أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - جِئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم!















المزيد.....

جِئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم!


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 7938 - 2024 / 4 / 5 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


عِبارة عَميقة وذات دَلالة، قالها ضابط أمريكي في إجتماع مَع العِراقيين، بَعد أسابيع مِن دُخولِهم للعِراق، نقَلَها لي صَديق أثِق بكلامِه، يا حَبّذا لو تَحَلّى العراقيون بشَجاعة الإعتِراف أن فيها الكثير مِن الحَقيقة،. أتذكرها دائِماً في ذِكرى إحتلال الأمريكان للعِراق ودُخولهم بغداد، التي تَمُر علينا سَنَوياً بين شَهري مارس وأبريل، حينَ أعلن الرئيس بوش بَدء عَملية ما أسماه "تَحرير العراق"، قاصِداً تَحرير العراقيين مِن صَدام، والتي ظَنّ بغَباء أنها ستكون كعَملية تَحرير الالمان مِن هتلر، لنكتشِف ويَكتشِف الأمريكان بَعد فترة بأنّهُم قد حَرّروا صَدام مِن العِراقيين، وليسَ العَكس!

قد يَرى البَعض في هذا الكلام ظُلماً للعراقيين، وتَبرِأة لصَدام مِن جَرائِمه، وهؤلاء أغلبهم مُغَيّبين ومَأخوذين بعِزّة الإثم، ومُصِرّين على إنكار الواقِع، والإستِمرار بتَصديق بروبَغَندا شِعارات تَعظيم ومَسكَنة شَعبهم، التي رَوّجَتها أحزابه القومية والشيوعية ورَسّخَتها على مَدى عُقود. لكن مَن شَخّصَ حَقيقة المُجتمَع العِراقي مُبَكِّراً بثَمانينات وتسعينات القَرن الماضي دون فَلتَرة، أو صُدِمَ به بَعد 2003 على الطَبيعة، يَعلم بأنه ليسَ هُنالِك مِحنة أشَد مِن العَيش بَين العِراقيين كمُجتمَع، نَعَم كأفراد فيهم أناس طيّبون جداً، لكِنّهُم نُدرة وفي طَريقهم الى الإنقِراض! أما صَدام فلا خِلاف على كونِه مُجرِم، لأنّه إفراز حَقيقي لمُجتمَعِه، يَحمِل كل عُقدِه النفسِيّة وتناقُضاتِه الفِكرية وتشَوّهاته القِيَمِيّة، ولهذا نجَحَ في حُكمِه لأكثَر مِن ثلاثة عُقود.

كان صَدام إنعكاساً لشَعبه ومِرآة له، فإجرامه ورُعونته وجَشَعِه للسُلطة، هو إنعكاس لمَفاهيم ومَشاعر مُتجَذِّرة في المُجتمَع العراقي وتركيبة أفراده، لم يَكُن صَدام مُتفرداً بها. فأغلب العراقيين كانوا سَيَفعلون ما فََعَل ورُبما أفظَع، لو تَوَفّرَت لهُم فُرصُه وإمكانياته. بدليل ما حَصَل بعد2003، حين رأينا أصغَر موَظّف يَستقتِل على المَنصِب، وجَشَعه للمال لا حُدود له، ويُعَيّن وفق القَرابة بَدَل التخَصّص! كنا نتعَجّب كيف يُمكِن لشَخص أن يَفعَل ما فعَله صَدام مَع رفاقه وأصدقاءه في مَجزرة قاعة الخُلد، لكن ما عِشناه مع العراقيين فيما بَعد أثبت لنا أن قِيَم الزَمالة والصَداقة لدى العراقيين، إلا ما نَدَر، سَطحية ولا تصمُد أمام مَفاهيم أخرى كالطائفية والعُنصرية! ولا أظن أن هناك عِراقياً بمَحَل صَدام كان سَيَتوانى عَن فِعل ما فَعَله تجاه أبناء عُمومته وأزواج بَناته لو فَعلوا ما فَعَله حسين وصَدام كامل! أما الكويت فلا يوجَد عِراقي، إلا ما رَحِم رَبّي، لا يَطمَع بإبتلاعِها! فَرهود اليَهود، وقتل العائلة المالكة والتَمثيل بجُثثهم وإهداء أجزائها، وغيرَها مِن الفضائِع، لم يَفعلها صدام، بَل العراقي البَسيط الذي يَصِفونه بأبو الطيبة والغيرة، والعِراقي الشيوعي الذي يَدّعي الإنسانية، والمُتَديّن الذي يَدّعي التقوى!

