أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم مؤنس - الألسنية الاعتباطية والإيقونية التعليلية















المزيد.....

الألسنية الاعتباطية والإيقونية التعليلية


كاظم مؤنس

الحوار المتمدن-العدد: 7901 - 2024 / 2 / 28 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


• الألسـنية الاعتـباطية والإيـقـونـية التعـلـيلـية
• أستاذ دكتور كـاظـم مـؤنـس

لقد أهتم النقد كثيرا بتحليل الصورة، تلك الصورة التي غـُرست في وجدان الأنسان وفكره منذ أمد بعيد، فجعل منها مرآة عاكسه لإنفعالاته وهواجسه، فباتت ذاكرة للإنسانية عبر العديد من الرسومات والمنحوتات. وإذا ما تجاوزنا عن وعي دور سرديات نظرية الإنتقالات ومراحل تطور المجتمعات الإنسانية، فسنجدنا أمام حالة من الإزاحة لكل التمثل المناظر للواقع، إذ ثمة نزعة عارمة يظهرُها الخطاب الإنساني المعاصر بكافة أنواعه، متمثلة بإنغماسه في الدلالات والرموز التي شحنته بطبقات من المعنى ومستويات من التأويل لتجعل منه رديفا محايثا للحداثة والمعاصرة التي خلعت عليه سلطة التميز والمعرفة. وهذا الأمر يقود بالضرورة إلى سلسلة من النظم، أبرزها الدلالية، والسياقية، ونظام المعنى الذي يستحث المرجعيات التي ينطلق منها النص الألسني أو المرئي للحضور في عمليتي التفسير والتحليل، ولعل أولها يتمثل باعتبار أدوات التعبير البصري هي أدوات للتخاطب، فإذا سلمنا بذلك، عندئذ يتوجب التفريق بين حضورها العياني، وحضورها الحسي، مع الإقرار بوجود الشيء الكثير من التداخل البيني مع بعضهما، فالإستبصارات التي سيستند إليها النقد فيما نراه على الشاشة هو محاكاة لقرائن واقعية، أما التركيبات السياقية في المشهد البصري فهي إحالات ذهنية، تختص بالمتلقي، وتنظوي تحتها سمات تجريدية تتجسد بما يسمى "النص الموازي" على حد تعبير جيرار جنيت.
بالتأكيد لن ننكر على الصورة مكانتها ولا خاصيتها كخطاب ناجز مكتفيا بذاته، وقد وفرت الدراسات النظرية الحديثة الكثير من الإمكانات التي أزالت عنها اللبس والغموض خصوصا الدراسات السيميائية، التي أكدت وجودها كأداة لغوية لها نسقها الحامل للدلالة والتواصل. فتلبست ظاهر وباطن الخطاب السمعي المرئي بامتياز فعمقت فلسفته الجمالية، كماعمقت بنيته التعبيرية فباتت أهم علاماته الفارقة، لنجدنا إزاء فضاءا علاماتيا يتأسس على تقابلات وحداتها المتسقة والمتنافرة، بيد َ أنها تتظافر في تشكيل حقلا دلاليا في المستويين الأفقي والعمودي وتلك خاصية ملازمة لماهية اللغة اللفظية والإيقونية على حد ٍ سواء.
ولعل الفرنسي رولان بارث كان من أوائل الذين عملوا على المقاربة بين النص المكتوب والمرئي، إذ لم يتأخر كثيرا في إطلاق نظريته ذات الصلة بالمعنى الثالث (الذي اصدره لاحقا بكتاب مع مقالات أخرى) حين تعرض لفلم سيرجي آيزنشتين – إيفان الرهيب- كما تعرض لنظرية المعنى في مقاله الشهير " الرسالة الفوتوغرافية" في العام 1961 " موضحا بأن الصورة عبارة عن نص لغوي ولأنها كذلك فهي حامل لمعنى أو أكثر، وأن الصورة حاملة لثلاث مستويات من التعبير أولها المستوى الرمز والمستوى التاريخي والاتصالي أو الإبلاغي وكلها متورطة في لعبة المعنى، وكل منها يحيلك إلى إطاره الخاص، إلى شجرة من النصوص الغائبة. ولأن اللغة القولية بحسب دي سوسير هي الأخرى نسق من العلامات الصوتية، وهو ما يتفق مع طروحات كل من الأمريكيين برنارد بلوك وجورج .ل. تراجر بقولهما "بأن اللغة نظام من الرموز اللفظية الاعتباطية" ومن المفيد الإشارة إلى أن رموز اللغة لا تعني بالضرورة مفاهيم أو مصطلحات أو مسميات حرة، بل عناصر في نظام متظافر لا نتحراه إلا بالكشف عن ترابطه بباقي العناصر. وعلى فكرة النظام في اللغة قامت البنيوية "Structuralism" والصورة بحسب البنيويين عالم مكتمل من العلامات، وهي كحال الكلمة قادرة على إطلاق نسق لغوي يحرر المعنى، هذا التحايث السيميائي على مستوى البعد الظاهري للغة لدى الوسيطين التعبيريين أغفل التباينات النوعية في مستوى التعبير الإيقوني و القولي، ولعل من أبرز هذه الأختلافات مرده إلى الأعتباطية التي خص بها سويسر العلاقة الترابطية بين الدال والمدلول عند تعريفه للعلامات كونها المجموع الناجم من هذا الترابط العلائقي، بينما الرموز الإيقونية ليست إعتباطية بقدر ما هي تعليلية تواشج بين الصورة المرئية ومرجعيتها الواقعية أو الخارجية عبر المشابهة أو المماثلة، وعبارة " غي غوتييه " ( الشهيرة إذا كانت اللسانية تميل إلى الاعتباطية فأن الصورة أكثر ميلا إلى التعليل) وتلك هي العلة يانفسي ( كما وضعها شكسبير على لسان بطله عطيل) العلة التي تجعل اللسانيات عصية على التحليل، لأنها كثيفة التشفير، بينما تبدو الصورة على الشاشة نقلا لواقع مألوف، للحد الذي وصفها بارث بأنها رسالة خالية التشفير، كونها إعادة إنتاج أو محاكاة لموجودات واقعية على حد تعبير جوديث لازار. أو تمثيلا ونسخا لأشياء مادية ذات مرجعيات حقيقية، الأمر الذي يضعها على الدوام في إطار العلاقة بين الدال والمرجع، بمعنى التماثل بين الشيء ومرجعيته.
وفي هذا السياق تأتي تصورات سعيد بنكراد الذي يرى بأن الحاضرات البصرية في تباينها وثراها تشكل لغة مسننة – مكودة - وأن الدلالات التي تحررها العلامات هي نتاج تسنين ثقافي وليست مضامين يوحى بها، و يتفق في أنها تحيل إلى مرجعيات تتواجد خارجها، ولا تنتج مدلولاتها إلا وفق هذا المبدأ. لكن تبقى خاصية المماثلة أمر متفق عليه بين الدارسين، وهي خاصية تقتصر على الصورة دون غيرها من الوسائط التعبيرية، التي يعدها ـ ساندرس بورس ـ الصفة الجوهرية للرمز الإيقوني، مشيرا لطبيعة العلاقة بين الرمز والقرينة، مهما كان جنس العلامة، على اعتبار ما يخصصها يتمثل بالمشابهة للشيء المحالة إليه .
ولن ننسى فرضيات الفرنسي ـ كرستيان ميتزـ التي خص بها صفة المماثلة في مقاله الموسوم " الصورة، ما بعد المماثلة" وهو في الوقت الذي يؤكد فيه على خاصيتها في التماثلية إلا أنه يجعل ذلك حصرا في شكلها العام، كونها تنطوي على عدد من العلاقات الاعتباطية ذات الصلة بالدال الذي عملت على محاكاته، من دون تحويلها إلى عالم مغلق كونها عالما مفتوحا، تكون المماثلة فيه جزء من تكوينه العام، ومع ذلك فهو يحددها بشكل كامل كونها االسمة الأكثر ظهورا، فعن طريقها تتأتى إمكانية حضور الرمز وقراءته، وفك كودات تسنين المعنى وإمكانية التأويل.
وعودة مرة أخرى إلى بارث الذي يصفها بالشفافية، لأنها تشير إلى الموجودات التي تصورها، فهي دال يتقنع تحت ظل المدلول بحسب تعبيره، وإن إدراك دوال الشفرة الإيقونية المتموضع في مجال الصورة غير مشروط بإدراكه خطيا، كما هو الأمر في بنية الجملة، لأنه لا يشترط الإدراك المتزامن لشفرات فضاء الصورة. مع إننا نتناول إرتباطهما كشيء عادي ربما لأننا ألفناه من دون أن نعي وندرك أسراره وطبيعته الاستقلالية التي لاتقبل غير نوعها أو مفردات جنسها، وهو أمر لو تأملناه قليلا لوجدنا الهوة الكبيرة التي تفصل الحقلين في ميدان المعرفة الإنسانية، ويختصر رومان غوربان هذه الفكرة بقوله " ليس ثمة معنى أن نكون ضد اللغة أو معها، ولا مع الصورة أو ضدها، أن قناعاتنا بأن سيميولوجيا الصورة ستشتغل جنبا إلى جنب مع سيميولوجيا الموضوعات اللسانية، وهو أمر يؤكده ميـتـز بقوله "ان اللغة البصرية تقيم مع باقي اللغات علاقات نسقية متعددة، ولا أهمية لوجود تعارض بين الخطابين اللغوي والبصري". غير أن "ادموند بيرك" يذكر بان الأختلاف بين الألسني والإيقوني يشكل فرصة لممارسة مهارتين بلاغيتين، هما الذكاء والحكم، ويقصد بالذكاء الخبرة في تقصي أوجه الشبه والحكم يُعنى بأكتشاف الخلافات.
وإذا ما قمنا بعمل مقاربة نظرية سريعة بين الأداتين فسنجد أن اللغة القولية لها القدرة على التجزء وإعادة التركيب للحصول على المعنى، بينما الخطاب البصري تركيبي في الأصل، بمعنى لا يقبل التقسيم إلى عناصر منعزلة أومنفصلة، كما أن التراسل الخطي لمتسلسلات الدوال الألسني ليس لها القدرة على إحضار أكثر من عنصر في ذات اللحظة، بينما نجد غريمتها ترصف عالما كاملا من الشفرات المرئية في اللحظة الواحدة، فهي بحد ذاتها عالم كامل كما وصفها البنيويون آنفا، بالإضافة إلى كونها لا تتقيد بقواعد نحويه كما هو الأمر في الخطاب الألسني، كونها لا تدلل على نفسها، بقدر ما تدلل على الموجودات التي تلتقطها ، فهي دال يتقنع بمدلوله، وهذه النعت هو الميزة الأكثر حضورا في وصف الخطاب البصري.



#كاظم_مؤنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسامه مهران : الشاعر المؤثث بالقلق والتفاصيل
- الألسنية الاعتباطية و الإيقونية التعليلية
- القصة الحبكة .....المصطلح المراوغ
- جدلية الترامز بين الإرسال والتلقي / القراءات اللامتناهية في ...
- حين تعصر العصافير ورد القمر ، ولا ترتوي
- تمثلات الزمن والسرد بين الرواية والفلم
- الآن و النقطة : سيد المساحة وقطعة الزمان المتحجر
- التعالق بين الداخل والخارج في تلافيف أبجدية حلم مكتوب
- الحداثة....وما بعد الحداثة حُمى ...الأنتلجنتسيا الغربية
- المحكي بين فعل السرد والكيفية السردية / كاظم مؤنس
- الرعب : إحتفالية العقل والتفكير في الإكتشافات المدهشة
- المختطفون ...على متن ذائقة أفلام الرعب
- التعبير المتناهي عن اللامتناهي في النص المفتوح
- العنف في السينما - عنف الصورة صورة الواقع
- الصورة – الحجم وحدة اللغة – مفردة الإخراج
- ثنائية المقروء والمتخيل - السيناريو في مراحله الجنينية
- تشكل الخطاب الاتصالي و الفعل اللغوي
- سلطة اللغة وحاملات المعنى


المزيد.....




- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم مؤنس - الألسنية الاعتباطية والإيقونية التعليلية