أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كاظم مؤنس - ثنائية المقروء والمتخيل - السيناريو في مراحله الجنينية















المزيد.....



ثنائية المقروء والمتخيل - السيناريو في مراحله الجنينية


كاظم مؤنس

الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 26 - 14:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ثنائية المقروء والمتخيل
السيناريو في مراحله الجنينية

كــا ظـــم مــؤنـــس

مـــــقـــــــــــــدمـــــــــــة :ـ

يتفق الجميع على أن تجنيسا نوعيا تنامى منذ عقود طويلة صُنفت في ضوئه العلوم الصرفة والإنسانية وتنوعات الأدب بأستثناء (النص الصوري الكتابي ) الذي نصطلح عليه ـ بالسيناريو ـ إذ ظل منكفءً بعيدا عن الأضواء ولـم يرق َالى المستوى الذي يجعله خطابا ناجزا قياسا بمجالات التعبير في المناطق المجاورة له .
وتأسيسا على ذلك فقد بقي حضوره بسيطا في أمتدادات الثقافة السينمية وبالذات في فضاء ثقافتنا العربية ، بسبب غموضه وأنفتاحه على أكثر من منطقة تخصصية الأمر الذي أفضى الى تضبيب مُـدركاته المعرفيه مما زاد في تكهفه وتعتمه وأبتعاده في النهاية عن حيز الممارسة التطبيقية على نطاق واسع ، وتوالت العقود والمصطلح لم يؤسس له حتى لدى ممارسيه وعيا معرفيا باستثناء مساحات ضيقة ظلت مقتصرة على حدود معينة مزدحمة بسيطرة العاملين عليها . ولذلك فقد أريد لهذه الدراسة أن تقوم بتتبع هذا فن من الكتابة بما يفضي الى دخولها في سلسلة من الكشف والتنقيب في افق مراحل تطوره وهي منطقة لم يسبق للبحث أن ولجها من قبل .
ورغم صعوبة القبض على معطيات الحقب التي توالت الا أن التتبع الكرونولوجي المتأني قد نجح الى حد بعيد في تقصي مراحل تشيئه المتواترة بدءا من مراحله الجنينية وصولا الى ما يمثله المصطلح من مفهوم في يومنا هذا .
الســـــيــنـــاريــــــــو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ :ـ
يتفق الجميع على أن فن كتابة السيناريو لم تحظ في فضائنا الفني والثقافي بذات الاهتمامات التي حظيت بها الأنواع الأدبية الأخرى وما تم إنجازه في هذا الحقل من دراسات وبحوث ظل متكهفا في الأروقة والمراكز الأكاديمية ولم يرق َ الى المستوى الذي يجعله خطابا في تعدديته وتشابكه العلائقي مع مجالات تعبيرية أخرى ، وبقي في حضوره البسيط مجرد أمتداد للثقافة السمعية المرئية التي تغنينا دراستها عن البحث في ماهو السيناريو ؟
ومن هنا تتأتى هذه الدراسة الساعية لأن يكون السيناريو ضرورة معرفية وحضارية وأن لانستهلكه في الأستخدام اللفظي من دون أدراك وفهم لماهيته .
ولن نجافي الحقيقة لو قلنا أن التفكير بالسيناريو كمصطلح فني شائع الأنتشار يقتضي الكثير من الدقة لوضعه في مجاله الصحيح بسبب التحديدات التي أحاط بها نفسه منذ أن عرف طريقه الى الشاشة الكبيرة ، وذلك بسبب أنفتاحه وشموله على مقتربات عدة ، وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان حصر شموليته في مقترب واحد بينما جميع المقتربات تجد ان لها حصة فيه .
وتأسيسا على ذلك فمن الطبيعي أن يقفز هنا سؤال ملح :ـ
ماهو السيناريـــو ، وكيف نفهمه ، وهل يمكن تعلمه ؟
بهذا الشكل نكون قد حددنا الهدف الرئيسي من هذه الدراسة التي نسعى الى تحقيقها وهي ستعطي بالضرورة في النهاية أجوبة قاطعة على هذه الأسئلة وغيرها .
مما لا شك فيه أن للسيناريو في مظهره الخارجي أشكال متنوعة
لكنها محدودة كما ان له على مستوى السرد تقنيات متعددة في الروي ، والخوض فيه يقتضي الإلمام بالكثير من الحلقات التخصصية التي تستوجب وجود وعي معرفي بحرفيات الكتابة وتقنيات السرد واللغة ونظريات التلقي وبالذات في مجال الأفلام الروائية . ورغم ان عمر السينما قد تجاوز المائة عام الا أنها اسست قواعد راسخة وقدمت نتائجا باهرة أصبحت تدرس في أغلب مراكز ومعاهد السينما في العالم اليوم ، نسوق هذا الكلام مع التذكير بأن الفن بطبيعته كان ومايزال ذا أفق مفتوح ورؤية بعيدة المدى من الصعب حجرها في قوالب صلبة تمنعه من التحرر والأبتكار لأن روح الأبداع في الفن تتأتى من تخطيه الدائم للثوابت وتجاوزه على ما هو سائد ، ولذلك ما ستتضمنه هذه الدراسة يُعد من المرتكزات الهامة التي يجب ان نتقبلها كنقطة شروع بإتجاه المزيد من المعرفة والبحث والأستقصاء الدائم وصولا الى ابداعات مضافة محفوفة بخيال خصب وموهبة قادرة على أطلاق أخيلتها للأمساك بأفق الفن المفتوح على الأبداع . ويضع لويس هرمان تعريفا مقتضبا يصلح لأن يكون مدخلا للإجابة على السؤال الذي بدأنا منه فيعرف السيناريو بأنه :ـ " موضوع مكتوب بشكل يكون بمثابة التخطيط العملي بالنسبة للمخرج السينمائي . وهو يخصص للتصوير في شكل سلسلة من الفصول المصورة . وتصبح هذه الفصول بعد لصقها ببعض وبعد مزجها بالمؤثرات الصوتية المناسبة والموسيقى التصويرية هي الفلم النهائي " . بلا شك أن هذا التعريف ينطوي على منظومة كاملة من الحلقات التخصصية
البالغة التعقيد المشتغلة في هذه المساحة لإيصال السيناريو الى المرحلة التي انتهى اليها نص التعريف ، ولا نغالطه في ذلك لكن لابد من القول بأن هذا هو شكل الفلم في النهاية وقد اسماه مخيائيل روم بالسيناريو الأخراجي لأن " كل التصورات المسبقة تسجل داخل مايسمى بالسيناريو الإخراجي ، الذي يمثل بحد ذاته مشروعا تقـنيا وابداعيا للفلم " بمعنى أن ثمة مرحلة جنينية قد سبقت خطة المخرج ودخوله في التنفيذ ، ولم يكن روم مخرجا فقط بل مؤلفا للسيناريو ومعلما ومنظرا للسينما . ومن هنا يحبذ عدد غير قليل من العاملين في هذا المجال الفصل بين نوعين من السيناريو كما هو معروف ، الأول يضعه الكاتب او السيناريست وهذا ليس بالضرورة ان يكون مخرجا ويسمى مجازا " بالسيناريو الأدبي أو سيناريو المؤلف " كما يصطلح عليه أيضا بسيناريو المشاهد العامة ، وهو نص غير معد للتصوير مؤشرة فيه الوقائع والأحداث بدقة متناهية بحيث يكون من السهولة بمكان تحويل تعبيراته المعنوية الى تعبيرات مادية في السيناريو التنفيذي لاحقا . اما النوع الثاني فيبنى على الأول وهو مخطط تقني قوامه اللقطات يضعه المخرج نفسه ويسمى بالسيناريو التنفيذي أو Shooting -script- وهو النص المعد للتصوير ، فهو بمثابة فسحة مناسبة لحضور الفلم على الورق كما إنه تجسيد لرؤية وإرادة المخرج ويفترض " بالسيناريو الإخراجي المصنوع جيدا ان يعطي تصورا واضحا عن الفلم القادم . يجب أن تتم معالجته ، بحيث تنشاء اثناء القراءة فكرة عن بعض اللقطات الملموسة . كلما كانت كتابة السيناريو الإخراجي أدق ، كلما كان تحليل العمل أكثر عمقا ، كلما سهل فيما بعد تحقيق الفكرة في ساحة التصوير " وبإنتهاء هذا النص ستبدو فكرة انجازه أمرا بسيطا على اساس أنه يشتمل على كل ماسيكون عليه الفلم . ومع ذلك فان السيناريو بكل تسمياته المختلفة قلما " يعتبر عملا أدبيا فنيا " بإعتباره مرحلة وسطية في مسيرة أكتمال الفلم ، الا أنه يُظهر عنادا مستميتا يأبى أن لا يُحسب أدبا ، وهو وإن لم يكن كذلك فهو يظل في معجم المفاهيم نصا أدبيا يختلف عن النص ألأخراجي إذ " نستطيع أن نقول بأن العملية الفنية ترتكز الى مرحلتين في الكتابة ، مرحلة كتابة كاتب (السيناريو) النص الأدبي ومرحلة كتابة المخرج نص التصوير " وهو هنا يأخذ صفته الأدبية بأمتياز كما هو واضح لأنه مختلف عن النص اللاحق الذي سيتضمن بالضرورة تلخيصا لرؤية المخرج وصياغته التقنية ، يتاكد ذلك بفكرة لبودفكين تأتي في نفس الأتجاه بقوله " حينما يقوم المخرج بصياغة السيناريو الأدبي من جديد ، يبدأ بمعالجة كل جزء فيه بعناية على أساس بصري مميز " .
وياتي هذا بمثابة إقرار من بودفكين بان ثمة نصين مختلفين تماما أحدهما وضعه السيناريست أو كاتب السيناريو وقد أسماه بالأدبي بينما الثاني خاصا بالمخرج ، وقد يجري هذا الأخير عليه بعض التعديلات الجوهرية إن تطلب الأمر ذلك سواء من قبله او من قبل خبراء خاصين في هذا المجال . وعلى العموم فان المخرج في هذه
المرحلة سيقوم بالضرورة بنقل الأحداث الى نظام اللقطات وحجومها وزوايا التصوير والديكور الى آخره من عناصر التعبير التقني .
ويأتي بيلا بالاش على ذكر أدبيته في معرض حديثه عن الفن الجديد بقوله " أصبح من المعترف به أن الأساس الأدبي للفن الجديد ، هو السيناريو ، شكل أدبي مستقل محدد الخصائص .. لم يعد السيناريو مكملا فنيا .. لكنه شكل أدبي جدير بأقلام الشعراء "
ولا يخفي بالاش دهشته وأستغرابه من أن فلاسفة الجمال ومنظري الأدب لا يأتون على ذكره وهو لجدير بذلك " إن السيناريو السينمائي شكل أدبي جديد تماما ، أكثر جدية حتى من السينما نفسها ، لذلك فمن النادر أن ندهش حين لا نجد كتابا واحدا يذكره من كتب فلسفة الجمال في الأدب . ".
وبغض النظر عن خلع صفة الأدب عليه أو عنه ، فأن الجميع يتفق على أن هناك نوعين من السيناريو كما اسلفنا تسبقهما خطوات لازمة سنأتي على ذكرها لاحقا ، لكننا نخلص الى أن " الطريقة التقليدية لكتابة السيناريو تبدو وكأن كل السيناريوهات تتبع نموذجا ثابتا منظما للتطوير : التخطيط الأولي ثم المعالجة ثم السيناريو ثم السيناريو التنفيذي " وإذا ما تفحصنا مراحل البدء فسيعني التخطيط الأولي هو مرحلة البحث وتطوير الموضوع ومن ثم وضع المعالجة القصصية لتوسيعها فيما بعد وصولا الى شكل السيناريو الأدبي حيث يحال بعد ذلك الى المخرج الذي سيضع السيناريو التنفيذي كما جاء القول بذلك آنفا .
وفي كل الأحوال فإن المفاهيم تقترب من بعضها في المعنى العام وإن بدت متمايزة من الخارج ، فالمخرج ـ جان كوكتوـ يرى أن" الفلم هو الكتابة بالصور " وهو في هذا لا يذهب بعيدا عن ما يورده ـ سد فيلد ـ بمعرض إجابته عن السؤال الذي كان يطرحه على نفسه حول ماهية السيناريو فيحدد بالقول بأنه " قصة تروى بالصور وإنه مثل الاسم في علم النحو .أي ان السيناريو يدور حول شخص او أشخاص في مكان او أمكنة ، وهو يؤدي دوره . ولقد وجدت أن للسيناريو مكونات من المفاهيم الأساسية ذات الصفات المشتركة . ويعبر عن هذه العناصر دراميا بناء محدد له بداية ووسط ونهاية "
ويختزله فيلد بالمخطط الشهير الذي ضمنه كتابه ـ السيناريو ـ حيث يعده " بناءا خطيا اساسيا تعتمده كل السيناريوهات .


