|
لينين والشيوعية والأدب الإبداعي
حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)
الحوار المتمدن-العدد: 7886 - 2024 / 2 / 13 - 16:48
المحور:
الادب والفن
لينين والشيوعية والأدب الإبداعي إن الأدباء، سواء بدافع فطري أو كنتيجة للتفكير والتأمل، كانوا دومًا واعين بموقعهم ضمن إطار الإيديولوجية الشيوعية. لقد تعاملوا بجدية مع الشيوعية لأنها بدورها أخذتهم على محمل الجد. لذا، فإن أي تناول تاريخي يدرس العلاقة بين الشيوعية والأدب الحديث يُعدّ توثيقًا لتاريخهما معًا. إن ماركس وإنجلز كانا في صلب جوهرهما مفكرَين وأديبَين، كما أن لينين منح الفن أرفع أشكال التقدير. كذلك، كان تروتسكي أديبًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى احترافي. وإن الأعمال الأدبية والأدباء، حتى في ظل حكم ستالين، كان لهم دور محوري في تشكيل الاستراتيجية الشيوعية. ولا يمكن إنكار واقع أن عددًا كبيرًا من الكُتّاب والفنانين والمفكرين تعرضوا للقمع في عهد ستالين، بل لقي بعضهم حتفهم أيضًا. فقد تم النظر إلى الأدب على أنه قوة خطيرة ومؤثرة بشكل محتمل. من أكثر العلاقات تعقيداً وسحراً في تاريخ الفكر الإنساني، هي العلاقة التي جمعت بين مفهومي الشيوعية والأدب. إذ إن هذه العلاقة لم تكن مجرد تفاعل سطحي أو عارض، بل كانت دائماً تمتلك عمقاً يعكس فهم الكتّاب، سواء بشكل تلقائي أو بعد تحليل وتفكير معمق، لدورهم وموقعهم ضمن إطار النظام الفكري الشيوعي. وإن تاريخ العلاقة بين الشيوعية والأدب هو بمثابة سجل تاريخي مشترك يتشابك فيه السياسي مع الثقافي. يشير إلى تأثير شخصيات بارزة في الفكر الشيوعي مثل كارل ماركس وفريدريك إنجلز، الذين لم يكونا فقط من المنظرين البارزين للشيوعية، بل كان لديهما تقدير واضح للأدب كوسيلة تعبير إنساني. كما يسجل الدور الذي لعبه لينين في دعم الفنون بشكل عام وقراءته الدؤوبة لما يقدمه الأدب من رؤى ثقافية، بالإضافة إلى الخلفية الأدبية العميقة التي كان يمتلكها ليون تروتسكي والتي أثرت في فهمه للصلة بين الأدب والسياسة.
ورغم التطورات الإيجابية لهذه العلاقة في بداية عهد الشيوعية، إلا أنه مرت حقبة مظلمة ارتبطت بفترة حكم جوزيف ستالين. ففي تلك الفترة القاسية، على الرغم من أن الأدباء وأعمالهم قد ساهموا في صياغة جزء من الاستراتيجية الثقافية والسياسية للشيوعية، إلا أنهم كانوا في ذات الوقت عرضة للاضطهاد والقمع الشديد. و كان السبب وراء هذا القمع يكمن في "الإدراك العميق لخطر الأدب كقوة تغيير محتملة"، إذ كان الأدب دائماً يُعتبر أداة قادرة على تحفيز النقد الاجتماعي والسياسي وإلهام الآراء المناهضة.
و إن الكُتّاب والأدباء، بما يمتلكون من عمق فكري ووعي اجتماعي، كانوا دوماً في طليعة القوى التي تسعى إلى نقد المجتمع ومراجعة قضاياه الملحة. ولأن الشيوعية كأيديولوجية تطمح إلى تغيير الهياكل الاجتماعية والاقتصادية من أجل تحقيق العدالة والمساواة، فقد كانت مصدر إلهام وجذب للعديد من الكتّاب الذين رأوا فيها أداة ممكنة لتحقيق رؤاهم الطموحة. وبالتالي، كان الأدب في كثير من الأحيان وسيلة هامة للتعبير عن أهداف الشيوعية والترويج لمبادئها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الدور البارز، لم تكن حرية التعبير محمية في ظل الحكم السوفييتي في بعض المراحل، خاصة أثناء فترة حكم ستالين الذي شهد اضطهاداً شديداً شمل الكتاب والفنانين ممن لم ينصاعوا تماماً لتوجهات الحكومة الأيديولوجية أو عبروا عن انتقادات علنية لها. أدى هذا القمع إلى تكميم أفواه الأدباء المستقلين أو المختلفين فكرياً، وفي بعض الأحيان إلى إنهاء حياتهم بشكل مأساوي.
إن العلاقة بين الأدب والشيوعية هي علاقة متعددة الطبقات ومليئة بالتناقضات. فهي مزيج من التعاون والإلهام من جهة، والصراع والقمع من جهة أخرى. وفهم هذه العلاقة لا يقتصر فقط على إدراك الدور الذي لعبه الأدب في تطوير الرؤية الشيوعية للعالم، بل يساهم أيضاً في إلقاء الضوء على الصراعات الداخلية التي واجهتها هذه الأيديولوجية في تعاطيها مع حرية الإبداع والفكر.
وإنه باستثناء أسماء بارزة مثل جيمس جويس وويليام فوكنر ومارسيل بروست، كان من النادر العثور على كاتب ذي أهمية كبيرة عاش خلال النصف الأول من القرن العشرين ولم يكن متأثراً بطريقة أو بأخرى بالمد الشيوعي الذي هيمن في تلك الفترة. هذا التأثير يعكس مدى الرغبة الإنسانية المستمرة لاستكشاف أية أيديولوجيا تقدم وعوداً بتحقيق تغيير جذري للعالم وتجسيد الأحلام التي تراود النفوس المتعطشة للعدالة والحرية.
إن لينين والثورة البلشفية سعيا منذ البداية إلى صياغة رؤية أدبية غنية بالقيم الإنسانية والأخلاقية، كجزء من مشروع واسع للارتقاء بالفكر والثقافة. أما لينين نفسه، فقد كان يتمتع بشخصية متعددة الأبعاد اتسمت بالمعرفة الواسعة والاهتمام بالأدب العالمي والروسي على حد سواء. فقد قرأ الأعمال الكلاسيكية بتعمق وكتب مقالات تكشف فهمه العميق لنتاجات كبار الأدباء، مثل مقالاته حول تولستوي التي تعبّر بوضوح عن تبحره في الكلاسيكيات الروسية. وتبرز مكانة الأدب في فكر لينين وحياته في سياق تاريخي كانت فيه الساحة الأدبية الروسية تتشابك مع الحراك السياسي والاجتماعي. قبل عقود من اندلاع ثورة أكتوبر عام 1917، كان الأدب الروسي يعبر بالفعل عن قضايا سياسية وثقافية ويؤدي دورًا فاعلًا في النقاش العام. ويمكن القول بأن جذور الواقعية الاشتراكية ليست غريبة عن البيئة الثقافية الروسية في القرن التاسع عشر، حيث تشكلت إرهاصات هذا الاتجاه الأدبي كاستجابة لمتطلبات تلك المرحلة.
ومن الملاحظ كذلك أن تطور "الواقعية الاشتراكية"، الذي أصبح لاحقًا إطارًا إجباريًا للصناعة الأدبية في الثلاثينيات، لم يكن مجرد توجيه حزبي بعد الثورة. بل إن العديد من الكتاب والشعراء أدركوا بأنفسهم الحاجة إلى تحول أدبي يعكس الواقع الاجتماعي الجديد حتى قبل وقوع الأحداث الثورية الكبرى. ولعل شعراء مثل ماياكوفسكي كانوا في طليعة من دعوا قبل تلك المرحلة إلى تبني نوع جديد من الواقعية الملتزمة التي تواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية الداهمة. ينتقد لينين في مقالتيه المعروفتين "تولستوي وعصره" و"تولستوي والحركة العمالية الجديدة" طبيعة الفن البرجوازي النخبوي، مع التركيز على أهمية الجانب "الشعبي" في الفن والأدب. كان يعتقد أن الفن الحقيقي يجب أن يعبر عن معاناة الملايين من العمال والكادحين.
بعد الثورة، انبثق ما يمكن تسميته بـ"أدب الجماهير". حيث توجّه الكتّاب والشعراء إلى البروليتاريا والفلاحين برسائلهم، وفي المقابل، وجدت أصوات الأدباء والشعراء الثوريين أصداءً واهتمامًا من قبل الجماهير. بمعنى آخر، ولّدت ثورة أكتوبر 1917 نمطها الخاص من الفن والأدب، ولم يكن هذا التحوّل مجرد صدفة عارضة.
في الواقع، كان الأدب يحمل طابعًا ثوريًا حتى قبل اندلاع الثورة. وبالتالي، فإن "الواقعية الاشتراكية"، التي أصبحت لاحقًا شكلًا بارزًا في الأدب، لم تكن مجرد نتيجة لتنفيذ تعليمات مباشرة من الحزب. التطور الراديكالي في الفنون والأدب كان قد بدأ قبل أعوام من أحداث أكتوبر 1917، متأثرًا بشكل كبير بالظروف الفريدة التي ميزت روسيا في تلك الفترة.
كان النظام القيصري الاستبدادي من جانب، والهوة التنموية مقارنةً بأوروبا الغربية من جانب آخر، بمثابة دافعين رئيسيين دفعا الأدب والفن الروسيين باتجاه الراديكالية، مما جعلهما مرآة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي بكل ما فيه من تناقضات وتحولات. في ظل تلك الظروف التاريخية التي تلت ثورة أكتوبر 1917، لم يكن لدى معظم الكتاب والشعراء أي تردد أو تخوف من الارتباط بالسياسة، بل تعدّى الأمر إلى التحرر من أي إحجام تجاه القضايا "الأيديولوجية"، حيث كانت الروح الجماعية تخيم بشكل قوي على الحياة الثقافية خلال الأيام المبكرة للثورة. ولذلك، فإن الأدب الذي انبثق في إطار الثورة عام 1917 لم يكن مجرد تعبير عن رؤية أو طموحات شخصية لفرد واحد، بل كان نتاجًا لتفاعل عميق مع الظروف الموضوعية والاجتماعية التي أفرزت ذلك الحراك الثوري. بهذا السياق، أصبح استخدام عبارة "القلم كسلاح" تعبيرًا ذا مغزى عميق يعكس الديناميكيات الجديدة في العمل الأدبي.
وهنا، لم يكن الحديث يدور بشكل خاص عن الواقعية الاشتراكية بحد ذاتها كصيغة أدبية، بل عن الإرادة الحزبية التي فرضت على المبدعين أسلوبًا محددًا للكتابة. ومع ذلك، فإن التبسيط المفرط والقوالب النمطية التي تُختزل فيها ثورة أكتوبر باعتبارها فقط مقدمة لاستبداد ستالين تغفل حقيقة أن الأعوام الأولى من العقد الثاني للقرن العشرين شهدت حالة من الحرية الكبيرة وحتى فوضى ملموسة داخل الساحة الأدبية والفنية السوفيتية. فقد كان تعامل فلاديمير لينين مع الأدب والفن يحمل توجهات مختلفة تمامًا عن النهج السلطوي الصارم الذي اتبعه ستالين لاحقًا.
خلال تلك السنوات، كان هناك العديد من الكتاب والفنانين الذين كانوا يتعاطفون مع الأهداف الكبرى للثورة، لكنهم امتنعوا عن الانضمام مباشرة إلى صفوف الحزب. هؤلاء وصفهم ليون تروتسكي في كتابه "الأدب والثورة" بأنهم "رفاق الأدب في الثورة". لم يتعامل تروتسكي مع إنتاجهم بصرامة الأيديولوجية التي تصنف العمل الفني إما كفن ثوري أو برجوازي فقط، بل رأى في أعمالهم ملامح فن انتقالي يعبر عن تحولات المرحلة. وعلى الرغم من أن هؤلاء الفنانين والكتاب لم يتبنوا كامل الأهداف الشيوعية بشكل مطلق، إلا أن إنتاجاتهم اتجهت بوضوح نحو روح الثورة وأهدافها. أشار تروتسكي إلى أنّ التحدي المستمر الذي كان يطرح نفسه بخصوص هؤلاء "الرفاق" يتمثل في السؤال حول مدى استعدادهم للاستمرار في الرحلة الثورية دون انفصال أو تراجع. يما يتعلق بالكتّاب والشعراء وما شهده أدبهم بعد الثورة، لم يكن ما أُبعدوا عنه هو الواقعية الاشتراكية، بل كان الأمر متعلّقًا أكثر بما يمكن وصفه بالواقعية البلشفية. ففي أعقاب الثورة، وخاصة خلال مؤتمر الكتّاب البروليتاريين في العام 1920، عبّر زعيم الثورة فلاديمير لينين عن معارضته الواضحة للجزمية المفرطة والتوجهات الثورية المزيفة. فقد أدرك لينين أن المجال الأدبي بطبيعته هو الأقل ملاءمة لتحمّل مسارات تقودها المساواة الميكانيكية أو سيطرة الأغلبية البسيطة على الأقلية. ولذلك أكّد في كتاباته، وعلى رأسها مقاله "حول الفن والأدب"، على ضرورة خلق مساحة واسعة نسبيًا للابتكار والتفكير الحر ولأنماط متنوعة من الخيال والشكل والمحتوى داخل الإبداع الفني والأدبي.
وجه جديد للينين في الدراما البلشفية في مسرحية "البلاشفة" التي كتبها المسرحي ميخائيل شاتروف، تُقدم للمشاهد زاوية جديدة لفهم روح لينين وشخصيته وفق رؤية مستوحاة من الوثائق التاريخية التي استند إليها الكاتب عند تأليف هذا العمل. تتميز المسرحية بكونها عملًا ينتمي إلى نوع المسرح الوثائقي الذي يدمج بين الحقائق التاريخية والفن الدرامي بأسلوب يُحاكي التفاعل الحي بين الماضي والحاضر.
لحظة مفصلية في تاريخ البلشفية تتناول المسرحية إحدى اللحظات الحساسة في مسيرة البلشفية، تلك اللحظة التي تعرض فيها لينين لمحاولة اغتيال بعد إلقائه لإحدى خطاباته الثورية. يُظهر شاتروف كيف أدى هذا الحدث إلى تعقيدات خطيرة حيث بدا أن إصابة لينين في البداية تشكل تهديدًا حقيقيًا لحياته، وهو ما وضع القيادة ورفاقه أمام اختبار صعب وحرج في ذلك المنعطف التاريخي. من خلال هذه اللحظة الدرامية، يُلقي الكاتب الضوء على حالة من التوتر السياسي والاجتماعي التي كانت تعصف بالمجتمع آنذاك، ولكنه في ذات الوقت يبرز إنسانية الفكرة البلشفية وتجذرها في رؤية لينين وأفكاره. المسرحية تجسد أحداثها داخل مشهد مكاني وزماني محددين، حيث يتجلى المكان في مدينة موسكو، تحديداً داخل الكرملين، في قاعة المؤتمرات التابعة لمجلس مفوضي الشعب. يبدأ اجتماع المجلس في تمام الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم كالمعتاد، إلا أن ثمة غياباً غير متوقع للينين، وهو ما يثير القلق والحيرة بين الحاضرين. يُذكر أن لينين كان قد ألقى خطاباً أمام مجموعة من العمال قبل هذا الاجتماع، غير أن سبب تأخره عن الحضور يظل مجهولاً حتى ترد الأخبار المفزعة عن تعرضه لمحاولة اغتيال بإطلاق النار عليه.
ينقل الكاتب ميخائيل شاتروف في مسرحيته صورة درامية لما دار خلال هذا الاجتماع الطارئ للحزب البلشفي، مستعرضاً الحالة الحرجة التي عاشها أعضاؤه في ظل غياب لينين عن المشهد. فالفراغ القيادي الذي خلفه غيابه أربك العمل التنظيمي وشكّل مصدر خوف على مستقبل الحزب والثورة ذاتها. الجميع يتساءلون كيف يمكن أن تسير الأمور إذا فقدوا قائدهم في هذه اللحظة الحرجة.
في إحدى محطات هذا العمل المسرحي، يظهر المفوض الشعبي للثقافة، أناتولي لوناچارسكي، ليُدلي بملاحظة لافتة، إذ يؤكد أن لينين لا يسعى أبداً لتحويل أذواقه الشخصية إلى قواعد عامة تُفرض على الجميع، في إشارة إلى خلافات فكرية وأيديولوجية ربما كانت تميز العمل داخل الحزب.
تكتسب مسرحية البلاشفة أهمية استثنائية كونها تلقي الضوء على جانب مختلف من شخصية لينين الإنسان والقائد، إلى جانب تسليطها الضوء على الأوضاع المعقدة التي مر بها الحزب البلشفي عقب محاولة اغتياله في عام 1918. تأتي هذه المسرحية بصفتها عملاً تاريخياً سياسياً يعالج وقائع استناداً إلى أحداث حقيقية وقعت خلال لحظة مصيرية من تاريخ الثورة الروسية.
تتناول المسرحية جوهر الصراعات الفكرية داخل الحزب الشيوعي الروسي، خاصةً بين لينين وليون تروتسكي؛ حيث تتباين رؤاهما بشأن كيفية تسيير شؤون الدولة بعد الثورة. بينما يتمسك لينين بفكرة الديمقراطية المركزية التي تهدف إلى إشراك أعضاء الحزب جميعهم في اتخاذ القرارات، يطرح تروتسكي رؤية مختلفة تعتمد على مفهوم "ديكتاتورية البروليتاريا"، والتي تركز السلطة في يد نخبة ثورية معينة.
تدور أحداث النص حول الساعات الأربع والعشرين التي تبعت محاولة اغتيال لينين، حيث يجتمع قادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في جلسة عاجلة للنقاش والتشاور بشأن الرد المناسب على الواقعة. يستعرض كل من لينين وتروتسكي وجهة نظره حول الإدارة الحزبية والوطنية للإشكالات الناجمة عن هذا الحدث الصادم، فيما يسعى كل منهما إلى كسب تأييد أعضاء اللجنة المركزية لرؤيته. المسرحية بذلك تهدف إلى تقديم تصوير واضح للانقسامات الفكرية داخل الحزب في أحد أدق مراحل الثورة وأكثرها حساسية. تتناول المسرحية مجموعة من الشخصيات المحورية، أبرزها لينين، القائد البارز للثورة الروسية وزعيم الحزب الشيوعي، وتروتسكي، الذي يُعد من أهم قادة الثورة ووزير الحرب في الحكومة السوفيتية. كما تبرز شخصيات مثل ستالين، أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وسفيردلوف، رئيس اللجنة المركزية، بالإضافة إلى كولونتاي، الثورية والكاتبة الروسية.
تركز المسرحية على النقاش حول الصراع بين مبدأ الديمقراطية ومبدأ الديكتاتورية في إدارة الدولة. كما تتناول دور الفرد في تشكيل التاريخ، مع تسليط الضوء على دور لينين في الثورة الروسية، بالإضافة إلى العلاقة بين المثقف والسلطة، وخاصة العلاقة بين لينين والمثقفين الروس. تُعد مسرحية "البلاشفة" واحدة من أبرز المسرحيات التي خاضت في أعماق تاريخ الثورة الروسية، حيث تقدم رؤية نقدية للصراعات الداخلية التي نشأت داخل الحزب الشيوعي بعد الثورة.
اتسم موقف لينين تجاه الأدب والأدباء بقدر أكبر من الانفتاح مقارنة بموقف ستالين. فقد رأى أن الأدب ينبغي أن يكون مجالًا حرًا يعكس تنوع الأفكار، بما في ذلك تلك التي تنتقد النظام القائم. وفي أعقاب الثورة، عارض لينين التصلب الأيديولوجي والمبالغات الثورية في الأدب، ورفض وضع قيود صارمة على الإبداع الأدبي.
في مؤتمر الكتاب البروليتاريين عام 1920، شدد لينين على أهمية حرية التعبير في المجال الأدبي، ورفض أي قيود تهدف إلى فرض رقابة على الفن. في مقاله "حول الفن والأدب"، أشار لينين إلى أن النشاط الأدبي هو من المجالات التي لا تحتمل المساواة الميكانيكية أو سيطرة الأغلبية على الأقلية، مؤكدًا على الحاجة الملحة لضمان مساحة واسعة نسبيًا للتفكير والإبداع فيما يتعلق بالشكل والمضمون.
كما أشاد في مقاله "تولستوي مرآة الثورة الروسية" بإبداع الكاتب الروسي ليو تولستوي، معتبراً إياه مرآة تجسد تناقضات المجتمع الروسي في زمنه. هذا الانفتاح الذي أبداه لينين أسهم بشكل كبير في ازدهار الأدب الروسي خلال عشرينيات القرن الماضي، حيث برزت أعمال أدبية عديدة تناولت موضوعات متنوعة مثل الثورة والحرب الأهلية وتجارب الحياة اليومية.
على النقيض من ذلك، جاء موقف ستالين أكثر صرامة وتشددًا تجاه الأدب. فقد فرض رقابة مشددة على الإنتاج الفني والأدبي وألزم الكتّاب بالتقيد التام بمبادئ "الواقعية الاشتراكية"، ما أفضى إلى تقلص مساحة حرية التعبير وانخفاض مستوى الإبداع الأدبي في تلك الفترة.
يتضح من المفارقة بين الموقفين أن لينين كان يدعم حرية الأدباء ويرفض تقييدهم، مؤمناً بأن الأدب يجب أن يبقى فضاءً حراً للتعبير عن الأفكار المختلفة بعيداً عن التكبيل العقائدي. هذا النهج المنفتح أسهم في نهضة أدبية ملحوظة في فترة ما بعد الثورة. وعلى العكس، فإن أسلوب ستالين القائم على تشديد الرقابة وقمع التنوع في الأفكار أدى إلى تراجع واضح على مستوى الإبداع الأدبي في روسيا. بالإجمال، فإن الاختلاف بين منهجية لينين وستالين يكشف تأثير السياسات الثقافية على الإنتاج الأدبي. لينين، بنهجه المرن، عزَّز ازدهار الأدب الروسي، بينما ساهمت أساليب ستالين القمعية في انحدار مستوى حرية التعبير والإبداع خلال فترته.
مسرح البولشوي في الحقبة السوفيتية
كان مسرح البولشوي جزءًا بارزًا من المشهد الثقافي للاتحاد السوفيتي، فهو لم يكن مجرد مركز فني، بل رمزًا للقوة والهوية الثقافية السوفيتية. استُخدم المسرح كواجهة لعرض أبرز ما لدى الفنون السوفيتية أمام العالم، حيث خضع لإشراف الدولة ورقابتها الصارمة، واضطر إلى الامتثال لمبادئ "الواقعية الاشتراكية". ورغم تلك القيود، استمر البولشوي في تقديم عروض مبهرة بفضل موهبة فنانيه وتميزهم.
من بين العروض الأكثر شهرة التي قدمها المسرح خلال الحقبة السوفيتية: - بحيرة البجع (1877) - كسارة البندق (1892) - روميو وجولييت (1940) - سندريلا (1945) - الجمال النائم (1966)
كان مسرح البولشوي موضع فخر للشعب السوفيتي، إذ اعتُبر رمزًا لتفوق الاتحاد السوفيتي في المجال الثقافي والفني. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، واصل مسرح البولشوي تألقه، ليظل واحدًا من أبرز وأرقى مسارح الأوبرا والباليه على مستوى العالم.
تجدر الإشارة إلى أن مسرح البولشوي تأسس عام 1776، مما يجعله من أعرق المسارح في تاريخ الفنون. وبرغم التغيرات التي مر بها على امتداد العقود، سيظل البولشوي مصدر اعتزاز وطني وتجسيدًا للإرث الفني الغني الذي يمتدّ عبر الزمن. مالمو 2024-02-13
#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)
Hamid_Koorachi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة جديدة للعالم: رحلة عبر الزمن والمكان والإنسان
-
الذكاء الاصطناعي أداة هائلة لكنها ليست بديلاً عن الإنسان
-
حديث قصيدة النثر
-
البربرية الحديثة
-
الدين ضروري للحكومات لغرض السيطرة على الناس
-
حديث في الحب
-
قراءة في كتاب -من يحكم العالم- للمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي
-
دون كيخوته، أُمُّ الرواية الحديثة
-
قراءة في قصيدة -حتى هذا الفم الذي هزمته قبلة- لسمر دياب
-
الشعور بالأسف والشعور بالزمن
-
أهمية الأدب وضرورته
-
اليسار وأوكرانيا
-
حول العلاقات السويدية الفلسطينية
-
التأثيرات المناخية على الأمزجة والثقافة والدفاع الوطني في ال
...
-
حديث في الغباء السياسي
-
تأويلات -موت المؤلف- في العصر الرقمي
-
ما بين غيتو وارسو وغزة
-
رامبو وزمن القتلة
-
لماذا لم تحدث الثورة الصناعية في الدولة العثمانية؟
-
كارل ماركس والاستعمار
المزيد.....
-
إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف
...
-
بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025
...
-
البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح
...
-
شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر
...
-
طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة
...
-
“برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا
...
-
العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال
...
-
رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو
...
-
موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف
...
-
الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|