أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - ماريا كالاس وأرسطو أوناسيس، ومِن الحُب ما قَتَل!















المزيد.....

ماريا كالاس وأرسطو أوناسيس، ومِن الحُب ما قَتَل!


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 7849 - 2024 / 1 / 7 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


قبل حوالي قرن من الزمن، وتحديداً في الثاني من ديسمبر 1923، وُلِدت أسطورة الغناء الأوبرالي اليونانية ماريا كالاس في نيويورك، لأبوين يونانيين، وبدأت حياتها المهنية في اليونان عام 1951، لتُصبح بَعدها بسَنوات واحِدة من أعظم الأصوات الغنائية التي عرفتها البشرية على مَر التأريخ، ولكن لم يكن ذلك ممكناً قبل أن تفقد وزنها الذي كان يبلغ 105 إلى 55 كغم، لتقف أمام ملايين المشاهدين الذين كانوا يتسابقون لحضور حفلاتها في جميع أنحاء العالم.

في صيف عام1957، كانت ماريا كالاس أشهر مغنية أوبرا في العالم. صوت سوبرانو ساحر، تتنافس على دَعوتها أعظَم المَسارح ودور الأوبرا في العالم، لتُقَدِّم لا ترافياتا لفيردي أو توسكا لبوتشيني. كانت تعيش نجاحات متواصلة، حَوّلتها إلى نجمة ليس فقط على المسرح، بل على مستوى الحياة الإجتماعية ومُجتمع النخبة. كان آرسطو أوناسيس، الذي كان يُنادى بـ"آري" إمبراطور الشحن وأكبر مالك للسُفُن في اليونان والعالم، رجلاً عصامياً وُلِد فقيراً ثم أصبح مليارديراً بعد الحرب العالمية الثانية، عَن طريق شراء السُفُن وإعادة بيعها للأثرياء، مولعاً بالفنون، ومِنها الأوبرا، وقد سمع بكالاس، وحَضَر حفلاتها، وكان مُعجباً بها بشِدّة ويتمنى لقائها. قامت الصحفية إلسا ماكسويل بإقامة حفل لتعريف كالاس بأوناسيس. حَصل التعارف خلال الحفل بشكل طبيعي، ثم مضى كل الى سبيله، فكلاهما كانا متزوجان، وما كان يمكن أن يحدث شيء على الفور، ولكن بعد عامين، تفجّرَت مشاعِرَهُما الجيّاشة.

بعد اللقاء الأول، أصبحت كالاس هاجساً بالنسبة لأوناسيس، إذ بات يُلاحقها بإرسال الزهور والمجوهرات، وهي كانت لا تزال متزوجة مِن مدير أعمالها الثري جوفاني مينجيني، فقاومت في البداية، لكنها لم تصمُد ورفعت الراية البيضاء في صيف 1959. كان ذلك خلال دعوة أوناسيس لشخصيات مَعروفة إلى يَختِه الفاخِر "كريستينا"، حضَرتها هي وزوجها إضافة الى غريس كيلي والأمير رينيه وتشرشل. يومها إنكشفت العواطف الملتهبة التي كانت تعتلِج في قلبيهما، من خلال مواقف الغَزَل المُتكررة، فقد صَعدا الى القارب كزوجين، ليَنزِلا كعاشِقين. ألقَت ماريا بنفسها في هذه العلاقة بتهَوّر دون تفكير بتبعاتها ونهايتها، فإنفصلت عن زوجها، وألغَت بعض جولاتها العالمية، ولم تعُد تواظب على تمارين صَقل صوتها فتراجعت إمكانيتها الأدائية. أما أوناسيس فقد ملأ خزانتها بالملابس، وبيتها بالزهور، بل وإشترى لها جندولاً في البندقية، وشقة فارهة في باريس، وإندفع في البَدء بهذه العلاقة، وبات يتصَرّف كمُراهق عاشق، يتهَرّب معها مِن عدَسات التصوير التي كانت تُلاحقهم ليَسرقا بعض اللحظات الجميلة. لكن بَعد سَنوات بدأ يَنشغِل عنها، وإنقطعَت حتى باقات الزهور، ففي النهاية ما يُهمه هو أحلامه بالثراء والشهرة. كانت علاقتهما عاطفة غير عقلانية لا مستقبل لها، وكانت هي أكبر مُتضرر مِنها، خصوصاً بعد فقدانها لوَلدها منه، هوميروس، الذي وُلِد ميتاً عام 1960، وكان أملها الوحيد لإستمرار هذه العِلاقة.

