أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى العمري - الفنان سعدي توفيق البغدادي أحجية لم يفهم شفرتها الزمن















المزيد.....

الفنان سعدي توفيق البغدادي أحجية لم يفهم شفرتها الزمن


مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)


الحوار المتمدن-العدد: 7891 - 2024 / 2 / 18 - 22:48
المحور: الادب والفن
    


يتصلّب الانسان على مكشوفاته الأولى فتحوله الى كائن متجانس و مطمئن ويحولها هو الى مألوفات و إعتيادات طبيعية في حياته, فيغدو معها وبها محبوراً و مستسلماً, ويعد الانفصال عن أي طبيعة او مجتمع بمحاذاة المخاض و الفاقة, الا عند النخب فالأمر ربما مختلف قليلاً. والاختلاف هنا يأخذ أبعاداً و تمددات مغايرة, فالاشخاص الذين يقصيهم القدر الى نزوعات متعددة، يقصون هم شوائب ما تكالب عليهم من تجارب الحياة و أفانين الدهر بطموح و إرادة.

وليس يسيراً ان تتفوق و تتقدم و تنجح وانت تعالج عين الحياة بماء الصدأ, وتضارع البقاء بدفع الفناء. لكن لا شيء محال على من يمتلك همة و شكيمة.
وها نحن اليوم نتحدث عن أحد اولئك الذين صارعوا الحياة من أجل البقاء فبقى و مكث و سجل أسمه بمدونة الثقافة الفنية الكبرى.
سعدي توفيق البغدادي أحد أهم الأصوات الغنائية العراقية يمتلك صوتاً شجياً مرهفاً و مغدقاً بالحنان. كابد و عانى من أجل ان يصل الى ما وصل له الان.
كان عمره ثلاثة أعوام عندما كان يلعب قرب محل والده, شعر بوخز بعينه بعدما أصابته شقيقته اثناء اللعب،سارعت والدته إلى تطبيب عينه على طريقتها والظاهر انها أطفأت نور عينه بدل ان تطببها له وماهي الا ساعات قليلة حتى سار التوعك و الاحمرار الى عينه الأخرى وبهذا الحال ينسدل ضوء و ستار الحياة على الفتى الذي لم يفقه الحياة بعد, ويغمض عينيه و رؤيته الى الابد.

و كأن أجراس القدر و نواميس الطبيعة قد إستفزها هول المصاب فحاولت تعويض ما افتقده هذا الطفل البريء, وفعلاً تجشم الطفل النابه وعورة الحياة وقطع بها أشواطاً غاية بالاهمية.
ولد الفنان الأستاذ سعدي توفيق البغدادي عام 1941 بالعاصمة بغداد في منطقة تبّة الكرد, دخل معهد المكفوفين عام 1949 و تخرج منه عام 1956 بعد ان تخرج من المعهد والذي لم يوفر له وظيفة لم يكن أمام هذا الفتى الطامح و المتفائل بالحياة الا ان يعمل ببيع الصحف في تقاطعات المارة و أسواق التجار وحياكة الكراسي من الخوص. ولأن عقل الأستاذ سعدي مملوء بالنشاط و المثابرة والتحدي, غامر لأن يقود حياته بعنفوان و إرادة, وعدم الاستكانة و الرضوخ لمحكيات القدر او التباطئ بمزاولة متطلبات الحياة بسبب التدنيس الذي أرهق جسمه وأصاب نظره.
عام 1963 قصد ركن الهواة متحاملاً على العوز وحاملاً معه الأمل, ومع صوته العذب كان يجيد العزف بالناي وبين معزوفة الناي و بين الصوت الشجي المكروب تندمل جروح الزمن بعد ان تذرف عذاباتها من خلال رقيق الدموع الموجعة.
كان يغني " يم العيون السود " عندما سمعه المطرب الكبير المرحوم ناظم الغزالي فدنا منه وتحدث معه و أثنى على صوته.
يبدو ان ركن الهواة فتح له شيء من طموحاته و أمله, فتوسع فنياً و أحيا بعض الحفلات مع كبار الفنانين العراقيين أمثال داخل حسن, حضيري أبو عزيز, وحيدة خليل, صاحب شراد, لميعة توفيق وغيرهم..

لم يشكل فقدان النظر للفنان سعدي توفيق ملمحاً للإنكسار او التثبيط فسار و تحرك بجدارة و شموخ, لكن المؤسسة التي يُفترض منها احتواء الطاقات و القدرات والنوابغ, أشعلت عود ثقابها بباحة طموحاته و توجهاته, عندما أعلنت مؤسسة التلفزيون رفضه و أقرانه من المكفوفين بظهورهم على شاشة التلفزيون, فعمدت تلك المؤسسة الى فقأ عين الامل عند الفنان سعدي توفيق و الفنان سعدي البياتي الذي كان يشاطره ذات الألم.
وبالحديث عن سعدي البياتي, سألته مراراً عنه وعن شخصيته و عذوبة صوته, قال البياتي صديقي و عزيز على قلبي,فهو زميل دراسة عندما كنا بمعهد المكفوفين تقاسمنا هموم الحياة وكانت مآسينا و عذاباتنا و أفراحنا متشابهة.


