نفس الساسة البرجوازيون سواءاً في اميركا اوبمستعمرتها الجديدة "العراق", ولاتمام اغلاق الدائرة الجهنمية التي بدأوا برسمها بحرب الخليج العام 91 , يبدون حالياً رغبة محمومة بتشكيل حكومة "عراقيـــة" ما. حكومة برجوازية مهمتها ألآنية تحقيق الاستقرار السياسي الضروري لاعادة هيكلة الاقتصاد الراسمالي في العراق على اسس جديدة يشكل التراكم والتنافس الحر ونهب الجماهير العاملة حجره الاساس. ومن جهة اخرى, فان نفس الاستقرار السياسي المطلوب هذا, ربما لن يجد له فرصة للتحقق بالرغم من انه سيجسد (بمعنى ما) انتصار امريكا السياسي وينقذها مما يبدو ورطة سياسية في العراق. وهذا ما ينتظره اليمين الامريكي الحاكم في واشنطن بطول اناة بعد "انتصارهم الحربي" المدمر في العراق ليتسنى له بعدها بناء" نظامه العالمي الجديد".
ولكن في المعسكر الاخر المقابل للبرجوازية الجشعة, يعم البؤس والشقاء والحرمان جميع مدن العراق قاطبةً.
فالجماهيرالمحرومة اليوم تعاني وبشكل صارخ من اوضاع حياتية مزرية سببها لها النظام البعثي البائد والولايات المتحدة الامريكية على قدم المساواة. الاول بالاستبداد والبطش والعسكريتاريا والثانية بالحصار والارعاب والتدمير بشكل قل مثيله في العالم المعاصر. وتعاني الادارة المدنية الامريكية الحاكمة في العراق الآن من ازمة حادة نتيجة الاحتجاجات الجماهيرية المتزايدة ضد تلك الادارة متمثلة بالتظاهرات الغاضبة المطالبة بانهاء الجوع والبؤس والبطالة الواسعة والحرمان والفوضى العارمة وانعدام الامان الذي سببه هجومهم العسكري على تلك الجماهير. ان سبب هذه الازمة الخانقة لبريمــــر وسلطته هي فقدان قدرتها على احكام قبضتها على مسار حركة الجماهير المحتجة سواء اقتصاديا ام سياسيا. فمن الناحية الاقتصادية يحاول بريمر جاهدا ضخ جرعات التفاؤل للبرجوازية العراقية المفتتة الخائرة وللراسمال الخارجي المتررد معا, الا ان دعواته وتطميناته باستتباب الامن والتحسن الاقتصادي سرعان ما تبددها تظاهرة صاخبة "لمنظمة العاطلين عن العمل" هنا او احتجاج للمسرحين من الجيش أو مسيرة غاضبة لبقية الشرائح المحرومة هناك. وعلاوة على ذلك يدعو بريمر الى عولمـــة الاقتصاد في العراق بسرعة من خلال فتح الباب على مصراعيه لضخ الرساميل لتنشيط الاقتصاد. وهاهي البنوك الامريكية JP Morgan و Citigroup تستعد لفتح فروعها هنا في بغداد. بينما يسعى هو لحضور المؤتمر الاقتصادي العالمي في الاردن World Economic Forum الاسبوع القادم بصحبة بعض مقدمي النصح من الراسماليين العراقيين للبحث في افضل سبل الاستحواذ على الارباح و انهاء اعتراضات الجماهير في العراق باسرع وقت ممكن.
اما سياسياً وهو ما تراهن عليه امريكا في الاساس, فان بريمـــر يدعو البرجوازية العراقية الجديدة "ومنها اجزاء واسعة من البعثيين السابقين المندسين في مختلف الادارات" والقوميين ورؤساء العشائر والاسلاميين وبقية القوى الطائفية الى اخذ زمام المبادرة السياسية ومحاولة الوقوف على قدميها لاعادة تشكيل صفوفها المبعثرة قبل ان تميل نقطة التوازن بسرعة لصالح الجماهير الغاضبة.
