أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - مصاحبة الذوق بهتك الانفعال في (ذاكرة بين ضفاف دجلة) للقاص كريم جبار الناصري














المزيد.....

مصاحبة الذوق بهتك الانفعال في (ذاكرة بين ضفاف دجلة) للقاص كريم جبار الناصري


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7878 - 2024 / 2 / 5 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


الإنسان حينما يرحل عن مدينته، التي وُلد وترعرع فيها، تبقى نار الحنين مستعرة بين جوانحه، لتلك المدينة الصاخبة بالذكريات، وكلما يتذكر أيام طفولته الأولى، وريعان شبابه وسط اترابه الذين قضى معهم، سني طفولته بلذة لا تشوبها شوائب الحزن والأسى، ولا الكدر والشجن. تلك الحياة بكل تفاصيلها، فهو يلهو ويمرح غير مدرك لما يخطط له القدر، ولم يخطر بباله، في يوم من الأيام، إنّه سيرحل عن ذلك المكان الذي قضى فيه أجمل أيامه وألذ ساعاته، واتخذ طريق أللاعودة مستقرًا له. لكن للدنيا تقلباتها وللقدر المفاجئات التي يفاجأ بها المرؤ، حيث تحدث له متقلبات لم تكن له بالحسبان؛ وهذا هو طابع الحياة وديدنها.
خصوصًا لو عاش الإنسان هذا في قرية نائية، بعيدًا عن المدينة وضجيجها المُفتعل، أي لو عاش في قرية تضجّ بالخضرة والزراعة والمياه العذبة والهواء العليل، وكل ما هو جميل في ظل أجواء غير ملوثة بدخان المدن، وزحاماتها التي تكدر النفس، وانما في أجواء منعشة تشرح النفس، وتسر الخاطر بجمالها وروعتها.
وإذن، فضلا عن كل ذلك، الإنسان دائما ما يحن الى المكان الذي وُلد وعاش فيه، وهذه الخصلة اختص بها الانسان وحده، لا تخص غيره من بقية المخلوقات الأخرى. الكيان هذا المخلوق العجيب المسمى بـ "إنسان" الذي هو أكثر المخلوقات حاسة وتحسسا، بالأماكن التي شمّ عبيرها واستنشق أجواءها؛ وإذا ما برحها سيصاب بخيبات الأمل، وخسارة فادحة تظل مصاحبة له بقية حياته، لا يردم هوّتها إلّا الموت.
القاص كريم جبار الناصري، صوّر لنا في هذا القصة صورة مركبة، من الأسى والسرور، من السرور والمرح، وصبها في قالب متين تكسوه المتعة الذهنية، بحيث وأنت تقرأه تشعر بجمالية أخاذة، سواه في رص الجُمل واختيار المفردات، بدقة وعناية، أو بالسردية غير المملة والتي قد تصيب القارئ بنوع من السأم، لولا حذاقة الكاتب باختيار تلك المعاني بحرفية عالية، تدل على باع طويل، وخبرة عالية بالخوض في مجال كتابة القصة، وأنّه متمكن من ادواته في الصياغة لرسم الجمال، الذوقي والفني. فالجُمل نجدها متراصة متماسكة، بما هو مقدّر للكاتب الفطن الواثق من نفسه في خوض غمار الابداع، بثقة وشجاعة عاليتين.
يرى الكاتب والناقد محمد يونس إنّ: "القصة القصيرة نفس اجتماعي بمذاق ادبي، فإن ازحت النفس توقفت رئة النص، وإذا ابعدت المذاق فقدت التمييز". وإذا أردنا إن نطبق هذه المقولة الجزيلة على قصة كريم جبار الناصري، تطبيقا عمليا وفق هذا الشرط، من كون القصة مذاقا أدبيا، يمتاز بنفس – حية واعية -يخرج من رئة النص، وبتوقفه أو ازاحته يفقد المذاق تميزه؛ فأكيد النص سيموت، وبموته لم يبق للذوق معنى يرتكز عليه.
ومن وجهة نظري البسيطة، أرى إنّ القصة هذه الموسومة بـ "ذاكرة بين ضفاف دجلة" لم تفقد الشرط الذي حدّده الكاتب محمد يونس؛ فالذي يمعن النظر بسردية القصة، وبشكلها الفني وايقاعها التصويري، سيرى، وبأم عينه، ما ندعيه من كلام آنف الذكر، بوصف القصة أنها متماسكة بإيقاعها، وبنائها السردي والجمالي، وأعتقد إنّه سيشاطرني الرأي، بعيدًا عن التحيز أو الميل يمينا وشمالا.
نص القصة:
اخترقته الرزايا حين وطأة قدماه شوارع المدينة بعد أمنيات مبهرة لأبن الريف، مدينة ذات وجوه متشابهة النظرات والمتوسمة بملامح عوالم السرمدية. كان له سفر مجنون لغربة لا يعرف مداها لعله يطوي صفحة من ليال معتمة لماض قريب، أو نسيان لوعة مرت به. سفر أراد به أن يعثر على بقعة ضوء تنير دربه القادم.
دوامة المدينة تلفه بهذيانها، يعصر روحه الخضراء الباحثة عن عنوان سلام عبر مسافات الزمن، ليكون ديدنه بصمة حب غير مرئي والتحليق بفضائه، رافعا غصن زيتون لحلم يريده، لكن الحلم لم يتحقق. سار عكس اتجاه الدرب لا ينظر إلى الخلف كي ينجو من سقطة هاويات المدينة المخيفة، والمتفشية في شوارعها. صار قلبه كلون الثلج من رزاياها، جعلته كنبات الإسفنج حين يُعصر يسقط ما بداخله. وفي توهان الدروب ثمة أصوات تطن بسماعه:
-لا جدوى من هذا الاتجاه
-أنا اختار
-أين نهايته؟
-النجاة بحلم ما
أسرع الخطى، فطلاسم كثر حاولت تسلق جسده. كي تتربع على قمة جمجمته لتلتهم ما تبقى من ذاكرته، بينما هو يبصر جوانب المدينة من فوق احد جسور دجلة إلى أين يتجه؟ قدحت فكرة جنونية بذهنه. حلق بفضاء النهر ليغفُ ما بين ضفافه.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول تقرير كريم جبار الناصري
- الناقد والقاص علي عبد الرضا
- المعنى والرمز في نص(يوم في العاصمة) للشاعر علاء سعود الدليمي
- قصة (آنو) للكاتب علي عبد الرضا: أصل الشرور وفساد الآلهة
- (خيانات متجدّدة) يدفع فاتورتها الشاعر خضير الزبيدي قراءة تأو ...
- (الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير
- الإنسان المسحوق في (يوميات قميص) للقاص كامل الدلفي
- مكلبون داود السلمان والنجاة من الحرب بأعحوبة
- (غواية حلم) للشاعر عدنان جمعة تلاقح المنعى بالوضوح
- (فحيح) رمزية القاص عبد الرزاق السويراوي - قراءة تأويلية -
- الشاعر عبد الحسين العبيدي والتلاعب بمفردات الهمس
- علي الوائلي في نصه (صمت) يشخّص حالة الوعي والانقلاب الفكري
- رسائل إلى الله!.. الرسالة (1)
- الأسئلة الفلسفية في قصيدة (زمن قميء) للشاعر أحمد مانع الركاب ...
- القاص حميد عمران الشريفي أمام وجوه راقصة
- مدينة الشاعر خالد القطان تأكل عيون ابنائها!
- القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة
- أدلة على أن المعري شيخ البلغاء والمتكلمين
- الشاعر حازم الشمري يرثي طفولته ويُودَّع عيديَّةُ العيد
- حكايات لا نخوض بتفاصيلها


المزيد.....




- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - مصاحبة الذوق بهتك الانفعال في (ذاكرة بين ضفاف دجلة) للقاص كريم جبار الناصري