تَصَوّر أن صَدام الذي قام بجَريمة الكويت، وعِزة الدوري الذي حَرّضَه عليها، إعتذَروا عَنها، وإعتبروها خطأً تأريخياً وجَريمة، في حين أن حَوالي ثلثي العراقيين مازالوا يَرونَها فِعل صائِب يَحلُمون بتكراره، لأنهم يُعانون هَلوَسة أن الكويت جُزء مِن وِرث أجدادهم! وتَخَيّل أن صَدام يَقول بإجتِماع مُغلق مُوَثّق رَأياً حَول القضية الكردية لا يَزال الى اللحظة مُتقدِّماً على أغلب العراقيين، بضِمنِهِم مَن يَحكُمون اليوم الذين كان الأكراد يَعتبرونَهُم حُلفائَهم ضِد صَدام! إذ قال بمَعرَض إجابَتِه على تعليقات رِفاقه حَول المَوقِف تِجاه القضِيّة الكُردية مِن قِبل العراق وتركيا وإيران: "نحنُ مُستَعِدّون لِبَحثِها الى أبعَد الحُدود، حَتى لو أرادوا أن يُصبِحوا دَولة ليَكُن، فلا يُمكِن أن تُجبِر أحَداً على العَيش مَعك خِلافاً لِرَغبته". مُشيراً لما واجَهَه مِن تَحَدّيات لإقناع رفاقه للإعتِراف بالأكراد كشَعَب، ومَنحِهِم حُكماً ذاتياً. في حين أن أغلب العِراقيين، ومِنهم مَن يَدّعون التمَدّن والإيمان بحَق المَرء بتقرير مَصيره، قامَت قيامَتهُم وقيامة أجدادهُم الذين عارَضوا تشكيل دَولة العراق الحَديثة، التي ساهَم الأكراد بتأسيسها، لمُجَرّد قيامهم بإستِفتاء غير مُلزِم حَول الإستقلال، ونَعَتوهُم بالإنفِصاليين والنِزِل، وطَعَنوا بوَطنيتهم ووَطنية مَن تَعاطَف مَعَهُم وإحتَرَم خَيارَهُم ولم يُصادِر رَأيَهُم! فمَن الأسوَء، صَدام أم هؤلاء؟

شَخص كان يَعتبِر العراقيين شَعب عَظيم، ويُرَدِّد هذه الجُملة على مَسامِعنا ليل نَهار، حَتى صَدّقها كثير مِن العراقيين، لأنه على الأغلب مؤمِن بها، فهو نَفسه كأغلب العِراقيين كان مُصاباً بداء العَظَمة، لذا سَعى لحٌكمِهم وتمَسّك به، وإن كان على جُثث رفاقه وأقرَب الناس له. هكذا شَخص لا بُد أنه كانت لدَيه طاقة تحَمّل غير عادية جَعَلته قادِراً على تحَمّل وحُكم شَعَب بمُجرد أن مُنِح له هامِش حُرية، إنفَلَت عِقال عَقله وضَميره، ففَرهَد دوائِره وقَتَل بَعضَه بَعضاً وباعَ بلادَه برُخص التُراب.

"جئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم" لم تكن مَقولة إعتبارية، بل تحَقّقت على أرض الواقِع. فحين أمسَك الأمريكان بَصَدام الذي أرّقهُم لعُقود، تعامَلوا مَعه بحِرَفية بَعيداً عَن روح الإنتِقام، ولو كان العِراقيون هُم مَن أمسَكوا به لقَطّعوه إرباً وسَحلوا جُثّته ومَثّلوا بها، كما فعَلوا بالوَصي والباشا وقاسم. وفي الوَقت الذي أرادَ له الأمريكان مُحاكمة قانونية، أرادَها العراقيون سَلق بَيض وصورية، فَساسة أحَد المُكوّنات أرادوا إعدامَه بأي شَكل، لذا لم يُعجبهم تعامُل بعض القُضاة مَعَه بحِرَفية، وإستبدَلوهُم بمَن حَقّقوا لهُم غايَتهُم. وحين صَدَر قرار إعدامه سارَعوا لتنفيذه بطريقة إستعراضِية هستيرية صَباح أوّل أيام العيدَ، بَعد أن رَوّجوا بأن الأمريكان بالتعاون مَع بَعض الساسة كانوا يَسعَون لتهريبه!

