أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين يونس - صلاة في محراب العبقرية















المزيد.....



صلاة في محراب العبقرية


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


يقول نيتشة أنه عند مستوى معين من إرتقاء البشر في المعرفة تقل الصحبة وتزداد الغربة و ينعزل الافراد في وحدة تفتقد لحرارة التلاحم
لقد إنفصل الشخص عن القطيع ليجد نفسة بعيدا عن مجتمعه .. يعاني من التفرد و التجاهل و عدم الفهم إنها برودة القمم
في بلاد اعلي أصوات أهلها .. للاغبي والاقل تعليما و ثقافة و وعيا .. يصبح المنطق عبئا جالبا للمصائب و الاخطار ويلح الاخرون في تحذير صاحبه من سوء المآل و يصر الجهال علي معارضته و تسفيهه و قذفه بحجارة من سجيل السنتهم و أيديهم وأسلحتهم في بعض الاحيان ..
هذا ما كان يحدث علي مدى التاريخ و لا زال رغم البون الواسع بين زمن البداية و اليوم
جويا .. فان جوخ ..شارلي شابلن ..موتسارت ..إيزادورا ...عمر الخيام ..مارتن لوثر كينج ..توم بين ....غاندى ..جيفارا ..إبن رشد ..البير كامي ..إنجلز ..نيتشة.. نصر حامد أبو زيد . ..جاليليو .. دارون ..فرويد ..جمال حمدان
كلهم عاشوا علي القمم في وحدة و برودة .. و كانت نهايتهم درامية..لا تختلف عن ما حدث لسقراط أو كوبرنيكس أو عبدالله بن المقفع...أى الاتهام بالكفر و الزندقة و الخروج عن المألوف .. و التغريد خارج السرب ..
هكذا نحن ..أو السفهاء منا .. لا يقبلون إلا ما هو سائد من أكاذيب الحكام ونميمة المجتمع ..
في هذا المقال سأحكي لكم حكايات بعضهم .. فنانين و فلاسفة و علماء و مفكرين من الذبن رفضهم مجتمعهم لجهلة و تخلفه.. ثم عاد
يضعهم في مصاف الأبطال.
1 - تقابلت مع الموت مبكرا .. كان عمرى 27 سنة عندما أطلقت علينا الطائرات المعادية رشاشاتها .. قرب الحسنة..و عندما أحاطتني رصاصات الأعداء في بقعة ما بصحراء سينا ..
فلم أخاف ..و لم أخشاه .. ولم أجدها لحظة رهيبة .. لقد جئت إلي الحياة مرغما .. و سأغادرها مرغما .. و لن يتذكرني أحد حتي اقرب الاقرباء . مثل ذبيحة تم طهيها و أكلها و هضمها .
هذا ماتعلمته من سقراط .. فبعد أن حكموا علية بالإعدام (360 أدانوه مقابل 140 وجدوة غير مذنب ) لانه .. يتلف الشباب .. بمحاوراته ..و كان بمقدورة الهرب .. لكنه رفض .. الأسباب والحجج التي دارت بينه و بين تلميذه كريتون ذكرت بالتفصيل في حوار لأفلاطون.
((تطلع إليه سقراط طويلا ثم قال: كلا يا كريتون لن أهرب من الموت. إني لا أستطيع أن أتخلى عن المبادئ التي ناديت بها عمري كله. بل إنني يا كريتون أرى هذه المبادئ الغالية التي ناديت بها حتى اليوم جديرة بذلك الثمن. أجل يا كريتون ليست الحياة نفسها شيئاً، ولكن أن نحيا حياة الخير والحق والعدل فذلك هو كل شيء)).
تدين الفلسفة الغربية خلال مراحل تطورها المختلفة بالفضل إلي الحكيم اليوناني سُقْرَاط باللاتينية: Socrates رغم أنه لم يترك كتابات، وكل ما نعرفه عنه مستقى من خلال روايات تلامذته.
كان (سقراط) يقول: ((لا أعرف سوى شيء واحد وهو أني لا أعرف شيئا)) . .فالفلسفة في رايه لا تتقدم إلا عن طريق تبني منهج الشك والبحث الدائم ..وكان يرى أن ((الفضيلة هي المعرفة))
يقول ديورانت ((كان الشبان يلتفون حوله في جماعات كثيرة، ساعدته في خلق فلسفة أوربية. وكان بينهم رجال أغنياء مثل (أفلاطون) و(السبيادس)، وكانوا يستمتعون بتحليله وهجومه وقدحه للنظام الديمقراطي في أثينا وكان من بين الشباب بعض الاشتراكيين مثل (انتيثيناس) الذي أحب في سقراط عدم إهتمامه بفقره، وواحد أو إثنين من الفوضويين مثل (اريستيبوس) الذي تاقت نفسه الى عالم لاوجود فيه للأسياد أو العبيد، بحيث يكون سكانه جميعهم احراراً بعيدين عن القلق مثل سقراط))
و يضيف (( إن جميع المشاكل التي تثير المجتمع الإنساني اليوم، وتقدم مادة لنقاش الشباب الذي لا ينتهي ؛أثارت وهيجت أيضا تلك الجماعات اليونانية الصغيرة من المفكرين والمحدثين، الذين شعروا مع معلمهم , أن الحياة بغير بحث وحديث، ليست جديرة بأن يعيش فيها الإنسان. لقد مثلت تلك الحلقات جميع الإتجاهات الفكرية والاجتماعية، وربما كانت هذه الاجتماعات أصل هذه الإتجاهات الفكرية الاجتماعية.))
كان سقراط معروفا عنه أنه كي يناقش أى موضوع يطرح علي المستمعين مجموعة من الأسئلة ليس بهدف الحصول على إجابات فردية فحسب، وإنما كوسيلة لتشجيع الفهم العميق للموضوع الجارى مناقشته و كشف نقاط ضعف محاورية .. فضلا عن إسلوبه أثناء الحوار كان ساخرا.. مما سبب له عداوات عديدة إنتهت بمحاكمته .. و رغم مرافعته المنطقية حكم عليه المحلفون بالإعدام عن طريق شرب ما يسمي بالشوكران عام 299 قبل الميلاد.
بكلمات أخرى كان علي سقراط أن يتجرع السم و يموت بسبب أن معاصريه لم يستطيعوا إستيعاب فكرة وإرشاداته وكانوا يعتبرون تعاليمه عن معرفة الإنسان لنفسه والسعي إلى تهذيبها بالفلسفة و المنطق إهانة للأرباب وحط من قيمتها أى كفر و إلحاد .
يتفق أفلاطون وزينوفون على أن «سقراط» كانت لديه الفرصة للهرب، حيث كان بإمكان تابعيه أن يقدموا رشوة لحراس السجن. لكنه اختار البقاء
(( لأنه كان يعتقد أن الهروب قد يشير إلى خوفه من الموت وهو الخوف الذي كان يعتقد بأنه لا وجود له لدى أي فيلسوف حقيقي.... ولأنه لو هرب من أثينا، لن تلقى تعاليمه أي نجاح في مدينة أخرى فهو لن يتوقف و سيستمر في محاورة كل من يقابلهم وسيثير استياءهم بالطبع.
ولأنه ( وهذا هو المهم ) بموافقته على أن يعيش بالمدينة أخضع نفسه لقوانينها، ضمنيًا و منها احتمال أن يتهمه أهلها بارتكاب الجرائم وأن يدان من قبل هيئة المحلفين... ولو قام بما ينافي ذلك، فهذا يعني أنّه يخرق العقد الاجتماعي الذي وقّعه مع الدولة وهذا التصرف ينافي المبادئ التي ينتهجها )).
بعد أن تجرع سقراط السم، صدِرَ له أمر بأن يمشي حتى يشعر بتنميل في القدمين. وبعد أن استلقى على السرير، قام الرجل الذي منحه السم بالضغط بشكل مؤلم على قدميه. لم يعد «سقراط» يشعر بهما .ليغادر عن عمر سبعين سنة ... مفضلا الموت عن الهروب
((يا رجال أثينا، لقد حكمتم عليّ بالموت. بالنسبة لأصدقائي الذين صوتوا لتبرئتي، دعوني أقول لكم أن الموت قد يكون أمرًا جيد. فإما يكون الموت حالة من العدم واللاوعي أو يكون، كما يقول البعض، مجرد هجرة من هذا العالم إلى عالم آخر.
