أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - فلسفة الثعبان المقدس














المزيد.....

فلسفة الثعبان المقدس


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 06:41
المحور: الادب والفن
    


كان هناك ثعبان وعصفور يعيشان في غابة وارفة الأشجار والظلال جوار مدينة ما.. التقيا ذات مرة وتعارفا.

- ما أجملك أيها العصفور وما أبها ريشك الملون وتغريدك العذب.

نظر العصفور في امتنان إلى الثعبان وردد في حياء

- أنت تراني جميل في مرآة نفسك الطيبة فأنت أيضاً لك جلد بديع صاغته ريشة فنان مبدع، هذه النجوم الزرقاء والخطوط الحمراء.

ابتسم الثعبان ابتسامة ودودة وأردف

- هل تعرف يا صديقي البشر ؟!

نظر العصفور إلى صديقه في دهشة

- البشر من بني آدم أسمع عنهم فقط

أردف الثعبان في توجس

- انتبه جيداً !! أحياناً يأتون إلى هنا

- لكني لم أرد أحداً منهم حتى الآن

- إني أخاف عليك منهم، قد يراك صبي طائش في يده مقلاع فيصيدك بحجر فتسقط على الأرض مضرجاً في دمائك، يأخذك إلى البيت وينزع ريشك الجميل ويشويك ويأكل لحمك القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في أعياد النيروز*..

ارتعش العصفور وهو يسمع لثعبان يتحدث في تلذذ واللعاب يسيل من فمه على لحيته فيلعقه بلسانه المزدوج، فردد في وجل.

- آه رباه .. أنا لا أريد أن يفعلوا بي ذلك.

- إنهم لا يقدرون الجمال، يرونك قطعة من اللحم تشوى وتؤكل في الأعياد ويروني حقيبة من الجلد الفاخر تشرى وتهدى إلى السيدات الساقطات..

- أنت تعرف كثيراً عن البشر يا صديقي

- وما خفي أعظم، هل ترى تلك الصقور المسكينة مع المصورين؟ … هل تعتقد أنها جاءت بنفسها إلى المدينة لتقوم بمثل هذا العمل الشاق، تضع على الأكتاف أمام أضواء الفلاشات وسط هذا الضجيج ؟!. "إنهم ذهبوا واقتنصوها من معاقلها في الجبال المجاورة وأتوا بها إلى المدينة وباعوها إلى المصورين ".

- مسكينة هذه الصقور النبيلة.

- أجل تعيش هكذا بلا زوجة.. ولا أبناء ولا عش مربوطة الساق مهيضة الجناح مكسورة الخاطر.

- أنت فيلسوف يا صديقي

- أنا لست فيلسوفاً بل أعرف الحقيقة، لماذا لا يأتوا بالحيوانات التي رضت حياة الذل بين البشر كالحمير والكلاب والدجاج لتقوم بهذا العمل الكئيب؟ الجلوس أما الكاميرات بدل الصقور.

- أنت حكيم يا صديقي.

- أنا لست حكيما بل أعرف الحقيقة، حتى هذه الحيوانات المسكينة عندما يدركها الكبر يتركونها تهيم على وجهها في الطرقات تواجه الموت جوعاً ومرضاً ، ثم يلقوا بها في المزابل، فلا تحصل على موت كريم يليق بخدماتها الجليلة لبني البشر.

- أنا لن أمكنهم مني أبداً .. سأعيش حر وأموت حر.

- قلت لك أنهم يأتون ولا يرحمون لقد فعلوا ذلك لبني جلدتهم من البشر السود الإفريقيين أيضاً.

- السود !!

- كان هؤلاء السود يعيشون أحراراً مثلنا في الغابات، فجاءوا إليهم من بلادهم البعيدة وراء البحار وأسروهم واقتادوهم في الأغلال ليعلموا في معسكرات العمل في سيبيريا *، ويبيعونهم ويشترونهم كالسلعة تماماً.