ومع ضنك الحياة و متطلباتها القاسية يجب ان يوفر ما يلزم لكي يعيش كما تعيش الناس, فمكث مدة طويلة يكتسب رزقه من تسجيل الأغاني بالكاسيتات ويقيم بعض الحفلات الخاصة, وفي هذه الحقبة خرجت اعظم أغانيه وهي بالعشرات.
عام 1980 سُمح له بالظهور على شاشة التلفزيون العراقي بالحفلات الريفية او المقام العراقي الذي يُجيده بمهارة.
تزوج المرة الأولى عام 1973 ولم يشأ قدره ان يخلي سبيله فقد توفيت زوجته بعد حين بعدما رُزق منها ببنت. وتزوج المرة الثانية عام 1988 عندما جمعته روابط حب و تجاذب قوي بينه وبين زوجته الحالية له منها بنتان و ولد أحدى بناته تدرس الطب.

عام 2005 أشتد أوار الطائفية بالعراق و تزايدت قنابل الموت و رصاصات الاغتيال الطائش وهدر الأرواح المجاني, خرج عفريت الجن فانسكبت عقول الناس بلظى الحريق ونفث الشيطان بأفكار الناس فمسخهم الى أوباش بهياكل معوجة.
ليس هناك ما يبرر البقاء ولا مسوغ للعيش مع هكذا نمط من الناس غير المألوفة على تأريخ بغداد, خرج من بغداده التي عاش بها كل عمره غادرها مخبوأً وجلاً و منتكساً.
وكأني به يردد أبيات من قصيدة الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد

كبيرٌ على بغداد أنّي أعافُها
وأني على أمني لديها أخافُها
كبيرٌ عليها، بعدما شابَ مفرقي
وجفَّتْ عروقُ القلبِ حتى شغافُها
تَتبَّعثُ للسَّبعين شطآنَ نهرِها
وأمواجَهُ في الليلِ كيف ارتجافُها
وآخَيتُ فيها النَّخلَ طَلعاً، فَمُبسِراً
إلى التمروالأعذاقُ زاهٍ قطافُها
تَتبَّعتُ أولادي وهم يملأونها صغاراً
إلى أن شَيَّبتهُم ضفافُها

عاش فترة متنقلاً بين الدول العربية الى ان ساقه القدر الى ولاية وسكانسن الامريكية الشمالية النائية وذلك عام 2012
الرجل الذي لم يشكو من وجع الفقد و غياب البصر و ضيق العيش, يشكو الان و بحرقة و ألم و حسرة من الغربة و بعده عن الوطن و الأهل وعدم تواصل الأصدقاء و الإعلاميين معه. والحق أقول سمعته عشرات المرات بحديثنا بالتلفون ينتقد بعض الأغاني و يصحح بعضها و يقوّم الأخرى, فالاستاذ سعدي يمتلك حس نقدي تصحيحي للأغنية العراقية و العربية.
يسكن الان بولاية بعيدة و مقصية عن ربوع الجالية العربية تنهداته و توجعاته و حسراته يمكنك ان تشعر بها من خلال أول آه يطلقها من صوته المعجون بالام والدنف العميق.
صديقي أستاذ سعدي أتمنى لك الصحة و السلامة وانت تعالج خريف أيامك بغربتين غربة الوطن و غربة إهمال شريحة واسعة من الفنانين و الإعلاميين لتأريخك وعمق ثقافتك الفنية.



#مصطفى_العمري (هاشتاغ)       Mustafa_Alaumari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية التفكير و مناورة البحث. سؤال مختصر.
- كتاب تحرير وعي الفرد العراقي
- معاناة كاتب مع دار نشر الفارابي ..
- أنسنة المجتمع أفضل من أدينته
- قراءة في كتاب .. غربة في مهب الريح
- هكذا مرت الأيام ..
- رحيل مخضب بدموع اليتامى
- وهم الاعقادات الدينية وباء من نوع آخر
- الإلحاد طفو سطحي أم عمق ذاتي؟
- محطات في الذاكرة
- العقل و أسئلة الجدل التأريخي..
- سلطة البيئة في الهيمنة على الأفراد .. سفرتي الى مصر
- الوجدان العربي و تخمة الهتافات عند الجماهير
- الاسلام و الحداثة
- أسئلة في العمق
- العقل البشري .. بين حذاقة الاستقلال و سفاهة التقليد
- عرب في أمريكا
- داعش .. نحن عندما نتمسك بالنص الديني
- نصوص الفقه و خطاب السيد علاء الهندي
- الخطاب الواعي تجسير بين ضفتين .. لقائي بالشيخ عبدالفتاح مورو


المزيد.....




- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
- حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال ...
- ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
- فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
- محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح ...
- دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب ...
- كراسنويارسك الروسية تستضيف مهرجان -البطل- الدولي لأفلام الأط ...
- كيت بلانشيت تدعو السينمائيين للاهتمام بقصص اللاجئين -المذهلة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى العمري - الفنان سعدي توفيق البغدادي أحجية لم يفهم شفرتها الزمن