أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - سوق الاثنين*















المزيد.....

سوق الاثنين*


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 08:24
المحور: الادب والفن
    


جلس أمام الفندق يتأمل السيارات التي يكسوها الغبار، كانوا يتحركون كالنحل ويعدون السيارة للرحلة الطويلة، تعالى آذان العصر من مسجد في الجوار، ظل يتأملهم في شغف، أهله الشجعان كالنسور، لا أحد منهم يكترث له، حتى عبدا لله صديق المرحوم والده لم يعرفه عندما حياه ووضع حقيبته جواره، عبد الله رجل مرح لا تفارق البسمة شفتيه أبداً، رجل بلا أعداء، جاء في الزمن الغابر من لواء إب، استقر في سوق الاثنين مع عائلته الصغيرة، كان صديق والده الحميم رغم الاختلاف الحاد بينهما، دمعت عينا صالح عندما طاف في خاطره المجهد ذكرى عشر سنوات مضت وصدى الكلمات المرة التي رددها والده على مسامعه عندما عادوا من المقابر بعد دفن شقيقه غيلان.

- ليتك مت أنت !!

والده يحب غيلان بصورة استثنائية، كان يدرس الطب في جامعة صنعاء، طفق صالح يتأملهم بعينيه الدامعتين والنظارة السوداء تخفي الكثير من ملامحه، بعد عشر سنوات من الاغتراب في السعودية تغيرت أشياء كثيرة، لقد خرج غلام ناحل وعاد رجل ممتلئ الجسم تغطي وجهه لحية كثيفة ويرتدي ثوب ناصع البياض، أنه بصعوبة يحاول التعرف على هؤلاء المسافرين وأطفالهم، كانت الرسائل التي ترد إليه من والدته وتكتبها بنت خاله صادق لا تشفي الغليل.

* * * * *

قام عبد الله بتجهيز السيارة وتحميل البضاعة وحقائب المسافرين ثم صاح فيهم يأمرهم بالركوب، نهض صالح في تثاقل وجلس جوار السائق، ركب بقية المسافرين، دار محرك السيارة واستدارت مبتعدة تشق شوارع صنعاء المزدحمة، أغمض عينيه وغرق في بحر من الذكريات، كان يضمن سلفاً أنه سيعرف الكثير من الأحداث التي أغفلتها الرسائل خلال أحاديثهم في السيارة، وهم يمضغون القات والوقت أيضاً، لم يكترثوا له لإنهم اعتادوا زيارة الغرباء إلى خاله الطيب صادق، فقد عاش جل عمره في السعودية ثم عاد وأحيا أرضه وبنى بيته الذي يقع غرب سوق الاثنين.. ظل الجدل دائر في السيارة وهي منطلقة تتلوى بين الجبال في الطريق الثعباني الطويل..

- لقد أطلقوا بالأمس النار على سيارة حميد.

- مات ابنه معاذ.

- تماماً .. بنفس الطريقة التي مات بها غيلان بن تركي !!.

الحادث المؤلم الذي كان نقطة تحول في حياة أبيه، عندما كانوا عائدين بسيارتهم من صنعاء ومعه شقيقه غيلان، كمن لهم الغرماء خارج السوق وأطلقوا عليهم النار، مات غيلان على الفور، قفز صالح ووالده من السيارة وتبادلا إطلاق النار معهم، قتل ثلاثة وانسحب الباقون، عادوا إلى المنزل وأبوه يحصد الإرم، وبعد الدفن صباحاً افتعل والده مشاجرة معه فترك البيت وهرب، أخذت أمه شقيقته وتركته أيضاً وذهبت لتقيم مع شقيقها صادق الذي يناصب أبيه العداء.. ثم جاء جماعة الدعوى والتبليغ إلى مسجد البلدة، فانضم إليهم وأخذ يتجول معهم في ربوع اليمن ثم سافر إلى باكستان ومات ودفن هناك.

* * * * *

بعد مسيرة مضنية، أظلمت الدنيا وانعطفت السيارة مبتعدة عن الطريق الإسفلتي الذي يشق مدينة الحزم، وانطلقت تطوي الو هاد في طريقها إلى الجوف العالي، بدأ الركاب ينزلون في قراهم المتناثرة هنا وهناك، وعبد الله المرح يساعدهم في إنزال بضاعتهم وحقائبهم بهمة ونشاط.. أخيراً وصلت السيارة سوق الاثنين وتوقفت هناك أخذ صالح يتأمل قومه يجوسون في السوق تحت أضواء النيون وتمتد ظلالهم طويلة مخيفة مدججين بالأسلحة يسيرون في جماعات يتأملون بعيونهم الحذرة كل قادم جديد، نزلت العائلة المتبقية في السيارة بأطفالها، بقي صالح فقط مع السائق، همس صالح في إذن عبد الله حتى لا يتسرب الكلام إلى أحد غرماء أبيه وتدور الدائرة الشريرة.

