أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - قصص قصيرة جداً عبارة الموت طلال حسن















المزيد.....

قصص قصيرة جداً عبارة الموت طلال حسن


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7865 - 2024 / 1 / 23 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


قصص قصيرة جداً









عبارة الموت






طلال حسن


أزهار البيبون
ــــــــــــــــــــــــــــ
وقف الناس حولي ، وأنا مسجى داخل الحفرة ، والدموع تترقرق في عيونهم ، ورأيتها تقف بينهم ، طفلة في عمر ابنتي ،نجت من عبارة الموت في يدها باقة من زهر البيبون ، وتقدمت بحزن ، ووضعتها فوقي .

إمرأة عجوز
ـــــــــــــــــــــــــ
لم أنجُ من الغرق ، حينما انقلبت بنا العبارة ، وألقتنا بين أمواج النهر ، وعثروا عليّ جثة طافية فوق الماء ، عند قرية بعيدة ، وقد تشبثت بي طفلة صغيرة ، وكم فرحتُ ، حينما علمتُ أن الطفلة لم تغرق .

الجثة
ـــــــــــــــ
فرحتُ حين انتشلوا جثتي من أعماق النهر ، بعد ثلاثة أيام قضيتها في ظلمات الأعماق ، لكنهم سرعان ما حفروا حفرة ضيقة ، ووضعوني فيها ، وأهالوا عليّ التراب دون رحمة ، ثم انصرفوا إلى بيوتهم ، وتركوني في البرد والوحدة والظلام .

الفراش الدافىء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شعرنا بالوحشة ، أنا وأختي التوأم ، في هذه الحفرة الباردة المظلمة ، التي وضعونا فيها ، بعد أن انتشلونا من النهر ، الذي انقلبت فيه العبارة .
واشتقنا إلى أحضان أمنا وأبينا ، فاندسسنا في أحلامهما ، وتمددنا إلى جانبهما ، في فراشهما الدافىء .


العبارة
ـــــــــــــــــ
حين أخرجوا العبارة ، التي انقلبت بأكثر من مائتي شخص ، في نهر دجلة ، يوم نوروز ، انشطرت شطرين ، ونظرت إلى الناس ، المتجمعين على شاطىء النهر ، وقالت لهم ، والماء كما الدموع يقطر منها : أرجوكم ، لا تتهموني ، أو تتهموا النهر وأمواجه العالية ، بما جرى ، فأنا لم أدفع كلّ هؤلاء الرجال والنساء والأطفال إلى سطحي ، بل رجوتهم أن لا يصعدوا فوقي بهذا العدد ، فأنا عجوز متهالكة ، لكن أحداً لم ينصتْ إليّ ، وحدث ما حدث ، فغرق الكثير منهم ، وغرقتُ أنا أيضاً معهم ، وغصتُ إلى الأعماق .


جوعان..
ــــــــــــــــــ
في صغري ، كانت أمي تحذرني من نهر دجلة ، وخاصة عندما تهيج مياهه في الربيع ، وكانت تقول : إنه يهدر ، ويقول : جوعان .. جوعان .
يا دجلة الخير ، يا رفيق الطفولة ، ما كان لكَ ، ومهما كنتَ جائعاً ، أن تغيب في أعماقكَ ، أكثر من " 120 " موصلياً في عيد الربيع الدامي .

النهر
ــــــــــــــ
صعدتُ إلى العبارة ، ويدي الصغيرة في يد ماما القوية الدافئة ، وحين وقفتُ وسط الناس الضاجين المتزاحمين ، نظرت إلى النهر وأمواجه تتدافع ، وهو يهدر بصوت مخيف : هووووو .
وتشبثتُ بماما ، وقلت : ماما ، هذا النهر يخيفني .
فربتت ماما على رأسي بيدها القوية الدافئة ، وقالت : لا تخافي ، يا بنيتي ، النهر يحبكِ .
وربما لأن النهر يحبني ، رغم أنني لا أحبه ، فإنه أخذني من بين يدي ماما القويتين الدافئتين ، وغاص بي إلى أعماقه الباردة المظلمة .

الكتاب اللعنة
ـــــــــــــــــــــــــ
رآني بعض أهل القرية ، التي كنت أعمل في مدرستها معلماً ، في أوائل الستينيات ، من القرن الماضي ، أقرأ كتاباً ضخماً ، كان على غلافه الأول صورة لساحة الكرملين ، مع صورة للمؤلف ، وعلى غلافه الأخير الأحمر القاني مطرقة ومنجل .
وقدم بعض هذا البعض ، شكوى إلى مديرية التربية ، على أساس ما شاهدوه ، بأن هذا المعلم " شيوعي " ، وهم لا يعرفون بالتأكيد ، أن ذلك الكتاب الموسوم " الدكتور زيفاكو " قد عوقب مؤلفه بوريس باسترناك ، في بلده بتهمة " معاداة الشيوعية " .


المنقذ
ـــــــــــــــ
جلس عل مقربة من أمه المقعدة ، فنظرت إليه منكسرة ، وقالت : بنيّ ، اليوم ربيع ، أخرج واذهب إلى الغابات .
وأطرق رأسه ، وقال : كنتُ أتمنى أن آخذ ابني خيري ، وابنتي سعاد وأمهما ، إلى الجزيرة .
وبصوتها الشائخ الدامع ، ردت أمه قائلة : إنهم من الشهداء ، فلينتقم الله ممن تسبب في إثارة الحرب المدمرة في الموصل ، التي أخذتهم مع الآلاف .
وذهب إلى الغابات ، ورأى العبارة تتهاوى بمن فيها من النساء والرجال والأطفال ، وتنقلب على من فيها ، فهبّ من مكانه ، وارتمى بين الأمواج العاتية ، لينقذ زوجته وابنه خيري وابنته سعاد .

رسائل على الماسنجر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرسل لها ، على مدى أشهر ، رسائل على الماسنجر ، هادئة وعاطفية ومؤدبة ، رغم ذلك لم تردّ عليهاً ، وليلة البارحة " 20 / 3 / 2019 " أرسل لها رسالة أخيرة ، قال لها فيها ، سأكون غداً " 21 / 3 / 219 " ، يوم نوروز ، في الجزيرة السياحية .
لم تردّ عليه كالعادة ، ولم تذهب إلى الجزيرة السياحية طبعاً ، وكاد قلبها البكر ، الذي أحبه ، أن ينفجر ، حين رأت على الفيسبوك صورته ، من بين الغرقى في حادثة غرق عبارة الموت .

العودة إلى البيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلسوا في كازينو يطل على الشاطىء ، ورأى ابنه وسام العبارة ، فصاح : بابا لنعبر إلى الجزيرة
وقالت ابنته متوسلة : هيا ، يا بابا .
ونظر إلى زوجته الشابة ، فقالت : لنذهب كلنا .
وقبل أن ينظر إلى أمه ، قالت له : اذهب أنت وزوجتك وولديك ، أبوك متعب ، سنبقى ننتظركم هنا .
وذهب هو وزوجته وولده وابنته ، واستقلوا العبارة المتهالكة ، مع أكثر من مائتي شخص ، وقريباً من منتصف النها ، وأما أنظار الأبوين العجوزين ، مالت العبارة ، ثم انقلبت بمن فيها في النهر الهائج .
وجاء المساء ، وخيم الظلام ، ونظرت المرأة إلى زوجها المنهار ، وقالت : حجي ..
لم ينظر إليها ، وقال كأنما يحدث نفسه : ماذا ! نعود إلي البي ؟ أي بيت ؟ أولادنا في النهر .

الأعماق المميتة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رآها تسير مع خطيبها ، وقد وضعت يدها في يده ، دمعت عيناه ، فقد تمنى أن تكون يدها الحبيبة في يده هو ، وليس في يد أحد غيره .
وتابعهما بعينيه الغارقتين بالدموع ، وهما يركبان العبارة ، مع أعداد كبيرة من النساء والرجال والأطفال ، ولم يغيبا عن نظره ، حتى وهما يتدافعان داخل العبارة المثقلة بالناس .
وسارت العبارة ، ببطء ومشقة ، وأمام عينيه الغارقتين بالدموع ، رأى العبارة المتهالكة تتوقف ، وتميل شيئاً فشيئاً ، ثم تنقلب بمن فيها في المياه الهائجة .
وعلى الفور ، ألقى نفسه في الماء ، وعيناه تبحثان وسط الأمواج عنهما ، لم يرها ، وإنما رأى خطيبها يغوص نح الأعماق ، وبدون تردد ، أسرع إليه ، وسحبه من الأعماق المميتة ، إلى سطح الماء .


عبارة الموت
ــــــــــــــــــــــــــ
مالت العبارة العجوز ، الغاصة بالأطفال والأمهات والآباء ، وسرعان ما توقفت مرتجة ، وانقلبت في مياه دجلة الهائجة .
واحتضن أب ، زوجته وبناته الصغيرات الثلاث ، وارتطم وإياهم بالأمواج العارمة ، وغاصوا إلى الأعماق العكرة المظلم للنهر .
وعاد بعد قليل إلى سطح الماء ، وشهق بعمق طلباً للهواء ، وحين صحا قليلاً ، وجد يديه خاليتين من زوجته وبناته الصغيرات الثلاث .
بحث عنهن كالمجنون ، بين أمواج النهر الغاضبة ، فلم يقع لهم على أثر ، وارتطمت به طفلة ، حدق فيها ، لم تكن واحدة من بناته ، لكنه أخذها بين ذراعيه ، واتجه بها إلى الشاطىء .

خريف في الربيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس وحده إلى منضدة ، تطل على النهر ، وأمامه كوب شاي دافىء ، الجو دافىء ، والشاي دافىء ، وجسمه ساخن تشويه الحمى .
قالت له أمه : لا تخرج ، أنت محموم .
فابتسم لها ، وقال : سيشفيني الربيع والغابات ودجلة .
وراح يراقب الربيع حوله ، أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء وشباب ، يندفعون إلى العبارة ، ويتدافعون ليحجز كلّ منهم مكانه فيها ، وكاد ينهض ، ويصيح بهم : لمَ العجلة ؟ انتظروا قليلاً ، العبارة ستعود بعد قليل ، وستقلكم جميعاً إلى الجزيرة .
وسارت العبارة المتهالكة ببطء ، وفوقها أكثر من مائتي شخص ، وفجأة توقفت ، وتأرجحت فوق الأمواج المتلاطمة ، ثم انقلبت بمن فيها من أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء ، ورجال .
وهبّ من مكانه ، ناسياً شايه الداىء ، وجسمه الذي تشويه الحمى ، وارتمى بين الأمواج المتلاطمة ، وأنقذ طفلين ، وطفلة ، و .. ورأى امرأة في عمر أمه ، تغوص إلى الأعماق ، وعلى الفور ، لحق بأمه ، ومرت الدقائق ، ولم يخرج من الأعماق ، لا هو ، ولا المرأة التي في عمر أمه .

بين الموصل وباريس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فزّ من النوم ، خائفاً منقبض القلب ، حلم آخر ، حلم قاتم وإن كان لا يذكر خيوطه بوضوح ، ولساعات حاول أن يُهدىء نفسه ، لا فائدة ، ورفع سماع التلفوت ، وجاءه تغريدها العذب من أرض البيبون : ألو ، بابا .
وقال وصوته يخونه : حبيبتي ، أرجو أنكِ بخير .
وضحكت ضحكتها الحلوة ، وقالت : إنني أدرس .
فرد عليها ، وقلبه يهدأ قليلاً : اسلمي لي ، يا بيبونتي ، اذهبي وادرسي .
بعد ساعة اتصلت به ، وقالت : بابا ، اليوم نوروز ، سأذهبي مع ماما إلى الغابات .
وخفق قلبه ، وتراءت له الغابات ، ربما رآها ليلة البارحة في منامه ، وجاءه صوتها : بابا ، ماذا تقول ، أذهب مع ماما أم .. ؟
وسكتت ابنته ، الطالبة في الكلية ، فقال لها بصوت مرتعش : اذهبي حبيبتي ، وحين تعودين إلى البيت ، اتصلي بي مساء ، وطمأنيني .
وجاء المساء ، ولم تتصل به ابنته ، وكيف تتصل ، وهي وأمها في أعماق نهر دجلة ، بعد أن انقلبت عبارة الموت بأكثر من مائتين من الأطفال والرجال والنساء ، وكانت هي وأمها من بينهم ؟

انتظار
ـــــــــــــــ
منذ يومين ، وهي تجلس على هذا الكرسي ، بجسمها الشائخ المتعب ، وعباءتها السوداء ، سواد عمرها الذي عاشته في الموصل .
جاءت معهم ، وجلست تنتظر عودتهم ، حين ذهبوا بالعبارة إلى الجزيرة السياحية ، لم يصلوا إلى تلك الجزيرة ، ولم يعودوا ، إنهم في النهر ، فقد انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق .
جاء إليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية ، ليتك تعودين إلى البيت .
وردت قائلة ، دون أن ترفع عينيها : إنني انتظر أولادي ، ابني وزوجته وأطفاله ، جئنا إلى الغابات معاً ، وسنعود معاً .
وعند المساء ، انحنى عليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية ..
قاطعته بصوت واهن حزين : لن أععود قبل أن يعود أولادي من النهر .
فقال لها بصوت يغرقه الحزن : حجية ، لقد عاد أولادك إلى البيت .. محمولين .

مظاهرة
ــــــــــــــــ
واحد بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، خرجوا من النهر ، والماء يقطر منهم ، في صباح اليوم التالي ، لانقلاب العبارة بهم في نهر دجلة ، قبالة الجزيرة السياحية ، التي كانوا يريدون الذهاب إليها .
وأمام أنظار آلاف الناس ، ممن جاءوا للاحتفال بالربيع في الغابات ، ساروا صامتين ، عبر شوارع الغابات ، ثم عبروا الجسر الحديدي القديم ، إلى الساحل الأيمن ، حيث تتكوم البيوت القتلى على أهلها ، الذين أحرقتهم الحرب في أوارها .
وواحداً بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، راح القتلى المغدورين يخرجون من تحت ركام البيوت ، وينظمون إلى المظاهرة ، ويسيرون صامتين عبر شوارع الموصل التي لم تعد .. الموصل .
ومازالت تلك المظاهرة ، وستبقى ، تطوف خرائب الموصل الغرقى ، ربما حتى تنهض الموصل من ركامها ، وتلحق بركب الحياة .

العبارة
ـــــــــــــــــــــــ
استقرت العبارة خجلى ، في قاع النهر ، وتمنت أن يتراكم عليها الطمى ، حتى يواريها تماماً ، فماذا ستقول للناس ، الذين أخذت فلذاتهم ، كباراً وأطفالاً ، إلى الأعماق ، بدل أن تأخذهم إلى الجزيرة السياحية ؟
وامتدت إليها ، بعد أيام ، ذراع حديدية ضخمة ، فحدقت فيها متوجسة ، وقالت لها : تعالي ، سأنتشلك من الأعماق ، وآخذك إلى الشاطىء .
فصاحت العبارة : كلا ، كلا ، دعيني متوارية في القاع ، لا أريد أن أخرج إلى الناس .
قالت لها الذراع الحديدية : مهمتي أن أخرجك ، وسأخرجك رضيتِ أم أبيتِ .
وأطبقت عليها ، فحاولت العبارة أن تتملص منها ، وهي تقول : دعيني وشأني ، دعيني .
وحاولت جهدها ، أن تتملص من القبضة الحديدية ، لكن دون جدوى ، وقبل أن تخرج من الأعماق ، انشطرت إلى شطرين ، وتمنت لو لم ترها أشجار الغابات وأزهارها وطيورها والناس ، وكم تمنت لو بقيت في الأعماق ، بعد انقلابها بأكثر من مائتين من الرجال والنساء والأطفال ، والغوص بهم إلى أعماق التهر الباردة المظلمة .

الجزيرة
ــــــــــــــــــ
أمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، كانت العبّارة المتهالكة تمخر ببطء متعبة ، تنوء بعشرات الرجال والنساء والأطفال ، لتقلهم إلى ربوعي الربيعية المزدهرة في هذا .. النوروز .
رفقاً بهم ، يا عبارة ، إن قلبي يخفق قلقاً ، لماذا دفعوا بكل هؤلاء الناس إلى ظهرك الشائخ المتداعي ؟ ألا يخافون أن تخذلك قواك ، في لحظة ضعف ، وأمواج دجلة مجنونة هذه الأيام ، و ..
يا ويلي ، العبارة تتوقف ، وتترنح .. وتميل ، تماسكي .. تماسكي .. فأنت تحملين كل القوارير وباقات الورد هذه .. وأنت أيتها الأمواج ترفقي ب .. بالأطفال .
وأمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق ، أغلقي عيونك ، يا أشجاري ، ونكسي رؤوسك يا أزهاري ، واصمتي يا أطياري ، فقوارير من الموصل ، وباقات من أزهارها ، الذين أرادوا أن يزوروني ، لن يصلوا إليّ أبداً ، فقد أخذهم النهر معه ، ومن يأخذه النهر ، لا يعود أبداً .


السيارة العاطلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى قبل الواحدة ، ودون أن يأكل الأطفال أي شيء ، أرادوا أن يبدلوا ملابسهم ، استعداداً للذهاب إلى الجزيرة السياحية ، وكان خالد وسعيد يحرضان أختهما الصغيرة المدللة ، فتأتي إلى أمها وجدتها ، وبلثغتها المحببة تصيح : ماما ، سيفوت الوقت ، فلنبدل ثيابنا .
وتضحك الجدة ، وتقول مازحة : أبدلي ثيابهم ، قبل أن يأخذ نوروز الجزيرة ، ويهرب بها إلى الصحراء .
فتقول لها أمها ضاحكة : مهلاً حبيبتي ، سيأتي بابا بعد قليل ، إنه يصلح السيارة ، وسيأخذنا بها إلى الغابات .
ومرت ساعات وساعات ولم يأتِ بابا ، ولم يظهر أثر للسيارة العاطلة ، ماذا يفعل ؟ السيارة عاطلة ، ومصلحها يبذل قصارى جهده لإصلاحها ، وسيصلحها حتماً ، فليصبر .
ومرت الساعات ، إن الأولاد ينتظرون ، فالوقت يمر ، وسيتأخر في الذهاب إلى الغابات ، هذا إذا تم تصليح السيارة في الوقت المناسب .
قبيل المساء توقفت السيارة بباب الدار ، وقد استعادت بعض شبابها ، ودخل الدار ، ورأى زوجته دامعة العينين ، وأطفاله الثلاثة يقفون وراءها ، ماذا جرى ؟ فقال بنبرة اعتذار : أعرف أنني تأخرت قليلاً ..
وقاطعته زوجته بصوت مبلل بالدموع : خمداً لله إنك تأخرت هكذا .
ونظر إليها مندهشا ، فقالت والدموع تسيل على خديها : العبارة ، التي كان يمكن أن نستقلها إلى الجزيرة السياحية ، انقلبت بمن فيها في النهر .


المقعد الحزين
ـــــــــــــــــــــــ
امتلأت المدرسة بأنفاس التلاميذ ، بعد يوم كامل من الصمت ، قضّاه التلاميذ ، مع الفرح بالربيع ، مع .. عيد نوروز .
دق الجرس ، وعلى غير العادة ، دخل التلاميذ الصفوف صامتين ، كلا ، نحن لا نشعر بالحياة إلا بدخول التلاميذ فرحين ، وجلوسهم فوقنا ، نحن المقاعد الخشبية .
ماذا جرى ؟ لعل التلاميذ يمثلون ، كما يفعلون أحياناً ، وأنا في الحقيقة ، لا أريدهم يركضون ، أو يتدافعون عند دخوله الصف ، فهذا قد يؤذيهم .
نعم ، لابد أنهم تمزحون بحزنكم هذا ، وصمتكم ، لكن هذا مزاح ثقيل ، لا أحبه ، فضحكاتكم الفرحة تسرني ، آه منكم ، يا أزهاري وبلابلي المغردة .
وجلس التلاميذ صامتين ، في جميع المقاعد ، إلا فيّ ، فسناء التي تشغلني لم تأتِ بعد ، ونظرت المراقبة إلى الخارج ، وهمست قائلة : انتبهوا ، جاءت المعلمة .
ستجيء المعلمة ، وهي فتاة شابة طيبة مبتسمة دائماً ، وتنتهي تمثيلة الحزن والصمت ، لكن مهلاً ستجيء المعلمة ، وسناء وجسمها الريشي كالفراشة ، وضحكتها التي تشبه تغريد البلابل ، لم تجيء بعد ، من يدري ، ربما نسيت نفسها في الحديقة ، وهي تحاور الأزهار والبلابل .
وجاءت المعلمة ، لكن على غير عادتها ، لم تكن مبتسمة ، وإنما حزينة ، حزينة جداً ، وقالت بصوت حزين : صباح الخير .
ردّ التلاميذ على حزنها بحزن أشد : صباح النور .
وقالت المعلمة بصوتها الحزين : صديقتكم سناء غائبة ، وستبقى غائبة ، فقد أخذها النهر في كارثة العبارة يوم أمس ، فلنقف دقيقة حدادا على روحها الطاهرة .
ووقف التلاميذ دقيقة ، صامتين حزانى ، أما أنا ، مقعد سناء ، الذي تعطر بشذاها ، فسأبقى حزيناً إلى الأبد .



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
- محطاتي على طريق أدب الأطفال ...
- أسد من السيرك
- قصة للأطفال الترمجان قصة ...
- رواية للفتيان اورانج اوتان ...
- قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
- رواية للفتيان تار والسندباد ...
- نصان للفتيان الفقمة ...
- مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
- رواية للفتيان دلمون الأعماق ...
- مسرحية ريم للاطفال
- رواية للفتيان الغابة طلال حسن
- رواية للفتيان دموع رينيت طلال حس ...
- قصة للأطفال آتٍ مع الشمس
- رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو ...
- رواية للفتيان بدر البدور ...
- قصة للأطفال اليمامة البيضاء والجرافة قصة ...
- دموع رينيت كتاب جديد للفتيان
- رواية للفتيان الرحلة الثامنة ...
- رواية للفتيان المعجزة ...


المزيد.....




- قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث ...
- “ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين ...
- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...
- مهرجان كان السينمائي: آراء متباينة حول فيلم كوبولا الجديد وم ...
- ركلها وأسقطها أرضًا وجرها.. شاهد مغني الراب شون كومز يعتدي ج ...
- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - قصص قصيرة جداً عبارة الموت طلال حسن