوجوه نساء يضحكن في ملهي سقفه يقع داخل صورة وحش يشبه بطل نوسفراتو، وبعض الصور المجتزأة من القمر وحلقة كبيرة تشبه حلقة كوكب زحل، ويبدأ في تشغيل شاشة فيديو نعاين فيها مياه تجريدية بنفسجية ممزوجة باللون الأسود ومملوءة بالجماجم الصغيرة، وتتوسطها جمجمة كبيرة في وسطها شمعة بيضاء بها لهب يتضخم تدريجيا، وتحيطه صرخات نسائية ممزوجة بضحك رجل عجوز، فيقول المخرج في فزع ممزوج بابتسامة خفيفة:
-لا، لا تخرج الآن من الشاشة يا صديقي، نحن لم نبدأ، لا تخرج.
اللهب يتضخم ويستبدل الجمجمة ويحيط بالشبكة الحديدية على رأس المخرج بينما تتسع الفجوات الهوائية في وجهه وتخرج منها الرمال كثيفة ومتصارعة ضمن اسطوانات هوائية تتقدم باتجاهي، ثم يختفي المخرج داخل كرة اللهب، وتحيطه الأصوات التي كانت تعبث بجوار الجمجمة، والشمعة.
صمت
ينقسم المسرح إلى ثلاث فضاءات متشابكة ولها حدود منحنية.
أشاهد – في الفضاء الأول – امرأتين تجلسان في بهو فندق؛ الأولى تتجاوز الخمسين، وترتدي فستانا يبدو من طرز الموضة في القرن الثامن عشر، وبداخل بطنها فجوة بها فتاة مغمضة تتأمل، ثم تنفتح عينيها في رعب وتعود إلى سعادة التأمل مرة أخرى، وتحيطها عتمة بها بعض النجوم، أما المرأة الأخرى فهي تبدو في الثلاثين، وترتدي قميصا أزرق داكنا وعليه جاكت رمادي يشبه أزياء ستينيات القرن العشرين، وتنفتح في جبهتها فجوة بها زهرة بنفسجية تحيطها عظام صغيرة، ويشربن القهوة في هدوء، وتقول السيدة الأكبر:
-كنت طائرة ذات مرة، وقابلت حبيبي وسط مجموعة من الفساتين التي تسبح في الهواء، واقتنى لي هذا قبل أن أحضر إلى هنا، درنا معا دورات صاخبة في الليل مثل الخفافيش أو الغربان، وأحاطنا البقع الحمراء الداكنة، الطعام هنا لذيذ، ويشبه طعام جنود أخيل في الإلياذة.
ترد السيدة الصغيرة:
-نعم، أنا أيضا كنت أطير وسط الجبال في ظلمة ممزوجة باللون الأزرق، والتقيت بامرأة بين القبور تقول إنها أنتيجوني، وذكرت لي اسم أوديب، وأخذت تحفر الأرض وتخرج منها جماجم صغيرة، وجثث لخفافيش ميتة، وزهور، كنت جائعة، ووجدت بالقرب منها فتاة غودار في فيلم ذكوري وأنثوي، ودخلت معها المرآة الكبرى في الفندق، وأكلنا لحما وبعض التفاح، وطرنا بأجنحة سوداء خلف المرآة ثم جئت هنا.
تختفي السيدتان ويتحول الفضاء إلى غرفة مظلمة فارغة تتصارع فيها تكوينات هوائية، وتتداخل، ويتقطعها الصمت، ثم تتموج في نغمات منخفضة وتعلو تدريجيا صراعاتها، ووثباتها اللامرئية فيما يشبه الكريشندو الممزوج بنيران درامية مجردة تتصاعد خارج تكوين الفضاء، وتتشكل بداخلها دائرة أكثر ظلمة من الفضاء الأوسع للحجرة.
أجدني الآن في الفضاء الثاني، أتأمل في صمت، تحيط بوجهي ضحكات نسائية ممزوجة بفزع، وهجوم، وغناء يشبه سيرينات الأوديسا، وأتذكر حين كنت أرتدي ثوبا بنيا داكنا وأحلم بنور القمر، وأطير بينما تتوسطني بقعة هوائية فارغة مملوءة بعاصفة رملية، وبدأت الوجوه في التشكل أمام بصري وأنا مغمض العينين، المرأة العتيقة الساحرة في فيلم المحارب الثالث عشر، بطلا مسرحية الكراسي ليونسكو، الأطياف المتصارعة التي مازالت تنتظر في رعب وتحفز؛ هل تنتظرني؟ هل أنا أيضا جزء من هذا العرض القوطي؟ ، وأخيرا أرى الليدي مكبث تمسك بالشمعة وتحرق وجهها بالقرب مني جدا، ويتوسط تكوينها الهوائي حفار قبور هملت، يبدو الآن متحفزا لقتالي ويمسك بخنجر يلوح به أمامي ويقترب، فأخرج من ردائي، وأتجول بالقرب من المياه السوداء أعلى الخشبة.
من يخرج هذه الأيدي المتصارعة حول بقعة زرقاء داكنة متراقصة من حولي؟ الأيدى تتحد وتتفكك، تصطنع معركة أو مباراة معي ثم أجدها محاطة بالدخان في حلمي الثاني، الأيدي تشكل دائرة لا تستقر أبدا من حولي، وأجدها في الفجوات الهوائية المظلمة أعلى رأسي، تحتفي وتظهر، ثم تتجلى مثل صرخات عميقة دون أن ترى، ينخفض الصوت الداكن تدريجيا الآن، ثم يهذي في تغمات حادة قليلا، ويتحول إلى صوت لأسود تخوض معركة في بركة، ثم أصوات غربان لها صدى مشروخ في الفضاء الأسود.
تتعالى صيحات أنثوية، وذكورية بداخلي في الفضاء المظلم، وأشعر بمياه سميكة لا مرئية حول وجهي، يتشكل في الفضاء طيف يبدو شبيها بشخصيات لافكرافت، ومدنه الحلمية القديمة، يراوح الشبح بين الظهور والاختفاء، ويتشكل وسط مجموعة من أطياف لنسوة يرتدين زيا حلميا تتباين فيه بشدة درجات الأبيض، والأسود، ثم يتشكل الأفق الواسع بين اللونين الأرجواني، والأسود وحدهما وأبدو كأنني صرت جزءا من تلك النغمات التجريدية الواسعة.
تدخل الآن أنتيجوني مجالي الهوائي، ونعبر إلى فضاء آخر؛ تبدو أنتيجوني مغمضة العينين، وتقول لي:
-أتعرف؟ أنا أستدعي شبح أوديب في تأملاتي، وأجده يخاطب صورته الأخرى في كولونوس، إنه الآن يرتدي زي الوحش، ويسأل ذاته الأخرى السؤال نفسه؛ أما صورته الأخرى فتتضاعف أو تختفي في مرايا داكنة وسط أنياب، ودماء كثيرة مسكوبة على الأرض، وتنتشر أيضا بصورة شفافة حول أطياف وجهه الآخر وسط دوائر مظلمة داخل المرايا.
-جين أستمع إلى حديثك يا أنتيجوني، أتأمل فجواتي، ومراياي، وأقوم ببناء تلك الصور الموجودة في فضاء المرايا بينما أجدني داخل مدينة مظلمة تشبه يوسوبيا لكالفينو، وتحيطني الآن تماثيل لها أعين فارغة سوداء ممزوجة بالأحمر، يخرج منها صوت يلتف حولي مثل ثعبان بني، يعبرني ويضحك، ويقول:
- انظر إلى الموتى الأحياء بداخلك
وأجدني الآن أفكر بأجواء وغرف أخرى مظلمة مملوءة بالأصوات وأتأمل صورة تشبه شخصية كارلا لإيشوجورو، تظهر وتختفي قبل أن أراك مجددا، ونسبح في المياه المظلمة الكثيفة.



