|
الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني
غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان
الحوار المتمدن-العدد: 7321 - 2022 / 7 / 26 - 16:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الدكتور نزار يونس يقرأ الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني
ليسمح لي اخي نزار ان استفيد من بحثه المنفتح على رحاب العلم ، لاجاهر ببعض الجرأة ، من اجل ازالة بعض " السدود " من امام الحقيقة ! قرأنا ابحاثا كثيرة عن الطائفية واثرها في حياة اجيال واجيال من اللبنانيين ، تنطلق حقا من معاناة الناس ، على " ضفتي " الشعب الواحد ! لا شك اننا للجميع شاكرون لما قدموا ... لكننا نعتقد بان الاوان قد حان للجهر بما ينبغي ان يقال : فما انتج كان في الواقع تكريسا " للآفة " ، واقرارا ، ضمنيا ، بشرعيتها – بالظن ، بشكل ما --- بدون وعي مسبق على الارجح ، في اغلب الاحوال – انا نكافحها ! ... وهذا ، على وجه الضبط ، ما ساند وابقى ، في الواقع ، الانحيازات والطروحات الاستقطابية ذات المضمون الطائفي المتنافر في المواقف السياسية ... هكذا جرى تمويه واخفاء اصحاب المصالح والمنافع الحقيقيين ، وتمكينهم من " استغلال " وتسخير المجتمع والدولة لصالحهم ، ولتوسيع امتيازاتهم الفئوية الخاصة ، مع ابقاء الناس : جميع الناس ، الذين تجمعهم ، موضوعيا ، المصالح الحياتية الاشمل التي تضمن تأمين شروط البقاء الجماعي ، وتؤمن استمرار الكتلة الاجتماعية الاساسية التي تحافظ على استمرارية المصالح الحيوية العامة ، امام مخاطر التأزم والتراجع والتفكك. وهذه ، على وجه الضبط ، ما تشكل المرتكزات المادية للمجتمع والدولة ، وهي الشروط للاستمرار في سياقات تطور طبيبعية ، بصرف النظر عن درجة توافق او تنافر " افكار الناس " ، وصراعات معتقداتهم الدينية ، وتضارب آرائهم الشخصية !.. هكذا كانت الحال دوما ، كما يقول التاريخ ، بعد ان صار المجتمع قائما على التراتبية الاجتماعية والسلطوية !... في ظل هذه الظروف المحددة مارس الناس ، ويمارسون نشاطهم لتحقيق غاياتهم . في الواقع ، لم تغب هذه الحقيقة التاريخية ، العلمية ، عن الدكتور نزار وهو يكتب كتابه " الميثاق " !... وهو يدرك ، في الوقت نفسه ، الى جانب ذلك ، بانه لا يستطيع ان يتجاهل الاثر المادي الذي ما زالت تمارسه على الواقع السياسي حتى اليوم ، وبقوة ، المادة 95 من الدستور التي تقول " ... بصورة موقتة ، وعملا بالمادة الاولى من صك الانتداب ، والتماسا للعدل والوفاق ، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة ، وفي تشكيل الوزارة ، من دون ان يؤول ذلك الى الاضرار بمصلحة الوطن "!... لكن نزارا الذي لا تغيب عنه العلاقة والتفاعل بين الايديولوجيا والفعل النفسي الارادوي الذي يمكن ان يتولد تحت تأثير الدوافع المصلحية ، تجرأ ، بروحية العالم والوطني اللبناني العميق العميق ، ان يستنتج : بان " الموقت تحول الدائم الوحيد في الحياة السياسية ، واتاح غرس بذور جرثومة الطائفية ... التي الحقت بالوطن المذلة والعار "... ولخص كل ذلك بالقول ان الشعب اللبناني قد حصد " مئة عام من الضياع " ، ويقرأ فيها " دولة لبنان الكبير التي نخرها وباء خبيث ... عطل امكانية قيام دولة " !... وما هذا الا التوصيف الادق والاكمل والاشمل ! ان الاهمية النوعية لكتاب نزار يونس تتجاوز مجرد " الدعوة التبشيرية " . لقد طرح مشروعا سياسيا واقعيا متكاملا لمعالجة " سرطان " النظام السياسي اللبناني والتشوهات الفكرية والنفسية التي زرعها عبر اجيال واجيال ، مع ذلك فتح السبيل لولوج طريق العمل : بحثا فكريا وعملا سياسيا لبلورة العوامل المادية الجامعة فيما بين الناس ، وفضح بطلان " عوامل فرقتها " التي يزعم انها ابدية . وهذا ما لم تستطع الكثير من الاحزاب السياسية ان تقرب منه . لقد تعامل نزار مع الطائفية كظاهرة اجتماعية –تاريخية ، وليس " كمؤامرة " ... وبذلك يكون الاقرب للولوج الى عقل المواطن اللبناني ومصلحته ، الذي صار تحت تأثير " السرطان الطائفي " بهذه الدرجة او تلك ... ومن البديهي ، ان الظاهرة الاجتماعية تحتاج الى تفسير ، من حيث كشف دوافع نشوئها ، واسباب استمرارها وظواهر تجلياتها الفكرية والسلوكية ( العملية ). فهي ليست من الطبيعة التكوينية للناس ! هي تحتاج الى تفسير لنشوئها : صحيح كان هناك تعسف عثماني وظلم ... ولكن اللبنانيين جميعا عانوا منه ... صحيح كان هناك صراع ونزاعات بين الموارنة والشيعة ، وبين الموارنة والدروز ... ومن الطبيعي ان تصطبغ هذه النزاعات بفروقات الانتماء الديني ، عفوا او قصدا . لكنها ، في واقعها ، ومن حيث دوافعها المحركة ... فقد كانت تدور حول الارض ... والمياه ... والمراعي ! كما في سائر المعمورة ، وفي سائر الازمان . في ظل هاتيك الظروف العامة المحددة مارس الناس ، ويمارسون ما تمليه عليهم مصالحهم . اما المسألة التي نحن بصددها اليوم فمختلفة : هي : كيف تحولت هذه التمايزات الدينية الى تمايزات ايديولوجية سياسية نفسية تتواجه فيها كتل جماهيرية كبيرة نطلق عليها اسم الظاهرة الطائفي ؟ وهنا لابد من العودة الى التاريخ ليرشدنا . رافق السنوات الثلاث الاخيرة من الحرب العالمية الاولى نشاط محموم لتهيئة المسرح العالمي لنمط جديد من التحاصص والتقاسم فيما بين " القوى الكبرى ". هذه حقيقة تاريخية ينبغي ان تراعى وتؤخذ بعين الاعتبار بمعزل عن المعايير والاحكام الاخلاقية والعواطف !... اذا كان رائدنا العلم ، وهاجسنا اصلاح مجتمعنا وسعادة شعبنا ! لقد كان شرقنا الاوسط احد الميادين الرئيسية لهذا التقاسم . وبعيدا عن اي تقييم مبني على سوء الحظ او على حسنه ... كانت بريطانيا وفرنسا هما الدولتان الحليفتان اللتان تتنازعان النفوذ على المنطقة ، متجاوزتين حتى اتفاقاتهما المسبقة حول الموضوع ... وقد رجّح الهاشميون ( بقيادة شريف مكة حسين بن علي واولاده ) كفة الانكليز في لبنان وسوريا باعلان الملكية في سوريا ، وتنصيب فيصل ابن الحسين ملكا ... متجاوزين ارادة الشعب السوري التي عبر عنها عن طريق الاستفتاء برفض الانتداب . وكان لهذا الحدث اثر وصدى ما في لبنان ، ولّدا هادسا وخيفة لدى الفرنسيين ... هذا هو في الحقيقة الامر الجلل الخطير الذي استوجب اجتراح واقتراح المادة 95 ، واقحامها في الدستور ، متجاوزين ، هنا ايضا ، مصلحة وارادة الشعب اللبناني التي تجلت بالمعارضة " الحادة من النواب الوطنيين في لبنان ، المطالبين بفصل الدين عن الدولة ، وعلى رأسهم جورج