- إن البشرة قساة !! لماذا يفعلوا ذلك بالسود؟

- لأنهم يكرهون اللون الأسود.. الحقد في نظرهم أسود، الموت عندهم أسود.. انظر بنفسك إلى تلك الغربان التي ترتفع في حدائقهم ولا أحد يأبه لها.. لأنها قبيحة المنظر وصوتها فج، فهم يتشاءمون منها .. لكن إذا ذهبت أنت إلى الحدائق سيكون لك شأن آخر.

- ماذا !! .. ماذا تعني؟

ضحك الثعبان في خبث :

- سيأسروك ويجعلوك في قفص ذهبي، يضعونك في استقبال الفنادق أو قصور المترفين يتسلى بك أطفالهم التعساء.

أدهشت العصفور العبارة الأخيرة "التعساء".

- هل تعتقد أن أطفال الأسر الموسرة تعساء؟

- نعم لأنهم يعيشون في سجون بلا قضبان.. إن ذويهم يحرمون عليهم التجول ليلاً أو الذهاب إلى السينما.

- لماذا؟

ضحك الثعبان ضحكة ماجنة وردد بصوت يشوبه الغنج.

- يخافون عليهم من ( ……)

ضحك العصفور في جزل ويبدو أن أحاديث الثعبان أخذت تروقه

- لن أذهب إلى تلك الحدائق في المدينة أبداً.

- ألم اقل لك أنهم قادمون، صه ألا تسمع، مهما تأخروا فإنهم يأتون.

خفض الثعبان رأسه وأدناه من الأرض، ثم صاح بصوت مبحوح

" إنهم قادمون .. إني أسمع وقع أقدامهم تقترب من الغابة، لا بد أنهم يحملون البنادق لألوية الحمراء.. اللعنة !!" .

دب الرعب في قلب العصفور المسكين وأخذ ينتقل من غصن إلى غصن في توجس ويتلفت يمنى ويسرى.

- أين المفر ؟ … أين اختبئ؟ إنهم قادمون.

ردد الثعبان في حنو بالغ مس شغاف قلب العصفور

- " تعال إلي .. سأحميك منهم، لن أجعلهم يأخذوك الأقفاص وأعياد النيروز.

نظر العصفور في عيني الثعبان المحمرتين والمتقدتين شبقاً وشعر بالدوار فسقط من بين الأغصان وارتمي بين أحضان صديقه الماكر، تنفس الثعبان الصعداء وأطلق زفرة حارة أشعلت جسد العصفور المسكين وردد في تشفي.

- نعم لن يأخذوك.. لأني سأكلك وأجعلك تسري في دمي وأضمن بذلك لجمالك الفاني الخلود الأبدي. ".

صعق العصفور المغدور، ثم شهق من الألم وقد أحس بالناب المسموم ينغرس في جسده " الغض، أغمض عينيه استسلم للقدر المحتوم".



هوامش :
- فلسفة الثعبان المقدس: العولمة : النظام العالمي الجديد.
- عيد النيروز : عيد يحتفل به الفرس.
- سيبيريا : صحراء جليدية في الاتحاد السوفيتي سابقاً.



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر
- ديك دارالنعيم
- الجندى الثالث...كان طيبا
- حكاية جبرالله جابر
- ابوالعلاء المعري وثقافة المجتمع المدني
- من يقتل العراقيين؟؟(2-2)ا
- (1-2)اغتيال الوعي العربي ..العراق نموذجا
- الطاغية والحكيم
- اسرائيل في مخيلة النخبة العربية
- الطاعون
- الوعي...والتجريد
- عصام ...الخريج الذى فقد نفسه
- الانسان والابداع
- الحقيقة والجمال
- نظرية داروين واشكالية الحلقة المفقودة
- الطيب والشرير والقبيح
- اني جاعل في الارض خليفة
- قطار الشمال الآخير
- (3-3)النقل والعقل
- نسبية المعرفة(2-3)ا


المزيد.....




- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - فلسفة الثعبان المقدس