|
أسطورة القومية العربية
حسن خليل
الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لأسباب مختلفة تطورت هذه الأسطورة و كبرت بما في ذلك التدخل الاستعماري الذي أنشاء جامعة الدول العربية . فهل هذه الدول عربية حقا ؟ لنأخذهم دولة دولة . المغرب دولة معظم سكانها من الناحية الأثنية أمازيغ و ليسوا عربا قطعا . ناهيك عن أن المغرب كان لها مسار تطور خاص جدا بها و لم تكن جزء من المشرق "العربي" بل كانت بمعني ما في مواجهة هذا المشرق فالمغرب مغربية . أما الجزائر فقد كان المستعمر الفرنسي يقول لسكانها أنتم "عرب" بينما الجزائر جزء من فرنسا و قدم الشعب الجزائري مليون شهيد ليثبتوا أن الجزائر جزائرية و ما أن تحقق الاستقلال حتي قلنا للجزائريين أنتم عربا مثلما كانت تقول فرنسا . و أقل معرفة بالجزائر تكشف حقيقتها كتجمع من عدد من الإثنيات الأمازيغ و الطوارق و الجزائريين الخ . لنصل إلي مصر يقال أن مصر عربية رغم أن مصر كانت فيها حضارة مزدهرة لمدة 4000 سنة قبل ظهور القبائل العربية . و قد ظهر العرب كقبائل تربي الخيول في الجزيرة العربية 800 سنة قبل الميلاد . هذا التاريخ بالنسبة لمصر و سورية و العراق و إيران حديث جدا و كل هذه الدول ظهرت فيها حضارات عريقة قبل ذلك بكثير . فهل المصريين و السوريين و العراقيين عرب بأثر رجعي أم ماذا؟. و نفس ما جري مع الجزائر يجري مع الفلسطينيين . يقول لهم المستعمر الإسرائيلي أنكم عرب أذهبوا للدول العربية بينما هم يصرون علي أنهم فلسطينيين و أرضهم فلسطين . لكن الدول العربية تقول لهم ما تقوله إسرائيل أنتم عرب. نفس الشيء ينطبق علي لبنان وهذا واضح جدا. و الدول و الشعوب المسماة عربية تختلف جدا بعضها عن بعض في عاداتهم و تقاليدهم . أليست لبنان مثلا أقرب لليونان من السعودية . أليس الشوام أقرب للمصريين من اليمن ؟ فإذا أخذنا اللغة جانبا – و هذا سنتناوله فيما بعد مع الدين – لا يبدو شيئا يجمع هذه الشعوب .و حتي فكرة القومية العربية لم تظهر في الجزيرة العربية بل في سورية و لبنان .و قد ظهرت هذه الفكرة حتي تدعم البرجوازيات بعضها البعض في مواجهة المستعمر فقد كانت أضعف من أن تنهض من تلقاء نفسها . و تلقفت البرجوازيات البيروقراطية العسكرية الفكرة كي تدعم حكمها . بينما أسطع تاريخ مصر و سورية و العراق كان قبل سيادة فكرة القومية العربية . الطريف في الأمر أن موطن العرب الأصلي أي الجزيرة العربية لم تظهر فيه دولة قومية حتي مطلع القرن العشرين و بمساعدة الإمبريالية الانجليزية !! و احد الحجج التي تقدم لأسطورة القومية العربية هي أن القبائل العربية حينما غزت و احتلت تلك الدول قامت ب "تعريب" هذه الشعوب . و يبدو هذا ضربا من الخيال الجامح فكيف تتعرب الشعوب الكثيرة المتحضرة من قبل قبائل بدائية متخلفة بالنسبة لها . الأقرب للمنطق هو أن القبائل العربية تمصرت و تعرقت و تسورت الخ . و هذا ما حدث فعلا و الكتابات العربية القديمة تتكلم عن هذه الشعوب بحسب طبيعتها فتذكر المصريين و العراقيين و الشوام الخ و تذكر خصائصهم المميزة أيا كان مدي الصدق في هذا . و أبن خلدون تناول شعب السودان و لم يعتبره شعب "عربي" و لا مصر و لا غيرهم. خاصة و القبائل العربية شكلت الطبقات الحاكمة التي سرعان ما أطاحت بها طبقات أخري من قبائل أخري متحركة كردية و تركية و غيرها . أما أشتراك هذه الشعوب في اللغة العربية فهذا ليس دليلا علي