البداية الوسط النهاية
ــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــ
الفصل الأول الفصل الثاني الفصل الثالث
ـــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
التمهيد المجابهة الــحـــــل
ــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
الصفحات 1-30 الصفحات 30-90 الصفحات90-120
الحبــكـــــــة 1 الحبــكــــــــــــة 2
ـــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفحات 25-27 الصفحات 85- 90


بينما يصفه البعض بأنه وسيط تعبيري جديد لاكتشاف عالمنا ليس إلا " أن الأمر يتعلق بطريقة جديدة للتعبير عن العالم .. تقصد هذه الطريقة قبل كل شيء إلى التعبير عن عالم هو عالم المؤلف ، عالمنا كما يلتقطه المؤلف " لذلك فأن أي تعريف للسيناريو ينبغي ان يكون متأتيا من مرتكز معتمد ، وعليه فإن تعريف هيرمان الذي بدأنا به سيكون مختلفا بعض الشيء عن تعريف كوكتو مثلا :ـ رغم أن كل شيء يفضي إلى أنه الفلم مكتوب على الورق . وبالأمكان تحقيق مقاربة تماثلية تستند الى تصورات ـ روجر م . بسفيلد (الأبن) في وصفه للسيناريو بأنه خطوة أولية لابد منها وهذا يتوافق مع تعريف سوين السابق الذكر بأنه تخطيط اولي ، وإنه في جوهره بيانا للأحداث والمواقف التي سوف تظهر في فعل المسرحية وكذلك هو شأن السيناريو المعد الى الشاشة إذ ينبغي أن يشتمل على كل الأحداث و التفاصيل المكتوبة بدقة متناهية على حد تعبير ميخائيل روم في مضامينه السالفة الذكر ، أنه مرشد تقوم على هديه الروابط بين الشخصيات وبين العقدة على أساس منطقي معقول ، وإنه ثمرة تفكير مركز وتأمل قوي وهو كذلك بالفعل ، لأنه نشاط ذهني فائق الدقة " أن السيناريوهو أساس الفلم إن السيناريو يقرر نجاح العمل ، يحدد نتيجته الفكرية والفنية " .

البــــــــــــدايـــات :ـ
مع التحول التدريجي في تطور صناعة السينما وخروجها من مرحلة تسجيل الحركة وأقترابها من ان تصبح فنا تفاقمت الحاجة الى ظهور العديد من الدوائر التخصصية المندرجة تحت مظلة مراحل انتاج الفلم المختلفة ، ومنها السيناريو الذي لم يكن عندها أكثر من كتابة خطة بسيطة لتصوير الفلم يتم تنفيذه على أساسها . وقبل ظهور فلم جريفث ـ مولد أمة ـ عام 1914 المأخوذ أصلا من رواية " رخيصة لتوماس ديكسون بعنوان (رجل القبيلة ) " لم يكن السيناريو شكلا كاملا أو حتى له مواصفات محددة كما هو الأمر اليوم لم يكن يُعنى بغير الأهتمام في وضع موقف متنامي يظل هو الخط الرئيسي في الفلم الذي يتكرس لترتيب تسلسل أجزاءه اللاحقة " ففي ايام طفولة صناعة السينما كان المصور هو سيد الصناعة يضع القصة ويكتب السيناريو وهو المخرج ومونتير الفلم .. كان هو الصناعة كلها . وعندما تزايد الإقبال على الأفلام تدريجيا وأصبح عمل المصور أكثر مشقة اضطر إلى أن يتخلى عن بعض مهامه لمتخصصين اخرين .. لأنه بكل بساطة لم يجد من الضرورة أن يقوم بكتابة السيناريو بالشكل المعروف لأن التصوير كان يتم ارتجاليا " . والشيء نفسه يقال عن شخصية السيناريست الذي لم يكن هو الآخر في حينها قد أحتل المساحة التي تليق به ليتكفل بمجمل عملية الكتابة ، وإنما كان ينظرللموضوع على أساس إعداد الأجزاء بحيث تكلف كل شخصية بكتابة الجزء الخاص بها من السيناريو ، فهناك من يقوم بكتابة الفكرة العامة وآخر يكون مسؤولا عن إنضاج المواقف بينما يقوم كاتب آخر بوضع اللمســـات الكوميدية
وآخر يتكفل بوضع العناوين وعبارات التعليق بين المشاهد التي تعجز الصورة عن تغطيتها .
هكذا بدت ملامح الصورة الأولى في سلم تطور الوسيط التعبيري الجديد وتلك هي السمات التي رافقت الإنتاج السينمائي في مراحله التأسيسية ، المراحل التي شهدت إنتاج أفلاما قصيرة .
وبمجيء جريفث بدأت الأمور تستقيم لتأخذ منحنى إشكاليا جديدا سرعان ما أظهر اهتماما متزايدا في تحديد مواصفات ونوع السيناريو ، ليكون مطلع القرن العشرين شاهدا على ولادة وسيطا جديدا للسرد القصصي وجد فيه عدد غير قليل من الناس " بديلا عن الرواية كشكل للسرد القصصي في هذا القرن " ويشير بودوفكين الى دور جريفث في هذا الصدد بالقول " كان العاملون في السينما ألأمريكية أول من اكتشفوا القصة السينمائية وأول من عرفوا الإمكانات التي يتميز بها هذا الفن " .
تزامن ذلك مع تطور سريع في عمليتي الفن والأنتاج السينمائي ، فأصبحت السينما واسعة الأنتشار وشرعت بوضع قوانين نظامها الخاص في كافة المجالات بدءا من نظام الأنتاج وانتهاء بنظام النجوم مرورا بابتكارات متطلبات الفن الجديد الذي اجتاز بنجاح لم يسبقه مثيل مرحلة التجريب ليتبوء مكانته على راس قائمة الفنون ، فعـُرفت الكاميرا المتحركة واللقطة القريبة والصوت والألوان وكل ما نعرفه اليوم في مجال أكتشافات شكل الفلم .. ترافق ذلك مع مساعي حثيثة في مجال تطوير أمكانات الوسيط الروائي الجديد التي ظلت المفاهيم الدرامية قوامه ، ولم يمض ِ كثيرا من الوقت حتى أخذ هذا النوع الجديد بالتطور والتعقيد وبأزدياد وتنوع وسائل التعبير أكتسب خصائصا تميزه عن غيره من وسائل التعبير كما اصبحت له أحكاما
وقيودا مثل كل الفنون التي سبقته ، ففرض السيناريو قيوده وحرر أمكاناته التي أضحت متطلبات فنه المفروضة على المضمون وكيفية التعبير عنه ، وبهذا أصبح واضحا بأن هناك نوعا من القصص التي تبدو أنها أكثر ملائمة من غيرها الى الشاشة على العكس من أنواع اخرى تبدو أنها أكثر ملائمة لوسيط مختلف ، ولعل مرد ذلك يعود الى طبيعة إنتظام الوسيط الذي ما عاد يتقبل الا المادة المُعدة بشفرات لغته الخاصة ومن هنا كان يتوجب على الفنان " أن يترجم موضوعه الى أشكال خاصة بوسيلته التعبيرية " .
وظل السيناريو رغم أستمرار حالة تطوره شكلا جديدا مثيرا للجدل غير متفق بالكامل على مفاهيمه الدرامية ، ومع ذلك فإن الجميع متفق على أن سر النجاح يكمن في تلك الحركات الدينامية التي أسسها السيناريو داخل القصة بما تشتمل عليه من مواقف مؤثرة تأخذ طريقها الى الأمام من دون أن تنتكس في معالجة كل ماهو فاعل وخلاب ، وهذا هو أساس الحراك الدرامي المتفجرالذي تتكشف عبره الشخصيات كما تتكشف اهدافها .
ولا مناص من الأعتراف بأن أية محاولة تسعى لمصادرة الأبداع والأدعاء بأن ثمة قوالب جاهزة بإمكانها أن توفر سيناريو جيد ستكون بالضرورة إدعاءا زائفا يجافي الحقيقة ، يبعدنا عن الكتابة الجيدة ولا يقربنا منها لأن " التعميمات حول ما يكون الكتابة الجيدة للشاشة أمر صعب "
لايمكن التكهن به لأننا قد نكون إزاء نصا أصيلا لكن سيفتقر فيما بعد الى معالجة أخراجية أصيلة ويمكن أن يحدث العكس كذلك ، لأن النص عالم كامل من التجاذبات كما أن السيناريو صورة ذكية ومضغوطة لواقع كامل يُصاغ ويتشكل ويكثف ويسحب الى الورق ، أنه عالم درامي متكامل بإمتياز، أنه منظومة لمخطط وتصميم دقيقين
محكومين بإشتراطات صارمة تحدد طبيعة الوسيط وخصائصه .
مما دفع بالأجيال الجديدة من الشباب أن ترى في السينما بديلا عن " الرواية كشكل للسرد القصصي في هذا القرن " .
وكان لابد أن يثير هذا الفن الجديد العديد من المبدعين والمتحمسين في مجال الكتابة والأدب ، خصوصا وأنه لم يزل يافعا و لم يحدد بعد ملامح شكله الخاص ، والشيء نفسه يقال عن السينما التي لم تصل في حينها الى شكلها النهائي ، ولذلك نجد أن أقلاما مهمة أندفعت للدخول والتجريب في المضمار الجديد ، اسماء من الروائيين والكتاب الكبار خصوصا بعد دخول الصوت على الفلم من أمثال : ـ " وليم فوكنر وناتانيل ويست وجون دون باسوس وأف سكوت فتزجيرالد ، أنطلاقا من فكرة أن السينما هي وسيلة تعبير الكاتب " .
وكان للمسرح حصته هو الاخر فمع بداية التحول " من الأفلام الصامتة إلى الناطقة لجأت السينما إلى المسرح بجميع أنواع مهنه من ممثلين ومخرجين الى كتاب حوار .. ولم يبذل كتاب المسرح أية محاولة لتعديل أساليبهم الفنية طبقا لأحتياجات الكتابة السينمائية. كانت الكلمات طنانة وثرثارة والمشاهد منفصلة مما أدى إلى بطء الحركة " . لقد كان مقدرا للسينما ان تدخل هذه التجربة وأن تتذوق مرها وحلوها ، كان مقدرا لها أن تفشل لتهتدي الى طريق النجاح بعد ان تكون قد حددت أشتراطات الوسيط الجديد " لقد كانت السينما في أيامها الأولى مجرد اختراع لا مستقبل له على حد تعبير لوميير ، كانت مجرد عرض لا يحظى بالأهتمام البالغ ، وجاذبيتها لا تتجاوز
عرضها كأبتكار تقني . وللخروج من الوضع الذي هي فيه كان ينبغي عليها أن ترتقي الى مصاف الفنون النبيلة التي كانت شائعة في
عرضها كأبتكار تقني . وللخروج من الوضع الذي هي فيه كان ينبغي عليها أن ترتقي الى مصاف الفنون النبيلة التي كانت شائعة في القرنين التاسع عشر والعشرين والمتمثلة بالمسرح والرواية ، كانت تدرك بأنها ملزمة بأن تثبت بطريقة ما قدرتها على روي حكايات جديرة بالأهتمام لتحصل على أعتراف بانها فن بأمتياز ، ولتحقيق ذلك سعت الى تطوير أمكاناتها الروائية فأسست في عام 1908 في فرنسا جمعية الفلم الفنية ، التي ظهرت كرد فعل ضد المظاهر التي أشاعتها الأفلام الأولى ، وأستدعت لتحقيق ذلك العديد من الممثلين المسرحيين المعروفين آنذاك لتقديم موضوعات شهيرة مثل :ـ عودة يوليسس ، وماكبث وغادة الكاميليا وغيرها من الأعمال الأدبية المرموقة ."
وكما اسلفنا سابقا لم تنل هذه الأعمال النجاح الكافي لأنها تفتقر الى وعي معرفي بتقنيات الوسيط الروائي الجديد . كما أن السينما نفسها ظلت تدور في فلك المنافسة على تطوير صناعة الأفلام بدلا من الأرتقاء الى مصاف الفن ، حتى ان شركة إيستمان كوداك كونت مع بعض المخترعين والمهتمين في مجال الصناعة شركة " الأختراعات السينمائية في يناير سنة 1909 ، وبذلك أصبحت صناعة السينما من الصناعات الضخمة ، وقد كان نمو السينما باعتبارها صناعة أعظم من نموها باعتبارها فنا فقد كانت شركات الأفلام ماتزال تنتج حتى ذلك الحين أفلاما قصيرة لا تكاد تشير الى مستقبل ذلك الفن "
وإذا كان جريفث قد نجح في ـ مولد أمة ـ أبان فترة السينما الصامتة
ذلك لأنه كان يدرك بأن " عظمة أي فلم لا يمكن أن تتوقف على الموضوعات المصورة فحسب ، بل أن عظمته تقوم على تنفيذ جريفث لخطته ، فقد كان يقدر أكثر من أي شخص ٍ آخر أن في السينما وسائل تتفوق إلى غير حد على غيرها من وسائل الاتصال في ضغط الزمان والمكان والحركة وقد أستطاع أن يحقق هذا الضغط في مولد أمة ".
وتأسيسا على ذلك يمكن اعتبار فلم ـ مولد أمة ـ خصوصا في العقود الأولى من عمر السينما استثناءا إذا ما تطلعنا للتجارب الفاشلة التي قام بها الروائيون والمسرحيون على حد ٍ سواء ، خصوصا في السنوات الأولى لدخول الصوت إذ " أثبتت الأفلام الأولى خطأ هذا الاتجاه فلم يكن نقل المسرحيات إلى الشاشة عملا ناجحا " .
وإن نجاح ـ مولد أمة ـ على الشاشة والمُعد كما قلنا سابقا عن رواية ـ رجل القبيلة ـ مرده لعبقرية مخرج الفلم ولسعة إدراكه ووعيه المعرفي بإشتراطات لغة التعبير لدى الوسيط الجديد ، ولعل أفضل وصف لذكاء جريفث مقولة المخرج ـ رينيه كلير ـ بقوله : ـ " لم يُضف شيء جوهري إلى فن السينما منذ جريفث ".
وفي مقاربة تطبيقية يقوم بها كارل رايس بين اسلوب بورتر وجريفث لتأكيد دور الأخير كونه خلاصة من سبقوه في هذا المجال يقدم تحليلا لمشهد إغتيال ـ الرئيس لنكولن ـ في الفلم السابق الذكر ، نقتطع منه الجزء التالي :ـ



" 32 لقطة قريبة للحارس الخاص متمتعا بالمسرحية
33 لقطة كاملة . بوث . وهو يمر خلال باب في نهاية الممر خارج مقصورة لينكولن . ينحني لينظر من فتحة باب المقصورة يخرج مسدسا ويعد نفسه للعمل .
34 لقطة . قريبة للمسدس .
35 أستمرار 33 . يصل بوث الى الباب ، يجد صعوبة في فتح الباب لفترة قصيرة ثم يدخل مقصورة لينكولن .
36 منظر قريب لمقصورة لنكولن . يبدو بوث وهو يقف خلف لنكولن 37 خشبة المسرح . الممثلون يؤدون أدوارهم .
38 كما في 36 . يطلق بوث الرصاص على لنكولن في ظهره . يقع لنكولن . يتسلق بوث جانب المقصورة ويقفز منها الى خشبة المسرح 39 لقطة عامة . بوث على خشبة المسرح . يرفع ذراعيه الى أعلى ويصيح .من الواضح ان كريفث يهتم بما أكثر من عرض الفكرة .وقد كون المنظر حول أربع مجموعات من الأشخاص : لنكولن ورفاقه والحارس الخاص ، إلزي ستونمان وبن كاميرون ، بوث القاتل ، الممثلون على خشبة المسرح .. " بلا شك أن معطيات التقطيع هنا تستجب بأقصى طاقة بإتجاه التجسير بين الأجزاء لتشكيل دعائم تدفق الأستمرارية المنطلقة بقوة متواترة بإتجاه ذروتها تلبية لمتطلبات دراماتيكية ، بما في ذلك تجزأة الحركة التي خلع عنها التواصل في الحيز الواحد ليحل بدلا منها التواصل في مضمون حيز مختلف يتواشج مع سابقه في التركيب المونتاجي الذي يفضي الى بث الأستمرارية والتواصل بإعادة بناء المُجزء في أطار تكامل المشهد عبر سلسلة من التفاصيل ، وتلك آليات لم تكن معروفة قبل جريفث .
ولذلك كان على الفن التعبيري الجديد بأشتراطاته المختلفة عن الرواية والمسرحية ان ينتظر للحصول على الأعمال الخاصة بالشاشة ورغم كثرة الأعمال الأدبية التي تمت أستعارتها الى السينما الا أنها ظلت تجارب عاجزة وغير مهمة لم ترتق ِ الى مستوى الطموح ، يمكن أن نعتبرها كتابة للسينما بشروط الرواية المقرؤة رغم أنهما وسيطان مختلفان لكل منهما أدواته الخاصة في التجسيد والتعبير لكن هذا الكلام لم يكن معروفا ولا شائعا كما هو اليوم ولذلك غامر العديد من هؤلاء ومن دون تحفظ في الدخول الى عالم كتابة السيناريو بمؤهلاتهم في الرواية ، من دون أن يتسألوا عن أمكانية فرض أسلوب الرواية على أسلوب الفلم ؟
بلا شك أننا اليوم ندرك جيدا بأن كلا الضربين من الفن يتطلب نوعا من القدرة والأستعداد يختلف كليا عن متطلبات وأشتراطات النوع الآخر ، فمقدرة كاتب في مجال معين لا تعني بالضرورة قدرته على الكتابة الجيدة في حقل السيناريو ، كما ان الكتابة للرواية والكتابة للسيناريو لايمكن أن يكونا موضوعا للمقارنة المنطوية على مقاربات سليمة بحكم طبيعة كل منهما ، وإن عددا غير قليل من الكتاب الروائين المرموقين قد جربوا الدخول الى هذا المضمار ولكن كان الفشل من نصيب اعمالهم كما سبق وأن أسلفنا .
وإذا كان جورج ميليه " قد أستخدم المواد الأدبية كأساس للعديد من أفلامه ، وكذلك فعل جريفث ، بأن ما أحدثه من ابتكارات في السينما كان في الواقع مأخوذا من تقنيات أعمال الروائي الشهير شارلز ديكنز وقد اعلن آيزنشتين ذلك في مقاله الشهير ـ دكنز وجريفث والفلم اليوم ـ عبر مقاربة نظرية تمركزت حول العلاقة بين تقنيات ديكنز في الروي وابتكارات جريفث .
أي أن الأستثناء الذي يمكن وصفهما به مرده الى وعيهما المعرفي بلغة الفنين و قدرتهما على تحويل العمل الأدبي وتكييفه الى الشاشة لأن ما تتصف به الرواية وطريقة صنعها والتفاصيل الصغيرة عديمة الأهمية التي تزدحم في متنها والحوارات المطولة وغيرها من مواصفات هذا الفن " يكاد كل هذا أن يجعل القصة ثرثرة ...وهذا هو السبب في قلة عدد القصص التي يصلح نقلها ... الى شاشة السينما دون شيء من التعديل او التحوير ".
لقد كان من الصعب أقناع المتعصبين بان السينما فن جديد قائم بذاته له قوانينه ولغته الخاصة في التعبير ، وحين بدأت لم يكن السيناريو قد وجد بعد ، كان المشهد يؤسس على الأرتجال والملاحظات والتعليمات تاتي آنية في لحظتها ، ولكن بتطور السينما وتعقد صناعتها أصبحت الحاجة في كل مرة اكبر الى التخلص من سمة الأرتجالية وأصبحت الضرورة تقضي بوضع خطة ما متوافقة مع طبيعة الفن الجديد الذي زادت الهوة بينه وبين التأثيرات الأدبية لحساب ميزته البصرية ، ومع ترسخ عمق مضمون الأفلام أزدادت الحاجة الى كيفية ترتيب حجوم وزوايا اللقطات وتنظيم السرد الصوري إذ لم يعد مناسبا ولا كافيا قالب الرواية او المسرحية على حدٍ سواء ، فتحتم وجود شكلا جديدا يتماشى وقوة اللقطة القريبة ، وهكذا أنحسر الأدب عن الشاشة تاركا المجال أمام كتاب السيناريو الجدد الذين بدأوا يفقهون مصطلحات هذا الوسيط التعبيري وكيفية التعامل معها ، بهذا الشكل أصبح السيناريو بحد ذاته عملا فنيا كاملا قادرا على ان يعيد صياغة الواقع بأدق تفاصيله بصيغة أدبية بالغة الدقة .
أن السينما تعرض صورة، وتُعد الصورة الأساس المادي والمطلق
في السرد السينمي مع الإقرار بوجود العنصر الصوتي كأداة تعبير
نوعي ، وتأسيسا على ذلك فإن السيناريو بأعتباره شكلا أدبيا لا يمكن أن يشتمل الا على ما هو مرئي ومسموع ، وسواء كان الحدث في الماضي او سيقع في المستقبل فهو لابد ان يعرض على الشاشة ، ولابد أن تتخذ الحركة واقعا عينيا في زمننا الحاضر ، وهذه الميزة تدخل في جوهر القوانين التي تحكم السيناريو ، الزمن الحاضر ، الزمان والمكان الحاضران اللذان تقبلهما مُدركاتنا الحسية .