العِراقيون لم يَرتاحوا بتَحريرهم مِن صَدام، لأنه لم يَكن وَحدَه المُشكِلة التي كانت تؤَرِّق راحَتهُم، بَل هو جُزء مِنها، لأنه جُزء مِن العِراقيين الذين هُم كشَعَب لُب المُشكِلة. فهُم لا يَسعون للراحة والفَرَح والحَياة والسَلام، بل يَبحَثون عَن المَشاكِل والحُروب والحُزن والمَوت، ِشعارهم "المَوت لنا عادة وكرامَتنا مِن الله الشَهادة، ويَتَحَيّنون الفرصة لإحتلال هذه الدولة أو رَمي تلك في البَحَر، بَدَلاً مِن السَعي لحَياة مُرَفّهة كريمة. لِذا إنتَخَبوا بَعد رَحيله مَن ضاعَفوا بؤسَهُم، وحَوّلوهُم لِمُرتزقة في مليشيات يَسوقها خامِنئي عِبر غِلمانه كسُليماني. بالتالي صَدام هو مَن إرتاح بتَخليصِه مِن العراقيين، سَواء بالمَوت أو قبلها في السِجن، فالمَوت لِمِثلِه بكُل الأحوال راحة أبَدِيّة، حَتى لو ذَهَب إلى جَهَنّم، فجَهَنّم رَب العالمين قَد تكون أهوَن مِن جَهَنّم العراقيين، وحَتى السِجن الذي كان له فيه حَديقة يَجلس فيها ليفطر ويَقرأ الجَريدة ويُدخِّن سيجاره الذي كان يَجلبُه له الأمريكان بَعيداً عَن هَم وغَم العِراقيين، كان أرحَم له مِن حُكمِهم، وما كان ليَراه ولا حَتى في الحُلُم لو وَقَع بأيديهِم!

قد يُهاجِم البَعض المَقال، إذا قرَأه بسَطحِيّة، لأنه سَيَعتبره ترَحّماً على صَدام، رَغم ما فيه مِن نَقد له ولِعَهدِه، لكونِه يَنتقِدَهُم ويَنتقِد مُجتمعَهم ويُشَخِّص بَعضاً مِن أمراضه، ويُعَرّي مَن جائوا بَعدَه، الذين هُم كصَدّام أيضاً، أبناء وتربية هذا الشَعَب ويَحملون عُقد وأمراضَه بشَكل أكثر تجَذّراً وَوضوحاً مِن صَدام. لذا هُم أسوَء مِنه بكل المقاييس، فيهم إجرامه وتَرَيّفه لكن بأضعاف، وزادوا عليها بطائِفيّتهم وعُنصُريّتهم التي لم تكن لديه، رَغم أنّهُم يَرمونه بها، لكن نَحن مَن عِشنا عَصرَه، ولم نلمَسهُما فيه كما هي فيهم بشَكل صارِخ، وهُم لا يُنكرونَها. لذا قضوا على الحَد الأدنى مِن شَكل الدولة الذي كان في عَهدِه، لأنهُم لا يُؤمِنون بها كفِكرة، كما أن حُكم مُكوّنَهم الذي يَعلمون عُقدِه ويَعرفون كيف يُدغدِغونها ليَستَغفِلوه ويُسَيّروه كيفَما وأينما يُريدون، أسهَل مِن حُكم شَعَب مِن مُكوّنات مختلفة أو مُتنافرة. فيما حافَظ هو على هذا الحَد الأدنى مِن شَكل الدولة، ليسَ بالضَرورة حُباً بالعراق، بل لأنه أراد أن يَحكُم شَعباً مُتماسِكاً خَوفاً لا قناعة، ولو بالظاهِر ليَسهل التَحَكّم به.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طُرُق تحرير فلسطين التي تمُر بغَيرها ولا تؤدي إليها!
- محوَر الشَر وسياسة -ضَرَبني وبَكى، وسَبَقني وإشتكى-
- الموسيقار رخمانينوف.. وَجه روسيا المُشرِق الحَزين
- عنتريّات السوداني بإخراج الأمريكان صَدى لرَغَبات إيران
- طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟
- ماريا كالاس وأرسطو أوناسيس، ومِن الحُب ما قَتَل!
- إيران تُخطِّط وتُوَجِّه، والحوثي يُنَفِّذ ويَستَعرض
- بوتين وإستثماره في حَرب غزّة!
- رَحَل رايان أونيل تاركاً أروَع -قصة حُب- عَرَفها تأريخ السين ...
- ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة
- مليشيات إيران وسَعيها لتوريط العراق في حرب غزة
- مزاد مقاطعة المنتجات الغربية في الدول العربية والإسلامية
- حرب غزة.. الماريونيتات حَمساوية والأصابع إيرانية روسية
- لماذا تُكرِّر مَأساة الإمام الحسين نفسها عِراقياً؟
- -الحشد الشعبي- حصان طروادة الإيراني
- زيلنسكي الممثل الكوميدي الذي جعل بوتين يبدو أمامه كومبارساً
- قِمة التناقضات التي جَمَعت صَديق بوتين وعَدوّه في قاعة واحدة ...
- بوتين سيخسر معركة الأرض كما خسِر معركة الطاقة
- العراق بين براثن الإحتلال الإيراني في الذكرى العشرين للإحتلا ...
- مَضى عيد المرأة وعادت مجتمعاتنا السَقيمة لعادتها القديمة


المزيد.....




- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - جِئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم!