أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب علي العطّار - أنا السَّاخرَ مِنْ أَنَاهُ














المزيد.....

أنا السَّاخرَ مِنْ أَنَاهُ


نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)


الحوار المتمدن-العدد: 7938 - 2024 / 4 / 5 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


وَسْطَ هذا الكَمِّ المَهولِ مِنَ القَتلِ تُسائِلُنا ذَوَاتُنا، وذَواتُ غَيْرِنا، المُساءلةَ نَفسَها التي تُقامُ كُلَّما نَزَلتْ بِأُمَّةٍ إحدى النَّازِلاتِ الثَّقيلِ نُزُولُها بِنا والطَّويلِ مكُوثُها فينا: «أَنَّى لَنَا، وَسْطَ كُلِّ هذا القَتلِ، أَنْ نَجِدَ سَبيلًا لأنْ نَسْخَرَ؟!». لستُ أَعْتِبُ على المُسَائِلِ في مُساءَلَتِه، إذْ ليسَ لي، أنا السَّاخرَ مِنْ أَناهُ، أنْ أَعتِبَ أبدًا، فالعَتَبُ مِنْ سُنَنِ الآخِذينَ الدُّنيا بِجِدٍّ هوَ أقربُ إلى الهَزْلِ لِشِدَّةِ جِدِّيَّتِه. بيدَ أنِّي أجِدُ في نَفسي حَرَجًا مِنْ أَنْ أكونَ ساخِرًا إلى هذا الحدِّ فلا أجِدُ بُدًّا مِنْ إعادةِ تبريرِ سُخريتَي، لنَفسي، تبريرًا مَهما بَلَغَ في قُبْحِه يبقى أَقَلَّ قُبحًا مِنَ «الذنب»، فأقولُ وأنا بكاملِ سُخريَتي:

بل لأنَّنا في وَسْطِ هذا الكَمِّ المَهولِ مِنَ القَتلِ نَسْخَرُ! نَسْخَرُ مِمَّا حولَنا ومِمَّا في أَنفُسِنا؛ مِنْ حياتِنا وموتِنا؛ مِنْ ماضينا ومُستقبلِنا؛ مِنْ طُغاتِنا وأعدائنا؛ مِنْ إرادَتِنا وقَدَرِنا، بل مِنَ الإرادةِ والقَدَرِ أحيانًا؛ مِنَ الإنسانِ والشَّيطانِ؛ مِنَ الجِدِّ والهَزْلِ؛ مِنَ الحُبِّ واللَّامُبالاة؛ مِنَ الرَّحمةِ والكراهيةِ؛ مِنَ المَشاعرِ والأفكارِ؛ مِنَ السُّخْرِيَةِ نَفسِها؛ نَسْخَرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ تقريبًا، وعلى وَجْهِ الخُصوصِ مِنْ كُلِّ هذه الثُّنائيَّاتِ التي تُشكِّلُ رُوحيَّةَ الحياةِ خاصَّتِنا، لأنَّ الذي صِرنا إليه هو واقعٌ أَقصوِيٌّ في أُحادِيَّتِهِ لا مكانَ فيه لِما يُشكِّلُ مَثنويَّةً مَعَهُ؛ واقعٌ هو أقصى وأقسى ما يُمكنُ أنْ نَكُونَه، مِنْ حيثُ أنَّنا حَشْدٌ غَفيرٌ مِنْ بَني «الإنسان». كأنَّ السُّخرِيَةَ صارتْ سَبيلَنا الوَحيدَةَ للتَّفاعُلِ معَ الكارثةِ في حَضرَةِ عَجْزِنا المَهولِ الذي يَعْدِلُ في كارِثِيَّتِه الكَارثَةَ نَفسَها.