ونرى أن الوقت قد بات مؤاتيا للتعرض للسؤال المُلح عن إشكالية التداخل أوهذا التقارب الحميمي (اذا جازالتعبير) بين السيناريو والرواية ؟ فإذا كان السيناريو بطبيعته منتميا الى السرديات ، فأين موقعه بين سائرأنواع السرد ؟ ولماذا نصرعلى إنه ذو بناء سردي بأمتياز ؟ ورغم ان الدراسة لاتتجه في مسارها الى مثل هذه الغاية ولا ينبغي لها ان تكون كذلك ، لكننا لانرى ثمة ضير من التعرض لوجه التقارب بين السيناريو والرواية .
كثيرون ينظرون الى السيناريو على أنه تكوينا روائيا أو قصصيا ، ولعل السبب مرده الى هيمنة السمة الروائية في الفلم رغم ان حدوده مفتوحة على جملة من الحلقات التخصصية التي تُعنى بشأن السيناريو حصرا . فالمتفحص في كلا الوسيطين التعبيرين سيجد ان ثمة إشكالية جوهرية تحول دون تطابقهما التام في الماهية والنوع ، ورغم أن الكلمة هي وسيلتهما في التعبير ، الا ان دورها مختلفا تبعا لطبيعة المرتكزات البنائية فيهما ، فشفرات الرواية تتواصل في تدفقها داخل منظومة الأخبار والكشف ، محركها في ذلك ثنائية المقروء / المتخيل بينما شفرات السيناريو تتواصل متواترة في منظومة التجسيد العياني بمعنى التمثل الخارجي للمرئي / السمعي ، فلغة السيناريو موجهة الى المعنين بتحويلها فيما بعد الى تعبيرات مادية أو تقنية بينما الرواية تستخدم اللغة لأطلاق صورة ذهنية في ذهن القاريء ..هذا فضلا عن ان مايكتب في السيناريو يجد له معادلات مباشرة على المستوى
المرئي السمعي ، بمعنى أن دور الكلمة في السيناريو يظل دورا تجسيريا وتعويضيا يتمثل بتفسير وتعزيز ما يمكن رؤيته وسماعه ، كما أن الكاتب مقيد بحدود الواقع المادي ، وهو واقع مُدرك لا يقبل التجاوز عليه . وإذا كان الروائي يسعى عبر الكلمة لتجسيد خياله لكن الحقيقة تؤكد ان القاريء لا يتلقى الخيال كواقع عياني على العكس مما يحدث في الفلم حيث يرى كل شيء ماثلا أمام عينيه كواقع مُدرك بصريا ، بمعنى أن السيناريست مقيد في لغته بحدود ما هو مادي فقط لكن لغة الروائي تستطيع أن تذهب لأبعد من ذلك بتناولها لتصورات مجردة خصوصا " وان الفلم يتميز فضلا عن خاصية التصوير بالقدرة على إعادة عرض الحركة أيضا فإنه يستطيع أن يقدم صورة مطابقة للحياة التي نراها " أي ان للفلم القدرة على إعادة صياغة وتشكيل واقع بصري حاضر للعيان على الشاشة وهو ما تعجز الرواية عن الوصول اليه . ومع ذلك فإن هناك اصوات مهمة رغم إدراكها للفارق بين الوسيطين تبقى مصرة على أن ثمة مقاربة جائزة بين الرواية والفلم ولأسباب مختلفة ربما لتشعب الفن الدرامي أو على الأرجح لأن الدراما هي المجال التجريبي للفنون السردية والأدبية " فالأدب بجميع أنواعه سواء كان قصة قصيرة أو رواية هو شكل من أشكال الدراما " . ولأن الحدث هو موضوع الدراما ، ولأنه موضوع الفلم والرواية على حد ٍ سواء ، فإن هذا الأمر يجعل المقاربة واردة كما يرد في تعبير مارتن من أن " السينما .. ـ كالرواية ـ حكاية .. والتتابع والمساهمة شبه المحسوسة .. وذاتية السرد .. والتحرر من عبودية الزمن كل هذه العوامل تساهم في جعل الفلم كالرواية " .
بلا شك أن مظهر التتابع وتوالي الأحداث والتحررمن قبضتي الزمان والمكان هي من سمات السرديات ، فالتتابع يحكم الربط بين الأجزاء المختلفة من خلال علاقة عضوية تتأكد بالأسباب والنتائج و يكون تدفق المسار الزمني فيها أمرا منطقيا . وهذه المشابه تقود الى معرض ما جاء في مقاربة لندجرن بين حالة القصة وحالة الفكرة الروائية حول مثال فورستر الشهير ( مات الملك ثم ماتت الملكة من الحزن ) فطالما نتفق على ان الأحداث تأتي تباعا وإن الحادثة الأولى ستكون سببا لمجيء الثانية التي تهيأت أذهاننا لأستقبالها و تلح في طلبها ، وكذلك يصبح شأن الزمن المتدفق أفقيا ودون توقف ، فإن ذلك يصبح منطلقا لأستعارة المقولة المذكورة آنفا بأن " كل ما نذكره هنا ، عن السرد القصصي والفكرة الروائية ، ينطبق بدوره على التتابع بين اللقطات التي يتكون منها المشهد السينمائي الواحد ، فإن إنتباهنا ينتقل من لقطة الى أخرى على أساس أن ما نراه في اللقطة الأولى يتبعه مباشرة من حيث الزمن ما نراه في اللقطة الثانية كما أن اللقطة الثانية تعرض ما نتوقع منطقيا ان نراه بعد مشاهدتنا الأولى وقد يكون ذلك لأن اللقطة الثانية تروي الأجابة على سؤال أثارته اللقطة الأولى أو أن اللقطة الأولى هي السبب واللقطة الثانية هي النتيجة " . ولكي لا نجافي الحقيقة ، فإن لا أحد يستطيع أن يتنكر لصفة التتابع هذه على المستويين ، الحدث والزمن ، لأن الأول يُبنى في حاضنة تراكم الثاني . ولهذا يبدو " أن الأسلوب السينمائي أشبه بإسلوب الرواية منه بإسلوب المسرحية ، فالطريقة التي تعرض بها الرواية قصتها وهي الوصف والسرد في الأساس ، يمكن مقارنتها بالطريقة التي ينتجها الفلم ، وهي الصور " . بيدَ أن من الأهمية بمكان التنويه بأن الفلم يعرض نفسه في تدفق مستمر ودفعة واحدة كما إن المتلقي يفتقد أستعادة ما مر منه أو ما صعب فهمه ، على العكس منه قاريء الرواية فهو يستطيع التوقف وقراءتها في فترات زمنية مختلفة كما يستطيع إستعادة ما مر من أجزاء سابقة " إن القصة الطويلة .. يقوم القاريء بقراءتها على أجزاء حسبما تؤاتيه ظروفه وكيفما يتراءى له " .
وبصرف النظر عن القواسم المشتركة بين السيناريو وصولا الى الفلم والرواية فإن المقاربة أمرا واردا لدى الجميع بشقيها المتجاذب والمتعارض .
ويمكن أن نجد مثل هذا التوجس بالمقولة التالية :ـ

" بما إن الأسلوب السينمائي على أية حال أشبه بالأسلوب الروائي فأن الفلم أشبه بالرواية منه بالمسرحية ، لا يمكن بالطبع أن يكون مثل رواية تماما ، إنما الفلم شيء أقل من الرواية ، ولكنه أيضا شيء أكثر من ذلك " وتتأكد هذه الفكرة مع التصور الآتي " بأن الفلم لا يمكن أن يحاكي الرواية محاكاة تامة في مسألة الأسلوب " .
فالفرق بين الوسيطين كبير جدا ويقول جيارا شراك " في الرواية نجد أن الشخصيات تفكر اما في الفلم فانت لاتستطيع أن تجعلهم يفكرون الا من خلال الصوت ، وعليك ان تظهرهم وهم يفكرون في ـ الصورة ـ وهذه من اهم الأختلافات بالنسبة لي .. لذا فان كتاب كبار يفشلون أمام هذا القيد ، فمثلا نجد في رواية ما (قال نعم وهو يفكر في لا ) حاول أن تصور ذلك ، او ان تعبر عنه من خلال الصوت "


من المؤكد أن التعبير المتوخى هنا لايمكن أن نحصل عليه الا من خلال الفعل ، ولعل هذا واحد من اهم أوجه تفوق الأدب على السينما.
وحتى حينما يؤخذ الفلم من رواية ويعد أعدادا أمينا وجيدا ، فهو في هذه الحالة يصبح كذلك شيئا مختلفا ، لأن خصائص الرواية غير خصائص الفن الاخر وعليه تصبح " المشابهة الحرفية مستحيلة " .
وتأسيساً على ذلك، من المفيد التذكير، إننا إزاء وسيطين تعبيريين مختلفين تماما لكل منهما إشتراطاته وأدواته التي تحكمه في التعبير والبناء وما يميزالرواية لذاتها غيرما يميز السيناريو لذاته وإن " السيناريو الأفضل هو القادر على خلق فلم أفضل " .
ومع ذلك يظل السيناريو محتفظا بإشكالياته الخاصة فمادة التعبير فيه لغوية بإخلاص بنيما مادة التعبيرفي الفلم الذي يأتي منه لاحقا ستكون متعددة كما ستكون شفراته هي الأخرى متعددة الأغراض ، هذا فضلا عن ان كتابته وقراءته تتجلى دائما بشكل متوالي تبعا لمسار خط أفقي يتمثل بالسرد المتعاقب ، وحتى مشاهد السرد العكسي أو العودة الى الماضي تلتزم بالترتيب التعاقبي في متن السيناريو الذي يحتفظ على الدوام بأحداثه المكتوبة في الزمن الحاضر .
ونتفق جميعا على ان كاتب السيناريو هو واضع حجر الأساس الأول للفلم السينمائي او التلفزيوني حيث يتمثل مسؤوليته بضرورة دفع الحدث وتفعيله وتحريكه الى الأمام بالأضافة الى تثوير الحركة بكل اشكالها ، وأن يمنح الأحداث والحوار شكلا ديناميا يواشج بينها وينتج فيها الأضطراب كما يوكد فيها التوازن كلما أستوجب الأمر
ذلك وأن يحرص على أن يبقـــى الـدفـــق الـحـــركي ساريا متناميا
بأضطراد متوترا حينا ومسترخيا في حين آخر متوافقا مع مجمل

ممارسة العرض لأن " الحقيقة التي لا يجب ان نغفل عنها هي ان أهم أعتبار بالنسبة للسيناريوالسينمائي ، هو يجب ان ينتج عنه فلم سينمائي متحرك " .
ولأن السيناريو نوع من الأتصال ،فإن ذلك يقتضي من كاتبه مواجهة بعض الأحكام على مستوى الموضوع والمعالجة الدرامية ، وهذه الأخيرة هي التي تمنحه تلك الميزة التي تتجلى بممارسة الكتابة والأشتغال بكيفية التعبير وتحويل الشفرات الى مادة دالة . وهنا لا بد ان يتوفر للسيناريست القدرة والموهبة وسعة الخيال وحسن الحرفية ليتمكن من جمع تفاصيل قصته ونسجها في حبكة متماسكة وبنية مترابطة تتمظهر بالسرد وأبتكارالأحداث والقدرة على الأقناع وبراعة البناء ، فالبناءالقوي المتماسك ضرورة من ضرورات السيناريو الجيد شأنه في ذلك شأن القصيدة او اللوحة التشكيلية التي تنطوي على عناصر متناغمة ومتوافقة في الترابط والتركيب والتعبير الذي يضج بالمواقف المشوقة التي تجعلنا نشعر بصلابة الحبكة وتوتر الأحداث ونموها بعيدا عن السطحية والإسفاف والتصنع ، هذا الى جانب أن السيناريست ليس حرا في توزيعه للأحداث على عدد كبير من المشاهد ، لأنه ملزم بمدة العرض وفي حدود الزمن المتعارف عليه بالنسبة للفلم او المسلسل التلفزيوني ، كما أن أطلاق صفة الجودة على سيناريو بعينه إنما تستند لقدرة كاتبه على تجسيد الوصف في المشاهد ، وليس على بناء الشخصيات فحسب ، لذلك فإن القدرة على الكتابة والتعبير عن الأفكار وإجادة وصفها تساعد الكاتب بالقبض
على.لمواقف ذات الجوهر الدرامي المفضي الى حراكٍ متوتر يسهم
في نسج قصة ذات حبكة جيدة تتفجر بشكل مثير عــبر الأحـــــــداث
والأداء البارع للشخصيات المتوافقة في ملامحها وابعادها مع طبيعة الأفعال والوقائع الملقاة على كاهلها .
القصــــــــــــــــــــة :ـ
إذا ما تجاوزنا عن وعي في هذه المرحلة دور الإعداد القصصي الذي يقوم به كاتب السيناريو لصالح السيناريو المبتكرالذي سيكون من نتاج تأملات وتجليات الكاتب نفسه من أجل التركيز وتكريس الجهد على الجهود الأصيلة على أعتبار أن محاولة الإعداد تتمحور حول جهود آخرين بينما يراد لهذه الدراسة أن تنصب على تأليف السيناريو بدون العمل على خميرة مصادر أخرى .
تعد الحياة الواقعية أفضل مصدرا لأنتقاء القصص وإلتقاطها " فلو كانت قصتك تتعلق بأفعال الناس ـ وهذا ما يجب أن تكون عليه ـ واذا كان لابد ان تكون جديدة وواقعية وقوية الإستجابة فيجب عندئذ أن تأتي قصص أناسك الحقيقين من الناس الحقيقيين " .
ولكن ليس لدى الجميع القدرة على رصد الظواهر المعاشة ووضعها في سيقات مؤثرة وحيوية لأن ذلك يتطلب بلا شك موهبة من نوع خاص، فضلا عن القدرة على تطويع الأفكار وتطويرها الى جانب القدرة على الكتابة لأنتاج أعمالا ناضجة وهذا لن يحدث مالم يتوفر لدى السيناريست ذاكرة بصرية تؤهله لألتقاط التفاصيل الهامة وحفظها ولا يتوقف الأمر عند ذلك لأنه سيكون بحاجة الى خيال وموهبة تمكنه من تنظيمها و تسييقها في مراحل تشيء القصة وصياغة خيوطها . ولا ينبغي " أن يكون كل كاتب قصة ..عبقريا أو موهوبا وإنما يكفي أن يكون على شيء من الذكاء والفطنة ، وقوة الملاحظة والقدرة على التعبير السليم مع شيء من حسن الذوق ورهافة الحس " .
ولا خلاف هنا على أن الموهبة والقدرة على الكتابة هما الفيصل الذي يميز كاتب عن آخر كما إنهما القياس المعياري الذي يرفع عملا الى القمة ويسم آخر بالضعف والركاكة ، ونحن لا نريد أن نتطرف بمطالبة الكاتب بأن يكون عالما بكل شيء بقدر ما نقول أنها ميزات مهمة ينبغي توفرها لدى الراغب بكتابة السيناريو بدءا من الكيفية التي يعالج بها قصته الذاهبة الى مشاهدي الشاشة وليس الى القاريء.
إذ ثمة أختلافات كبيرة في هذه الحالة بين الوسيطين، وفي هذا المقام يمكن قول الكثير عن الذي نتجنب الخوض فيه لئلا نبتعد عن الهدف المتوخى في هذا الجزء من الدراسة . ولكن يمكن التذكير بأن من بين جميع نقاط الأختلاف التي تميز السيناريو عن غيره من الفنون الحكائية الاخرى ذلك الأختلاف الجوهري المتمثل بأن السيناريو ـ فن زماني ـ شأنه في ذلك شأن المسرحية " أي يرتبط بوقت محدد "
بمعنى أن السيناريست في كل مراحل تطوير عمله الدرامي ملتزم بمساحة زمنية محددة متمثلا بزمن العرض الذي قد يستغرق في السينما من تسعين الى مائة وعشرون دقيقة او يزيد على ذلك بقليل في حالات نادرة . وفي هذه المساحة الضيقة التي تمنحه حرية محدودة لا يجد الكاتب وقتا للمناقشات والبحث عن المسوغات التي تدفع بشخوصه للتصرف على وفق هذه الطريقة او تلك ، فحواره مقتضب على الدوام ولكن واف ودقيق ، جمله مبتسرة ولكن تكشف عما يريد قوله فهو يكتب كي يتحول ما يكتبه الى صورة لاحقا .
والحقيقة التي ينبغي التسليم بها هي أننا من خلال علاقاتنا التواصلية بإمكاننا القول بأننا نعيش مع القصة وربما في داخلها،
ويقول ـ رولان بارت ـ " لا يوجد شعب لا في الماضي ولا في
الحاضر ، ولا في أي مكان من غير قصة " .
لذلك لا يبدو الأمر يحظ بمبالغة من أي نوع بقولنا أن هذا الحضور المهول للقصة في حياتنا يجعل منها شيئا كونيا بالغ الأهمية ، مما يرفعه الى مستوى ثقافة الأمة هذا فضلا عن كون" القصة نظاما لغويا يعكس من خلفه نظام ثقافة الأمة التي أبدعتها وحضارتها " . وتأسيسا على ذلك فإن فضائنا اليومي يبدو وكأنه ركام لا نهائي من الحكايات التي ننتجها ونستهلكها خلال نشاطنا اليومي فنحن نحكي عن الآخرين عن ذاتنا عن أحلامنا عن الأشياء التي نحبها او نكرهها ،وهي حكايات بالضرورة لا نقصد فيها بناءا جماليا ولا نراعي منظومة من المعايير والأحكام التي تمارس في مثل هذا الميدان مع كونه ملتزما بالتتابع والتنظيم السردي بيدَ أنه يفتقر الى الفنية وعليه سنصرفه عن أهتمامنا لأنه لا يضعنا في عمق الظاهرة رغم أنه ملتزم الى حد ما بشروطها . وإذا لم نجد في هذا ما يجعلنا نتفق على المفاهيم على أعتبارأنها ليست منمذجة وتخلو من أشتراطات الحكاية، الآ أن هناك أشكالا أخرى للحكايات هي بلا شك أكثر غنى وثراءا وتطورا ونمذجة تتوفر في المسارح والكتب وقاعات السينما وفي الوسائل السمعية والمرئية وهي ذات مسارات زمانية تبدأ وتنتهي ومُشيئة بكيفيات سردية لا نستطيع ان نقتطع جزءا منها من دون أن نتسبب بإرباك المتلقي .وهي بالتأكيد ليست مجرد قصص فحسب " وإنما عمل مقصود لذاته ، وهذا ما يجعل منها فنا تخبر معماريته عن معمارية العقل الكامن فيه ، وذوقا تكشف رهافته ودقته عن رهافة ودقه الأمة التي ينتمي اليها الفنان، ومعنى يفضح سره سر الكاتب وألق المجتمع الذي يكتب له. والقصة بهذا المعنى ، هي واجهة الشعوب ومراتها ، وهي المكتوب الذي يصور أدق سماتها وخصائصها . وهي ايضا اللوحة .
التي يرى فيها الأنسان رسم إنعتاق الذات من أُحاديتها ، وتحررها من فرديتها ، وإنعتاقها من من سجن رؤيتها الضيقة ودخولها الى رحاب تعدديتها ومطلقها .. ولعلها من أجل هذا كانت القصة وجودا دائما وحضورا مستمرا " ويعرج فورستر في ثنايا معرض حديثه عن القصة والحبكة على ذكرمثاله الشهير ـ مات الملك ثم ماتت الملكة ـ فيضع تعريفا فائق الدقة لتحديد تعريف القصة بقوله :ـ " أنها سرد للحوادث المتسلسلة زمنيا " وفي ضوءالتصورات التي سقناها آنفا نصل الى القول بأن ما يحضر بين إيدينا هو بلا شك متحقق على وفق مايلي :ـ
• إن له فضاء شكلي .
• مندمج في بنية حدثية .
• ملزم بالتعاقب الزمني .
• يتمحور حول حدث ما .
• تلعب فيه الأمكنة والشخصيات دور العناصر المجسدة .

ولا جدال بأن مثل هذا التجسيد أنما يمثل حضور فعال يطبع الحكاية ويمارس سماتها بجمالية وفنية مقصودة تدفعنا للقول بأن هناك وعي معرفي بأدواتها واليات تركيبها الحكائي . ونتفق جميعا على أن الحكاية تروي قصة وأن السرد القصصي هو المحرك الاساس في القصة ومن دونه لايمكن أن تقوم القصة لأنه القاسم المشترك بين
جميع الفنون الدرامية . القادرة على إشعال فتيل الفضول فينا بسبب رغبتنا الملحة في معرفة ما سيأتي بعد ذلك ، هذه الميزة هي التي
تجعل من القص العمود الفقري في القصة على حد تعبير فورستر حين يصف القص بأنه سرد قصصي للحوادث مرتبة تبعا لتسلسلها الزمني ،وهي السمة التي تبقي المتلقي متلهفا لمعرفة ما يلي :
ومن جملة الحقائق الهامة التي ينبغي وضعها في أعتبارنا بشكل دائم أن القصة القائمة على سرد الحوادث المرتبة والمتسلسلة زمنيا ينبغي أن تحكمها بالضرورة إشتراطات معينة يتمثلها الكاتب الشهيرـ هـ.ج. ويلزـ عند تعريفه للقصة بأنها " حكاية تجمع بين الحقيقة والخيال ..وأن تكون على جانب من التشويق والأمتاع ..وزاخرة بالأفكار والآراء التي تجعلك تفكر تفكيرا كثيرا بعد قراءتها " والقصة هنا ينبغي أن تكون قصيرة لأنها معالجة قصصية مختصرة للسيناريوالروائي القادم فيما بعد ومن المفيد أن نذكر بأن وصفنا الذي يخصها بالإختصار لايعني ابدا ً بأنها فصل من السيناريو مع وعينا التام بأن الأخير أكثر أهتماما بالتوصيفات والتفاصيل الدقيقة كما تشغل فيه الشخصيات مساحة أكبر وتتعدد فيه المواقف والأحداث ، بينما ترصد القصة وقائعا ذات أهمية بالغة وتركز على إبراز الأفكار او الأهداف او الشخصيات ذات الثقل الدرامي الأكبر فتضعها تحت الأضواء ، أنها الدفع بشيء بالغ الأهمية الى الواجهة كما أنها تركيب متجانس من الشخصية والحافز والحدث بتسلسل منطقي مترابط وصولا الى النهاية التي ينبغي أن تشتعل بوهج اللحظة الأخيرة التي " تركز عليها أشعة القصة كلها لتكون اللحظة المنيرة كما يحب أن يسميها البعض " لذلك فأن القصة تعد عنصرا اساسيا في السيناريو




الموضوع :ـ
سـُئل مرة المخرج والسيناريست الفرنسي ـ جان أورنش Jean Aurenche بعد أربعين عاما من الكتابة في مجال السيناريو ، هل تعتقد ان ثمة قوانين كبيرة تحكم هذه الكتابة ؟
- أجاب ،" لا أدري ، لم أطرح على نفسي هذا السؤال . أظن أن عملي يشبه عمل الروائي وليست هناك قوانين لكتابة الرواية ، واظن أنني امتلك تقـنية ألا أنني لست واعيا بها ومن المؤكد أنها ناجحة بالنسبة لي فقط ، فهي عبارة عن اسلوب في الحياة أو العيش .. فأنا أحب دائما أن أعطي دفعة صغيرة للواقع حتى يطير ..وبالتالي فأنا أخترع دائما مواقف مستحيلة، والذي لا أستطيع عمله في حياتي أدخله في عملي . ".
يتفق الجميع على أن لا حدود للأبداع وأن لاشيء يأتي من العدم وإن لاشيء يصل الى مبتغاه من دون عمل وتجربة طويلة ومستمرة وبالذات في مجال الكتابة الإبداعية وأصعب من ذلك حينما يكون الحديث يخص فن كتابة السيناريو لأنه حقل متعدد الأجناس الأدبية والفنية وهذا ما يجعل منه مختلفا وصعبا في وقت واحد ، لكن من السهولة بمكان رسم خارطة طريق تبدأ بالكتابة بعبارة اخرى ضرورة أجادة صنعة الكتابة بتكنيك محترف يساعد على بناء شيء ما ، وإن جانبا مهما من نجاح الفلم يرجع بلا شك الى السيناريو وليس الى الأخراج بحد ذاته . فإذا سلمنا بذلك يمكن أن نطرح التساؤل التالي من اين تأتي الفكرة أو القصة ، وفي الحقيقة لا أحد يستطيع الجزم بأنها
تأتي من المصدر كذا وكذا ..بل كل الذي نعرفه وندركه ونحس به



يصبح خلفية لألتقاط ومضة ما وهجا قادما من هناك من لا مكان من اللا شعور او من الشعور او ربما من المكانين معا ، وفي كل الأحوال ان المناقشات والحوارات المستمرة تساعد على أن تستحيل هذه الومضة الصغيرة الى إشراقة وضاءة الى نور وهاج يتسربل في ثياب موضوع ما ، موضوع يصبح بعد فترة وجيزة شيئا ذا قيمة وأهمية . شيء جنيني يمكن أن يتحول الى أرضية عمل متقن ، عمل جيد إذا ما توفر له سيناريست عارف ومدرك لأمكانات وأدوار أدواته التعبيرية ، قادر على التواصل مع المخرج وملما بالكيفية التي سيستخدم بها هذا الأخير ما سوف يكتبه الأول .
والموضوع لايمكن ان يكون شيئا مهما إذا لم يحظ َ بالرعاية الكافية فهو ليس اكثر من مجرد بذرة يتأسس عليها البناء المعماري للقصة ، مما يستدعي وعيا معرفيا وأفقا مفتوحا ورؤية فكرية نافذة فضلا عن خصوبة في الخيال وقدرة على التخيل لصناعة المواقف الدرامية إثناء تطور القصة وهذا لا يأتي بطبيعة الحال من العدم وإنما من الدربة والتجارب الكثيرة وتنمية قوة الملاحظة والقدرة على إلتقاط الموضوعات المهمة والنفاذ الى حقائق الأشياء بالإضافة الى تخزين أكبر قدر ممكن من الملاحظات والمعرفة التي يستعين بها في كتابة القصة . إما تطوير الموضوع الى قصة ففي الحقيقة ليس مسار واحد بقدر ما ينطوي على جملة من الأسس والقواعد التي تنظم مراحل تشكله وتجسده ( والتي لامجال لذكرها هنا ) لكن ذلك لا يعني أننا نستطيع ان نضع قوالب جاهزة تجعل السيناريست كاتبا راقيا بقدر ما ندعو الى الإطلاع والمعرفة بأصول هذا الفن الآخذ بالتطوربشكل منقطع النظير .



قائمة المصادر والمراجع :ـ

- آجيل . هنري : علم جمال السينما . ترجمة ابراهيم العريس . دار الطليعه للطباعه والنشر . بيروت : 1980 .
- بازوليني . بيير باولو:الوسيط السينمائي . ترجمة أبية حمزاوي منشورات وزارة الثقافه . دمشق : 2006 .
- بالاش . بيلا : نظرية السينما . ترجمة احمد الحضري . مطابع دار الشعب . القاهره :1991 .
- بارت . رولان : مدخل الى التحليل البنيوي للقصص . ترجمة منذر عياشي .الطبعة الثانية . دار الإنماء الحضاري . حلب . 2002 .
- بسفيلد . روجر .م ( الإبن ) : فن الكتاب المسرحي للمسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما . ترجمة دريني خشبة . دار النهضة للطباعة والنشر .القاهرة : 1978 .
- دولوز . جيل : فلسفة الصورة . ترجمة حسن عوده . منشورات وزارة الثقافه .دمشق : 1997 .
- دي جانيتي . لوي : فهم السينما . ترجمة جعفر علي . دار الرشيد للنشر . بغداد : 1981 .
- رايس . كارل : فن المونتاج السينمائي . ترجمة احمد الحضري الدار المصريه للتاليف والترجمة . القاهره : 1964 .
- رشدي . رشاد : فن الكتابة المسرحية . الهيئه المصريه العامه للكتاب . القاهره : 1998 .

ـ روم . ميخائيل : أحاديث حول الإخراج السينمائي . ترجمة عدنان مدانات . الفارابي . بيروت : 1981.
- الزبيدي . قيس . بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني . قدمس للنشر والتوزيع . سوريا : 2001 .
- ساليه.كرستيان :السيناريو في السينما الفرنسية . ترجمة دليله سي العربي . الهيئه المصريه العامه للكتاب. القاهره : 1995.
- سوين . دوايت : كتابة السيناريو للسينما . ترجمة احمد الحضري الهيئه المصريه العامه للكتاب . القاهرة : 1988.
- فال .يوجين : فن كتابة السيناريو . ترجمة مصطفى محرم . الهيئه المصريه العامه للكتاب . القاهرة : 1997 .
ـ فولتون . البرت : السينما آلة وفن . ترجمة صلاح عز الدين وفؤاد كامل . مكتبة مصر. القاهرة : 1958 .
- فيلد . سد : السيناريو . ترجمة سامي . محمد دار المأمون للترجمة والنشر. بغداد : 1989 .
- قباني . حسن : فـن كتابة القصة . الدار المصريه للتاليف والترجمة . القاهره .
- لندجرن . أرنست : فــن الفـلم . مؤسسة كامل مهدي للطباعه والنشر القاهره : 1960 .
- مارتن . مارسيل : اللغة السينمائية . ترجمة سعد مكاوي . الدار المصريه للتاليف والترجمة . القاهره :1964
- هاري فيلدمان .و جوزيف: دينامية الفلم . ترجمة محمد عبد الفتاح قناوي . مطابع الهيئه المصريه العامه للكتاب. القاهره : 1996 .

ـ هيرمان . لويس : الأسس العلمية لكتابة السيناريو . ترجمة مصطفى محرم . منشورات المؤسسه العامه للسينما. دمشق : 2000.



#كاظم_مؤنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشكل الخطاب الاتصالي و الفعل اللغوي
- سلطة اللغة وحاملات المعنى


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كاظم مؤنس - ثنائية المقروء والمتخيل - السيناريو في مراحله الجنينية