فإذا كان حالة لاوعي مطبَق، مثل نوم هادئ بدون أحلام، فسيكون الموت مكسبًا لا يوصف. وفي حال كان رحلة إلى عالم آخر حيث يعيش الموتى، فسيكون ذلك أيضًا رائعًا حيث سأتمكن حينها من إكمال بحثي عن المعرفة الحقيقية والكاذبة. في العالم التالي، مثل هذا العالم، سأتمكن من اكمال استجوابي للناس العظماء من الماضي للبحث عن الحكيم ومن يدّعي الحكمة.
لذا لا تدعوا الموت يحزنكم، فلا يمكن أن يحدث الشر لرجل صالح سواء في هذه الحياة أو بعد الموت. حسنًا، لقد حانت ساعة الرحيل، يجب علينا أن نذهب كلُّ في طريقه، أنا للموت وأنتم للحياة. أيهما أفضل؟ الله وحده يعلم ذلك.)).

2- خلال القرن الرابع الميلادى .. كان بالأسكندرية جامعة و متحفا ومكتبة قُدر بأن فيها 700,000 مجلدًا و كان العلماء و الدارسين من كل بلاد العالم يفدون إليها يزاولون أنشطة ثقافية و ابحاث و مناقشات جعلت من المدينة مراكزا من مراكز نشر الثقافة الهلنستية .
في هذا الجو المفعم بالعلوم و الثقافة ظهر تيارا فلسفيا نتج عن التقاء الفكر الإغريقي بالعالم الشرقي و خرج منه ما يمكن تسميته بالفلسفة الأفلاطونية الجديدة .
واحدة من العلماء الذين برعوا في هذه الفلسفة كانت ابنة أستاذ الرياضيات الشهير بجامعة الإسكندرية (ثيون) التي درست فى الجامعة على نفقة الدولة فى فترة الحكم الرومانى، وكان ذلك استثناء لعبقريتها، .. ثم بدأت التدريس فى الجامعة وهى فى سن الـ25.
خاضت ((هيباتيا )) فى مجالات العلم التى كانت حكرا على الرجال .. فى الوقت الذى اعتبرت فيه المراة (فتنة)، وكان لها وضعها بين الطلبة لما امتازت به من ذكاء وعبقرية، ويمكن إعتبارها (أما) للعلوم الطبيعية الحديثة.
كانت تعتبر اول فيلسوفة تتبع المنهج الرياضي في التفكير ((إحفظ حقك أن تفكر فحتي التفكير الخاطيء أفضل من عدم التفكير)) ....وتقدم الدراسات المبنية عليه.. و تخضع حياتها لما يملية عليها العقل ومعطيات الفلسفة الهلنستية التي كانت سائدة بين المثقفين و العلماء...
و في نفس الوقت تعتبر أول عالمة رياضيات و فلك معروفة في تاريخ البشرية ، ولم تظهر بعدها أية عالمة شهيرة أخرى قبل عصر النهضة.
كانت ذات مظهرا جذابا و أمضت حياتها بدون زواج بإرادتها. وعند سؤالها عن سبب ولعها بالرياضيات ورفضها للزواج، أجابت بأنها متزوجة بالحقيقة.
((تميزت فى شرح الفلسلفة، فى مجالس العلم التى اكتظت بطالبية الذين تعرفوا من خلالها على رموز الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو ، وكانت هذه المجالس بمثابة حلقات للتفكير والأسئلة والتطرق إلى كل ما ليس (مألوفا)، طبقا للمدرسة الأفلاطونية الجديدة.))
ثم أغتيلت في واقعة شديدة القسوة و الفظاعة ,
لم يكن إغتيال ((هيباتيا)) من قبيل المصادفة فقد شهدت مدينة الإسكندرية خلال القرن الرابع الميلادى العديد من الممارسات العنيفة، كان من بينها اقتحام لمكتبة الإسكندرية (التى كانت صرحا من صروح العلم) ، والاعتداء على المعابد الإغريقية والرومانية، وهدم التماثيل وحرق الأبحاث العلمية والخرائط التى انتمت إلى (الوثنية ) ...فى ذلك الوقت إنتشرت أيضا دعوات عنصرية تدعو للفتك باليهود والاعتداء على ممتلكاتهم.
كان التفاف جمهور المثقفين حول الفيلسوفة (غير المسيحية ) .. يسبب حرجًا بالغًا للكنيسة وراعيها الأسقف كيرلس الأول (الملقب بعمود الدين) فقد كان يدرك خطورة فلسفتها على تلاميذها من الجماعة المسيحيية الذين كانت تتزايد أعدادإنضماهم لدروسها بصورة لافتة للنظر.
بالإضافة إلى أن صداقتها للوالي (أوريستوس) الذي كان بينه وبين أسقف الإسكندرية صراعا علي النفوذ والسيطرة .
((لقد كان أوريستوس مقربًا إلى هيباتيا ويكن لها تقديرًا كبيرًا. كما قيل أنه كان أحد تلاميذها، وهو ما يفسر استياء البابا من دعمها له))
وزاد الأمر سوءً بعدأن دخل الصراع مع يهود المدينة،إلي حد طردهم منها، بواسطة الرهبان،الذين شكلوا ما يمكن تسميته (بجيش الكنيسة),
لم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذه الفوضى، بل تعرض بدوره للإهانة من جانب بعض الرهبان الذين قاموا بقذفه بالحجارة، بعد أن علموا بما إحتواه تقرير أرسله للإمبراطور متضمنًا ما يجرى بالمدينة.
((ومن ثم تأزمت العلاقة بين جمهور المسيحيين وبين الوالي أوريستوس رغم أنه كان مسيحياً .. وسرت الشائعات في المدينة أن سبب هذا العداء بين رجلي الإسكندرية يعود إلى هيباتيا وتأثيرها على الحاكم ، وهذا يعني حسب اعتقادهم أن المدينة لن تعرف الهدوء إلا بالخلاص منها)),
كلما نظرت لصور تماثيلها و فرات حكايتها حزنت علي هذه الجميلة الذكية ذات العمر الذى لم يتجاوز ال45 سنة .. التي كانت ضحية التعصب الديني فسحلت في مدينة الأسكندرية عام 415 ميلادى
في عمله الموسوعي ((صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية)) ، يقص المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون ما حدث
((عربة يجرها حصانان، فى إحدى ليالى (الصوم الكبير) فى شهر مارس من عام 415 ميلاديا، تجلس بداخلها فاتنة الوجه، راجحة العقل، فجأة تقف العربة فى منتصف الطريق القريب من صحراء وادى النطرون، تمتد أياد فى الظلام لتمسك بالمرأة، تطرحها أرضا وبمنتهى القسوة تجرها جرا إلى صحن كنيسة قيصرون، يتمادى الرهبان فى عنفهم، يجردون (هيباتيا) من ملابسها تماما، يتقدم أحدهم لذبحها، ثم ينهال الباقون على تقطيع جسدها قطعة بعد الأخرى، تجمع القطع المتناثرة ويتم إحراقها بالكامل، والتهمة تمسكها بوثنيتها، والخروج على مفاهيم الكنيسة بابتكار نظريات علمية تضلل البشر، وممارسة الفلسفة التى اعتبرت (سحرا).. فى ذلك الوقت.)).