و تضاهي عملية تنصيب حكومة برجوازية "عراقية" تمتلك مقومات الاستمرار في العراق مسألة "تحرير الاقتصاد" اهميةً. الا ان امريكا لم تستتطع لحد لان, الا في تنصيب مجالس تشريعية وبلدية وسياسية جوفاء واعدةً باستمرار بتشكيل واعادة تشكيل تلك المجالس لكي تصل الى "غربلة" كل هذا الحشد الكبير من الافاقين المغامرين والانتهازيين والبعثيين السابقين والطائفيين والاسلاميين والعشائريين والرجعيين والتكنوقراط المتسلقين وغيرهم من "حثالة" البرجوازية!. ان ادعاء بريمر مؤخراً بان امريكا ليست قوة محتلة تكذبها الوقائع اليومية التي تعيشها الجماهير المسحوقة. أنه يحرص على تجريد المجالس التي يقيمها ويحلها بنفسه من اية صفة سياسية غير صفة"الاستشاري" وهي بعيدة حتى عن تلك الصفة بل تهدف فقط الى اضفاء شرعية ما على سلطة الاحتلال الامريكية. اميركا لا يمكن ان ترضى باي سلطة سياسية عراقية حاليا غير سلطتها. والسبب لا يتعلق بعدم ثقة الامريكان بولاء"جماعتها" من العراقيين بل بعجز هؤلاء عن تمثيل مصالح كامل البرجوازية في العراق.
الا ان المؤتمر الوطني العراقي وهو مظلة قوى اليمين الرجعي الموالية لامريكا في العراق قد خيب وبشكل سريع آمال الاخيرة. فقد انهار المؤتمر بسرعة في تجسيد رغبة امريكا في تمثيله لكل الطبقة البرجوازية العراقية بالرغم من سعي امريكا لدعمه بلا حدود. واتضح ان ليس بين قوى اليمين المعادية للجماهير هذه من يستطيع ان يمثل وبشكل سياسي موحد مصالح البرجوازية وليكون بالتالي القوة السياسية الضامنة لتحقيق الاستقرار الضروري للتراكم الراسمالي ومن ثم خدمة المصالح الستراتيجية الامريكية. لذا فان الحل الوحيد لامريكا حاليا في العراق هو في حكمه عسكرياً حتى يتسنى لها الوقت تنصيب حكومة "ملائمة". غني عن القول ان مصالح جماهير العراق ستكون المتضرر الاكبر من هكذا مسار. فبحكم وجود قوات عسكرية محتلة في العراق فان التيارات القومية والعشائرية العروبية وفلول نظام البعث السابق وبعض القوى الاسلامية تحمل للعراق سيناريوهات ظلامية نشهد بعضاً منها حالياً. حيث وبحجة مقاومة المحتل, ستحاول تلك التيارات ادامة اجواء القلق والارهاب والعمليات العسكرية والاغتيالات وابقاء الخوف واللاامان بين صفوف الجماهير. وسيكون احتمال دخول العراق بنفق الاحتراب الداخلي المظلم واغراق جماهيره بحمامات من الدم هي اكثر السيناريوهات السوداوية رجوحاًً, ناهيك طبعاً عن احتمالات الحرب الطائفية التي تفوح رائحتها من البرامج السياسية"لاصدقاء" امريكا الفيدراليين!!.
ان"خارطة الطريق الامريكية" لحكم العراق تبدو مشوشة ولكنها منذرة باشد المخاطر للجماهير. وهي تتطلب من الطبقة العاملة العراقية وكل التحررين في العراق التلاحم والتمحور المباشر حول البديل الوحيد للخلاص من سيناريوهات الاقتتال والبؤس والحرمان بديل الحزب الشيوعي العمالي العراقي المتمثل باقامة الجمهورية الاشتراكية التي ستنعم فيها الجماهير بالحرية والرفاه الاجتماعي والمساواة التامة وتتمكن من التدخل المباشر في رسم مصيرالمجتمع. هذا يشكل فعلاً البديل الوحيد الواقعي الذي سينتزع مستقبل جماهير العراق من بين مخالب وانياب الامبرياليين وحلفائهم البرجوازيين المحليين وينقذ العراق مما يهدده من الجوع والحرمان وشبح الحرب الطائفية والاستبداد.