أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - قصة الهوتة















المزيد.....

قصة الهوتة


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 7889 - 2024 / 2 / 16 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


قصة: ( الهوْتـَةُ )

أحملُ رأسي متسكعاً فوق الأرصفة أتابع ُ التسكّع , ولا زلتُ أحمل ُ رأسي

, أذهبُ به إلى حاراتٍ بعيدة , أمتعةُ بمنظر البنايات الشاهقة , والأشجار

المزروعة بإتقان فوق الأرصفة , أو على زوايا الطرقات , ثم ألوب به

إلى حاراتٍ تفوحُ منها رائحة ُ العَطَن ِ , ورَوْثُ الأغنام ِ , والأوادم

ِ البشرية ِ , ألفُّ بشكلٍ دائري إلى القرية التي تلطي بجانب المدينة .

حيث في الأيام التي يفتقرُ فيها الناس ُ , وتشحُّ السماء ُ بالمطر , يذهبُ الشيوخ ُ

والنساك ُ , لجمع الحصى من نهر الفرات , فيُكوَّمونَهُ تلالاً .. تلالاً , ثم

يأتون بالمزامير والدفوف , ويبدأ ون حلقات الذكر , وتبدأ ُ الهوسة يتلاحم

الرجال مع السماء , ويتطاولون كالمردة, أو يأخذون هيئات ٍ مختلفة ثم

يتوحدون مع الأولياء والصالحين , ويبقرون بطونهم بالدرابيش أو

الخناجر , والأفعوانات تُرى تتراقص فوق أكتافهم , ويأكلون الجمر

والزجاج , أو يدخلون النار ويخرجون منها برداً وسلاماً , وكأنّهم

خرجوا للتو , من غرفة دافئة , تسيلُ قطراتُ العرق على جباههم , وفي

مثل هذه السنين ," يتحول أبو حميد ", إلى سلطان تلفّ أذرُعُهُ المدينة َ ,

ويحاصرها من كل الجهات , وتظل عمشة معشوقته , هي صاحبة ُ

القرار الخفي في كل ما يتعلّق بالمدينة , من شبهاتٍ وقضايا تخفى على

اللسان , أعود مجرجراً خطاي , باتجاه باب بغداد (1) فأرى حفرة ً كبيرة ً يغتسل بها الرعاةُ والكلاب ُ والبطُّ البريُّ , فيركب ُ رأسي رأسَهُ ,

ويغتسلُ بهذه البركة النتنة , وبينما أسيرُ وأنا أحملُهُ , تخرجُ منه حيتان كبيرتان , لهما رأسان عظيمان , وأنيابٌ يقطرُ منها سمٌ لزج ٌ , فيهرب ُ مني رأسي , تفرّ به الحيتان فأحاول اللحاق به , قدماي تَـَهـِـنَان فأخر ّ صريعاً .وأتهيب ُ الدخول إلى المدينة وأنا " بلا رأس, " وبعد برهة , أدخلها مجبراً, فأرى الناس , يمرون بالقرب مني , وهم يتهامسون , ثم ينظرون إليّ بفزع ٍ
ويتصايحون , إنه الشيطان ,ويتجمعون وهم ينبحون بصوت ٍ واحدٍ , اقتلوه ارجموه , تحّولَ الرجلُ الذي بلا رأس ٍ , إلى كتلة لحمية طرية مهترئة , تسير على الأرصفة بلا مبالاة , بلا عيون , بلا أنف بلا فم ,

مجّرد هيكلٌ لحميٌ , له عنق طويل , مثل ديك الحبش , " وله نهايات مدببة ,"
كأنها الأشواك , تسيل على كتفيه , حبيبات ُ دم ٍ وعرق ٍ متجمد .. الناس يتصايحون , النساء ُ يركضن , الأطفال يصرخون , الرجالُ خفافيش ُ ليل… , الرعب ُ والفزع , يدبّ في المدينة , بيوت ُ " التَنَكْ " تطلّ منها الرؤوس ُ المشرِئّبة , تماماً ، مثل الرؤوس التي تطل من البنايات العالية , التي لا تطال نهاياتها السلالم المرتفعة , قال: الرجلُ الذي بلا رأس ,

يجب أن أفرّ من هذه الضوضاء , وهذه الأصوات النابحة , ومن هذا الفحيح , وهذه المدينة الملعونة.
عاد الرجل ُ إلى بيته , قرع الباب , فتحت له زوجُهُ الباب , أكّدَتْ له , أنّ زوجَها غير موجود , وأنّ بإمكانه المجيئ إليه مرة أخرى ,

دَلَفَ الرجل مسرعاً وعندما رآهُ الأطفال بدأوا يتصايحون بأصوات غير مفهومة؛ والخوف يتملّكهم.

ولكنّ إبنته الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها "ثلاث سنوات " اقتربت منه وصاحت

: بابا – بابا .. وركضت إليه تحتضنه ، أكد لها أخواها أن هذا ليس بابا هذا رجل غريب
ودار الحوار التالي بينهما :
نعم إنه و..ح… ش.
يشبه كرندايزر
وهو بلا رأس
ينظرا إليه بريبة.
خطفوا رأسهُ الحرامية
وصرخا بصوت ٍ عال ٍ
الرجل ُ الذي بلا رأس راح يتسكع من جديد على أرصفة الطرقات.
متناسياً الضوضاء , والفحيحَ والحشدَ الذي يكبر شيئاً فشيئاً وراءه مزمجراً ومصدراً , همساً رهيباً , حيث تتداخل الأصوات مع بعضها البعض .
وتُشكّلُ نسيجاً هائلاً , من التداخل الصوتي ْ غير المتجانس , الذي يشبه ُ أصواتاً , آتية من مقبرة ٍ هائلة ٍتضمُّ ملايين البشر , الذين قاموا من يوم حشر ٍ ،بدأ جَسَدُ الرجل الذي بلا رأس , يتحول إلى غيمة ربيعية,
الناسُ يتجمعون في الساحات , وهم يحملون لافتات الاحتجاج , على الرجل الشيطاني , الذي تلبّس المدينة , ثم ارتداها بنطالاً ضيقاً مهترئاً ,
كلّهم يرتدون أقنعة , سوداء وبيضاء وحمراء , بعضهم أقنعتهم ممزقة ،والبعض الآخر تُظهر وجوههم, التي تتطاول وتـتـثلّـث أوْ تتربع, وأحياناً تأخذ أشكال رؤوس متداخلة فيما بينهما . أو رؤوس رُكّبت فوق رؤوس ,
وتأخذ أحياناً أخرى شكل رؤوس تشبهُ الرؤوس الآدمية, والرجل لازل يبحث عن رأسه الذي وَلَّى , وكل ما يخشاه أن يكون قد ارتدى قناعاً , مثلهم إذ ْ كيف لهُ أنْ يعرفه , بين هذه الأقنعة المترامية الأطراف .
, ترك حشود الأقنعة , وتوجه متهادياً
إلى- نهر الفرات- الذي استقبله بفرح طفولي,
وهو يربتُ على كتفيه ويهدهده, ويحكي له
قصصاً مختلفة عن أُناس ٍ عاشرهم , منذ ملايين السنين , فالبعض أحبّه وقدس أقدامه المائية
والبعض ,( بصق على لحيته البيضاء ), أو قذف في عينيه ِ قاذورات المدن وجيفها, ومفرزات أحشائها, وحدثه عن النساء والأطفال , عن الشيوخ والصبايا .
, عن العشاق وليالي السمر , وعن أشجار الغَرَبِ والطرفاء والزيزفون والسرو , التي بدأت تهرم , وعن مكافأتهم له ولجلال شيخوخته, ولحيته الوقور البيضاء ,
وكيف تنظفها الأسماك ُ , من أدرانهم ,
وقال: الفرات هم هكذا دائماً , أبناء البشر يا ولدي ,
وبكى بدموع ٍ مائية ٍ حزينة ٍ ذات احمرار يشوبه السواد: وَحَمَل رأسَ الرجل الذي هو رأسي, من أعماقه المائية , وركّبه تماماً مثلما كان فوق عنقي , وبيديه الحانيتين , أسقاني ماءاً فراتاً. ,
وبعد برهة من التأمل , في عينيه الوادعتين الحنونتين , عدتُ أدراجي إلى المدينة , التي كانت تغرق بالسبات العميق ، العميق.

(1) باب بغداد باب اثري قديم يقابله باب الرقة في بغداد حيث تدخل وتخرج

القوافل منه إلى المدينة في زمن العصر العباسي

كتبتُ هذه القصة في الرقة. عام 1988 م وهي من مجموعة قصصية بعنوان. -الهوتة - لم تطبع بعد.



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجسر المعَلّق
- مفهوم الأدب الحديث.
- أسودٌ نهارنا
- قضية الشعب. الكردي
- نص أدبي
- رسالة أب مكلوم
- مالذي تعنيه الحرب؟
- مخبر في عالم السياسة
- بسملهْ
- المفكر الكبير. جريس الهامس. ومعادات الطغاة
- المراة السورية سيدة الألم
- على ساق واحدة
- وطني المُباع
- القاص صبحي دسوقي.
- القاص. طلال شاهين.
- نصفاك مصنوعان من وجد ٍ
- القاص والروائي. عمر الحمود
- الروائي والأديب الكبير الفلسطيني. محمود شاهين
- حروفُ سماوات البوح والمعنى
- سلوى


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - قصة الهوتة