مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)
الحوار المتمدن-العدد: 6851 - 2021 / 3 / 27 - 22:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
هكذا مرت الأيام – بلقيس شرارة
أي دنفٍ ذلك الذي يخترقك و يمزق ذاتك و يحولك كائن مشدود للماضي, مع كثير من الآهات التي لا تهدأ. انه زمن الضحالة و التراخي المسف, فعندما تتوقد العقول و تنمو النفوس و تنضج يغدو من الصعب إنحدارها او تقهقرها, لكن الذي حصل بالعراق هو بالفعل ذلك الدنف و الانحدار الذي يُذيب الروح لبلد ننتمي له بالفطرة.
هكذا مرت الايام .. كتاب الاستاذة بلقيس شرارة زوجة النحات و الفنان العراقي رفعت الجادرجي, قرأته منذ فترة و الان عثرت على بعض ما دونته من فقرات أجدها مهمة , الكتاب رائع فهو يبرز تقدم العقل العراقي و نموه في حقبة الاربعينات و الخمسينات و الستينات.
أرتأيت ان أنشر بعض من تلك الفقرات لعل هناك من يستطيع قراءة الكتاب.
مصطفى العمري
كنا نلقن دروسا في البطولات التي قام بها كل من ستالين و لينين اللذان أصبحا رمزاً وشعاراً للنضال ضد الإمبريالية كانت النظرة إليهما يشوبها التقديس و التالية ولا يمكن نزع هالة التقديس و توجيه النقد لمثل هذه الشخصيات
فقد صورة الاتحاد السوفيتي بالجنة الموعودة و يوتوبيا المستقبل الذي آمنا به. و اخترقت المنظمة بذلك بساطتنا و حماسنا بالطاعة العمياء الى اللواتي أنيطت بهن مسؤولية تنظيمنا.
كنا نتصور أن سكان الاتحاد السوفيتي يرفلون بالسعادة لأن مجتمعهم حسبما صُور لنا مبني على المساواة و العدالة الاجتماعية ، وكم ابتعدنا عن انصاف كتّاب من امثال أندريه جيد عندما كتب ضد الاتحاد السوفيتي بعد عودته عام 1932
كما سخرنا من كتابات الكاتب الانگليزي أورويل، واعتبرنا كتاباته تمجيدًا للاستعمار البريطاني و خاصة كتابيه " مزرعة الحيوانات و 1984”
ولم نفق من سباتنا الا عندما بدأت حملة خورشيف برفع تماثيل ستالين و نقل جثمانه من الساحة الحمراء و فضح أساليبه اللانسانية في التخلص ممن يعتبرهم متآمرين و خسرنا بذلك الأفكار التي كنا نؤمن بها و أصبنا بخيبة امل.
ص90
كنا نمسك بذيل عباءة والدتي ، عندما يكون الصحن مزدحما بالناس ،خاصة أيام الخميس . تدخل والدتي إلى داخل الضريح ، وتقف خلف « إمامي » يصلي بجماعة من الناس ، بعد أن ينتهي من الصلاة ، يلتفت إليها ، فتعطيه مبلغا من المال ، ثم ندور حول الضريح ، تنساب دموع بعض النسوة وهن يربطن شرائط خضراء اللون بالضريح ، متمتمات بكلمات مبهمة غير مفهومة ، طالبات « المراد » أمام قفص الإمام ، يكين بحرقة بكاءً خافتا ! لم أكن أدرك ما تعنيه هذه الطقوس ، لكني كنت استغرب بوعي الطفولي من جسم مسجي ، مات منذ مئات السنين قادر على تنفيذ طلبات ورغبات النسوة اليائسات والمتضرعات إليه ، اللواتي بنين آمالهن على الغيب والابتهال. ص78
استمع إلى تلك القصص والأساطير المتعلقة بالحياة البطولية والشجاعة الأسطورية لأدوار الأئمة الشيعة المتمثلة بدور الإمام علي وأولاده وأفراد عائلته ، فقد كنث معتادة على المبالغة في رواية القصص والحكايات التي كانت تقصها علينا خالتي قبل النوم في لبنان . ولكن الاختلاف هنا ، أن هذه القصص والشجاعة الأسطورية ، موجهة للكبار وليست للأطفال
كتاب هكذا مرت الأيام/ بلقيس شرارة / ص 57
أن الطلبة في المدارس العراقية ، مفطومين على ثقافة التلقين . فالطفل يبدأ حياته بتلقين القراءة وجدول الضرب ، ولم ينته من الدراسة الابتدائية حتى تكون شخصيته قد تكونت ، معتمدة على التلقي والتلقين . فمعلم الابتدائية ومدرس الثانوية وأستاذ الجامعة بنهجون نفس الأسلوب في التعليم ، وتبعه التلقين الحزبي الذي ساد في مجتمع الحزب الواحد وهيمن على حياة الناس ، فلا يبقى أمام الفرد إلا الانسياق في هذا التيار ، فهو محاصر من كل جانب ، ولغة الحوار وإبداء الرأي بعيدة عن ممارسة العراقي ، لأنه ترعرع في أحضان ثقافة التلقين والأمر ، في البيت والجامع والمدرسة والدائرة التي يعمل فيها ، وبذا أصبح مشلول التفكير . ص 94
قرر مجلس الأعمار جلب خيرة المعماريين العالميين من أوروبا والولايات المتحدة ليقوموا في تصميم بعض الأبنية الحكومية المهمة والتقيت بالمعمار الإيطالي Gio Ponti
الذي صمم بناية مجلس الإعمار في باب الشرقي واشتهر بعمارته
Pirelli
التي كانت من أوائل الأبنية التي احتوت على 32 طابق في اوربا.
ص 105
.. وجد خير الله طلفاح ) في بستان الفحامة ما يصبو إليه ، وفکر أن يستولي عليه ، فهو في منصب يخوله أن يقوم بالمخالفات القانونية من غير محاسبة ، فمن له الجرأة أن يقف أمامه بعد المشانق والقتل واختفاء الناس ، الذين عارضوا السلطة ! ولكن عندما وجد رفعة أن طلفاح طامع ببستان الفحامة ، أقام دعوى عليه ، وفي اليوم الذي صدر الحكم ضده ، كان جواب طلفاح على ذلك أن بعث البلدوزر إلى بستان الفحامة . فابتلعت الأقواس وهدمتها ، ورفعت الطابوق « الفرشي » من الأرض وكسرته ، وتحطمت الأعمدة الخشبية ، والأثاث ومرافق الحمام . اقتلع البلدوزر كل ما يعترض طريقه ، وانقلب حطامًا. إنه درس لكل من يعترض على أسياد البلاد الجدد ! و تحول القانون إلى عجينة يخبزونها كما يشاءون حسب مصالحهم. ص 245
كانت الموضة الدارجة آنذاك « الميني جوب » ، فكانت بعض فتيات الكليات يرتدين التنورات القصيرة جدا فوق الركبة ، كاشفات عن جمال السيقان إن كانت ممشوقة الطول ، أو مكتنزة باللحم ، وأصبح شباب الكليات يطولون شعورهم كموضة شعر المغنين الإنكليز بيتلز » حيث ترجمت الكلمة إلى العربية بالخنافس / Beetles ، بينما الصحيح هي كما جاءت بالانكليزية Beatles / القارعون أي ( قارع الطبل ) . فأصدر نائب رئيس الجمهورية صالح مهدي عماش، تعليمات تقضي منع الشعر الطويل والتنورات القصيرة ومخالفة تلك التعليمات تترتب عليها عقوبات شديدة ، كما اعتبرت مخالفة للأخلاق والعرف
في بلد مثل العراق ! فهجمت بذلك العقلية الريفية المحدودة النظرة على المدينة ، وكانت بداية الاتجاه منحرف خطر ، وهو التدخل حتى في القضايا الصغيرة الخاصة التي تتعلق بحرية الفرد ، و بذلك حرمت الحكومة الفرد من أبسط حقوقه ، وهو حرية مظهره أو زيه . ص 251
وصادفت إجراءاته تلك مع عودة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري من غربته الطويلة إلى بغداد ، ولكم كانت مفاجأة الجواهري عندما سمع بتدخلات عماش ضد الحريات الشخصية ، فاضطر
وهو الناشد للهدوء إلى الاحتجاج عليه قائلا :
نبأت أنك توسع الأزياء — عتاً وإعتسافا
و تقبس بالافتار— أردية بحجة أن تنافا
أترى العفاف مقاس أقمشة ؟ — ظلمت إذا عفافا
و استمرت سجالات شعرية بين الاثنين ، انتصر فيها الناس والرأي العام للجواهري واضطرت وزارة الداخلية إلى التراجع عن قرارها » . ص253
#مصطفى_العمري (هاشتاغ)
Mustafa_Alaumari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