الأمرُ يُشبِه العَزْفَ في الجَنائزِ والحَديثَ إلى المَوتى؛ يُشبِهُ الكِتابةَ، الشِّعرَ، الرَّسْمَ، التَّصويرَ الفوتوغرافيَّ، الأفلامَ التَّاريخيَّةَ، وغَيرِ هذا مِنْ أنواعِ الفَنِّ التي تُبقي لَنَا مِساحةً واسعةً للتَّصَرُّفِ بالواقعِ كما نَتَخيَّلُه! بلى، ليسَ كما نراهُ، بل كما نَتَخيَّلَهُ. كُلُّ هذا محاولةٌ مِنَ الرُّوحِ فينا لتُعبِّرَ عَنْ أَبَدِيَّتِها؛ عَنْ آلامِها وآمالِها؛ عَنْ حقيقتِها المَسجونةِ خلفَ الوَهْمِ. وفي سبيلِ مُحاولةٍ جديرةٍ كهذه لا تَجِدُ الرُّوحُ مِنْ حَرَجٍ في تَكليفِ الجَسَدِ فَوْقَ وُسْعِه في كِفاحٍ دائمٍ للهَرَبِ مِنَ الفَنَاءِ؛ كِفاحٍ لا ننتصرُ فيه إلَّا حينَ نموتُ ويَبقى كِفاحُنا، لا لشيءٍ إلَّا لأنَّ الفَوْزَ والهَزيمةَ لا يَتِمُّ وجودُهُما قبلَ انتهاءِ اللُّعبة. هكذا هي سُخريَّتُنا مِنْ ذواتِنا وما يَتَعلَّقُ بها؛ هي سبيلُنا الوَحيدةُ لنَبقى؛ لِنَمضي في طَريقٍ كُلُّنا يَعرفُ أنَّ المُضِيَّ فيها عَمَلٌ شاقٌّ عَليْنا لأنَّها طَريقُ البَقاءِ على قَيْدِ الحَياةِ لا على قَيْدِ العَيْشِ. نَسْخَرُ لأنَّنا عاجزونَ عَنْ أيِّ عَمَلٍ مُضادٍّ لكُلِّ ما يُرتَكَبُ فينا مِنْ مَقَاتِلَ في كَرْنَفالِ الجُنونِ الدَّموَيِّ الذي تُقيمُه، على أشلائنا، حِفْنَتَانِ حَقيرَتانِ مِنَ المُجرِمينَ الذين يَتصارعونَ «مِنْ أَجْلِنا» وبِنا وعَلَيْنا في آنٍ واحدٍ. هذا الكَرنَفالُ الذي لا يُحِبُّ إلَّا دَمَنا ورائحةَ أجسادِنا المُحترِقَةِ بالزِّفتِ والنَّفْطِ. أَسْتَغْفِرُ الحقيقةَ؛ ليسَ الكَرنفالُ مَنْ يُحِبُّ هذا، بل أولئكَ المُجرِمونَ الذين لا نُحِبُّ أنْ نَتْرُكَ حَيِّزًا ضَئِيلًا دونَ أَنْ نُمطِرَهُم فيه بأَفتِكِ أسلحتِنا، نحنُ العاجزينَ، وأَمضَاها قَتلًا لَهم ولنا على حدٍّ سَواءٌ؛ إنَّها السُّخرِيَةُ، سُخرِيَّتُنا مِنْهُم ومِنَّا!

أَشْعُرُ أنَّني أعيشُ في مَسْلَخٍ للُّحومِ البَشَرِيَّةِ؛ أُراقِبُ مَنْ يُذَبَّحُ مِنْ «إخْوَتي» وأَنتَظِرُ دَوْري! لَكنِّي مِنْ فَرْطِ عَجزي عن أيِّ شيءٍ قد يُفعَلُ إزاءَ ذلكَ أجِدُني أسْخَرُ مِنَ القَتْلِ والقتَّالِ إلى الحَدِّ الذي أُشْفِقُ فيه على قَاتِلي لِفَرْطِ جِدِّيَّتِه؛ مِسكينٌ أنتَ يا قاتِلي، أكُلُّ هذا الجِدِّ مِنْ أَجْلِ قَتْلِي؟! لو أنَّكَ، يا مِسكينُ، وَظَّفْتَ جِدَّكَ هذا في الدِّعايةِ والدَّعوةِ إلى الإنتحارِ لكُنتُ انتحرتُ وكَفَيْتُكَ جُهْدَ قَتلي. أما تَدْري أنِّي عَرَبيٌّ مُنذُ أكثرَ مِنْ مِئةِ سَنَة؟! على أيِّ حالٍ؛ أَجَادٌّ أنتَ في قَتْلِكَ أم أنَّكَ قاتِلٌ في جِدِّيَّتِكَ؟!

