الذكاء الصناعي

حسن خليل

الحوار المتمدن-العدد: 7965 - 2024 / 5 / 2 - 04:13
المحور: الطب , والعلوم
    

خرافات كثيرة تتردد عن ال AI أهمها أن الآلات ستكون قريبا أكثر ذكاء من الانسان او أنها ستتحكم في العالم الخ الخ. في الواقع نحن لا نعرف ما هو التفكير و بالتالي ما هو الذكاء. التفكير ليس مجرد الاستنباط المنطقي. كثيرا من كبار العلماء قالوا عن اكتشافاتهم الكبري انها حدثت هكذا لمعت في اذهانهم فجاءة دون سابق انذار. و احد اكثر العلماء ذكاء في القرن ال 20 ستيفان هوكنجز كان معاق في كل شيء الحركة و الكلام و الرؤية لكنه احد اكبر المشهود لهم بالذكاء الخارق و صاحب كتاب تاريخ مختصر للزمن الذي طبعت منه ملايين النسخ و الكتاب بالمناسبة مترجم للعربي انصح الجميع بالاطلاع علية و علي الجانب الاخر هناك اطفال لم يتلقوا تعليما لكنهم قادرين في لمح البصر علي ضرب اعداد معقدة لا نعرف كيف يفعلون هذا. منذ ظهور نظرية الكومبيوتر و العلماء يحلمون بصنع آلة تجاري ذكاء الانسان. و حدثت محاولات كثيرة لم تنجح لاحظ ان مخ الانسان يحتوي علي 100 مليون خلية و مليارات الروابط العصبية بينها و مازالت المعالجت processors بعيدة جدا عن ذلك رغم تطورها الكبير. علي كل حال في اواخر السبعينات حددت مجالات التطور الضرورية ب 3 اولا النطق ثانيا ادراك الصور ثالثا منظومات الخبرة. و اليوم تحققت هذة الاهداف و في نفس الوقت ظهر ال fuzzy logic لا اعرف كيف تترجم و حتي الاسم الانجليزي غير دقيق. يمكن فهمه بفهم المنطق logic المنطق يقول لك امر من اثنين اما صح او غلط اما ال fuzzy فيعطيك بدلا من ذلك احتمال او نسبة مثلا هل ا تساوي ب المنطق الارسطي يقول صح او غلط بينما ال fuzzy يقول مثلا 65% و من الواضح ان في الحياة الواقعية الامور تسير اقرب لل fuzzy مثال اخر في المنطق إذا كانت ا=ب و ب=ج فان ا=ج و هذا كله لا يستقيم في المنطق الفظي. يهدف المنطق الصوري لحل معادلات رياضية بينما ال fuzzy يهتم بواقع الحياة. و توجد مثلا غسلات ملابس تستخدم المنطق الفظي فتقارن نقاء الماء من المصدر بنقاء الماء بعد المرور علي الملابس فان كان التقارب كبيرا تنهي عملية الغسيل و الا تعيد الغسيل من جديد.
اما عن البرمجة فغالبا تتكون البرامج او السوفتوير ذات الاهمية من عديد من الاجزاء و الطبقات و كذلك لغات الكومبيوتر التي كتبت بها. بل كثيرا ما تخترع لغة كومبيوتر لتناسب تطبيق معين لغات الكومبيوتر اكثر كثيرا من لغات البشر. كما انها غالبا تتصل بقاعدة بيانات او عديد منهم. لكن الشائع هو ان البرنامج يصف الطريقة للوصول للجواب الصحيح. مثلا قارن ا و ب اذا كانت ا اكبر افعل كذا الخ. فالبرنامج يصف طريقة الوصول للحل الصحيح المجهول. فتكون حصيلة تشغيل البرنامج نتيجة محددة. لكن في السوفتوير المرتبط بالذكاء الصناعي علي العكس تعطي النتيجة سلفا و يكون دور البرنامج وصف طريقة الوصول لها من خلال طرح اسئلة علي المشغل – او قاعدة البيانات او اجهزة اخري الخ - و هذا يسمح للبرنامج بالتعلم او بتكبير قاعدة البيانات الخاصة به. و بذلك تختلف نسخ من نفس البرنامج عن بعض طبقا للتاريخ الذي مر علي كل منها.
علي كل حال اجتمعت هذة التطورات لتدفع بالذكاء الاصطناعي للامام مما أثار اسئلة كثيرة. استفادت الصناعة من هذة التطورات و بنيت مصانع لا يعمل فيها انسان و اخيرا بنت الصين رصيف شحن – في ميناء شينجهاي - بحري بدون بشر فالاجهزة تعرف عدد الحاويات و مكانها الدقيق ثم تنزلها علي شاحنات تتحرك بها دون تدخل بشري لموقع التخزين. طبعا السيارات ذاتية القيادة لكن حتي اليوم لم تصدر رخصة لهذة السيارات في اي مكان. و لو تجاوزنا الاعتبارات القانونية رغم اهميتها نتصور هذا الموقف انت تسير