زوين ، نائب كسروان آنذاك " ( نزار يونس ص 31 ). وكان من الطبيعي ان يجري، كذلك ، تجاهل التراث السياسي والفكري المتقدم الذي بنته اجيال من اللبنانيين ، كما يكتب نزار يونس ، حين " تفاعلت النخب اللبنانية ، منذ بدايات القرن التاسع عشر وما قبله ، بحماسة وبشكل مذهل ، مع الفكر الوافد من الغرب بعد ثورته الاولى . لم تكن العاميات الاولى التي عرفها لبنان في القرن التاسع عشر سوى التعبير عن ذلك التفاعل ، عندما رفعت ، باكرا ، شعار الجمهورية وفصل الدين عن الدولة . " ماذا يريد ان يقول لنا نزار يونس بهذه الايحاءات التي يطرحها ؟ انه يدعو ويحثّ ويحرّض ، بقناعة الواثق ، ضميرا وعقلا ( وهو محق ) ، بان نسلك نهج مفكري عصر الانوار ، ونمارس فعل اجيال عصر الانوار ! ان كتاب نزار يونس ليس حدث صدفة !... كان استجابة لتفجر انتفاضة تشرين ، ونداء لاستكمالها !... تشرين اعلنت نضج عصر التحويل في لبنان ايضا ! ... ورسمت خط السير العام لما ينبغي ان نقوم به نحن : كافراد واحزاب ، و" كتل جماهيرية " لها حضورها وتأثيرها الفاعل لضمان التوجه الديموقراطي للتحرك في تحقيق اهدافه الاصلاحية كاملة : الاجتماعية والسياسية ، وذلك بافشال تكرار التسويات الفوقية التي يمكن ان تعقدها فيما بينها الاجنحة التقليدية للطبقة الحاكمة ، كما فعلت في السنوات الثلاث الاخيرة لاجهاض انتفاضة تشرين ، ووضع العراقيل امام توحيد جهود فصائلها وتشويه نشاطاتها . وهذا ما نتابعه حتى في التحركات التي تجري على صعيد الحملة الانتخابية التي بدأت . كم اتمنى ان لا يكتفي الصديق نزار بطرح كتابه " كرما على درب ! "... فالحقل الذي هيأه يعد باعناب وقمح وزيت وافراح !
#غسان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بصراحة رفاقية شيوعية الرفيق الأمين العام حنا غريب مع التقدير
...
-
2 - الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الماركسية مرشدنا !... لماذا ؟... كيف ؟...
-
في الرد على مقالة ، اليسار واغتيال الدولة - محمد علي مقلد
-
كيف السبيل
-
الرساميل العائمة..الى أين ؟
-
مساهمة في حوار اسحاق الشيخ يعقوب .
-
لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ... مشروع بلاتفور
...
-
البراغماتية : المرض المزمن !
-
مشروع رؤية للنقاش
-
ما يزال للشعوب قضية !
-
ضرورة بناء يسار بستجيب لمتطلبات العصر
-
حوار من أجل صياغة رؤية سياسية ماركسية
المزيد.....
-
هل ستقنعك مميزات آيفون 16 الجديد بالترقية؟.. إليكم نظرة عليه
...
-
سعر خيالي لآيفون 16 في مصر
-
علماء الفلك يكتشفون هبوب رياح حديدية على كوكب -جهنمي-
-
فرقة موسيقية تتقدّم بشكوى ضد ترامب وتتّهمه بتأمين دعم حملته
...
-
ذكاء اصطناعي وأدوات أخرى.. تحذير من ممارسات إسرائيلية في غزة
...
-
كيف تحاول روسيا تعزيز نفوذها في أفريقيا؟
-
هل تحرج إسرائيل واشنطن باستخدامها قنابل أمريكية في مناطق -آم
...
-
وفاة صديق العداءة الأوغندية تشبتيجي المشتبه بقتلها حرقا
-
الانتخابات الأمريكية - هاريس تواجه ترامب فمن سيربح المناظرة؟
...
-
فرقاطة -الأدميرال غولوفكو- تطلق -كاليبر- في مناورات -Ocean-2
...
المزيد.....
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
المزيد.....
|