السُّخْرِيَةُ مِنَ الكارثةِ، الواقعةِ أو المُتوقَّعةِ، تُشعرُنا بأنَّنا أقوى مِنها، أو على وَجْهِ الدِّقَّةِ تُشْعِرُنا بأنَّ الذي نَسخَرُ مِنه أَضعَفُ مِنَّا، فنُعوِّضُ بذلكَ عَنْ النَّقْصِ المُتولِّدِ مِنْ عَجْزِنا. لكنَّ البائسَ في الأمر أنَّنا في حالةِ سُخريةٍ دائمةٍ إذْ يُولدُ أحدُنا ساخِرًا ويَموتُ ساخِرًا ويُقْبَرُ في حَشْدٍ يَضِجُّ بالسَّاخِرينَ مِنَ المَوْتِ، وأحيانًا مِنَ المَيِّتِ!

ما هذا الجُنونُ؟! ما هذه الأمَّةُ السَّاخرةُ مِنْ كوارثِها؟! مَتى نُدركُ أنَّ تَبريرَ سُخْرِيَةِ الأُمَّةِ مِنْ آلامِها وَهْمٌ قَتَّالٌ؛ قاتلٌ مِنْ نوعٍ خاصٍّ جِدًّا؛ قاتلٌ يُخدِّرُ القَتيلَ حتَّى يَنامَ ثُمَّ يَقتلُه على مَهْلٍ. لِماذا نأخذُ كُلَّ شيءٍ ساخرين به ومِنْه؟! مَتى نَعي أنَّ السُّخريةَ مِنَ الكَوارثِ التي كُرِثْنا بها ليستْ دَالَّةً على عَجْزِنا وحسب، بل أيضًا على وَعْدٍ مُرعبٍ بطُولِ العَجزِ واستحكامِه فينا؟! أليسَ يَكْفِينا أنَّنا تَحوَّلْنَا مِنْ أُمَّةٍ ساخرةٍ إلى أُمَّةٍ مَسخورٍ مِنْها؟!

أظنُّ أنِّي نسيتُ تَعريفَ ما أقصِدُه مِنَ السُّخريَةِ!يا لَلسُّخرِيَة! في الحالِ التي صِرنا إليها اليومَ لا أظنُّ أنَّ السُّخْرِيَةَ تَعني سوى لامُبالاتِنا وحِيادِنا تِجاهَ أزماتِنا؛ إذَّاكَ تُصبِحُ السُّخريَةُ هذه جريمَتَنا التي لا نَتَرَدَّدُ في ارتكابِها ساخِرين مِنْها ومِنَّا.



#نجيب_علي_العطّار (هاشتاغ)       Najib_Ali_Al_Attar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بَينَ الوَهْمِ والحُلْمِ
- على أيِّ سَبيلٍ نَطغى؟!
- جريمةُ أنْ نَعتاد
- اللهُ يَكفرُ بنفسِه
- قتيلٌ يَرثي نفسَه
- مَثالبُ الحَياةِ في حضرةِ القَتل
- مَوْتانِ وحياةٌ واحدة
- «آيديولوجيا الغَد» عندَ علي شريعتي
- تَفجير 4 آب: بين الذِّكرى والقَضيَّة
- عُذرًا حُسَيْنُ
- الكتابةُ: بينَ الكَباريْه والدَّبكة
- قُرآنُ السَّيْفِ أم سَيْفُ القُرآن؟ (1)
- ما لم تَسمعْه ليلى
- عائدٌ إلى «الضَّاحية»
- أديانُ الإسلام
- دِيكتاتورِيَّةُ البُؤس
- مِفصليَّةُ الإعلان عن الإندماج النُّووي
- رَبيعُ تِهران
- مأساةُ الحِمار العَربيّ
- سيمفونيّة الإرهاب


المزيد.....




- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- المقاطعة، من ردّة الفعل إلى ثقافة التعوّد، سلاحنا الشعبي في ...
- لوحة فنية قابلة للأكل...زائر يتناول -الموزة المليونية- للفنا ...
- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجيب علي العطّار - أنا السَّاخرَ مِنْ أَنَاهُ