بالسيارة و فجاءة ظهر امامك طفل يعبر الطريق و هو قريب جدا بحيث انك لو استخدمت الفرامل بكل قوة سوف تصدم الطفل بدون شك الحل ان توجه السيارة لليمين او اليسار و تصطدم بالحائط و تحطم سيارتك و ربما اصبت انت ايضا لا يمكن للذكاء الصناعي حتي اليوم ان يحل هذة المشكلة فهو بالعكس مصمم للحفاظ علي الراكب. و بالفعل حدث في الولايات المتحدة ان صدمت سيارة ذاتية القيادة في تجربة شخص و في سيناريو ابسط كثيرا مما سبق. و لو كان من الممكن اعطاء الاجهزة رخصة قيادة لوفرت الولايات المتحدة 3 مليون وظيفة لسائقي الشاحنات ناهيك عن جعل الشاحنات تسير 24 ساعة يوميا حاليا القانون يشترط الا يقود السائق اكثر من 8 ساعات. مثال اخر سوق الاسهم و فيه يجب تحليل أداء أي سهم لاطول فترة ممكنه أي الحصول علي تاريخ هذا السهم او السند ثم حساب احتملات المكسب و الخسارة و تكرار هذة العملية مع عدد كبير من الاسهم و في النهاية يتخذ القرار بشراء او بيع الخ. و الاجهزة أفضل مليون مرة من الانسان في تحليل البيانات و عرضها. لكن حتي اليوم مازال قرار تعاملات البورصة في يد البشر المضاربين في البورصة لسبب بسيط و هو أن لديهم احساس بالبورصة من نوع الخوف و الاندفاع و السوق نائم الخ. و يقتصر عمل الاجهزة علي تقديم النصح الا حينما تغلق البورصة ابوابها فيمكن للاجهزة ان تمارس المضاربة مع الاجهزة الاخري في البورصات الاخري. نفس الشيء في الطب. رغم ان الاجهزة راكمت خبرة كبيرة جدا في هذا المجال – و من خصائص الذكاء الصناعي القدرة علي التعلم- الا ان قرارات التشخيص مازالت في يد الاطباء حتي في الشبكات التي تضم مئات المستشفيات. فالطبيب وحده هو من يمكنه الاحساس بالمريض فهو ليس مجرد آلة تقارن ارقام المريض مع ارقام معيارية ما لذا تختلف تقديرات الاطباء رغم انهم يستندون لنفس العلم.
لبحث القضية اكثر ننظر لكهوف جنوب فرنسا. هذة الكهوف التي استخدمها بشر فيما قبل العصر الحجري توجد نقوش رائعة للحيوانات التي كانت تتعامل معها تلك الجماعات البشرية. الملفت ان بعض هذة الكهوف قد سويت جوانبها و وضع عليها بلستر او حجر جيري قبل الرسم. في ذلك الوقت كانت تلك الجماعات تعيش علي الالتقاط و الصيد. يبدو ان فن الرسم غير ضروري بالمرة لهذة الجماعات كي تتحمل عبئ اعالة الفنانيين الذين قاموا بالرسم. و لو كان هؤلاء روبوتات يدفعها الذكاء الصناعي لما قاموا بهذة الرسومات الغير ضرورية تماما لاشباع المجموعة. لكن لانهم بشر فهذة الرسومات تلعب دورا هاما في وشائج التضامن بين المجموعة و تميزها عن غيرها. و في الحقيقة هي جنين الادب و الدين و القانون حاليا او ما يسمي البناء الفوقي الذى لا جدال في اهميته في مجتمع اليوم. في كل الامثلة السابقة نلاحظ ان الذكاء الصناعي ليس قريبا من تمثل الذكاء البشري الذي لا نعرف له تعريفا.
اوكي ماذا عن بعد قرون من اليوم ستحسب الالآت مدي الحاجة لارسال روبوتات للقمر لمذيد من التعدين و ستصدر الامر لمصانع الروبوتات و مصانع سفن الفضاء لتنتج المطلوب ثم تجدول كل شيء دون تدخل من البشر لمذيد من نقل الخام للارض. هذة الصورة الرائعة لا يمكن ان تكون حقيقية لان البشر علي الارض قد يعترضون علي تخريب القمر و المجتمع البشري علي القمر قد يعترض لافساد المناطق السياحية الخ الخ. المحصلة كي تتفاعل الاجهزة مع المجتمع البشري يجب ان تكون جزء من هذا المجتمع و ان يجري عليها كما يجري عليه. الاجهزة ممتازة و نحن نحتاجها و نحتاج لان تكون اجهزتنا افضل من اجهزتهم لكن لا يمكن للاجهزة ان تستبدلنا مهما تطورت و كيف يمكن لها و نحن صناعها ان تتطور اكثر منا ان كنا مازلنا لا نعرف من نحن!!
5/2/2024

#حسن_خليل (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل