أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - فلسفة المشاغبة عند القاص كاظم حسوني















المزيد.....

فلسفة المشاغبة عند القاص كاظم حسوني


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7930 - 2024 / 3 / 28 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


أولا: مدخل
إذا قرأت أي عمل إبداعي، فأعجبك وأثار فيك روح التمرّد، وحس السمو، وشعرت في داخلك بتوهج الحماس، لإعادة ذلك العمل، بقراءته مرة وأخرى، وطفقت تتأمل في معانيه وإيقاع فلسفته، فتيقنت بأنّ العمل هذا يقف من ورائه، قامة فذة في سوح الابداع. فلا شكّ بأن العمل هذا يخضع إلى ثلاثة معايير لا رابع لها.
1- الحبكة الجزيلة.
2- السّرد واختيار الموضوع.
3- اللغة الرصينة.
أ‌- الحبكة الجزيلة: حيث يجب على الكاتب أن يَحبك عمله الابداعي، عن دراية ومعرفة، وخبرة عالية في هذا الخضم، وكذلك سبر غوره وإيضاح أبعاده، قبل الخوض في التفاصيل، وأن يدقق في كل كلمة، وحرف، ومعنى، لكي لا يترك فجوة، أو مزغل يدخل من خلاله أي شائبة، وبالتالي، إن فعل ذلك، لا يترك أي أثر للمزاجية والانتقاد.
ب‌- السّرد واختيار الموضوع: والسرد مهم جدا في لملمة الموضوع، وايصال الصورة المطلوبة، بجُمل وكلمات منتقاة ينتقيها الكاتب بعناية فائقة، بلا زيادة ولا نقصان، وأما اختيار الموضوع، فهو الآخر مهم، بل مهم جدا، فكلما كان الموضوع (موضوع الرواية أم القصة) دقيقا وغير مطروق، وذا أبعاد ثلاثة – على أقل تقدير – اجتماعية، فلسفية نفسية، سياسية تاريخية، فضلا عن ذلك أن يعبّر عنها بالرمز، لأنّ الرمز طابع مهم جدا في العمل الابداعي (الروائي والقصصي) ففيه يستطيع الكاتب أن يتحرك داخل فسعة كبيرة، من التعبير برمزية، تعطيه الحرية كاملة ليفضي بما يجول في داخله، من شجن وبوح، وهو لا يخاف عاقبة الامور.
ت‌- واللغة الرصينة مطلوبة في أي عمل ابداعي – أدبي فلسفي – وغير ذلك من الكتابات الأخرى. لأنّ الرصانة تعتبر هي سلاح الكاتب، وبها نعرف ثقافته، من عدمها وأنه فعلا كاتبا مرموق، تتجلى فيه روح المشاغبة، لأنّ الكاتب إنسان مشاغب، ولولا هذه المشاغبة لا نستطيع أن نقول بأن الكاتب كاتبا، فالخائف، والمتردد، والسطحي، لا يستحق أن يحصل على هذه المرتبة السامية، في فلسفة الحياة.
ثانيا: إين القاص من ذلك؟
وفي هذه الدراسة التي خصصناها للقاص كاظم حسوني، وتحديدا في قصته هذه، على وجه الخصوص، وإلّا فأن القاص حسوني له أعمال قصصية كثيرة، وأما اختيارنا لهذه القصة بالذات، فقد جاء الاختيار فجأة وبلا مقدمات.
وعندما سقنا المدخل بما قلنا، فنحن نعي ما نريد طرحه، في هذه الدراسة القصيرة، ونرى أن ما فلسفناه ينطبق على الكاتب، ولا ندعي ذلك ادعاءً، أو التفاف على الحقيقة وليّ عنقها، والذي قرأ للكاتب حسوني، بلا شك سيشاطرنا الرأي، لأنّه قاص مبدع، مبتكر، تتجلى فيه روح المشاغبة التي جعلناها صفة هامة في صفات الكاتب الناجح، وكتاباته القصصية لها سمات، نعتقد هي مختلفة عما يكتب أقرانه من المبدعين في الفن القصصي تحديدا، وتمتاز بحبكة يجيد حسوني رسم معانيها بحرفية عالية.
ثالثا: محاولة في تفكيك الرمز
قلنا أن قصة "خداع الملائكة" للقاص كاظم حسوني، هذه التي نحاول الآن دراستها، والغور في عمق أبعادها السيكولوجية، قلنا أنّه يسودها طابع الرمز، كمعظم القصص التي ابدعها حسوني، وهي كثيرة كما هو معلوم، إذ لعب الكاتب على سرديات التاريخ، وغاص في بحوره المتلاطمة الامواج، وأخذ فذلكة من فذلكاته فصاغها برمزية هي غاية في الدّقة، وروح المغامرة الفذة، فعبّر عنها في سردية النص "هذا ختان الملائكة". فبطل القصة كان طفلا رأى ما يراه النائم، بأنه رأى الملائكة قاموا بعملية ختانه، وذهب يباهي أقرانه بذلك الفعل الذي هو أشبه بالمعجز؛ لكن حين صحوه أنصدم بالحقيقة التي هي أكبر دامغ يدمغ التخيلات والاوهام، وأضغاث الأحلام والتي دائما ما نقع في شباكها.
يريد الكتب أن يقول: إن قضية مثل هذه لا يمكن أن تحدث على أرض الواقع، كونها من الغيبيات التي يستهجنها الواقع، ولا يمكن أن تصمد أمامه، ولو للحظة واحدة، وهناك علم وهذا العلم لا يقبل القضايا الميتافيزيقية، التي لا نستطيع أن نثبت صحتها من عدمها مهما بلغنا في التحليل من شيء.
رابعًا: النص
خداع الملائكة: قصة قصيرة
في الثامنة من عمره كان مأسورًا بحلم هبوط الملائكة في ليلة القدر!! حلمه اللذيذ الذي راح يراوده ويقض مضجعه أكثر باقتراب ليلة القدر! وهو يغذّي عقله الصغير بصورهم التي تخيّلها بشتى الأشكال، خاصة في الآونة الاخيرة. ففي الأعوام التي مضت كان يتألم حين يسرقه النوم عنوة قبل قدومهم مع بزوغ الفجر! لكن هذه المرة عقد عزمه باصرار كبير، وهو يتخيّل نزول الملائكة التي ستهبط إلى الأرض مع عتمة الفجر.. لذا راح يعد الأيام بفارغ الصبر بانتظار حلول هذه الليلة العجيبة، مستحضرًا كلّ ما سمعَ ممّا قاله الكبار من إن الملائكة لهم حفيف كالرياح، وقد يحلّون مثل السحب والضباب، أو يمرّون بخفّة النسيم بإيقاع خفيف ناعم. لا يمكن الشعور بوجودهم، ولا يمكن أن يحسّ بهم أحد، وهم يدخلون البيوت أو يخترقون الزجاج والأبواب والشبابيك، أو يتسلّلون حتى عبر الثقوب، يحلّون في فناء المساجد ربما أو في بعض منازل الفقراء عند غسق الفجر وحمرة السماء.. يتذكّر ما قالته له أمه ذات يوم إن الملائكة ليس لها قوام أو ملامح خاصة، ويتعذّر أن يراهم أو يشعر بهم أحد؟ وأسرّت له أن لهم رائحة كالزنبق أو الحرير أو الثياب البيض. ولا يمكن أن يجذبهم شيء إلى الإنسان إلّا نور قلبه! فتحيّر آنذاك عقله الصغير، وتاقت روحه لأن يعيش خلوته في هذه الليلة. سيتنحى ويتخذ له زاوية في فناء المسجد القريب من بيتهم. سيسند ظهره للجدار إلى الفجر ويتهجّد بورع حتى يشع النور من قلبه ويملأ فناء المسجد!! عندئذ سيرونه حتمًا ويقتربون منه، فالملائكة تهوى الأطفال أكثر من الكبار!! سيقولون له هذا يكفي، عندئذ سيتحوّل إلى طائر بذيل أزرق!! سيحلّق معهم، يسبح في السماء وهو يودّع بيته الذي يضجر منه. يلوّح لآخر مرة لرفاقه الصغار.. كلّ هذا كان يخطر في ذهنه قبل أن يفيق من غمرة ذلك على صوت أذان الفجر... فغادر إلى منزله دافعًا خطاه بعجالة... كانت السماء رماديّة ماطرة في الخارج. وفي الطريق توقّف تحت المطر وراح ينقب في جسده عن آثار الملائكة!! وقد شعر بوخزة في عضوه؟ ولما رفع ثوبه وجده بلا قلفة!!! شهق من الفرح، وصاح بدهشة (هذا ختان الملائكة) الذي سمع عنه من أفواه النسوة من معارفه ذات مساء بعيد!! فأسرع بخطوه إلى البيت رافعًا ثوبه المبلّل قابضًا عليه بأسنانه!! ليدخل مزهوًّا بثوبه المرفوع، فاحتضنته أمه التي كانت تنتظره وهي تبتسم له وتغمغم. لكن سرعان ما غاضت فرحته حين راح معها يتطلع إلى وسطه وهو يرى عضوه قد عادت قلفته إلى مكانها!! إذّاك أخرسته الخيبة، شلّه وأغرقه الخجل وهو غير مصدق خداع الملائكة!!



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سردية عادل المعموري التي أنصفت المرأة
- القاص كامل الدلفي في (ذاكرة الطباشير)
- النسق السّردي في (أبواق صاخبة) للقاص حسين الرفاعي
- الرمزية والبناء القصصي عند الكاتبة فوز حمزة
- في قصته (دعابل) رياض داخل يهتك أسرار الطفولة
- الرمزية في (تداعيات) الشاعر واثق الجلبي
- تعاطي البوح في نص (ستكون معي) للشاعر حميد الساعدي
- الرمزية الباذخة في نص (وحدهم يعبرون الجسر) للشاعر التونسي ال ...
- تجلي المعاني السامية في نصوص الأديب صابر المعارج
- التمنيّ (في مدينة السلام) نص باسمة العوام
- مصاحبة الذوق بهتك الانفعال في (ذاكرة بين ضفاف دجلة) للقاص كر ...
- حول تقرير كريم جبار الناصري
- الناقد والقاص علي عبد الرضا
- المعنى والرمز في نص(يوم في العاصمة) للشاعر علاء سعود الدليمي
- قصة (آنو) للكاتب علي عبد الرضا: أصل الشرور وفساد الآلهة
- (خيانات متجدّدة) يدفع فاتورتها الشاعر خضير الزبيدي قراءة تأو ...
- (الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير
- الإنسان المسحوق في (يوميات قميص) للقاص كامل الدلفي
- مكلبون داود السلمان والنجاة من الحرب بأعحوبة
- (غواية حلم) للشاعر عدنان جمعة تلاقح المنعى بالوضوح


المزيد.....




- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - فلسفة المشاغبة عند القاص كاظم حسوني