في رواية أخرى
(( كان مقتلها مأساويًا على يد جموع من المسيحيين تتبعتها عند رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها حيث قاموا بشدها من شعرها، ثم قاموا بنزع ملابسها وجرها عارية تماما بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها، ثم إمعانا في تعذيبها، قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف إلى أن صارت جثة هامدة، ثم ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا بها النيران، وكان ذلك على الأغلب في شهر مارس من عام 415م))
من الذى خطط و حرض علي قتلها .. و من الذى قاد المتعصبين لسحلها .. حوار طويل بين أساتذة التاريخ أعفيكم منه ..و لكن أقر الجميع أنه كان موت هيباتيا إيذانًا بنهاية عصر التنور الفكري والتقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية خلال فترة الجريكو- رومان. فبعد مقتلها، قام العديد من العلماء بترك المدينة والانتقال إلى أثينا أو إلى مراكز أخرى.
(((( سبب مقتل هيباتيا في رحيل عدد كبير من العلماء عن الإسكندرية، كما كان نهاية لقرون من التقدم اليوناني في مجال الرياضيات.))
أو كما ذكرت في المقدمة
في بلاد اعلي أصوات أهلها .. للاغبي والاقل تعليما و ثقافة و وعيا .. يصبح المنطق عبئا جالبا للمصائب و الاخطار ويلح الاخرون في تحذير صاحبه من سوء المآل و يصر الجهال علي معارضته و تسفيهه و قذفه بحجارة من سجيل السنتهم و أيديهم وأسلحتهم في بعض الاحيان.

3- سأل أحدهم الإمام محمد عبده في (نهاية القرن التاسع عشر ) عن كيف يحسن لغته العربية .. فنصحه بأن يقرا (كليلة و دمنة )
هذا الكتاب قرأته عدة مرات .. و في كل مرة كنت أراه بصورة مختلفة .. فهو في صباى قصص أطفال مسلية .. و في شبابي حكم أخلاقية و حياتية..و إسلوبه الفصيح في الكتابة دليل لي عندما بدأت استخدم اللعة العربية في التعبير .
مترجم كتاب ( البانتاتنترا ) من الفهلوية إلى العربية .. ((روزبه بن داذويه)) .. ليس عربيا .. لقد ولد في القرن الثاني الهجرى .. سنة 721 ميلادى .. في بلدة فيروزأباد ... فارسيَّ الأصولِ .. مجوسيَّ الديانة ..أعجمي اللسان ..و تربي ونشأ علي تعاليم زرادشت .. و مع ذلك أتقن الحديث و الكتابة بلغة الحكام المستجدة .
((كان من مجوس فارس فأسلم على يد الأمير عيسى عم السفاح وكتب له واختص به ... بعد أن قال له : أريد أن أسلم على يدك بمحضر الأعيان .))
عبدالله بن ابن المقفع الف كتابا صغيرا اسمه (رسالة الصحابه) كان عباره عن نصائح للخليفه ابو جعفر المنصور ثانى الخلفاء العباسيين.. إنتقد فيه إسلوبه في الحكم و مغالاة قادة الجند في فهم معنى الطاعة للخليفة.
فى ذلك الوقت كان الكتاب لا يعظون الخلفاء بل يمدحونهم فقط .. فلم يعجب المنصور بما يحويه الكتاب و امر بقتل صاحبه كعقاب له على جرأته
أسلمة لوالي البصرة (سفيان بن معاوية) فعذبوه عذابا شديدا قبل قتله .. و تذكر بعض المراجع ان لحمه تقطع قطعة قطعة امام عينيه و شووه علي النار و اكلوه.
((قي الشاعر العربي ابن المقفع مصرعه في أبشع ميتة، حيث وثق بالحبال ثم انهالت عليه سكين جزاره تقطع في لحمه وتلقي بها في النار أمام ناظريه، فلم يتخاذل أو يستعطف،))
أسباب غضب الخليفة ثم الوالي الذى تولي تعذيبه .. مذكور في المراجع بصور متعدده .. ففي بعضها ان سبب قتله هو وشايه وصلت للخليفه بانه يسرب بعض المفاهيم الزرادشتيه فى كتبه التي الفها عن الاسلام مع اتهامه بالكفر. و البعض يحكي أن والي البصرة كان يمقته لانه كان غير مطيع و دائم السخرية منه
مراجع أخرى .. تقص قصة مقاربة لما عرضته في بداية المقال
((وجد ابن المقفع أن الفساد يتغلغل في الدولة، فالأموال تحمل من الأمصار والولايات إلى بغداد عاصمة الخلافة بدون سجلات تضبطها أو دفاتر، والقضاة يتضاربون في أحكامهم في القضية الواحدة من بلد إلى آخر لعدم وجود قانون موحد يرجعون إليه، وقادة الجند ينشرون بين العامة دعاوى الذل والخنوع للحاكم المستبد تحت ستار الطاعة لولي الأمر...فكتب رسالة اسماها (رسالة الصحابة) يعني بها صحابة الخليفة وبطانته، وقد وجه فيها نقدا مريرا
... ينصح الكاتب أمير المؤمنين بأن يعيد النظر في اختيار رؤوس الدولة بعد أن اكتشف أن هناك مرءوسين أكفأ من رؤسائهم، فلو وضع الأكفاء والأخيار في موضع القيادة لكان خير عظيم كما ينصح بتثقيف الجند ثقافة علمية وخلقية، وتعليمهم الكتابة))
ويروي جمال بدوي في كتابه ((مسرور السياف وإخوانه)) الصادر عن دار الشروق جانب أخر من الصورة .
((أن ابن المقفع كان معارضا، لكنه لم يملك إلا الكلمة الصادقة، فقدم النصح للخليفة، وأشار عليه بما ينبغي عليه أن يفعله ليجتث جذور الفساد، ويتخلص من بطانته الفاسدة، ولم يبخل على الخليفة بمقترحات محددة لتنظيم الإدارة وضبط أموال الدولة.لكن الحاكم، وهو أبو جعفر المنصور، لم يكن ممن يستمعون النصح أو يتقبلون النقد، بل يعتبر كل نصيحة تطاولا على مقامه، وكان يأخذ بالشبهة عملا بوصية أخيه الإمام إبراهيم ( من اتهمته فاقتله) والاتهام في ذلك العصر يعني الشك، فالشك في الولاء للنظام قرينة تكفي لقطع الرقاب دون تحقيق أو مساءلة)).
في أماكن أخرى تم رواية القصة بصورة مخالفة
المنصور ، تلقف تهمة كانت شائعة في تلك الأيام وهي تهمة الزندقة، رمى بها البعض عبد الله بن المقفع (وقد ثبتت براءته منها) ، فأمر والي البصرة (سفيان بن معاوية) بقتله، فقطع جسده قطعًا قطعًا ورماه في التنور، وكانت آخر كلماته للوالي الظالم (( والله إنك لتقتلني؛ فتقتل بقتلي ألف نفس، ولو قُتِل مائة مثلك لما وفُّوا بواحد.))
أو ((غضب المنصور منه ، لأنه كتب في توثيق عبد الله بن علي من المنصور يقول ( ومتى غدر بعمه ، فنساؤه طوالق ، وعبيده أحرار ، ودوابه حبس ، والناس في حل من بيعته) . فكتب إلى عامله سفيان المهلبي يأمره بقتل ابن المقفع .)).
في كل الأحوال قتله والي البصرة و قطع جسدة و طبخه لكونه خالف ما سارعليه الشعراء من مدح الحكام ..أى قوم هؤلاء الذين يأكلون لحم من يقدم لهم النصح.
و هكذا إفتتح إبن المقفع سنة 759 م، قائمة طويلة من المفكرين و الفلاسفة و علماء المسلمين في عصور تالية إتهموا بأن كل منهم صابئ، كافر، منجّم، فيلسوف، ضال، ملحد. وجرى محاكمتهم ومحاربتهم و إحراق آثارهم وما خطوه من علوم ومعارف لا تزال البشرية تعتمد عليها

4- في 24 مايو 1543 توفي كوبرنيكس بعد طبع كتابه (( حول دوران الاجرام السماوية ) ) بعدة أيام ..
لقد حجزة دون نشر لسنين فقد كان يهاب رد فعل الكنيسة وغضبها عندما تكتشف أن تعاليم (بطليموس - أرسطو )عن مركزية الارض التي تبنتها لمدة 12 قرنا غير سليمة .. وأن الارض تدور حول نفسها وفي نفس الوقت تدور هي وباقي الكواكب حول الشمس.
في ذلك الزمن كان يدور صراع ضاري مع افكار الكنيسة علي كل المستويات سواء العلمية أو الفنية أو السلوكية أو القيمية أو الفكرية ..قادة العديد من المفكرين و العلماء و الفلاسفة الذين لازلنا ندين لهم بفضل تنوير البشر و إرشادهم لطريق العلم و المعرفة
من بين هذه النجوم يسطع كوبرنيكس وجاليليو..الاكثر معاناة و إضطهادا فقد كان احدهما صاحب الانفجار الاول الذى زلزل الجمود الكنسي في عصرة ثم تلاة جاليليو الذى أسقط بدون تردد نظريات العصور الوسطي عن الكون و حركتة رغم أنف محاكم التفتيش
ولد جاليليو عام 1564 في إيطاليا بعد وفاة كوبرنيكس بحوالي 20 سنة ..و هو كما يعرفه الناس كان عالم رياضيات وفلك وفيزيائي وفيلسوف ويعتبر أب للعلم الحديث .
كان من المؤمنين بمركزية الشمس و دوران الارض حولها ولا يهاب التصريح بذلك حتي رأت الكنيسه أن نظريته هذه تتعارض مع المزمور 104: 5 ((المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر و الابد)) .
جاليليو لمواجهة هذا التعارض حاول التوفيق بين أبحاثه و ما جاء بالكتاب المقدس مستعينا بالفلسفة التي كانت سائدة بين اباء الاسكندرية الاوائل ( ارجون و كلمنت ) في القرن الثاني بأن
((من وراء المعني الحرفي لعبارات الكتاب المقدس طبقتين من المعاني أكثر منه عمقا هما المعني الخلقي و المعني الروحي لا تصل إليهما إلا الاقلية الباطنية المتعلمة )).. فكان يدافع عن نظرياته موضحا انه لا يمكن تفسير الايات حرفيا ..-
ولكن الهجوم إستمر عليه و على افكاره ..و كما سقط (أرجن السكندرى من قبل بين براثن كهنة روما بسبب رفضة للتفسير الحرفي لكلمات الكتاب المقدس ) سقط جاليليو ليقف أمام محاكم التفتيش سنة 1616.
فشل جاليليو في إقناع المحكمين بعدم منع تداول كتبه وإنتهي بأن سلمه (الكاردينال بيلارمين) امرا بعدم الخوض في مسألة أن ( الارض تدور حول الشمس و ان الشمس ثابتة فى المركز لا تتحرك).
في هذا الوقت حول القرن السابع عشر كانت الجامعات الاوروبية بما في ذلك كامبريدج تعتمد فلسفة أرسطو القائمة على مركزية الأرض في الكون ولكن في نفس الوقت كان يتم تداول أفكار كوبرنيكس و جاليليو .لقد كانت الثورة العلمية في أوجها، و أفكارهم أصبحت معروفة في كل الدوائر الأكاديمية الأوروبية.
بحلول عام 1609 شهدت حياة غاليليو نقطة تحول ، عندما علم بوجود أداة في هولندا تُظهر الأشياء البعيدة كما لو أنها كانت في مكان قريب، وهو جسم اخترعه هولندي بمثابة لعبة أكثر من كونه أداة مراقبة، لذا قام جاليليو على الفوربتقليد نسخة منه ، وقد سمح له ذكاؤه واحترافية مساعده بإتقان تطوير الآلة بسرعة، وفي وقت قصير أصبح لديه تلسكوب يقوم بتكبير الأجسام 20 مرة تقريبا.
بفضل هذا التلسكوب يكتشف جاليليو أن مجرة درب اللبانة تتكون من نجوم كثيرة غير مرئية بالعين المجردة، .. و وجود جبال ووديان على سطح القمر.
وقبل ذلك، رأى 4 أجسام صغيرة تدور حول كوكب المشتري، مثل القمر حول الأرض، مُشكِّلة نظاما شمسيا مصغرا.
و هكذا تأكد جاليليو أن الشمس ثابتة وأن الأرض كوكب يدور حولها ، وهو ما مثل تحولا رئيسيا في الثورة العلمية.
جاليليو الذي بات يقدم نفسه علانية أنه (كوبرنيكي)، أي أنه يدافع عن نظرية كوبرنيكوس، أصبح يشارك في الخلافات العلمية ويجادل في المسائل الدينية.
ففي عام 1613، كتب رسالة إلى أحد الطلاب ليشرح أن نظرية كوبرنيكوس لا تتعارض مع المقاطع التوراتية، مشيرا إلى أن أن العلم يقدم منظورا مختلفا عن الكتاب المقدس .. أكثر دقة.
تم نشر الرسالة على الملأ، فأعلن مستشارو محاكم التفتيش الكنسية أن نظرية كوبرنيكوس هرطقة، وأُمروا جاليليو عام 1616 بالكف عن تبنيها أو تعليمها أو الدفاع عنها بأي شكل من الأشكال.
امتثل جاليليو للأمر لمدة 7 سنوات، لكن في عام 1623 تغير الوضع في الكنيسة، وأصبح أحد أصدقاءه بابا للكنيسة الكاثوليكية ، الذى سمح له بشكل غير رسمي، ودون رفع الحظر المفروض عليه، بمتابعة عمله في علم الفلك بشرط ألا يدافع عن نظرية كوبرنيكوس، مما سمح لجاليليو بنشر ((حوار حول النظامين العالميين الرئيسيين )) عام 1632، دافع فيه عن نظريته التي يؤمن بها.
كان رد فعل الكنيسة سريعا، تم استدعاء جاليليو إلى روما، واستمرت إجراءات التحقيق معه من سبتمبر1632 إلى يوليو 1633، في نهايتها قرر القاضي الكنسي .
أن علي جاليليو التوبة عن افكاره الخاصة بأن الشمس هي المركز و الارض تدور حولها ، وأن القول بأن الشمس ثابته فى مكانها هو (كفر) ... وحكم بسجن جاليليو.. لكن الحكم خفف ليصبح عدم مغادرة منزله .مع منع كتابه (الحوار) و كل كتبه ما نشر منها و ما جارى نشرها .
بحلول عام 1638أصبح جاليليو ..أعمى.. ثم تدهورت صحته . ..وبعد إصابته بالحمى وخفقان القلب توفي في 5 يناير 1642 و هو يهمس لإبنته ((لكنها تدور ))
مع مرور الوقت، لم تستطع الكنيسة إنكار الحقيقة العلمية التي توصل إليها جاليليو ففي عام 1758، رفعت الكنيسة الحظر المفروض على مؤلفاته التي تدعم نظرية كوبرنيكوس، لكنها لم تسقط معارضتها لمركزية الشمس تماما حتى عام 1835.
وفي القرن العشرين، اعترف العديد من الباباوات بالعمل العظيم الذي قام به جاليليو...وفي عام 1992، أعرب البابا يوحنا بولس الثاني في تصريحات رسمية عن أسفه بشأن كيفية تعامل الكنيسة الكاثوليكية مع قضية جاليليو... لتستمر الحياة تقدم العلماء و الفنانين يغيرون و يطورون رغم محاكم التفتيش

5- سيطرت كنيسة القرون الوسطي علي إنتاج الفن .. بمعني الموسيقي ، رسم الأيقونات علي الزجاج المعشق الملون ،النحت، النقوش الزخرفية التي تغطي العناصر المعمارية.( باروك و قوطي) .
و كان الموضوع الرئيسي المحبب للفن هو حياة المسيح، إلى جانب الأشخاص المرتبطين به، بما في ذلك تلاميذه والقديسين والأحداث الدينية المذكورة في الكتاب المقدس. .
الإسلوب كان واقعيا يحتوى علي قليل من التصرف بعيدا عن القواعد التي يتعلمها الفنانون المستجدون في اكاديميات الفنون .
حتي خرجت أوروبا في القرنين السابع عشر و الثامن عشر من ظلمات تلك العصور بسبب ثلاثة عوامل كل منها مترتب علي الأخر و متفاعل معه .
تعديل أساليب الإنتاج و وسائلة ( الإكتشافات الجغرافية و الثورة الصناعية ) أى تغير البناء التحتي الذى تبعه تغير البناء الفوقي (الفلسفة و إسلوب التفكير العلمي) ... ثم تشجيع الفن الحديث بكل مدارسة و فروعة موسيقي رسم نحت أدب مسرح رقص ملابس و بناء .
أحد رواد تطوير الرسم و الخروج من أسر مواضيع و محددات الكنيسة ..كان الرسام الاسباني فرانسيسكو جويا.
قد يكون جويا حول عام 1786 أشهر رسام بورتيريهات بأسبانيا في عصرة و الرسام الاول لملك (تشارلز الثالث ) و عائلتة .. و لكن في الواقع ما جعله من رواد الانتقال بفنه خارج قوانين العصور الوسطي ..كانت رسوماته لدوقة (البا ) و اللوحات السوداء التي رسمها علي جدران منزله.( مرفق واخدة منها )
لقد خرج عام (1796) عن المألوف في عصره وعن القوانين الاكاديمية التي تحرص عليها الكنيسة و القصر (و كأنه يبدع في عصر إخناتون ) جسد بعض مظاهر حياة الدوقة اليومية في لوحات متنوعة أطلق عليها إسم المنطقة التي رسمت فيها اللوحات (شلوقة)
فقد رسمها مثلا إلى جانب ابنتها بالتبني ذات الأصول الإفريقية . أو في وضعيات حميمية خاصة ومنها لوحة عارية تماما(الماجا ) يقال أنها كانت تجسيدا لها و أصبحت البداية لرسومات مشابهة بعد ذلك عندما كانت السيدات الإسبانيات أحد الوسائل المستخدمة بالقرن التاسع عشرفي حروب الحريات وهدم أسلوب التفكير والعادات القديمة فيما يشبه الثورة .
لقد كان من المتعارف علية عدم كشف أقدام السيدات وأن تغطي ملابسهن الأحذية. ولكن جويا رسم في لوحاته سيدات ذات ملابس قصيرة جدا... وهكذا احتلت لوحات (الماجا )مكانة كبيرة لتغيير القيم الأخلاقية و الفكرية للعصور الوسطي.
المشاهد لفيلم جويا (الروسي الصنع) يستطيع أن يفهم الكابوس الذى يعيش فيه الرواد داخل مجتمعات مغلقة ..حيث ((تقل الصحبة وتزداد الغربة و ينعزل الافراد في وحدة تفتقد لحرارة التلاحم )).. و جويا من الذين إنفصموا فكريا وعاطفيا عن مجتمعه .. ثم جسديا بفقده لحاسة السمع ..هذه الوحدة أخرجت لنا ((اللوحات السوداء)).
((14 لوحة رسمها الرسام الأسباني في السنوات الأخيرة من حياته (من 1819 - إلى 1823)، على جدران منزل الرجل الأصم ))
استخدم جويا الألوان الزيتية لرسم اللوحات على جدران غرفتي الطعام والجلوس في منزله، واحتوت الرسومات على مواضيع خيالية كئيبة.كاسرا بها كل قوانين الرسم المتعارف عليها في زمنه
لم تكن اللوحات بتكليف من أحد، ومن المرجح أن جويا لم يكن ينوي عمل معرض خاص بلوحاته السوداء هذه ؛ وإنما رسمها لنفسه..
فهل كانت هذه الرسومات إسقاطا علي محاكم التفتيش التي إستدعته و حاكمته بسبب فنه عام (1815 ).. أم هي تعبيرا عن رفضه لقوى السلطة الارستقراطية .. أم إنعكاسا لخوفة من ما حدث أثناء الحرب الاهلية من فظائع قامت بها القوات الفرنسية المحتلة بعد إرتقاء جوزيف بونابرت العرش الاسباني...
عام 1823 يهاجر جويا إلي فرنسا هربا من ملاحقات محاكم التفتيش وحاشية الملك المضادة لفنه وهناك يستكمل مسارة ورحلته مع الفن و يتوفي عام 1828 عن 82 سنة .. بعد تدهور صحتة.. (( لقد إنفصل عن القطيع ليجد نفسة بعيدا عن مجتمعه .. يعاني من التفرد و التجاهل و عدم الفهم إنها برودة القمم...)).
تاريخ الانسان هو تاريخ للقهر المستمر الذى زاوله البعض من المتحكمين إما بواسطة الملكية و السلاح أو السيطرة بالافكار و الاساطير والتراهات وبث الخوف الدائم من الموت أو السجن أو التعذيب أو فقد أسباب الحياة أو النبذ خارج إطار الجماعة ..
ومع ذلك هناك دائما من عاشوا بإختيارهم يعانون الوحشة من حياة قاسية منفصلة عن عالمهم بسبب حب الاستطلاع وعدم الرضا الذى تمكن منهم وما نتج عنه من سخط علي الاستكانة لما هو مألوف ، فيغيرون من أنفسهم و مجتمعهم و يتقدمون بحياة الانسان إلي افاق غير مطروقة يخطون خطوة أو خطوات في سبيل تحقيق قدرة البشرعلي فهم و تطويع الطبيعة والحياة لتصبح صديقا

6- قواعد جماليات esthetics فنون عصر النهضة التي وضحت في رسومات (الفريسك ) علي حوائط و اسقف الكنائس و قصور فلورنسا .. تحكي عن قصص دينية يطلبها الباباوات .. أو موضوعات كلاسيكية ( ولادة فينوس ، مدرسة أثينا و عذراء الصخور )..
و قواعد الرسم التي علمها اليوناردو دافنشي لجيله والإعتناء بتفاصيل وكمال أعمال مايكل أنجلو ((تمثال موسي أو لوحة خلق أدم )).. تغيرت كلها ... في منتصف القرن التاسع عشر و بداية العشرين .. لقد هجر الفنانون كل عناصر العمل الفني القديمة و غيروا ( الموضوع ..و الشكل .. و المادة المستخدمة.) في أعمالهم .
بدأت التعديلات ..بتجنب الفن المحبوس في الإستديوهات و القصور ..و الخروج إلي الطبيعة و نقلها (مانية و ديلاكروا ) من رواد هذه المدرسة .
ثم تحول ( مونية و رنوار و إيدجار ديجا ) للتأثيرية .. ترى اللوحة من بعيد ..فإذا إقتربت تفقد معالمها كما لو كانت مضببه أو كان الرسام يعاني من مشاكل في النظر ..
ثم مع الكشوف الإستعمارية و إحضار وحدات من الفن البدائي و فك رموز لغات قديمة إتجه بعض الرسامين إلي تقليد الفن الوحشي (ماتيس وهنرى روسو ) و منهم جوجان الذى سافر وعاش في جزر تاهيتي و تأثر بفنها ..
ثم جاءت بسرعة التعبيرية (مونش ) و التكعيبية ( بيكاسو ) و الداديزم و السريالية ( سلفادور دالي )..و فن التجريد الهندسي ( موندريان ) و من المدارس المعاصرة فن الخداع البصرى والزخرفة و غيرها.
لقد غير الفنان موضوع العمل الفني ..و طور الأشكال ورسم أعضاء الجسد بنسب قد لا تكون واقعية .. و إستخدم الوان ومواد لم تستخدم من قبل زودته بها التكنولوجيا.
في كل حالات الفن الحديث و المعاصر نتابع تيمة كسر المألوف و خلق عوالم جديدة ..كما نلاحظ أن الحياة لم تكن صديقة لهؤلاء المتفردين كانت لا تراهم إلا بعد أن يسرى سحرهم في عروق المجتمعات و الناس .. ..فتحتفي بهم .
أحد هؤلاء المجددين الذين كلما تأملت منسوخات أعماله أجد فيها جانب غير مكشوف من نفسي .. الرسام نصف المجنون ..صاحب لوحة ((_Road_with_Cypress_and_Star))
منذ اليوم الأول الذى رأيت فيها لوحاته .. فتنت بأعماله.. الفنان الهولندى فان جوخ من مواليد (30 مارس 1853 ) الذى كسر كل القواعد المتعارف عليها في زمنه ليصبح هو القاعدة ..
هذا الرجل لم يكن مفهوما في زمنه لذلك لم يبع في حياتة لوحة واحدة و من أهداه منها أهملها حتي أصبحت تباع بملايين الجنيهات فأخرجوها من السندرة أو المخزن بعد وفاته ليكسبوا منها و يحوز التجار و السماسرة بسببها ثروات ..
أما هو فقد مات منتحرا عن 37 سنة في مستشفي للأمراض العقلية وحيدا يعاني من برودة القمم .و لم يبق من ذكره إلا مائة لوحة . ( اكلوا البطاطس ))..(( زهور عباد الشمس )) .. ((حجرة نومه)).. (( صورة الشخصية )) ..و(( ليلة النجوم )) و غيرها من اللوحات التي إستخدم فيها الوان صارخة . أصفر أزرق أحمر. بإسلوب متميز .. خارج كل ألاصول المتعارف عليها في زمنه .متجاهلا قواعد تجسيدات المنظور
هناك ثلاثة أشخاص أثروا في حياة الفنان .. أحدها أخوه تاجر اللوحات الفنية الذى مول أعماله و أنفق علية (( عزيزى ثيو.. إلى أين تمضى الحياة بى؟ ما الذى يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة، إننى أتعفن مللا لولا ريشتى وألوانى هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد، كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن، ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطا وألوانا جديدة، غير تلك التى يتعثر بصرنا بها كل يوم.))
((كل الألوان القديمة لها بريق حزين فى قلبي، هل هى كذلك فى الطبيعة أم أن عينى مريضتان؟ ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها... فى قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة أريد لألوانى أن تظهرها، فى الحقول ..الغربان وسنابل القمح بأعناقها الملوية. وحتى حذاء الفلاح الذى يرشح بؤسا ثمة فرح ما أريد أن أقبض عليه بواسطة اللون والحركة... للأشياء القبيحة خصوصية فنية قد لا نجدها فى الأشياء الجميلة وعين الفنان لا تخطئ ذلك))
و الثاني كان الفنان جوجان الذى ذهب إلى (آرلى) بجنوب فرنسا وهو مفلساً ليعيش مع فان جوخ علي أمل أن يساعد هذا التعس نصف المجنون، فكاد ان يقتله
عاش الرجلان معاً أول الأمر فى سلام. وكان جوجان ينظف المنزل ويطهو الطعام وساعد فان جوخ على تنظيم أوقاته كما ساعده فى رسوماته، لكن أمزجة الصديقين وآراءهما كانت متعارضة تماماً، وأخيراً عندما أعلن الضيف أنه مضطر للرحيل .. كان فى ذلك ما دفع فان جوخ، إلى حافة الجنون.
والثالثة فتاة البار التي أبدت إعجابها بأذنه فقطعها و أرسلها لها كهدية ..(( اليوم رسمت صورتى الشخصية ففى كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسي:أيها الوجه المكرر، يا وجه فانسنت القبيح، لماذا لا تتجدد؟... أبصق فى المرآة وأخرج...
اليوم قمت بتشكيل وجهى من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون..عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر ولحية كألسنة النار.
كانت الأذن فى اللوحة ناشزة لا حاجة بى إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط علي، بين رأسى خارج اللوحة وداخلها... حسنا ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟.
أرسلتها إلى المرأة التى لم تعرف قيمتى وظننت أنى أحبها.. لا بأس فلتجتمع الزوائد مع بعضها.. إليك أذنى أيتها المرأة الثرثارة، تحدثى إليها... الآن أستطيع أن أسمع وأرى بأصابعي. بل إن إصبعى السادس (الفرشة) لتستطيع أكثر من ذلك: إنها ترقص وتداعب بشرة اللوحة...)) .
و إنتهت حياة الفنان يعد أن أطلق علي نفسة رصاصتين .. (( إعترف فان خوخ أنه كان في طريقه إلى حقل القمح حيث كان يرسم مؤخراً خلال فترة ما بعد الظهر، و أنه أطلق النار على نفسه. وعاد إلي النزل في المساء بعد محاولات فاشلة للعثور على المسدس لإكمال الفعل .. لكنه لم ينجح)) ..و توفي 29 يوليو 1890.
((أجلس متأملاً : لقد شاخ العالم وكثرت تجاعيده وبدأ وجه اللوحة يسترخى أكثر... آه يا إلهى ماذا باستطاعتى أن أفعل قبل أن يهبط الليل فوق برج الروح؟ الفرشاة. الألوان. و... بسرعة أتداركه: ضربات مستقيمة وقصيرة. حادة ورشيقة..ألوانى واضحة وبدائية. أصفر أزرق أحمر.. أريد أن أعيد الأشياء إلى عفويتها كما لو أن العالم قد خرج تواً من بيضته الكونية الأولى))
إيه الجمال دة ..رجل ساحر .. يأسر من يحتك بأعماله تحت عباءة الصدق .. تتمني أن تعيش معها في مكان لا توجد به حكومة أو نقود أو قانون أو بوليس أوجيوش أو رجال دين أو مدارس.. ينعم فيه البشر بكونهم ناس .. فلاسفة أنقياء محبين .. قادرين علي إدارة حياتهم دون عنف .. و تطوير قدراتهم لتقترب .. من قدرات أرباب الأولمب الخوالد .

7- زارت إيزادورا روسيا القيصرية عام 1905 وهي تروى أنها دخلت سانت بطرس بورج عندما كانت العربات تحمل نعوش ضحايا ( الأحد الدامي ) بعد أن أمر القيصر جيشه وخيالة القوازق بإطلاق النار علي مسيرة عمالية مسالمة ترفع الصلبان و الأيقونات المقدسة مطالبين بطعام لأبنائهم . .فقتلوا ما لا يقل عن الف منهم .
إيزادورا كتبت في مذكراتها (( Isadora speaks )) .. ((باستنكارٍ لا حدود له شاهدتُ هؤلاء العمّالَ الفقراء المكلومين يحملون شهداءهم... لو أنّي لم أرَ ذلك المشهد، لكانت كلّ حياتي مختلفة... إزاء تلك المأساة، قرّرُت أن أنذر نفسي وقواي لخدمة الشعب والمسحوقين)).
هذا المشهد تكرر في أماكن كثيرة من العالم .. و تعامل معه البعض بإمتعاض .. أو غضب .. و قد يكون قد أدى للإحتجاج .. و لكنه لم يغير حياة الناس كما فعل مع هذه الراقصة الرائعة .
تعرفت علي إيزادورا عن طريق الممثلة ( فانيسا ريدغريف ) التي قامت بدورها في فيلم معنون يإسمها .. و إستطاعت ببراعة أن تعيد الحياة إلي واحدة من أساطير فن الرقص الحديث .. كانت ترى أن رقصها هو كفاح علي طريق تحرر المرأة و أن الحرية تعني لها ((حريتها في التصرف بجسدها.))
(( تطلّعتْ إلى ولادة امرأة جديدة أرفع مجداً من أيّ امرأة وُجدتْ من قبلُ وأرقى ذكاءً في جسدٍ هو الأوفر تمتّعاً بالحرّيّة)).
ولدت إيزادورا قرب نهاية القرن التاسع عشر (عام ١٨٧٧) في حي فقير من أحياء سان فرانسيسكو ،و افترق والديها مبكرا فعاشت هي و أخواتها الثلاثة مع أمهم مدرسة الموسيقي
إيزادورا كانت متمردة منذ بداية حياتها .. فقد ضاقت بالمدرسة الكاثوليكية الصارمة التي كانت تتعلم فيها و جذبها الرقص ..فهجرتها وسافرت إلي نيويورك حيث عملت كراقصة علي مسارحها .
لم تهوى إيزادورا البالية .. كانت تراه يقيد الجسد البشرى (( أداة التعبير )) علي المسرح بملابس غير مريحة .. و حركات مصطنعة .لذلك عملت علي تطوير الرقصات مستوحية إياها من الأساطير و العبادات و المسرحيات الإغريقية ..
كانت ترقص حافية القدمين و أحيانا عارية أو مغطاه بغلالة رقيقة أو بأزياء مستوحاه من الملابس الإغريقية أو الرومانية .. وكانت تفضل الرقص في الهواء الطلق ..و تختار موسيقاها بنفسها من الحان كبار مؤلفي الموسيقي الكلاسيكية .
و هكذا إستقبلت إيزادورا إنتصار البلاشفة في روسيا بحماس شديد .. و جذبها إسلوبهم في إدارة الإتحاد السوفيتي .. فقررت أن تعيش هناك
((رأيتْ في انتصار الثورة الاشتراكيّة في روسيا ما هو أبعد من مجرّد تطبيقٍ لحلم ماركس، وجدتْ فيه تحقيقاً للنّبوءات المشتركة لأفلاطون ونيتشه والمسيح)).
إيزادورا نتيجة لحماسها للمجتمع الإشتراكي الجديد أسست مدرسة للرقص في موسكو تدرس لأطفال البروليتاريا ( 1000 طالب و طالبة ) وتمنحهم الفرح و الحماس وترق بإحساسهم بالجمال من خلال حركات الجسد الطليقة الحرّة.
((لا أريد المال مقابل عملي. أريد مشْغلاً وبيتاً لي ولطلّابي، طعاماً بسيطاً، أرديةً بسيطة والفرصة لأن نقدم افضل ما نستطيعه من عمَل. سئمتُ الفنّ التجاريّ البرجوازيّ. سئمتُ المسرح الحديث الأشبه ببيت دعارةٍ منه بمحرابٍ فنّي)) ... (( أريد أن أرقص من أجل الجماهير، للشّعب الذي يحتاج إلى فنّي ولم يكن لديه المالُ الكافي لمشاهدتي...)) .
في خريف ١٩٢١ إفتتحت إيزادورا مدرستها تحت شعار ((الرّوح الحرّة لا تكون إلّا في الجسد المتحرّر)). و((قدّمت استعراضاً راقصاً على مسرح بولشوي في الذكرى الرابعة للثورة. وقد شارك في العرض ١٥٠ راقصة وراقصاً من طلّاب المدرسة.
وفي ٢٣ نوفمبر من ذلك العام نشرتْ مقالاً في (إزفستيا) تتبنّى فيه شعار (الفنّ للجماهير)، وهو الشعار الذى كان سائدا حينها بين قطاع واسعٍ من الإنتلجنسيا الروسيّة. وكرّرتْ رأيها القائل إنّ رقص الباليه بقواعده الصارمة لم يعدْ مناسباً لنبَض الحياة الجديدة، مؤْثرةً عليه الرّقص الحرّ والطبيعيّ))
توفت إيزادورا دانكان في ١٤ سبتمبر ١٩٢٧ إثر حادثٍ مؤسفٍ ((عندما اختنقتْ حين التفّ شالها حَول عجَلات سيارة كانت تقلّها برفقة أحد المعجَبين. وعند وفاتها ((كانت قد أنجزَت كتابةَ سيرتها وباشرت العملَ على أخرى عن إقامتها في الاتحاد السوفياتيّ.))
إيزادورا قضت حياتها القصيرة ، 50 عاما ..(27 مايو 1877 - 14 سبتمبر، 1927) تقيم عروضا فنية نالت استحسانا وإعجابا من الجماهير في جميع أنحاء أوروبا وكانت البداية للبالية الاوروبي الحديث ..
وأدارت مدارس للرقص سواء في الاتحاد السوفيتي شديد الفقر حيث وضعت أساسات التفوق السوفيتي في هذا الفن أوفي أوروبا المترفة لتخرج أجيالا محبة و متقنه له.
من لم يشاهد الفيلم الذى صنع لتوثيق حياتها فاته الكثير .
شابة متفجرة الحيوية .. رافضة لقوانين مجتمعها الامريكي .. مستمتعة بالتعبير عن مشاعرها بواسطة الرقص .. كاسرة كل القواعد المتعارف عليها حتي في علاقتها بالجنس الاخر .. مضحية في سبيل توصيل رسالتها بأمريكيتها .. و براحتها .. فتعيش تدرب أبناء الفقراء ليصبحوا فنانين ..
ثم تعاني الوحدة و برودة القمم في فرنسا رغم كل ما يحيطها من إمكانيات أوروبا وتموت بصورة درامية غير متكررة

8- إقتربنا من نهاية الحكي عن هؤلاء النجوم الذين ((عانوا من برودة القمم ،إفتقدوا الصحبة ، عاشوا الغربة و إنعزلوا في وحدة تفتقد لحرارة التلاحم )) .
و لا أستطيع أن أغادر قبل أن أقص عن ذلك الفيلسوف الألماني ( البروسي ) الذى عاش مطاردا من مجتمعات أوروبا القرن التاسع عشر لنشاطه السياسي و الفكرى . ينتقل من برلين لباريس لبروكسل ثم يعود لباريس ويرحل للندن ليستقر هناك حتي النهاية .
لقد كان يرى أن مهمته في الحياة هي تغييرهذا العالم أو كما كتبوا علي قبره في لندن (( لم يقم الفلاسفة سوى بتفسير العالم بطرق مختلفة لكن المهمة هي تغييره)).
كان كارل هاينريش واحدا من تسعة أطفال في عائلة هاينريش وهنريتا ماركس. ولد في 5 مايو 1818، وكان والده محاميا يتبنى نظرة تقدمية نسبياً، يقرأ (كانت وفولتير)،.و كانت الأسرة ميسورة الأحوال. فلم يتعرض للفقر أو الحرمان خلال طفولته أو شبابه المبكر، رغم أنه عانى كثيرا في حياته اللاحقة.
كان الوالدان يهوديين، لكن تحول الأب إلى المسيحية. ربما بسبب قانون يحظر إنضمام اليهود للمجتمع البروسي الراقي .
بعد المدرسة الأساسية ، إنضم ماركس إلى الجامعة في برلين ، حيث درس القانون، ثم التاريخ والفلسفة فوقع تحت تأثير سحر (ديالكتيك ) الفيلسوف العظيم هيجل، و كان يرى أن تحت قشرته (المثالية ) مضامين أعمق
كما تأثر ماركس بأفكار لودفيج فورباخ المادية رغم إعتراضة علي( ميكانيكيتها ).. لذلك جمع ببراعة بين المادية و الديالكتيك لإنتاج فلسفة ثورية مختلفة تماما.
و هكذا عندما يذكر إسم كارل ماركس فإنه يرتبط (بالمادية الجدلية و المادية التاريخية ) ثم بالبيان الشيوعي و مقولة ((يا عمال العالم إتحدوا )) و بكتاب رأس المال الذى أنهي الجزء الأول منه ..و مات قبل أن يكمل الجزئين التاليين .. فجمعهما و أصدرهما .. صديقة و زميلة إنجلز .
أساس الفلسفة المادية ان الفكر هو نتاج المادة .. و المادة ليست نتاج الفكر، ففكر الإنسان ما هو إلا تفاعل مادي داخل عقله .. في حين أن الإنسان نفسه لم يوجد نتيجة فكر مسبق..بل تطور مادى .
الماديون يعتمدون على الأبحاث العلمية التي تنفي زوال المادة او إستحداثها من عدم ،المادة موجودة بشكل مستقل عن وعي الإنسان ويعرفون المادة بأنها كل ما تدركه الحواس الخمسة .
المادية الجدلية هي مادية بكل ما تعني الكلمة من معنى .. لكنها تؤمن بالتطور(بالتغير ) وفق قوانين الدياليكتيك الثلاثة ((نفي النفي ،وحدة وصراع المتناقضات ،تحول الكم إلى كيف)).
وان ما يسمية البناء الفوقي أى الأنظمة السياسية، القيم الاجتماعية، والأديان، هي انعكاس للواقع الطبقي والمادي المعاش
سواء كنت تتفق مع كارل ماركس أو لا، فإنه قد قام بلا شك بثورة عظيمة في الفكر الإنساني وبالتالي غير مجرى التاريخ بأكمله.. ويستحق أن ينتمي إلى كوكبة المفكرين العظماء الذين أثروا حياة البشر .
بكلمات أخرى .((.تشكل اكتشافات ماركس في مجال الفلسفة والتاريخ والاقتصاد السياسي منجزات ضخمة. وحتى لو كان كل ما قام به خلال حياته هو الجزء الأول من رأس المال، فإن ذلك سيكون في حد ذاته إنجازا عظيما.))
لكن ماركس لم يكن مجرد مفكر، لقد كان إنسانا عمليا، ثوريا كرس حياته كلها للنضال من أجل قضية الطبقة العاملة .. وفهم الاشتراكية العلمية .
في خريف 1843، انتقل إبن ال25 سنة إلى باريس لإصدار صحيفة راديكالية في الخارج... في ذلك الوقت كانت رياح الثورة قد بدأت تهب بقوة في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة في باريس. (التي لم تكن المرة الأولي أو الأخيرة لها أن تحتضن ثورة علمية ثقافية و حراك سياسي أوروبي ) و بذلك تمكن من الاتصال بمجموعات منظمة من العمال المهاجرين الألمان و تيارات مختلفة من الاشتراكيين الفرنسيين.
ماركس لم يصدر سوى عدد واحد من تلك الجريدة (دويتشه فرانسيتش جاربوشر)، و توقف نشرها بسبب صعوبة توزيعها سرا في ألمانيا.
و لكن .. في ذلك الوقت تقريبا، ، جاء شاب يصغره بثلاث سنوات .. يدعى فريدريك إنجلز إلى باريس لبضعة أيام للعمل في نفس الصحيفة، فصار أقرب صديق ورفيق لماركس. و أصبح الاسمان (ماركس وإنجلز) مرتبطين بشكل وثيق وكأنهما لشخص واحد.
خلال الفترة التي قضاها في باريس، من أكتوبر 1843 حتى يناير 1845، انخرط ماركس في دراسة مكثفة للاقتصاد السياسي، والتهم أعمال آدم سميث وديفيد ريكاردو وجيمس ستيوارت ميل، وكذلك أعمال الاشتراكيين الطوباويين الفرنسيين كسان سيمون وفورييه. وهناك بدأ يتشكل جنين اكتشافاته المستقبلية في مجال الاقتصاد.
سرعان ما لفتت أنشطة ماركس الثورية انتباه الحكومة في برلين. وطالبت السلطات الفرنسية باتخاذ إجراء ضده، فانتقل بنشاطة السياسي إلى بروكسل.
في أبريل 1845، لحق إنجلز به في بروكسل. وفي عام 1846، كتب ماركس وإنجلز ((الأيديولوجيا الألمانية)) ، حيث طورا لأول مرة نظرية المادية التاريخية.
ثم خاضا صراعا لا هوادة فيه ضد الأفكار المشوشة لاشتراكية البرجوازية الصغيرة، وسعيا جاهدين لوضع أفكار الاشتراكية على أساس علمي في الكتاب الذي تم نشره عام 1847 تحت عنوان (بؤس الفلسفة)، ... لقد اعتنق ماركس أخيرا فكرة الاشتراكية باعتبارها الحل الوحيد لمشاكل البشرية.
في بداية عام 1846 ، إنضما إلي (الرابطة الشيوعية)، وخلال المؤتمر الثاني للحزب الذي عقد في لندن في نوفمبر 1847، تم تكليف ماركس وإنجلز بإصدار وثيقة أصبحت تعرف باسم البيان الشيوعي. و نُشرت عام 1848.
صدرت تلك الوثيقة بالغة الأهمية في أفضل توقيت فسرعان ما اندلعت موجة قوية من الثورات العمالية في جميع أنحاء أوروبا..
إنتقل ماركس بعد ذلك إلي لندن .. وجد عملا كمراسل لصحيفة نيويورك ديلي تريبيون، وهو التعاون الذي استمر عشر سنوات من 1852 إلى 1862. ومع ذلك لم يكن قادرا على كسب أجر كاف لإعالة عائلته ...ليعيش في ظروف من الفقر المدقع في شقة من ثلاث غرف في حي سوهو بلندن. مع زوجته جيني وأربعة أطفال، تبعهم ثلاثة آخرين. لكن من بين هؤلاء لم ينج من الموت رضيعا غير ثلاثة فقط.
في رسالة بعثها إلى فريدريك إنجلز في يونيو 1854 كتب ماركس بضجر: ((طوبى لمن ليست لديه عائلة)).
كان في السادسة والثلاثين من عمره في ذلك الوقت وكان قد فقد الاتصال بأقاربه منذ فترة طويلة وكان والده قد توفي وعلاقته مع والدته سيئة.ولم يتمكن ماركس وعائلته من البقاء على قيد الحياة إلا بفضل كرم صديقه فريدريك إنجلز.
ثم حدث تحول في الوضع ففي عام 1864، تأسست الرابطة الأممية للعمال ( المعروفة باسم الأممية الأولى).. وكان ماركس قلب وروح هذه المنظمة، ومؤلف أول خطاب لها ومجموعة من القرارات والإعلانات والبيانات.
كرس الكثير من وقته خلال السنوات القليلة اللاحقة للحفاظ على استمرارية عمل الأممية. وحافظ على اتصالات واسعة مع منظمات العمال في العديد من البلدان، بما في ذلك روسيا.
و لكن الموضوع لم يكن بسيطا هكذا.. فقد اضطرا ( هو و إنجلز ) إلى خوض نضال لا هوادة فيه ضد جميع أنواع الانحرافات البرجوازية الصغيرة داخل صفوف الأممية.. و رغم أنه في النهاية نجح في كسب الصراع الأيديولوجي، إلا أن الظروف التي كانت تتشكل فيها قوى الأممية الفتية تحولت في اتجاه غير موات بعد هزيمة كوميونة باريس .
عام 1867، نشر المجلد الأول من رأس المال، وأمضى بقية حياته في كتابة ومراجعة مسودات مجلدات لم تنشر، ظلت غير مكتملة حتي وقت وفاته. ثم قام إنجلز بعمل شاق جدا في تجميع المجلدين المتبقيين وتحريرهما ونشرهما.
توفي كارل ماركس، في لندن في 14 مارس 1883..عن 65 سنة .. ويحمل القبر الجديد، الذي أزيح الستار عنه في 14 مارس 1956 نقشا كتب عليه: ((يا عمال العالم اتحدوا!)) .. والعبارة المقتطفة من مقالة حول فورباخ: ((لم يقم الفلاسفة سوى بتفسير العالم بطرق مختلفة. لكن المهمة هي تغييره)).
أنهي هذه الجولة الطويلة.. دون الحديث عن موتسارت و نيتشة ودارون و جمال حمدان و الاف غيرهم أملا ألا أكون قد تسببت لكم بما جاء في سفر الجامعه من غم وحزن ..لمن يعرف أكثر .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذوة الثورة كامنة لم تخمد تحت ركام الخوف
- مضي قرنين .. هل تعلمنا الهيروغليفية
- فلنعيد كتابة التاريخ العالم تغير
- حامد كان أكثروعيا ..فهاجر
- حوار حول هل نستقبل الغزاوية في مصر
- عبد الناصر بعد الهزيمة
- صعود و سقوط الطبقة الوسطي
- حروب مصر بدأت في فلسطين 1948
- عندما تحيا مصر لثلاث مرات
- عاد مجتمع ال2%
- الدكتور المهندس مصطفي مدبولي
- الإنقلابات العسكرية سبب بلوانا
- نتعاطف .. لكن لن نحارب
- حولوها لحرب ضد المسلمين
- نعوش أطفال غزة.. جرس إنذار
- عصر جليدى مصغر
- لمحات من تاريخ الصراع في فلسطين
- كلام في الحرب بمناسبة 6 أكتوبر
- (جولدا )..و حرب أكتوبر
- لم يشرق بعد فجر الرجاء


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين يونس - صلاة في محراب العبقرية