القومية فلا تعتبر أمريكا و أنجلترا مثلا قومية واحدة . بل أن اللغة العربية تكشف حقيقة التنوع القومي بين تلك الشعوب المسماة عربية . فللمغرب لهجته و لمصر و لتونس الخ شكل كل شعب لغة الغزاة العرب و لغة الدين الإسلامي حسب تاريخه و تطوره و حاجاته . و ما ينطبق علي اللغة ينطبق علي الدين . فالدين الإسلامي ليس دينا واحدا بل متعدد المذاهب المختلفة و المدارس المختلفة كل شعب تبني أو بالأحرى صاغ الإسلام بطريقته ناهيك عن التعدد الديني في بعض البلدان مثل العراق و سورية و لبنان و مصر . لكن ما حاجتنا للأنثروبولوجيا يكفينا التطور السياسي . حينما تحركت شعوب المنطقة ضد الهيمنة الاستعمارية تحركت خلف طبيعتها القومية . العراق وراء علم العراق و المغرب وراء علم المغرب و مصر وراء علم مصر و هكذا . فمنذ مطلع القرن العشرين و النضال ضد الاستعمار له طبيعة شعبية مع اشتراك البرجوازيات الناشئة فيه . علي عكس النضال ضد الهيمنة الاستعمارية في النصف الثاني من نفس القرن . ففيه كان النضال ضد الاستعمار له طبيعة رسمية استبعدت منه الشعوب و لذا جري تحت علم أخر هو علم القومية العربية. فلم يعد المصريين يخرجون بتلقائية قائلين نعيش لمصر و نموت لمصر و أنما أصبحت مصر الرسمية تقول أننا "عرب" ضد الاستعمار و الشعوب ليس لها دور سوي التصفيق للقيادة و إلا حلت في السجون الرسمية الكثيرة. فنظرية القومية العربية خدمت هدفين متناقضين عزل الشعوب عن النضال من ناحية و مقاومة المستعمر من ناحية أخري. و حينما اندلع النضال الشعبي ثانية في الثورات العربية كان وراء الأعلام القومية الحقيقية وراء علم تونس و مصر و الخ. تعدد القوميات في منطقتنا لا يمنع أن تساند شعوب و حكومات تلك الدول بعضها البعض . بل أن الصورة الحالية للصراعات العنيفة بين مختلف البرجوازيات المسماة عربية يوضح أن نظرية القومية العربية نظرية متهافته و أن التضامن بين الشعوب مستحيل حتي تعود هذه الشعوب لمقدمة المشهد . و قد رأينا شيئا من هذا بين ثورتي تونس و مصر.
#حسن_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الشمال و الجنوب
-
الثورة كصنم
-
جيل الثمانينات
-
رحيل المناضل الكبير خليل كلفت
-
الثورة و مأساة الليبرالية المصرية
-
نظريات اليسار حول التدخل الروسي
-
الصعود الروسي
-
العالم الجديد
-
ملاحظات عن الثورة
-
عمي
-
قضية الإخوان (1)
-
ملاحظات عن التنظيم
-
نظرة متفائلة
-
الثورة بين النظرية و التطبيق
-
اغتيال شيماء الصباغ الرسالة و رد الفعل
-
عقلنة الثورة
-
القاعدة الاجتماعية للإرهاب
-
توجهات خاطئة للمؤتمر الدائم لعمال إسكندرية
-
اوباما يحارب داعش
-
ثورة مبهرة
المزيد.....
-
الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم
...
-
آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
-
قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة
...
-
بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال
...
-
الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا
...
-
زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
-
برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء
...
-
الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح
...
-
فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه
...
-
راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|