في الستينيات بدأ صوتها يَنهار تدريجياً، بعد سنوات من إجهاد العمل، وأداء أدوار متنوعة بطبقات صوتية مختلفة، جَلبَت لها شهرة عالمية، ولكن أيضاً مَسيرة مهنية قصيرة. بعدها جائت الضربة القاضية التي تلقتها كالاس، حين فاجأ أوناسيس العالم بتركه لها للزواج من جاكلين كينيدي، ليس مِن أجل الحُب، بل لمصالح إقتصادية وإجتماعية، لم تكن كالاس لتحَقّقها له، فقد كان يَسعى حينها لتوسيع إمبراطوريته في الولايات المتحدة. بَعد إغتيال كينيدي، غادرت أرملته جاكلين أمريكا مع طفليها وإختارت العيش قُرب أوناسيس، وإنتهى الأمر بالزواج الذي كان يُخَطّط له الطرفان، فهو يَضمن لجاكي كما كانوا ينادونها، أسلوب حياة فاخر تعَوّدت عليه، بينما يضع أوناسيس بدائرة الضوء التي سَعى إليه بجانب أشهر إمرأة في العالم. كانت كالاس تأمل أن تكون السيدة أوناسيس، لكنه شَعر أن زواجه من جاكي سينفعه أكثر. حين علمت كالاس بزواجه عن طريق الصحافة عام1968 صُدِمت وفَقَدَت إرادتها لمواجهة الحياة، فضَعُف قلبها، وخَفُت صوتها، وباتت وحيدة في شقتها بباريس. لكن أوناسيس إكتشف مُتأخراً قيمتها في حياته كحُب صادق وحُضن دافيء يلجأ إليه حين يتعب أو يواجه مشكلة، فعاوَد الإتصال بها في شقتها في باريس، بعد أن تَوالت عليه ضربات القدر، أولاً بفقدانه لإبنه الوحيد مِن زوجته الأولى بحادث تحطم طائرة عام 1974، لَتلحق به أمه بعد عام بسَبب جرعة زائدة من الحبوب المُنومة، الى جانب تدهور علاقته بجاكي بسبب إنشغالها عنه بالحياة العامة، والتي كان يُخَطّط للإنفصال عنها، لكن وفاته حالت دون إكتمال الطلاق.

يمكن تلخيص قصة حُب آرسطو أوناسيس وماريا كالاس، بأنها تراجيديا يونانية حديثة، تُمَثل إمتداداً لتراجيديات التأريخ اليوناني المَعروفة، فهي علاقة تراجيدية ورابطة مُعذّبة إستمرت لِعَشر سنوات، تخلّلها بعض السعادة والجُموح، إلا أنها إنتهت بفناء مُزدَوج للعاشقين، بسَبب الغرور والتعطش للجاه والسُلطة مِن ناحية أوناسيس، وبسَبب الحاجة الماسّة للحُب من ناحية كالاس. طريقتان مختلفتان للعيش، وثُنائي كان يبدو مُنسَجِماً لكنه هَش، حَطمه زواج آري المفاجيء مِن جاكي. إلا أن أوناسيس لم يتوقف أبداً عن حب كالاس، ومحاولة رؤيتها سِراً حتى بعد الزواج. وعلى غرار نهايات أغلب أساطير التراجيديا اليونانية، لم تكن نهاية العاشقين سعيدة. فبَعد رحيل إبنه تدهورت حالة أوناسيس الصحية وبدأ يعاني مِن مَرض مُزمن، وقبل وفاته أصَر أن يُعالَج في باريس قُرب حُبّه الوحيد، رغم أن الأطباء نصحوه بالذهاب لأمريكا. زارَته ماريا في المستشفى عِدّة مرات حتى وفاته عام 1975 وهو يَحتضِن شالاً أحمر أهدته إياه! بَعد رحيله بعامين، وبَعد تخليها عن حياتها المهنية من أجل حُب لم يكتب له النجاح، ماتت ماريا كالاس صاحبة أعظم صوت في القرن الماضي، وهي تعاني من الاكتئاب وفقدان الشهية، وحيدة بمُفردها بنوبة قلبية، عَن عُمر ناهَز 53 عاماً في باريس في 16 سبتمبر1977.