- عم عبد الله !! أنا صالح ابن المرحوم تركي.

شهق عبد الله من دهشة واحتضن صالح والدمع يطفر من عينيه.

- سبحان الله .. لقد تغيرت كثيراً.

- نعم يا عمي، عشر سنوات تغير الحديد نفسه، أرجوك أوصلني إلى دار خالي صادق.

- طبعاً .. طبعاً.

أدار عبد الله السيارة وابتعد عن سوق الاثنين غربا، كان يهذي من الفرح.

- الحمد لله على سلامتك يا ابني، لقد ظل الراحل يذكرك كثيراً بعد أن جاءه الأبصار.

- الله يرحمه، ليته ظل على قيد الحياة حتى يسامحني.

- إن والدك الذي كنت تعرفه قد تغير تماماً، في يوم سفره خطب في الناس بعد صلاة الجمعة وتصالح مع كل أعدائه وسافر مع الجماعة إلى باكستان ولم يعد..

توقفت السيارة أمام المنزل، ترجل منها صالح وودع عبد الله بحرارة، وكأنما تذكر عبد الله أمراً ما فنادى على صالح.

- يا صالح ، يا صالح.

قفل صالح عائداً.

- نعم يا عمي.

- تذكرت شيئاً، كان والدك قد أوصاني إذا عدت أن تقابل صديقه العقيد عبد السلام في صنعاء.

تنهد صالح في أسى، كان يعرف العقيد عبدا لسلام، حارب مع والده لفك حصار السبعين عن صنعاء، وقد نذرا إن طال بهما العمر أن يتصاهرا، وقد كان والده يزمع تزويج غيلان بابنه الرجل التي تدرسه معه في الجامعة، ويتزوج فتحي ابن الرجل من شقيقتهم الوحيدة سعاد.

- نعم . نعم. إن شاء الله، أرجو أن تأتي ومعك أصدقاء أبي يوم الجمعة القادم..

استدار عبد الله بالسيارة مبتعداً في طريق العودة، تخطى بصعوبة العرم فقد أعشى عينيه ضوء سيارة مسرعة قادمة في الاتجاه المعاكس..

حمل صالح حقيبته وانطلق يمشي متعثراً نحو البيت الجاثم كالطود بين الأشجار وفي نفسه تتردد أصداء مؤلمة " لماذا أنت هكذا يا أبي ؟! فقد نويت الزواج من ابنة خالي صادق، الذي كنت تكرهه دون أسباب، وسأخز أمي وشقيقتي ونقيم في صنعاء، لقد اشتريت بيتاً في مذبح".
- لا بأس .. لا بأس.. اليوم خمر وغداً أمر.
اقترب صالح من البيت بخطى وئيدة وسيمفونية الليل المرعبة تعزف أوتارها الريح مع نعيب البوم وأزيز سيارة مسرعة.. دوى الرصاص، ارتفع نباح الكلاب في كل الأرجاء، طارت طيور الظلام تتخبط بأجنحتها السوداء، مزق الرصاص السكون في مكان اعتاد الصمت الطويل..
* * * * *
هب كل من المنزل مذعورين، صرخت أم صالح وأخذت تلطم وجهها في بكاء مرير.

- لقد عاد ابني صالح !! .
هوامش :
* مدينة في محافظة الجوف باليمن.
من مجموعة (الإمام الأخضر)-إصدارات مركز عبادي للدراسات والنشر - صنعاء



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسول الاحزان
- المفتي ..هل هو ظاهرة دينية ام سياسية؟!!!!ا
- فلسفة الثعبان المقدس
- ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر
- ديك دارالنعيم
- الجندى الثالث...كان طيبا
- حكاية جبرالله جابر
- ابوالعلاء المعري وثقافة المجتمع المدني
- من يقتل العراقيين؟؟(2-2)ا
- (1-2)اغتيال الوعي العربي ..العراق نموذجا
- الطاغية والحكيم
- اسرائيل في مخيلة النخبة العربية
- الطاعون
- الوعي...والتجريد
- عصام ...الخريج الذى فقد نفسه
- الانسان والابداع
- الحقيقة والجمال
- نظرية داروين واشكالية الحلقة المفقودة
- الطيب والشرير والقبيح
- اني جاعل في الارض خليفة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - سوق الاثنين*