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجماليات التجريبية للمسرح الأسود في العرض المسرحي انعكاس
- التجربة الإدراكية الذاتية، واستشراف أخيلة الآخر وأطياف الأشي ...
- التداخلات التأويلية بين الأنا والآخر في - رسائل لم تعد تكتب ...
- الصوت الجمالي للشخصية .. قراءة لمجموعة سلامتك ياراسي لهدى تو ...
- الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة ( الأمنية الأخيرة ) ل ...
- تقديم وترجمة بهجة الماضي والأحلام لآن برونتي
- تجاوز ثنائية الإغواء، والغياب في مسرحية النداهة لنسرين نور
- نوستالجيا الصور والحكايات وتوظيف مسرح الغرفة في العرض المسرح ...
- تشكيل الكينونة والمحاكاة الساخرة لبنية السارد العليم في رواي ...
- المحادثة الكثيفة الموحية مع الآخر في مجموعة الأحمر لميرفت يا ...
- التجسد التجريبي للموضوع الجمالي في قصص سيد الوكيل
- التصوير الفوتوغرافي بين الاتساع الإنساني و تجدد إدراك الظواه ...
- إشكالية الزمن ورمزية الشخصية الفنية والفضاء في مسرحية الأسطو ...
- الغياب المؤجل، وتعددية الفضاء في العرض المسرحي التوهة
- شعرية الوعي وتفاعل الهويات الثقافية في رواية صراخ الطابق الس ...
- الإنتاجية الإبداعية للعلامة، وتجاوز مركزية الوعي في إصدارات ...
- إيماءات الاختفاء ومراوحات الظهور والغياب في العرض المسرحي شب ...
- أثر التجربة الشعرية الطليعية لرفعت سلام وصدور النهار الآتي
- التجريب، والاختلاف، وثراء لغة النقد الأدبي .. قراءة لمختارات ...
- تفكيك الحدث، و تعدد مستويات الواقع في قصص من أمريكا اللاتيني ...


المزيد.....




- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - مياه مظلمة كثيفة .. قصة قصيرة