كفنانة لا تزال ماريا كالاس تعتبر مغنية ومُمَثِّلة أوبرا لا مثيل لها الى يومنا هذا، أعادت تعريف الـ "بيل كانتو"، وأعادت المصداقية لأدوار الأوبرات التي كانت تقدمها. فقد أخَذَت فنّها على مَحمَل الجد، وعاشت شخصياته وجَسّدتها بشكل رائع. رغم عُمرها القصير ورحيلها قبل ما يقرب النصف قرن، ما تزال كالاس إيقونة خالدة تشغل العالم في مئوية مولدها. فهي كشَخصية خيالية لا تزال على قيد الحياة، وإسمها لا زال يجذب الزبائن لزيارة الأماكن التي عاشت فيها وإرتادتها، ويُلهِم الكتاب والمخرجين والنُقّاد لتناول حياتها بإستمرار في الروايات والأفلام والمَسرحيات والإعلانات! فخلال زيارتي لمدينة سِرميوني، إحدى مدن بُحيرة غاردا الإيطالية، وأثناء تجوالي بشوارعها الجميلة، صادَفت مركز إستجمام للمياه الحرارية، وعِند مدخله لافتة كبيرة رُسِمَت عليها صورة لكالاس، والى جانبها عبارة "كالاس دائماً كالاس"، وكُتِب تحتها " في قاعة المركز توجد ملابس ومجوهرات تعود للديفا"، وعند دخولي لقاعة المركز حيث الإستعلامات، وقفت لأتأمل عارِضة من الزجاج، وُضِعَت فيها مجوهراتها وثلاث مِن بدَلاتها التي كانت ترتديها في أوبراتها. وعلى بعد بضع دقائق مِن المركز هناك فيلا كبيرة تُطِل على بحيرة غاردا، كانت كالاس تقصدها في فترة الخمسينيات مع زوجها آنذاك جيوفاني مينيجيني، سَعياً للسَكينة والسلام، بعيداً عن صَخَب الشهرة وأضوائها، تحوّلت اليوم الى فندق فخم.

أما كإنسانة فقد كانت حياة ماريا كالاس قريبة مِن بعض شَخصيات الأوبرات التي كانت تؤديها على المَسرح. طفولة غير سعيدة تحت سُلطة والدتها، زواج يفتقد للحُب، شهرة عالمية، صِراع مع المُخرجين والصَحافة، الى جانب علاقتها الشائِكة مع أوناسيس. حياة قصيرة، لكن حافلة بالحُب والمأساة، والألق والإنهيار. لذا رَغم ما أحيطت به حياتها من قصص، فيها مِن الواقع ومِن الخيال، نقلاً عن عائلتها أو أشخاص عاصروها، إلا أننا نبقى مَسحورون بألقها، الذي كان يَجمَع.. بين ألوهية صَوتها الذي إستحَقّت عليه لقب الديفا، أي آلهة الغناء، مع عيونها الكبيرة المؤطّرة بالكحل، وأناقة أزيائها.. وبين الضُعف الإنساني، الذي كان يَظهَر في شخصيتها. بل وبقيَت الأساطير تلاحقها حتى بعد وفاتها. إذ يقال بأن رمادها سُرِق مِن مَقبرة بير لاشيز في باريس، وبَعد الإبلاغ عَن السرقة عادَت الجَرّة للظهور بنفس المكان! لذا حاوَل فيلم السيرة الذاتية "ماريا" للمخرج بابلو لارين، الذي أُنتِج مؤخراً بمُناسبة مئوية مولدها، وتقوم ببطولته النجمة أنجلينا جولي، أن يَبذل جُهداً للتمييز بين الواقع والخيال، وبين الحقيقة والأسطورة، في حياة كالاس.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران تُخطِّط وتُوَجِّه، والحوثي يُنَفِّذ ويَستَعرض
- بوتين وإستثماره في حَرب غزّة!
- رَحَل رايان أونيل تاركاً أروَع -قصة حُب- عَرَفها تأريخ السين ...
- ألمانيا في مواجهة تحديات حَرب غزة
- مليشيات إيران وسَعيها لتوريط العراق في حرب غزة
- مزاد مقاطعة المنتجات الغربية في الدول العربية والإسلامية
- حرب غزة.. الماريونيتات حَمساوية والأصابع إيرانية روسية
- لماذا تُكرِّر مَأساة الإمام الحسين نفسها عِراقياً؟
- -الحشد الشعبي- حصان طروادة الإيراني
- زيلنسكي الممثل الكوميدي الذي جعل بوتين يبدو أمامه كومبارساً
- قِمة التناقضات التي جَمَعت صَديق بوتين وعَدوّه في قاعة واحدة ...
- بوتين سيخسر معركة الأرض كما خسِر معركة الطاقة
- العراق بين براثن الإحتلال الإيراني في الذكرى العشرين للإحتلا ...
- مَضى عيد المرأة وعادت مجتمعاتنا السَقيمة لعادتها القديمة
- بوتين أمِن العقاب في جورجيا والقرم فأساء الأدب في أوكرانيا
- عام مِن الفشل الروسي في أوكرانيا
- عراق الأمس يَد تبني ويَد تزرع وعراق اليوم يَد تَقتُل ويَد تَ ...
- لقد فَقَع العراقيون في وَخ خليجي 25 الذي حَذّرنا منه!
- الأخضر السعودي فريق واعد يمضي نحو النجومية
- رئيس وزراء ملاك وسوبرمان، الصورة التي أفشَلت حَراك تشرين


المزيد.....




- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - ماريا كالاس وأرسطو أوناسيس، ومِن الحُب ما قَتَل!