|
تحياتي رفيق حنا ،
غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان
الحوار المتمدن-العدد: 7946 - 2024 / 4 / 13 - 23:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحياتي رفيق حنا ، لقد حانت ، في اعتقادي ، اللحظة لمصارحة الذات بمسؤولية سياسية ضميرية : فلبنان الكبير الذي قام قبل مئة عام ، آخذ بالتفكك بكل مكوناته : بنظامه السياسي وبانهيار نظامه الاقتصادي المالي ... واخذت تظهر تقيحات بنية تركيبته الايديولوجية الطائفية بتعبيرات سلوكية سياسية واخلاقية، فردية وجماعية ، نافرة ومتصارعة . ان انسداد آفاق الحلول يؤكد ان قوى الداخل جميعا ، وتحديدا (الزعامات والاحزاب التي توالت على الحكم ) لا يمكن تبريئتها ، وإن بدرجات متباينة ، من مسؤولية تردي الاوضاع الى مهاوي العدم والمجاعة واليأس. كما ان اي تقييم موضوعي لا يمكنه الا ان يؤشر الى ذاك القسط الكبير الذي اسهمت فيه قوى الخارج ، القريبة والبعيدة ، بعوامل سياسية واقتصادية ومخابراتية وعسكرية في خلق الحالة المأساوية التي صار ضحيتها لبنان ! وحين بدأت جماهير لبنان تتحرر ، ولو بدرجات محدودة من قيود التبعيات التقليدية للزعامات القروسطوية والايديولوجيات المتخلفة ... انهالت عليها كل قوى الرجعية والتخلف في البلاد ، مستخدمة كل وسائل العنف المادي والمعنوي لإخماد النهوض الجماهيري الذي رفع شعارات ديموقراطية واضحة وابدى العزم على تحقيقها . ورغم الاعيب اطراف الطبقة الحاكمة وفرضها قانون انتخابي رجعي ( وان حاولت اخراجه بصفة ديموقراطية ، حيث اضفت عليه صفة النسبية ) كان لانتفاضة تشرين اثرها المباشر ، ولو في حدود متواضعة نسبيا ، في تغيير توازنات القوى داخل المجلس النيابي ، بحيث لم يعد لأي فريق من فرقاء الطبقة الحاكمة المتناحرة فيما بينها من تمرير كامل نهجه السياسي كما كان يفعل دائما . وهنا على وجه الضبط مكمن مأزق كل جناح من اجنحتها في موضوع ازمة الرئاسة ! حتى ايجاد صيغة يجري في اطارها تفاهم ما يبدو عسيرا حتى الان .
-2-
وتجري الان ، كما نتابع ، جهود دولية مكثفة لايجاد صيغة تفاهم ومخرج ... يعيد النظام القديم ، بمواصفاته القديمة اياها ، وبتوزيع للحصص يتناسب مع الموازين الجديدة فيما بين قوى الداخل والخارج التي انتجتهاالازمة الخطيرة الطويلة منذ تشرين 2019 وما قبل !... ارجو ، رفيق حنا ، ان تتحمل ، هنا ، قليلا ، بعض صراحتي : جميع القوى والاطراف التي اسهمت ، بهذه النسبة او تلك ، بايصال البلاد الى مهاوي الدمار ، تظهر نفسها بدور المنقذ ! ... في حين ان القوة السياسية التي كانت ، بطبيعتها وممارساتها ، مدافعة دائمة عن مصالح الشعب والبلاد ، وعن التقدم والديموقراطية ، ولم تبخل يوما في تقديم التضحيات – حتى بالدم -- في سبيل ذلك ، تقف منزوية ، منكفئة ؟! لا تقل يا رفيق حنا : الذي احترم وأجل -- بانكم عقدتم مؤتمرا قبل اشهر ، وطرحتم برنامجا نضاليا كاملا ! ... المشكلة ، حسب اجتهادي ، في مكان آخر : بالاصرار على ممارسات الحزب نهج الانكفاء وعدم التفاعل مع الحياة السياسية والقوى الناشطة فيها : سواء تلك المختلفين معها سياسيا ، ام تلك المتفقين معها بهذه الدرجة او تلك . وهنا ، على وجه الضبط ، لا نرى مجالا ولا مكانا للتحفظ او التردد : فبرنامجنا السياسي يحمينا ، واستقلالية ممارساتنا التي تستجيب لمتطلبات التطور السياسي العام للبلاد تجنبنا اي انحراف ! نحن متفقون بأن انتفاضة 17 ت قد بشرت بانفتاح آفاق واسعة لإمكانات التقدم والاصلاح السياسي للبلاد ، منذ يومها الاول ، حين تخطت حدود الحذر والفروقات الطائفية والمناطقية " التقليدية " ، التي ورثها لبنان من مراحل تطوره الماضية المعقدة . وقد اكدت ثبات وعمق هذا الاتجاه الاصلاحي حين رفعت ، بقوة ووضوح ، شعارات اصلاحية ديموقراطية المضمون ، محددة وملموسة ، للنظام السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي اكثر تقدما مما ترفعه اكثرية الاحزاب القائمة.... فمن البديهي ان ترى هذه القوى في ذلك تهديدا
-3-
لركائز نفوذها وسلطتها اللتين اكتسبتهما ، في الواقع ، تحت تأثير الظروف والتطورات الاستثنائية ( ظروف قاهرة ) التي فرضت على لبنان وشعبه في المئة سنة الاخيرة ، جراء تدخل قوى الخارج القريبة والبعيدة ... فنجاح نهج الاصلاح الديموقراطي يقضي على " لعبة تقاسم السلطة " التي يمارسونها بمعزل عن دور الشعب ومصالح الشعب . لهذا لجأ فريق منهم الى الاتهام والتشنيع والتهويل بتدخل اصابع السفارات واموالها ...الخ ، ولم يتورع عن التهديد والتهويل ، بل واستخدام العنف المباشر ... وسعى بعض آخر ركوب موجة الانتفاضة بهدف تدجينها والتحكم بتوجهاتها ! لا شك ، بل من الطبيعي والمطلوب والمحبذ ان ينظم الحزب المظاهرات بشعارات سياسية واجتماعية واقتصادية ، كما كان يفعل دائما ... وكما يفعل الان . فللمظاهرات دورها المهم في التحريض والاعلام ، وفي التعبئة الجماهيرية كذلك ... لكن الامر الاساسي في هذا المجال هو ان لا يبقى الحشد للمظاهرة معتمدا على قوى التنظيم الحزبي فقط . فلابد من بذل جهود مسبقة لإنضمام قوى جماهيرية غير حزبية الى المظاهرة . فالغاية الاساسية من المظاهرات ، ومن الاعلام والتحريض هي استعادة دور انتفاضة تشرين وفعلها السياسي : دون هذا الدور لا مجال لخلق التوازن السياسي المطلوب لصالح نهج التطور الديموقراطي للبلاد بوجه الاعيب وتفاهمات وائتلافات فصائل واطراف الطبقة الحاكمة ! ... ومثل هذه الحيطة ، وهذا الحذر يستوجبهما بقوة مضاعفة ، كذلك ، ما تواجهه البلاد في الوقت الحاضر من مساع دولية وداخلية لإخراج البلاد من ازمتها الشاملة : المركبة والمعقدة التي تهدد مصير الدولة والمجتمع . بل ان ممثلين عديدين من الطبقة الحاكمة نفسها ( سياسيين واكاديميين ) رأوا ، في بعض ظاهرات الازمة وتعقيداتها ، اشارات واضحة على استنفاذ " نظام لبنان الكبير " مقومات استمراره ! بل يمكننا حتى تلمس ظاهرات وشواهد على ذلك في طبيعة الطروحات التي تتراشق بها الاطراف التقليدية المتصارعة فيما بينها ، والتي تتراوح بين
-4- إبداء " الرغبة " الصريحة او الخفية التي يمكن ان يسعى اليها فريق لتغيير معادلة تقاسم السلطة الطائفي التقليدي ، وبين المخاوف التي يثيرها احتمال حصول ذلك عند اطراف اخرى ! ... وهذا امر صار جلياً واضحا ...بل بات له انعكاساته واصداؤه في الصحافة ... ، وله استجاباته الملائمة على الصعيد الدولي كذلك ! ... وكلا المنحيين يتجنبان طرح قضية الاصلاح الديموقراطي للنظام الذي يشكل ، في الواقع ، السبيل الاسلم ، الوحيد ، للخروج من الازمة . وفي ضوء هذا التقييم الواقعي للأوضاع ولموازين القوى لا نرى اي ضمانات تحمي لبنان ومصالح شعبه من شروط اضافية مجحفة تفرض عليه بصيغة تجديد شكلي في " معادلة " تقاسم السلطة الطائفية التقليدية ! في ضوء هذه الملاحظات العامة رأيت انه ليس من الملائم بقائي في حالة الانكفاء والخيبة التي فرضتها على نفسي نتيجة تجارب الحوار والتشاور الفاشلة التي اجريناها في السنة الاخيرة . انا لا اطلب تجديد الحوار فيما بيننا . سارسل اليك مجموعة من الاوراق ( سبق وان زودتكم بها ، في بدايات انتفاضة تشرين ) تحوي مقترحات اولية عساها ان تساعد في تلمس خطوط العمل لإستعادة وتطوير النهوض الشعبي . وحين لم تلقَ تلك الاوراق ، آنذاك ، اي استجابة حاولتُ تفعيلها بقوى سياسية موجودة في الساحة ، ولها حيثياتها ومواقفها السياسية التي قد تدفعها ، كما قدرت ، الى الاستجابة للانخراط في العملية . واذا كنت قد استنتجت ، في حينه ، اسباب احجام تلك القوى ايضا ، فاني لم استطع تقدير او " تفهم " اسباب تحفظات الحزب حتى الان . انا على قناعة تامة ، ايها الرفيق حنا ، بان انسداد وتعثر افاق ايجاد الحلول للازمة والصعوبات التي تحيط باغلبية الاحزاب والقوى السياسية التقليدية في تعاملها مع الازمة دليل صارخ على ازمتها العضوية بحكم طبيعتها المتخلفة عن العصر ومتطلباته . وهذا الواقع يفسح في المجال ، حسب تقديري وقناعاتي ، امام الحزب لإطلاق مبادر ة سياسية استنهاضية موجهة ، بالدرجة الأولى ، الى الجماهير في جميع المناطق لإستعادة دورها وتجديده في الساحات ... مع صياغة
-5-
وطرح شعاراتها العامة والمحلية بالنفس والمحتوى الديموقراطي اللذين اسست لهما انتفاضة تشرين منذ يومها الاول ... على ان ترفق مبادرة الحزب الانقاذية هذه ، كخطوة مكملة ، بالتوجه الى الاحزاب اللبنانية ( وهذا لا يعني ، ولا ينبغي ان يفسر بأنه تغييب لخلافاتنا السياسية معها ) لدعوتها الى التعاون والى تنظيم اشكال العمل لإنجاح اهداف المبادرة في استنهاض الانتفاضة وتدعيم وتوسيع نهجها وبرنامجها للاصلاح الديموقراطي . انا ادرك بان الموافقة على ما اطرح ، وبالتالي القبول به ، ليس أمراً سهلا : لست بعيدا ، ايها الرفيق ، عن الصعوبات التي مازال يعاني منها الحزب... وما تعانيه انت شخصيا كذلك . حتى بعد انعقاد المؤتمر الثاني عشر . ولكن المسؤولية تتضاعف وتصبح اكثر خطورة حين يحجم المسؤول عن الاقدام على الخطوة التي تتطلبها بإلحاح وكضرورة لا تقبل التأجيل مصالح الوطن والطبقة العاملة والحزب ! اردت هذه الرسالة ان تكون تبادلا للافكار محصورا فيما بيننا شخصيا في هذه الظروف الخطيرة والحرجة التي يمر فيها لبنان ، عسى ان يساعد الاستيحاء منها خطة عمل منفتحة ازاء التعامل المباشر والقريب مع الجماهير التي اظهرت قدرتها وامكانياتها الخاصة على التحرك والنضال ... خطة مرنة للتعاون مع الاحزاب والقوى السياسية ، دون تحفظات ، في ضوء ما تفرضه مصالح استنهاض الحراك الشعبي الديموقراطي العام ، وعدم فسح المجال للخلافات الايديولوجية والسياسية الاخرى ان تعوق الحركة الاساسية التي تتطلبها مصالح تطور وتقدم لبنان راهنا . ( ملاحظة اخيرة اود ان اؤكدها : هذه الرسالة التي اردتها محصورة فيما بيننا شخصيا ، لطبيعة التداول الصريح المطلوب التي تفرضه دقة وخطورة التطورات والمسؤوليات التي ترتبها ستبقى مكتومة من جهتي ،
-6-
لا تنشر !... اما الامر من جهتكم فيخضع ، بطبيعة الحال ، لتقديراتكم ... اذ قد ترون ضرورة إطلاع رفاق القيادة ، او البعض منهم ، بقصد التشاور ). مع التحيات والتمنيات الرفاقية ... 28 حزيران 2023 غسان
#غسان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قال لي صاحبي
-
ايديولوجيا
-
الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني
-
بصراحة رفاقية شيوعية الرفيق الأمين العام حنا غريب مع التقدير
...
-
2 - الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الماركسية مرشدنا !... لماذا ؟... كيف ؟...
-
في الرد على مقالة ، اليسار واغتيال الدولة - محمد علي مقلد
-
كيف السبيل
-
الرساميل العائمة..الى أين ؟
-
مساهمة في حوار اسحاق الشيخ يعقوب .
-
لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ... مشروع بلاتفور
...
-
البراغماتية : المرض المزمن !
-
مشروع رؤية للنقاش
-
ما يزال للشعوب قضية !
-
ضرورة بناء يسار بستجيب لمتطلبات العصر
-
حوار من أجل صياغة رؤية سياسية ماركسية
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|